هل كان أشرف مروان عميلاً ثلاثياً وليس فقط عميلاً مزدوجاً؟

في الثلاثاء ١٥ - نوفمبر - ٢٠٢٢ ١٢:٠٠ صباحاً

تحت عنوان "أشرف مروان لم يكن عميلاً مزدوجاً بل كان ثلاثياً"، أعاد المحلل العسكري الإسرائيلي أمير أوران فتح أوراق ملف أشرف مروان، في مقال نشره في صحيفة هآرتس، في 13 تشرين الثاني/ نوفمبر.

وكشف الكاتب مضمون وثيقة جديدة تشير إلى أن مروان لم يكن عميلاً مزدوجاً ناور به الرئيس المصري أنور السادات لتضليل إسرائيل، بل كان أكثر من ذلك، إذ عُثر على أدلة قوية حول تعامله مع جهاز الاستخبارات البريطاني، بالإضافة إلى إشارات على أن السعوديين والأمريكيين كانوا يتغذون على معلومات تأتيهم منه، بشكل غير مباشر أو مباشر.

وهنا ترجمة كاملة للمقال:

خلال عطلة نهاية الأسبوع، كالعادة، مرّ تاريخ مهم في حروب إسرائيل، دون أن يترك أثراً: 11 تشرين الثاني/ نوفمبر، تاريخ أول اتفاق بين إسرائيل ومصر في نهاية حرب يوم الغفران (حرب أكتوبر)، "اتفاق النقاط الست" في الكيلو 101 بين ممثلي الجيشيْن الجنرال محمد الجمسي والجنرال أهارون ياريف.

أهمية الاتفاق الذي وصفته (رئيسة الحكومة الإسرائيلية) غولدا مائير في أذن (وزير الخارجية الأمريكي) هنري كيسنجر بـ"الإنجاز الرائع"، لم تنبع فقط من محتوياته: الالتزام بوقف إطلاق النار، تبادل الأسرى، الترتيبات المحلية بشأن حصار مدينة السويس، والالتزام المتبادل بتنفيذ قرارات مجلس الأمن، ولكن أيضاً من التوقع الكامن فيها بمزيد من التقدم، بفصل القوات، والانسحاب، وإنهاء حالة الحرب، والسلام.

كانت هذه نية الرئيس المصري أنور السادات التي أخطأها التقييم الوطني في إسرائيل مراراً: الحكومة برئاسة غولدا وليس أمان (الاستخبارات العسكرية)، كما هو شائع بشكل خاطئ.

حتى في الفترة التي سبقت 11 تشرين الثاني/ نوفمبر، ارتكب المستوى السياسي خطأً في فهم إشارات السادات. هذه المرة، ومنذ أن اكتوى في تشرين الأول/ أكتوبر، لم يشعر براحة البال، بل تفاقم الأمر وخشي تجدد القتال، بدلاً من رصد أن السادات يريد السلام.

الجمسي، رئيس قسم العمليات ثم رئيس أركان الجيش المصري ثم وزير الدفاع لاحقاً، قال ذلك صراحة لنظرائه: ياريف، القائد السابق لـ"أمان" الذي جُنّد في الاحتياط، واللواء يسرائيل تال، نائب رئيس الأركان وقائد الجبهة الجنوبية. خبر مثير وصل إلى القدس وقوبل بآذان مغلقة هناك. كما كان قبل الحرب، وحتى في ذروتها، كان السادات مستعداً لإيقافها في اليوم التالي لاندلاعها. كانت دماء آلاف الشهداء ستُحقَن، وفي النهاية، لم يكن هناك استعداد إسرائيلي للانسحاب الكامل من سيناء مقابل السلام الكامل.

