أوروبا وتحولات أفريقيا

في الثلاثاء ٠٧ - مارس - ٢٠٢٣ ١٢:٠٠ صباحاً

أوروبا وتحولات أفريقيا

تتنافس دول عظمى كالصين وروسيا على ثروات القارة مع إمبراطوريات قديمة كفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة.

تسعى الدول الافريقية إلى كسر الصورة النمطية القديمة عنها عبر محاولات النهوض الاقتصادي والاستقلال السياسي.

تحاول دول إفريقيا تجاوز التبعية للقوى الأوروبية والتعويل على قوى منافسة للانعتاق من التخلف والارتهان للقرار الأوروبي اقتصاديًا أو ماليًا أو سياسيًا.

لا يقتصر صراع دول أوروبا مع الصين وروسيا على الاقتصاد ولا على قارة أوروبا في حرب أوكرانيا بل حاضر بقلب مجال أوروبا الحيوي في ساحل إفريقيا.

أفريقيا مفخخة بصراعات إثنية تحتاج أجيالا لتجاوزها وبناء نسق حضاري واجتماعي جديد بينما روسيا والصين لا تختلف أطماعها التوسعية عن أطماع دول أوروبا.

* * *

تعرف قارة أفريقيا تحولات متسارعة بعد عقود من الانقلابات والحروب الأهلية والنزاعات المسلحة التي لا تزال تعصف ببعض الدول هناك.

لكن المتأمل في الشأن الافريقي يلحظ، من جهة، تنافس الدول العظمى على ثروات القارة كالصين وروسيا إلى جانب الامبراطوريات القديمة كفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة.

كما يظهر، من جهة ثانية، سعى الدول الافريقية إلى كسر الصورة النمطية القديمة عنها عبر محاولات النهوض الاقتصادي والاستقلال السياسي.

تطرح هذه التحولات تحديات كبيرة على الجوار المباشر وخاصة على دول الاتحاد الأوروبي التي تراقب بحذر شديد تنامي الحضور الروسي العسكري والاقتصادي في دول جنوب الصحراء وخاصة دول الساحل التي تحولت إلى مجال للصراع المباشر بين روسيا والصين من جهة والدول الأوروبية من جهة ثانية.

تعتبر الدول الأوروبية وفي مقدمتها فرنسا أن صراعها مع الصين وروسيا لا يقتصر على المجال الاقتصادي ولا على القارة الأوروبية من خلال الحرب الروسية الأوكرانية بل إنه حاضر في قلب المجال الحيوي لأوروبا ممثلا في دول الساحل الافريقي خاصة.

لا تستطيع أوروبا مواجهة القدرات الصينية والروسية بشكل مباشر وسط تصاعد مشاعر العداء للقوى الأوروبية في القارة السمراء بسبب الماضي الاستعماري لها في القارة لكنها تعمل على تقليل الخسائر والحد من النزيف وسط أوضاع اقتصادية حادة تحتاج فيها إلى التزود بالمواد الأولية.

لذا تعمل على تفعيل شبكاتها السياسية والدبلوماسية كي لا تُنهي مرحلة السيطرة غير المباشرة على عدد من دول القارة التي تعتبرها إلى اليوم حديقتها الخلفية وسوقا لموادها الصناعية.

لكن على الجبهة المقابلة لا يخفى سعي عدد من الدول الافريقية إلى محاولة تجاوز حالة التبعية للقوى الأوروبية ومحاولة التعويل على القوى المنافسة في سبيل الانعتاق من حالة التخلف والارتهان للقرار الأوروبي سواء على مستوى الاقتصاد أو المالية أو على مستوى القرار السياسي.

صحيح أن الانجازات ليست بالكبيرة لكنها كذلك إنجازات تُذكر باعتبار كونها مقدمة لمسارات طويلة ستحقق حتما للقارة السمراء مستقبلا مختلفا عن أطوار التبعية السابقة.

هذه التحولات تبقى رغم ذلك محكومة بالسياقات الدولية من جهة وبتراكمات الماضي الاستعماري من جهة ثانية وهو ما سيجعل مسار الدول الافريقية نحو الاستقلال الحقيقي مسارا طويلا وشاقا.

فأفريقيا قارة مفخخة بالصراعات القبلية وبالنزعات الطائفية التي تحتاج عقودا وأجيالا من أجل تجاوزها وبناء نسق حضاري واجتماعي جديد خاصة وأن الدول القادمة حديثا وخاصة روسيا والصين لا تختلف كثيرا في أطماعها التوسعية عن أطماع الدول الأوروبية.

*د. محمد هنيد أستاذ العلاقات الدولية بجامعة السوربون، باريس
اجمالي القراءات 473