كارنيجي: تخارج الحكومة المصرية من الاقتصاد يقاومه الجيش وجماعات المصالح.. والارتباك مستمر

في الجمعة ١٢ - مايو - ٢٠٢٣ ١٢:٠٠ صباحاً

اعتبر يزيد صايغ، الباحث بمركز "كارنيجي" للشرق الأوسط، أن خطط الحكومة المصرية لإعادة ترسيم دور و"حدود الدولة في الاقتصاد الوطني" بهدف تعزيز دور القطاع الخاص، والتي تبلورت إلى "وثيقة سياسة ملكية الدولة" لا تزال يشوبها – عمليا – الكثير من الارتباك على مستوى السياسات، يغذيها افتقار الحكومة إلى استراتيجية حقيقية أو "إرادة سياسية" كفيلة بالوقوف في وجه "جماعات المصالح الراسخة" التي عطّلت عمليات الخصخصة السابقة.

وكان صندوق النقد الدولي قد دعا القاهرة في عام 2021 إلى "تحقيق مركزية ملكية الدولة في كيان واحد"، والخروج من باقي الاقتصاد، وهو الأمر الذي تباطأت السلطات في تنفيذه، بحسب الباحث، غير أن الأزمة المالية والاقتصادية الحادة التي عصفت بمصر في أوائل العام 2022 أدّت إلى تسليط الضوء على هذه القضايا بشكل غير مسبوق.

ووفقا لـ صايغ، فإن تزامن تصديق الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي على الصيغة النهائية من وثيقة سياسة ملكية الدولة في ديسمبر/كانون الأول الماضي مع المحادثات التي كانت تجريها الحكومة مع صندوق النقد الدولي بشأن حصولها على قرض جديد من الصندوق، هو الرابع الذي تحصل عليه مصر منذ العام 2016، يشير إلى أن الإعلان عن السياسة الجديدة كان هدفه، جزئيًا على الأقل، تحسين العلاقات العامة.

ويرى الباحث أن التوجّه الفعلي لسياسة ملكية الدولة وتأثيرها لا يزالان موضع شك، ويشي بأنها ليست سوى واحد من بين أطر سياساتية اقتصادية عدة أعلنت عنها الحكومة خلال فترة لا تتعدّى العشرة أشهر، وأنها تفتقر إلى الاتساق السياساتي، وربما إلى الالتزام أيضًا.

ويدلل صايغ على ذلك بالقول إنه في أعقاب إصدار مسودّة هذه الوثيقة في يونيو/حزيران 2022، غابت هذه المبادرة بالكامل عن التداول العلني، ولم يظهر أي دليل يُذكر على إجراء تحضيرات سياسية في أوساط المجموعات الاقتصادية والاجتماعية الأساسية – سواء أكانت قطاع الأعمال أو العمّال أو موظّفي الدولة – لتأييد إحداث التغييرات المنشودة بمثل هذا الحجم والاتساع.

وقد صوّرت الحكومة المؤتمر الاقتصادي الذي عقدته في أواخر أكتوبر/تشرين الأول الماضي على أنه يختتم مشاوراتها بشأن مسودّة سياسة ملكية الدولة، لكن في نهاية الأمر، لم يجرِ سوى القليل من النقاش حول سياسة ملكية الدولة في هذا المؤتمر الذي دامت فعالياته ثلاثة أيام، وتخلّلته بدلًا من ذلك مداخلات طويلة من رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء.

ويشير التقرير إلى أن الحكومة لا يوجد أمامها حل الآن سوى بيع الحصص في الشركات المملوكة للدولة والمدرّة للربح الوسيلة الوحيدة أمام الحكومة لتأمين رأس المال الذي تشتدّ الحاجة إليه، لكن ذلك من شأنه أن يحرمها من بعض العائدات المضمونة، وهو ما يمثل عقبة أمام التنفيذ، بسبب عدم الرغبة الكاملة من الحكومة في التساوق مع هذا السيناريو.

ويقول صايغ إن انحياز إدارة السيسي المفرط نحو القطاعات غير القابلة للتداول (أي غير السلعية وغير القابلة للتصدير) قد قوّض على نحو أكبر زيادة الإنتاجية والرِبحية في القطاعات القابلة للتداول، وساهم في تعميق الشرخ بين حاجة البلاد إلى رأس المال الاستثماري وقدرة الاقتصاد على توليده.

وقد أعاقت بالفعل تلك التأجيلات والانسحابات مسار المفاوضات مع "المستثمرين الاستراتيجيين" من بين شركاء مصر وحلفائها في الخليج.

ويؤكد الباحث أن اتّباع استراتيجية منقسمة تُطبَّق على الهيئات المدنية المملوكة للدولة فحسب، فيما تمنح إعفاءات للهيئات العسكري، وتمنح إعفاءات للهيئات العسكرية (سواء بحكم القانون أو بحكم الواقع)، سيحول دون تعزيز دور القطاع الخاص، وهو ما تزعم سياسة ملكية الدولة أنها تسعى إلى تحقيقه.

ويخلص يزيد صايغ، في التقرير، إلى أن وثيقة سياسة ملكية الدولة، رغم العيوب والتناقضات التي تشوب تطبيقها، لا تبدو كافية أساسًا لحلّ الأزمة التي تتخبّط فيها مصر، إذ إن المشكلة الحقيقية ترتبط بالنية والمصداقية.

ويردف: "السؤال الذي يطرح نفسه: إلى أي مدى تملك الحكومة المصرية فعليًا الإرادة لتطبيق بنود مذكرة السياسات الاقتصادية والمالية، أو بالأحرى، وهذا ليس أقلّ مدعاةً للقلق، ما مدى قدرتها على ذلك، في مواجهة أفرقاء نافذين سياسيًا ومترسّخين في مواقعهم، ومن ضمنهم رئيس الجمهورية والمؤسسة العسكرية الناشطة اقتصاديًا؟".
اجمالي القراءات 284