هكذا يمكن للصداقة السامة أن تدمر حياتك.. وهكذا يمكنك الحد منها

في الثلاثاء ١٠ - يناير - ٢٠٢٣ ١٢:٠٠ صباحاً

ليندا هي مُحررة صحفية مرّت بأزمة قاسية حينما بدأت علاقة بصديقتها المُقربة تتحول بشكل سلبي، تقول إن صديقتها المقربة منذ سنوات عديدة كانت ممثلة شابة، كانتا مختلفتين تماما من نواحٍ متعددة، لكنهما اهتمتا بشدة ببعضهما بعضا، تحدثتا كثيرا حتى وقت متأخر من الليل وضحكتا معا كثيرا.

جاء التغيير في ديناميات علاقة ليندا بصديقتها تدريجيا، فمع نمو حساب صديقة ليندا المصرفي وشرائها منزلا أجمل من منزلها الأول، بدأت في الإدلاء بتعليقات لاذعة حول "الإستوديو" الصغير الذي تعيش به ليندا ومواردها المالية المتواضعة. تقول ليندا عن هذا، وفق ما نقلته كاثي ماكوي المعالجة المتخصصة في شؤون الأسرة في مقال بمجلة "سايكولوجي توداي": "لم أشعر بالغيرة من صديقتي، لقد كنت أحب وظيفتي والمكان الذي كنت أعيش فيه، وكنت سعيدة جدا لأجلها. لكنها، أكثر فأكثر، عاملتني على أنني أقل منها. بدأت في الاتصال بي في العمل، وكانت تطلب مني القيام ببعض المهام الخاصة بها خلال ساعة الغداء".

جاءت الضربة القاتلة لصداقة ليندا عندما عرضت عليها صديقتها فرصة ترك الوظيفة التي تعلم أنها تحبها لتصبح مساعدتها الشخصية المباشرة. رُبما كانت هذه هي القشة التي قصمت ظهر البعير، تقول ليندا: "حينما رفضت صُدمت، ووصفتني بأنني حمقاء ولا أُقدِّر لها صنيعها، ابتعدت، وأصبحنا غرباء عن بعضنا بعضا. صحيح أنني أفتقد القرب الذي شعرنا به تجاه بعضنا بعضا يوما ما، لكنني لا أفتقد السمية التي شعرت بها في نهاية صداقتنا".(1)

الصداقات.. المُضحكة المُبكية

يمنحنا الأصدقاء إحساسا قويا بالرفقة، ويخففون من مشاعر الوحدة، ويساهمون في تعزيز ودعم احترام الذات والرضا عن الحياة. (غيتي)
يُقدِّم فيلم "Cast Away"، من بطولة توم هانكس، الذي أُنتج عام 2000، علاقة صداقة من نوع خاص، استطاعت أن تُنقذ بطل الفيلم من الآلام النفسية المتعددة التي تعرّض لها عندما وجد نفسه وحيدا تماما في جزيرة نائية بعد تحطم الطائرة التي كان يستقلّها، لم تكن هذه الصداقة مع شخص آخر، بل كانت مع "كرة" سمَّاها البطل "ويلسون". (2)

كثيرا ما تدور القصص التراثية والأعمال الدرامية حول قدرة الصداقة على إنقاذنا حتى في أحلك المواقف وأسوأها، بعض القصص التراثية بل والتجارب العلمية أخبرتنا أن للصديق تأثيرا إيجابيا كبيرا حتى وإن كان جمادا أو حيوانا أليفا. على سبيل المثال، أوضحت دراسة نُشرت في يناير/كانون الثاني عام 2021 أهمية الصداقة في دعم وتعزيز الصحة والرفاهية.

طرحت الدراسة التي أُجريت بالتنسيق بين قسم الإرشاد وعلم النفس الإكلينيكي بجامعة كولومبيا بالولايات المتحدة وقسم علم النفس بجامعة ولاية ميشيغان سؤالا بسيطا: "هل إعطاء الأولوية للصداقات أكثر فائدة في بعض الحالات من غيرها؟". خلال الدراسة، درس الباحثون كيف ارتبطت بعض العوامل مثل مستوى الثقافة والبلد بالأهمية التي يوليها الأشخاص للصداقات والفوائد الناجمة عنها، وشملت عينة البحث محل الدراسة نحو 323.200 شخص من 99 دولة حول العالم.