السادات كان رجل الدولة الوحيد في المنطقة على مستوى كيسنجر. في رسالة إلى غولدا، أوضح وزير الخارجية الأمريكي الميزة الإضافية لاتفاقية النقاط الست: إدراك مَيْل السادات للانفصال عن النفوذ السوفياتي، وتحركه نحو واشنطن. التف السادات على السوفيات الذين استمروا في المطالبة بانسحاب فوري للجيش الإسرائيلي إلى الشرق وتظاهروا أيضاً بتمثيل سوريا وجبهة عربية صلبة.

في مساعدة ساحقة لهذه الرؤية، والتي سيكون هناك مَن يختلف عليها بين باحثي حرب يوم الغفران (حرب أكتوبر)، يلقي الآن المؤرخ الدكتور يغال كيبنيس الذي وثق بدقة المناوشات الدبلوماسية في مطلع عام 1973، قنبلة خارقة للتحصينات، عبر وثيقة عثر عليها مؤخراً ووافق على الكشف عنها هنا: أشرف مروان، عميل الموساد، الذي كان تفعيله في أوائل السبعينيات مصحوباً بشكوك حول مصداقيته وظروف تطوعه كجاسوس (أخبرت غولدا لجنة غرانت أنها محتارة في أمره)، كُشف أنه عمل أيضاً للمخابرات البريطانية. بكلمات أخرى: لم يكن مروان عميلاً مزدوجاً ناور به السادات لتضليل إسرائيل بمعلومات مضللة. في الواقع، كان لديه عملاء في كل من القاهرة وتل أبيب، على حد سواء. لقد كان عميلا ثلاثياً. ربما أكثر من ذلك، لأن السعوديين والأمريكيين كانوا يتغذون عليه أيضاً، بشكل غير مباشر أو مباشر، ولكن عُثر على أدلة قوية في السياق البريطاني.

أشرف مروان لم يكن عميلاً مزدوجاً، بل كان أكثر من ذلك، إذ عُثر على أدلة قوية حول تعامله مع جهاز الاستخبارات البريطاني، بالإضافة إلى إشارات على أن السعوديين والأمريكيين كانوا يتغذون على معلومات تأتيهم منه
في العاشر من أيار/ مايو من عام 1973، التقى كيسنجر في وزارة الخارجية البريطانية مع أليك دوغلاس هوم، وزير الخارجية في حكومة إدوارد هيث المحافظة. كان كيسنجر لا يزال مستشاراً للأمن القومي للرئيس نيكسون. كان يأمل، لكنه لم يكن متأكداً، أن نيكسون سيعيّنه وزيراً للخارجية عندما يتقاعد ويليام روجرز. في محادثة مع هوم، جلس بجانبه مساعدوه عالم السوفياتيات هيلموت سونينفيلت ورئيس المكتب بيتر رودمان. ومع هوم، كان مسؤولون من أعلى جهاز الحكومة البريطانية: باراك ترند، أنتوني بارسونز، ودينيس غرينهيل.

في الهيكل البريطاني، تكون الاستخبارات الخارجية MI6 تابعة لوزير الخارجية، وجهاز الاستخبارات الوقائي MI5 لوزير الداخلية. لذلك، على عكس واشنطن والقدس، حيث كانت قنوات التقارير الخاصة بوكالة الاستخبارات المركزية والموساد تصل فقط إلى كبار القادة الذين يقررون ما سيقولونه وبالأخص ما لن يقولوه لوزراء الخارجية وغيرهم، كان دوغلاس هوم وكبار مسؤولي مكتبه شركاء للسر وعلى دراية جيدة بالمصادر حتى في ما يتعلق بالقضايا الأكثر سرية.

