الأرز والقطن والقصب والموز.. محاصيل مصرية تواجه خطراً بسبب أزمة المياه

في الثلاثاء ١٥ - نوفمبر - ٢٠٢٢ ١٢:٠٠ صباحاً

سلَّطت أزمة اختفاء الأزر من الأسواق في مصر الضوءَ على مستقبل الزراعت التي تواجه أخطاراً، ليس فقط بسبب أزمة الحكومة وأصحاب المصانع، وإنما بسبب ندرة المياه، فما هي المحاصيل المهددة بخطر القِلَّة في مصر بسبب أزمة المياه؟

مصدر بوزارة الزراعة كشف لـ"عربي بوست" أنها تحمل أبعاداً خفية لا يتحدث المسؤولون عنها مرتبطة بندرة المياه؛ لما يحمله هذا الملف من حساسية بالنسبة للمواطنين.

ويشير عدد من المزارعين، الذين تواصل معهم "عربي بوست"، إلى أن مساعي الحكومة للحصول على ربع محصول الأرز بشكل مباشر من الفلاحين وبأسعار زهيدة لا يتماشى مع سعره في الأسواق، يستهدف تعويض فاتورة استيراده من الخارج.

والمتوقع أن تأخذ في التصاعد مع سنوات جفاف فيضان نهر النيل، واكتمال وتشغيل سد النهضة الإثيوبي.

عادت الحكومة المصرية العمل بسياسة التوريد الإجباري لمحصول الأرز للمرة الأولى منذ تحرير القطاع الزراعي مطلع تسعينيات القرن الماضي والأخذ بآليات السوق، وأجبرت الفلاحين على توريد كميات محددة.

وتواجه مصر مشكلة هي الأكبر في توفير الأرز بالأسواق لأول مرة منذ سنوات طويلة، بعد أن اعتادت تحقيق الاكتفاء الذاتي من إنتاجيته السنوية، ونشبت الأزمة جراء تحديد الحكومة سعر شراء للطن لا يتماشى مع أسعار السوق، التي تخضع للعرض والطلب، وهو ما تسبَّب في عدم قدرة التجار على شرائه من المزارعين الذين قاموا بتخزينه انتظاراً لحل الأزمة .


أزمة المياه في مصر تتفاقم
حصار مساحات زراعة الأرز يكشف أزمة المياه في مصر
وتُعبِّر أرقام مساحات زراعة الأرز هذا العام عن مشكلات شح المياه، إذ تقلصت مساحات زراعته عدة مرات بقرارات حكومية متتالية، ووصلت إلى نحو 725 ألف فدان انخفاضاً من مليونين و200 ألف فدان عام 2009.

وسط تأكيدات من المزارعين أن الحكومة سمحت بتخطي النسب الرسمية هذا العام؛ بسبب استمرار ارتفاع منسوب الفيضان دون أن تتأثر بالملء الثالث للسد الإثيوبي، لكنهم يرون أنها ستكون أكثر حسماً في سنوات الجفاف التي من المتوقع أن تبدأ مع الموسم الزراعي بعد القادم.

يخشى محمد السيد، وهو أحد مزارعي الأرز بمحافظة المنيا (جنوب مصر) ويعمل أيضاً موظفاً بالجمعية الزراعية، من عدم قدرته على الاستمرار في زراعة خمسة فدانين يمتلكها هو ووالده، لأن هناك مشكلة حقيقية في توفير المياه مع عدم ضخها بشكل مستمر على مدار اليوم.

ويتم تقسيم توصيلها إلى أراضٍ زراعية عديدة لتمكين الجميع من الري، قائلاً: "قد نظل لساعات طويلة في انتظار وصولها في حين أن الحكومة لا ترى أن هناك مشكلة في المياه بالوقت الحالي، وتصل إشارات مستمرة منها للمزارعين بأن السنوات القادمة ستكون أكثر صعوبة".

يؤكد السيد أنه لم يتمكن من زراعة محصوله بشكل كامل هذا العام، لكن الأزمة الأكبر تتمثل في حال أقدمت الحكومة على مراجعة مساحات الأراضي المزروعة.