(شترستوك)
كشفت التحليلات متعددة المستويات أن النساء والأشخاص ذوي المستويات التعليمية الأعلى والأشخاص الذين يعيشون في بلدان أكثر مساواة من الناحية الاقتصادية يضعون قيمة أكبر للصداقات، ووجدت الدراسة أن إعطاء الأولوية للصداقات في الحياة قد ارتبط بتحسين الصحة والرفاهية.(3)

وفقا للعديد من الدراسات، هناك صلة موثوقة بين الدعم الاجتماعي والصحة العقلية والبدنية، وأحد المصادر المهمة للحصول على هذا الدعم الاجتماعي هو الأصدقاء.(4) يمنحنا الأصدقاء إحساسا قويا بالرفقة، ويخففون من مشاعر الوحدة، ويساهمون في تعزيز ودعم احترام الذات والرضا عن الحياة. كشفت بعض الدراسات أيضا أن الصداقة تؤثر على الصحة في بعض الأحيان بدرجة أكبر من العلاقات الزوجية والعلاقات مع الوالدين. يساعد الأصدقاء أيضا الأفراد على ترسيخ سلوكيات صحية في حياتهم، فمثلا ترتبط رؤية صديق يحاول إنقاص الوزن بالتزام الفرد بالحفاظ على وزن صحي.(5)

لكن "الصداقة" ليست جيدة في مطلقها، فهي تُبكينا وتؤلمنا وربما تضرنا أحيانا، تماما كما تُضحكنا وتدعمنا وتعزز رفاهيتنا في أحيان أخرى. يمكن أن ينتشر الاكتئاب والسلوكيات الصحية السلبية أيضا من خلال شبكات الأصدقاء، فالبعض قد يميلون إلى الانتحار والتدخين والأشكال الأخرى لتعاطي المخدرات بشكل كبير عندما يحيط بهم أقران يعانون من هذه المشكلات.(6)

لكن هناك نوع متخفٍّ من الصداقات السلبية، هذا الصديق لا يدفعك لتناول المخدرات أو الجريمة، لكنه يستنزفك عقليا ويعرف جيدا طريقه لإحباطك وتثبيط عزيمتك. يميل المختصون اليوم إلى وصف هذا النوع من الصداقات بـ"الصداقات السامة" (1). تقول باميلا داف، مستشارة الصحة العقلية، إن بعض الصداقات قد تكون "سامة" منذ البداية، وبعضها الآخر يكشف عن تلك الصفة بمرور الوقت.


يميل "الأصدقاء السامون" إلى اتباع نمط ثابت من التصرف والسلوك، وهو أنهم لن يُظهروا الكثير من الندم على أي شيء يفعلونه، ورُبما لن تجد لديهم أدنى رغبة في التغيير. (شترستوك)
في "الصداقات السامة" تشعر أن صديقك ليس سعيدا من أجلك ولا يُراعي أو يهتم بمصلحتك، وهذا يُفقدك تدريجيا ثقتك به. عندما يهينك أحد الأصدقاء بانتظام، ويؤذيك ويجعلك تشعر بالألم، سواء بشكل مقصود أو غير مقصود، فمن المحتمل أن تكون صداقتك ليست صحية.