"من الصعب للغاية رؤية أي حل لمشكلة الشرق الأوسط"، تحدث هوم من أنفه، وأضاف: "في الآونة الأخيرة، وصَلَت رسالة صارمة للغاية من مروان، ينوي الرئيس السادات بموجبها شن هجوم من نوع ما في القريب العاجل". هكذا، نسب وزير الخارجية البريطاني تنبيهاً استخبارياً رفيعاً إلى مصدر كبير، من المقربين للسادات. عندما شارك الموساد، بتوصية من غولدا، عبر وكالة الاستخبارات المركزية، مع كيسنجر المواد التي قدمها مروان، لم يتم الكشف عن اسمه مطلقاً. كان بوسع كيسنجر ورؤساء الاستخبارات المركزية الأمريكية ريتشارد هيلمز وبيل كولبي أن يخمنوا، أو يتظاهروا بأنهم لا يعرفون هوية المصدر الذي ينقل معلومات جيدة إلى إسرائيل، لكن لم يتفوه تسفي زامير ولا ممثله في العاصمة الأمريكية إفرايم هاليفي باسمه أبداً.

"سيكون من قبيل انعدام المهنية والخطأ الافتراض أن الاستخبارات البريطانية كانت مهملة في الإشراف على أشرف مروان الذي اتصل بالسفارة الإسرائيلية في لندن، مرة ومرتين، للتواصل مع الموساد"
لم يكن الأمر كذلك بين الحلفاء الأنغلوساكسونيين. نائب مدير مكتب هوم، بارسونز، أضاف أنه في المحادثات التي أعقبت المعلومات التي قدمها مروان، وعلى وقع "وهم السادات بأنه يمكن أن يبدأ حرباً صغيرة ومحدودة"، ما يعني أن البريطانيين كانوا على علم بالخطة العملياتية، و"أن يهرب من العقاب". تم تحذير المصريين من أن "السقف سيسقط عليهم إذا أطلقوا النار على الإسرائيليين".

تساءل كيسنجر كيف يمكن الإقناع بذلك، ورد بارسونز بأن الرد المصري المحدد وفق قوله كان يقال مراراً: "إذا اتخذوا إجراء، فلن يكون خارجاً عن السيطرة". قال وزير الخارجية هوم إن المصريين ربما يحاولون صدم الغرب قبل مناقشة حول الشرق الأوسط في مجلس الأمن. ورد كيسنجر بأن أقوى تأثير على العرب هو خوفهم من هزيمة ساحقة أخرى (مثل حرب الأيام الستة).

على خلفية الأمور، في تلك الأشهر بين نيسان/ أبريل وأيار/ مايو، كان يأس السادات يتزايد من الجمود السياسي. اتخذ خطوات علنية لبث أجواء الطوارئ: في مصر، فُتحت غرف الحرب وسط ضجة كبيرة، استعداداً لانتهاك وقف إطلاق النار في السويس، والذي استمر أكثر من عامين بعد الأشهر الثلاثة المحددة له في صيف 1970.

سراً، وصل تحذير من مروان إلى إسرائيل أثار نقاشاً شاملاً على أعلى المستويات السياسية والأمنية. قدّر أمان أنه على الرغم مما كان يحدث بشكل علني وتحذير مروان، فإن السادات سيمتنع عن إطلاق النار.

لمزيد من الأمان، أعلن الجيش الإسرائيلي حالة تأهب جزئية، "أزرق أبيض"، لكن لم تُمارَس أي مرونة سياسية لمنع الحرب. على العكس من ذلك، تبنى حزب العمل في آب/ أغسطس برنامجاً صارماً: وثيقة غاليلي (باسم الوزير الذي صاغها يسرائيل غاليلي)، لصالح الاستيطان في شرق سيناء. في غضون ذلك، ومن حسن حظ إسرائيل، أن النقاش في الأمم المتحدة وقمة نيكسون - بريجينيف (الرئيس السوفياتي في تلك الفترة) مر أيضاً بلا هدف، ودُفع السادات إلى طريق مسدود كان السبيل الوحيد للخروج منه هو التحرك العسكري الذي يكسر الجمود.

