تكلف مليارات الدولارات".. هل يحتاج الأردن إلى مدينة إدارية جديدة؟

في السبت ١٢ - نوفمبر - ٢٠٢٢ ١٢:٠٠ صباحاً

عاد الجدل في الأردن بشأن إنشاء "مدينة إدارية جديدة"، تؤكد الحكومة على أهميتها في حل معضلة الازدحام السكاني، في حين يرى منتقدون للمشروع إنه تكرار لتجارب سابقة غير ناجحة.

وهذه ليست أول مرة تتحدث فيها الحكومة الأردنية عن إنشاء "مدينة جديدة"، إذ سبق وتحدث عن الفكرة عام 2017 رئيس الوزراء، آنذاك هاني الملقي، مشيرا في حينها إلى اختيار "منطقة الماضونة شرقي عمان" لإقامتها، وعاد رئيس الوزراء الحالي بشر الخصاونة للحديث في يناير الماضي عن "مدينة إدارية متطورة"، ثم وزير الاتصال الحكومي، فيصل الشبول في مطلع نوفمبر الحالي.

وكشف الوزير الشبول في تصريح لموقع "الحرة" إن "المشروع المقترح يتضمن إنشاء مدينة جديدة تمتص الزيادة السكانية". وزاد أن مكان اختيار المدينة يقع في "وسط المملكة، قرب العاصمة عمان ومدينة الزرقاء".

ورفض الشبول الكشف عن تفاصيل المشروع ومصادر تمويله، مشيرا إلى أن "الموضوع لا يزال قيد البحث"، كما رفض الرد على الانتقادات الموجهة للفكرة.

هل هي أولوية؟
المدينة الجديدة تسعى لحل مشكلة الاكتظاظ السكاني. أرشيفية
المدينة الجديدة تسعى لحل مشكلة الاكتظاظ السكاني. أرشيفية
يعتقد أستاذ العمارة والتخطيط الحضري، مراد الكلالدة، أن إنشاء مدينة جديدة في الأردن لا يمثل "أولوية"، وقال إن الأسباب وجود "اكتظاظ سكاني وازدحامات مرورية" كما تقول الحكومة لا يستدعي إقامة مدينة جديدة، وإنما تتطلب إيجاد "إجراءات تعالج هذه المشكلات".

ويشرح الكلالدة في حديث لموقع "الحرة" أن "المدن تنشأ عادة لترتيب علاقات اقتصادية واجتماعية"، كما هو الحال، على سبيل المثال، مع العاصمة عمان "التي نشأت كمنطقة تجمع حول سيل عمان، حيث كان هناك تبادل للمنتجات الزراعية والحيوانية، ونشأت أولى الأسواق بمنطقة وسط البلد حينها".

وأضاف أنه لا توجد "مشكلة سكن حقيقية في عمان، إذ لا تزال العديد من الشقق السكنية فارغة، ناهيك عن وجود حوالي 30 في المئة من الأراضي القابلة للاستثمار في العاصمة".

ويرى رئيس جمعية المستثمرين في قطاع الإسكان، كمال العواملة، أن إقامة "مدينة حديثة جديدة في المملكة قد يعتبر من المشاريع الاستراتيجية الهامة التي قد ترتبط بالنمو والتنمية الاقتصادية"، ولكن في الوقت ذاته "لا نملك ترفا يتيح إنشاء مثل هذه المدينة"، خاصة مع فشل إقامة مدن لاستقطاب السكان "مثل مدينة أهل العزم ومدينة خادم الحرمين".

ويؤكد العواملة في حديث لموقع "الحرة" أن الأحرى بالحكومة وضع رؤية لإنشاء عدة مدن تابعة "Satellite city" للمدن الرئيسية الموجودة في المملكة، بما يخدم إعادة تشكيل الخارطة السكانية والتنمية".

وزاد أن الأرقام تكشف تركز "حوالي 86 في المئة من سكان الأردن في مساحة 15 في المئة من المملكة، وحوالي 74 في السكان يتواجدون في مدن عمان والزرقاء وأربد".

وبحسب المعلومات المتداولة عن مشروع المدينة الجديدة، سيكون إنشاؤها على مراحل، الأولى تبدأ في 2025 وتنتهي في 2033، والثانية تنتهي في عام 2050 حيث تصبح قادرة على استيعاب مليون نسمة.