أيضا إذا أخبرت صديقك بسرٍّ ما، وفي اليوم التالي وجدت أن دائرتك الاجتماعية بأكملها تعرف تفاصيل ما قلته لصديقك، فهذه علامة يجب ألا تُهملها. صحيح أنه يمكن لأي شخص أن يخطئ ويقول أشياء يجب ألا يقولها، لكنَّ "الأصدقاء السامين" يستمتعون بنشر الأسرار التي يُدركون جيدا أنها أشياء يجب ألا تُقال، حتى إذا طلبت منهم بوضوح الحفاظ على خصوصية ما أخبرتهم به. (8)

لكن مهلا، قبل أن تُصدر حكما على أحد أصدقائك بأنه "صديق سام"، يجب معرفة أن كل شخص منّا يتعرّض لأيام جيدة وأخرى سيئة. إذا مررت أنت نفسك بيوم سيئ، فقد تجد نفسك في نهايته تتصرف ببعض الغلظة والسوء، حتى مع الأحباء. لذا، سيكون عليك التمييز الدقيق بين "الصديق السام" حقا والشخص الذي يمر بيوم سيئ. الصديق الجيد الذي يمر بيوم سيئ قد يفاجئك برد فعل غير متوقع أو يبدو بعيدا عن نمط تصرفه المُعتاد، لكن من المحتمل أن يعتذر بمجرد أن تهدأ الأمور. بينما يميل "الأصدقاء السامون" إلى اتباع نمط ثابت من التصرف والسلوك، وهو أنهم لن يُظهروا الكثير من الندم على أي شيء يفعلونه، ورُبما لن تجد لديهم أدنى رغبة في التغيير، حتى عندما يدركون أنهم جعلوك تشعر بالسوء.

هناك ملاحظة مهمة ينبغي الإشارة إليها في هذا السياق. في كثير من المواقف، لا يعني ظهور علامات "الصداقة السامة" أن صديقك شخص سيئ في مطلقه، بل يعني فقط أنه سيئ بالنسبة لك في هذا الوقت من حياتك. أحيانا نفرط في استخدام عبارة "الصديق السام" عندما نعني فقط أننا لم نعد نتوافق معا أو لم تعد اهتماماتنا متوافقة، لكن هذا المعنى قد لا يُشير إلى "سمية" العلاقة، بقدر ما يُشير إلى عدم التناسب بين الأصدقاء في ذلك التوقيت. (7)

إنهاء "الصداقة السامة" ليس ترفا

(شترستوك)
حسنا، الآن بفرض أنك تيقَّنت أنك في صداقة سامة، وأن "تغيير" سلوك صديقك ليس ممكنا، فهنا عليك أن تتخذ قرار "الترك" وإنهاء العلاقة. إنهاء صداقتك "السامة" ليس ترفا،(1) فغالبا ما تجعلك "الصداقات السامة" متوترا باستمرار أو تجعلك تحمل صورة ذاتية سلبية. من المحتمل أن تجعلك الانتقادات المستمرة من "الصديق السام" تشعر بالسوء تجاه نفسك، تخيل أن شخصا قريبا منك تثق به وقد تأتمنه على معرفة أدق أسرارك وتفاصيل حياتك، لكن هذا الشخص دائما ما يُشكك في قدراتك أو يشير باستمرار إلى عيوبك، هذا من شأنه أن يؤدي إلى زيادة شكوك في ذاتك.

هذا التشكك في قيمتك الذاتية، للمفارقة، سيجعلك راضيا عن الصداقة ومقاوِما لإنهائها، لأن صورتك عن نفسك شديدة السلبية بينما صورتك عن هذا الصديق لا تزال إيجابية، وبالتالي يُديم هذا من "دورة السمية". عندما تبدأ في تصديق الأشياء السلبية عن نفسك تبدأ في الشك في نقاط قوتك وقدراتك، وهو ما يؤثر سلبا على تقديرك لذاتك واحترامك لها.(9)

من المشاعر السلبية الأخرى التي تُعاني منها بسبب الانتقادات الدائمة المتكررة الموجهة لك من "صديقك السام" هو أنك تلوم نفسك على سلوكياته هو. عندما ينتقدك "صديقك السام" قد تعتقد أنك تستحق ذلك. ربما تظن أنه لا يقدم لك الدعم لأنك تطلب المساعدة أكثر مما ينبغي، لذلك تحاول تعويضه عن طريق القفز إليه كلما احتاج إلى شيء ما.