التألق الأصلي للسادات في ذلك الموسم، من ربيع وصيف 1973، كان مزيجاً من الإعلان والإخفاء: شفافية استراتيجية مفادها إعلانه أنه سيفتح النار في حالة عدم إحراز تقدم سياسي، ومن خلفها غموض عملياتي. أعلن السادات عبر قنوات مختلفة، سرية وعلنية، ما ينوي فعله، وفي الوقت نفسه، حتى لا ينهار التحرك العسكري تماماً، أخفى "كيف" ولـ"ماذا". "كيف" تعني أيضاً "متى". من المحتمل جداً أنه أراد إغراء إسرائيل بالضرب أولاً، بإطلاق النار وليس بالعبور، لإثبات عدوانها من أجل كسر الجمود السياسي. عملياً، فوجئ بدهشة إسرائيل وصبرها.

قبل سنوات من مغادرته بلاده والانتقال للعيش في لندن بشكل دائم، زار مروان العاصمة البريطانية بشكل متكرر. كان يتمتع بوضع رسمي كمستشار رئاسي وكان يتعامل مع القضايا التي تقع في صميم الاهتمام البريطاني: الخليج العربي وليبيا والنفط. وكان جشعه وعلاقاته برئيس الاستخبارات السعودية كمال أدهم معروفين.

سيكون من قبيل انعدام المهنية والخطأ الافتراض أن الاستخبارات البريطانية كانت مهملة في الإشراف على مروان، والذي اتصل بالسفارة الإسرائيلية في لندن، مرة ومرتين، للتواصل مع الموساد. هناك التقى مشغله ورئيس الموساد تسفي زامير. من الصعب تصديق أن هذا مر دون أن يلاحظه أحد من الاستخبارات البريطانية التي تابعت الأجانب والإسرائيليين والمصريين. يمكن لمحادثة هوم-كيسنجر أن تشرح سبب تركهم للأولاد يلعبون: عرف البريطانيون، ولم يكترثوا، أن مروان يبيع بضاعته لعملاء إضافيين، ويدرج بها رسائل، بحيث يختلط الاستخباري بالسياسي.

في 25 أيلول/ سبتمبر 1973، الذي صادف أن يكون أيضاً يوم محادثة (ملك الأردن) حسين وغولدا، قرر السادات أنه سيذهب إلى الحرب في السادس من أكتوبر. فقط خلال هذه الأيام الـ12، وليس طوال الفترة التي سبقتها، أخطأ أمان والموساد وهيئة الأركان العامة وحفنة من الأشخاص المعروفين في الحكومة (غولدا، دايان، غاليلي، ألون) في رصد القرار، وليس النية العامة والاستعدادات التي قد تتحقق أو لا تتحقق.

في هذين الأسبوعين، كانت هناك نقطتان محتملتان أخريان لتغيير القرار، من حيث الجوهر والتوقيت: التنسيق مع سوريا (فضّل حافظ الأسد شن هجوم فجر الثامن من أكتوبر وانتهى إلى الثالث من أكتوبر)؛ وتقرير من مروان إلى زامير عشية يوم الغفران، أفاد بأن تحركاً سياسياً إسرائيلياً قد يتسبب في دفع السادات إلى إلغاء الحرب. مثل هذه الخطوة لم تأتِ.

وصول الباحثين الإسرائيليين إلى الأرشيفات الأجنبية محدود. الأمريكيون كرماء رغم أنهم لا يكشفون عن المصادر الاستخبارية. المصريون بالطبع لم يفعلوا ذلك. البريطانيون بين هذا وذاك، يفرجون عن القليل الذي لا يقدّم صورة كاملة لانعطافات أشرف مروان بين أسياده المختلفين. لكن يتضح مرة أخرى إلى أي مدى كان ممكناً لرحلة جوية سياسية مرنة وبعيدة النظر التوصل إلى سلام مع السادات دون فزع حروب إسرائيل غير الضرورية. لكن من أجل ذلك كانت هناك حاجة إلى حكومة أكثر جرأة وحكمة من تلك التي قادت إسرائيل إلى نيران 1973.
اجمالي القراءات 613