تحدد المساحة على حسب المحافظات، وتسمح في أعوام بزراعة المحصول في محافظات وتحظرها في أخرى للسماح لمحافظات أخرى تعاني فيها تربتها من الملوحة، باعتبار أن المياه الكثيفة التي تستخدم في زراعة الأزر تسهم في تخفيف ملوحة التربة القريبة من البحر المتوسط في محافظات الشمال والدلتا.

الحكومة مرتبكة بين تقليص مساحات الزراعة وتوفير العملة الصعبة
ويلفت إلى أن الحكومة خلال السنوات الثلاث التي سبقت هذا الموسم شددت إجراءات للتأكد من زراعة إجمالي ما حددته للزراعة، لكنها هذا العام تساهلت إلى حد كبير.

ولم تحضر إلى القرية دورياتها التي قامت بموجبها بتحصيل غرامات طائلة من المخالفين، وبدا أن ذلك يستهدف التعامل مع مشكلات نقص الدولار، بما لا يجعلها مرغمة على الاستيراد من الخارج بعد أن قامت باستيراد مليون طن العام الماضي.

استقرت الحكومة المصرية، ممثلة في وزارتي الري والزراعة، على منح حق زراعة الأرز لتسع محافظات سنوياً بالتبادل فيما بينها، على أن تتحدد مساحات الأفدنة من خلال مديريات الزراعة والري في كل محافظة من المحافظات المختارة.

وأصدر وزير التموين المصري علي المصيلحي قراراً وزارياً لتنظيم التداول والتعامل مع الأرز الشعير المحلي لموسم الحصاد 2022 الذي بدأ في 25 أغسطس/آب الماضي، ويستمر حتى 15 ديسمبر/كانون الأول المقبل.

ونص القرار على إجبارية توريد طن واحد من الأرز الشعير عن كل فدان مزروع (يعادل 25% من إنتاجية الفدان) لحساب هيئة السلع التموينية، بإجمالي مستهدف 1.5 مليون طن من الأرز الشعير خلال موسم التوريد لهذا العام.

لا تتمثل المشكلة فقط في شح المياه، بحسب محمود إبراهيم، وهو مزارع يقطن بمحافظة دمياط شمال، ويمتلك عشرة أفدنة ضمن الأراضي الصحراوية المستصلحة بالمحافظة.

ويعتمد على نظم الري الحديثة الموفرة للمياه وليس مسموحاً لها باستخدام مياه النيل للحفاظ عليها وعدم تبديدها، مشيراً إلى أنه يلجأ للآبار للحصول على المياه وتكون تكلفتها أعلى، وفي كثير من الأحيان يلجأ المزارعون لسرقة المياه، لكن ذلك الوضع لن يستمر طويلاً.

المزارعون يدفعون ثمن ندرة المياه
ويضيف أن الحكومة حينما تشعر بأن هناك إمكانية لتعرض نهر النيل لمزيد من شح المياه، تكثف إجراءاتها الأمنية على المزارعين، وقامت في أوقات عديدة بالقبض على فلاحين قاموا بسرقة المياه، ويواجه الفلاحون اتهامات بأنهم يسعون لتحقيق مكاسب طائلة على حساب الأمن المائي، وهو اتهام باطل.

في الوقت ذاته، لا تعترف الحكومة بأن تكلفة الزراعة الحديثة أعلى من نظيرتها التقليدية، ووفقاً للمزارع ذاته، فإنها تسعى لشراء طن الأرز من المزارعين بسعر يقل ثلاثة آلاف جنيه عن السعر العادل في السوق، والذي يعرضه التجار لشرائه، ما يدفع الكثيرين للبحث عن محاصيل أخرى ليست كثيفة المياه؛ منعاً للدخول في مشكلات وأزمات قد تجعلهم يخسرون من زراعة محصول الأرز.