(بيكسلز)
في غضون ذلك، تزيد "صداقتك السامة" من مستويات التوتر لديك. التوتر هو الطريقة التي تستجيب لها أجسامنا للضغط النفسي. غالبا ما نشعر بالتوتر عندما نختبر شيئا يهدد إحساسنا بالذات أو عندما نشعر أن لدينا القليل من التحكم في الموقف، وساعتها تُنتج أجسادنا هرمونات التوتر التي تؤدي إلى استجابة "المواجهة أو الهروب" (Fight or flight)، على المدى الطويل، يمكن أن يؤثر ذلك على صحتنا الجسدية والعقلية. عندما تكون متوترا، يتحكم الجهاز العصبي اللا إرادي بجسمك، ويؤثر على وظيفة أعضائك الداخلية، مثل القلب والمعدة والأمعاء، هذا ما يجعل التوتر يؤدي إلى زيادة في معدل ضربات القلب والتنفس. (10)

يُعَدُّ تقليل التوتر إحدى الفوائد الرئيسية للصداقات القوية، في المقابل فإن "الصداقة السامة" تزيد من شعورك بالتوتر، وربما بالوحدة والعزلة أيضا. لا تتعجب من فكرة الشعور بالوحدة رغم صداقتك، فـ"الصداقة السامة" تجعلك تشعر بالتجاهل بسبب غياب الدعم والتواصل. المشكلة الأكبر أنك إذا تمسكت بـ"صداقتك السامة"، فإن هذا يعني أن علاقاتك الأخرى ستُعاني أيضا، حيث يمكن أن تبدأ "صداقة سامة" واحدة في تسميم العلاقات الوثيقة الأخرى ببطء ولكن بثبات، وهذا بدوره يدفعك إلى المزيد من الانعزال والوحدة. (8)

هكذا يُمكنك الحد منها

(شترستوك)
في كثير من الأحيان، ربما لا يكون إنهاء "صداقتك السامة" خيارا سهلا. ساعتها، يجب عليك في أدنى الأحوال أن "تحجِّمها". ولكن قبل أن تُقرر أنك ترغب في الاستمرار في صداقتك تلك، يجب أن تُجيب عن هذه الأسئلة: ما مقدار الضغط الذي ستتمكَّن من تحمله؟ ما الذي يجعل هذه الصداقة تستحق بذل الجهد وتحمل الضغط للاحتفاظ بها؟ رُبما تكون علاقتك تلك مع صديق قضيت سنوات طويلة معه، ولكن ظهر لك مؤخرا أنه أصبح من الصعب بشكل متزايد التعامل معه شخصيا. إذا كنت ترغب في الاستمرار لأنك لا تستطيع نسيان أو تجاهل هذه السنوات الطويلة من الصداقة، فيُمكنك الاستمرار في صداقتك لكن مع قضاء وقت أقل معا.

الحدّ من علاقة صداقة كانت تتميز بالقرب والصلة الوثيقة قد لا يكون أمرا سهلا، لكنه الحل الوحيد الذي يُمكِّنك من التعامل مع "صداقتك السامة" التي لا تريد إنهاءها. لتحييد "صداقة سامة"، يجب أن تحصل أولا على مساحة عاطفية تجعلك في مأمن من تلاعب "الشخص السام". للحصول على هذه المساحة، امتنع عن إخبار "الصديق السام" بأي شيء شخصي، تجنب الحديث عن المشاعر والمشكلات والآمال والأحلام. في الوقت نفسه، ابتعد عن دراما "صديقك السام"، يُمكنك التعاطف مع مشاعره لكن حاوِل إعفاء نفسك من المحادثة كلما كان هذا ممكنا.

سيكون عليك أيضا متابعة بعض الأنشطة والصداقات بشكل مستقل عن "الصديق السام". حاوِل ربط نفسك بصديق آخر يتمتع بصفات أكثر صحة، وكوِّن صداقات جديدة مع أشخاص متعاطفين. ابحث عن شغف أو هواية مستقلة تُبعد تركيزك وتفكيرك، وحاوِل أن تستعيد قدرتك على الضحك التي قد ربما تكون "الصداقة السامة" سلبتك إياها. (11)
اجمالي القراءات 623