ومنذ عام 2016 بدأت الحكومة المصرية في تطبيق نظام جديد للزراعة تضمن خفض المساحات في بعض المحافظات، ومنعها تماماً في محافظات أخرى، وتطبيق نظام الدورات الزراعية، وأخيراً فرض عقوبة على المخالفين تتضمن الغرامة والسجن.

وفي أبريل/نيسان 2018 وافق مجلس النواب على مشروع قانون يهدف إلى تقنين زراعة محاصيل معينة مثل الأرز لترشيد استهلاك المياه، بسبب معاناة البلاد من الفقر المائي، وهو الأمر الذي يتطلب الترشيد في زراعة تلك المحاصيل، ونص على عقوبة الحبس والغرامة المالية للفلاحين المخالفين.

وفي نهاية مارس/آذار 2021 أقر البرلمان مشروع قانون جديد للموارد المائية والري من شأنه أن يفرض عقوبات بالحبس على المزارعين غير الملتزمين بالمساحات المحددة لزراعة الأرز.

مصر تستعد لسنوات جفاف الفيضان
ويشير نقابي بارز عن الفلاحين إلى أن اتجاه الدولة للحد من زراعة بعض المحاصيل لترشيد المياه يؤدي مباشرة لتقلص المساحات المزروعة، ويهدد بانقراض عدد من المحاصيل، على رأسها الأرز الذي سيأخذ في التراجع مستقبلاً في سنوات جفاف فيضان النيل.

يحدث ذلك لأن الاعتماد على المياه الجوفية والمياه المتوفرة من محطات تحلية المياه ستكون باهظة الثمن مقارنة باستيراده مليون أو مليوني طن من الخارج.

ويضيف أن محصول القطن أيضاً في طريقه للانقراض؛ إذ تقلصت مساحة زراعته من 2 مليون فدان إلى 200 ألف فدان خلال العام الماضي، ولا تتبنى الدولة خطة واضحة لاستخدام أساليب ري توفر في المياه وتساهم في رفع إنتاجيته، مشيراً إلى أن الوضع ذاته يرتبط بقصب السكر الذي تجمد زراعته عند حدود 120 ألف فدان هذا العام، بعد أن وصل العام الماضي إلى 360 ألف فدان، وهو ما ساهم في انخفاض المحاصيل السكرية المصرية من مليونين و400 طن العام الماضي إلى ما يقرب من مليونين و100 ألف طن هذا العام.

يعد القصب من أهم المحاصيل التي تزرع في صعيد مصر، ويعمل به عدد كبير جدا من العمال؛ حيث ينتج القصب بجانب السكر الخل والكحول والورق والخشب والخميرة والأسمدة العضوية والعلف والوقود الحيوي والعسل الأسود وغير ذلك من المنتجات الهامة.

وبحسب النقابي، فإن الموز يأتي في مقدمة المحاصيل التي تواجه خطر الانقراض بعد أن حظرت الحكومة التوسع عن المساحة المقررة الحالية، والتي تصل إلى 84 ألف فدان فقط في الأراضي المستصلحة حديثاً، وكذلك الأراضي القديمة، وذلك توفيراً للمياه، وتسعى لتقنين المساحات الحالية للتأكد من عدم الزراعة في أي مناطق أخرى، ومن المتوقع أن تقلص مساحات التقنين شيئاً فشيئًا في أوقات جفاف فيضان نهر النيل.

ويؤكد أن القطاع الزراعي سيكون أكثر المتضررين من مشكلات المياه في مصر؛ لأنه يستهلك وحده ما يقرب من 80% من إجمالي الاستهلاك السنوي من المياه، وسيكون هناك خطط قابلة للتنفيذ تتضمن الاكتفاء بزراعة المحاصيل الاستراتيجية ووقف زراعة كثير من المحاصيل كثيفة استخدام المياه، في ظل مشكلات عديدة تواجهها على مستوى تعميم الزراعات الموفرة للمياه؛ لعدم قدرتها على السيطرة على الفلاحين في الأراضي القديمة تحديداً.

معوقات أمام خطط الانتقال للري الحديث
ويؤكد عدم وجود خطط واضحة للانتقال إلى الري الحديث في الأراضي الزراعية المطلة على دلتا النيل، مع وجود مشكلات تتعلق بعدم تغطية شبكات المياه الجزء الأكبر من الريف المصري، ويظل ما يقرب من 60% من المناطق لا تغطيها شبكات المياه، بحسب المصدر.

تقول دراسة أعدها أكاديميون في جامعات أمريكية -بينهم الأكاديمي المصري في وكالة ناسا الأمريكية الدكتور عصام حجي، ونشرتها دورية "إنفيرومنتال ريسيرش ليترز"، إن الرقعة الزراعية المصرية مهددة بالتراجع بنسبة مقلقة تصل إلى 72% في أحد أسوأ السيناريوهات.

وترى الدراسة أن موارد مصر المائية مهددة بالتراجع بمقدار 31 مليار متر مكعب سنوياً، وهو ما يعادل أكثر من ضعف حصة مصر السنوية من مياه النيل والبالغة 55.5 مليار متر مكعب، وذلك في حال تمسكت إثيوبيا بالتعبئة السريعة لخزان السد الذي يستوعب 74 مليار متر مكعب.

وأشار وزير الموارد المائية والري المصري، هاني سويلم، خلال مشاركته في فعاليات "يوم التكيف والزراعة" على هامش قمة المناخ المنعقدة في شرم الشيخ، إلى أن مصر تعد من أكثر دول العالم التي تعاني من الشح المائي. يصل نصيب الفرد من المياه إلى ٥٦٠ متراً مكعباً سنوياً، وهو ما يمثل تقريباً نصف خط الفقر المائي المقدر بـ١٠٠٠ متر مكعب سنوياً.

وأضاف أن بلاده تستورد محاصيل زراعية من الخارج بما يوازي ٢٠ مليار متر مكعب من المياه، كما تعد مصر أكبر مستورد للقمح بالعالم، وبالتالي فإن التحديات التي تواجه سلاسل الإمداد بالغذاء في العالم بالتزامن مع التغيرات المناخية تمثل تحدياً كبيراً لقطاع المياه في مصر.

الأراضي الزراعية تصطدم بشح مياه النيل والتغيرات المناخية
ويؤكد مصدر بوزارة الزراعة المصرية، رفض ذكر اسمه، أن قرارات تقليص مساحات الأرز والموز وقصب السكر يعد إحدى آليات مواجهة شح المياه، وأن خطوات تقنين زراعة تلك المحاصيل تستهدف التحكم في مساحتها سنوياً، وخصوصاً أن كثيراً من المناطق الزراعية ستكون عرضة خلال السنوات المقبلة للتغيرات المناخية؛ ما يتطلب وجود معلومات كافية للحفاظ على الحد الأدنى من توفير هذه المحاصيل محلياً دون التوسع في استيرادها من الخارج.

ويضيف أن وزارته تقوم بتوعية الفلاحين بالعديد من الأساليب الجديدة للزراعة لزيادة الإنتاجية من نفس وحدتي الأرض والمياه، وأن الدولة خصصت 60 مليار جنيه لتطوير نظم الري؛ لتحويله إلى ري حديث من خلال قروض تقدم للفلاحين بفوائد بسيطة، وتعمل على تعريفهم بتحديات ندرة المياه وآثارها السلبية عليهم، خصوصاً أنه من المتوقع أن تكون معدلات الشح مرتفعة في ظل الزيادة السكانية المستمرة.

وتعد مناطق وادي النيل وجنوب غرب شبه الجزيرة العربية وشمال القرن الإفريقي من أكثر البؤر الجغرافية المعرضة بشكل خاص للإجهاد المائي، وفقاً لمنظمة الأغذية العالمية "الفاو"، التي تتوقع أن تشهد 80% من بلاد الشرق الأدنى وشمال إفريقيا انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية في ظل تغير المناخ، لا سيما بين مجتمعات صغار المزارعين.
اجمالي القراءات 554