وسيتم خلال المرحلة الأولى إنشاء "مدينة ذكية عصرية" تعتمد على الطاقة النظيفة، وتستوعب قرابة 157 ألف نسمة، وسيتم نقل وزارات ومؤسسات عامة إليها، ما عدا المؤسسات السياسية مثل: رئاسة الوزراء والبرلمان والمجلس القضائي.

ويستهدف المشروع إنشاء شبكة مواصلات حديثة بين المدينة المقترحة وكل من العاصمة عمان ومطار الملكة علياء الدولي والميناء البري في الماضونة ومدينة الزرقاء.

رئيس مجلس إدارة الإذاعة والتلفزيون الأردني، غيث الطراونة أكد في تغريدة على تويتر أهمية أن تعكف الدولة على إنجاز مشاريع "تستهدف الأجيال القادمة".

التجربة المصرية
ويقارن الكلالدة بين فكرة المشروع الأردني والتجربة المصرية في إنشاء مدينة إدارية جديدة، ويرى أن توجه الحكومة المصرية لبناء المدنية "جاء بعد سنوات طويلة من عدم تلبية الحاجات السكانية المتنامية في المدن المصرية"، حيث تم "إنشاء عدة مدن وليس فقط العاصمة الإدارية، التي يرتبط مكان اختيارها بنشاطات اقتصادية موزعة في مناطق مختلفة على طول نهر النيل".

وأنشأت مصر العاصمة الإدارية الجديدة، التي أقرت في 2015، بمساحة تتجاوز 688 كلم، وتبعد عن القاهرة 60 كلم، وستستوعب أكثر من 6.5 ملايين نسمة.

ودعا العواملة إلى عدم النظر إلى تجارب الدول المجاورة في تأسيس المدن الحديثة ومحاولة تطبيقها في المملكة، مشيرا إلى أن "كل دولة لها خصوصيتها ومعطياتها وأهدافها المختلفة" في تأسيس المدن الحديثة، مشددا على أهمية "تريث الحكومة والتشاركية مع الخبراء من القطاع الخاص" قبل اتخاذ مثل هذه القرارات.

وجاءت المقارنة بين فكرة المدينة الجديدة في الأردن ومشروع العاصمة الإدارية في مصر، بعد تصريحات أدلى بها رئيس الوزراء، بشر الخصاونة خلال زيارته لمصر في أكتوبر 2021، حيث أبدى "إعجابه بالمستوى المتقدم الذي تبدو عليه العاصمة الإدارية الجديدة".

وأعاد الخصاونة بعد هذه الزيارة طرح إنشاء المدينة الجديدة، وقال في تصريحات صحفية "المدينة الجديدة ليست سرقة أفكار، فهي عرضت خلال فترة الرئيس الأسبق هاني الملقي".

وكان الوزير الأسبق، سعد الخرابشة قد أبدى استغرابه لنية الحكومة إنشاء عاصمة إدارية جديدة في "بلد غارق بالديون"، وأشار في تغريدة أن المشروع يكلف "8 مليار دينار".

مكان المدينة
وتشير المعلومات التي رشحت عن مكان المدينة الجديدة أنها تبعد عن العاصمة عمان حوالي 40 كلم، وعن مطار الملكة علياء حوالي 33 كلم، وتبعد عن مدينة الزرقاء 26 كلم.

ولم يتمكن موقع "الحرة" من تأكيد هذه المعلومات من مصادر رسمية.

وأعيد تداول خارطة نشرتها رئاسة الوزراء في 2017 تكشف فيه مكان المدينة الجديدة.

وتكشف المعلومات التي تداولتها وسائل إعلام محلية أن الأرض التي سيتم تخصيصها للمدينة الجديدة تعتبر من "أراضي البادية" بمساحة إجمالية 277 ألف دونم، وهي تقع على طريقين دوليين يربطان الأردن مع السعودية والعراق.

وقال العواملة إن اختيار أماكن إقامة المدن يحتاج إلى إجراء "تحليل ورصد للمناطق الساخنة للازدحام"، ويجب مراعاة "متطلبات التنمية الحضرية المستدامة، ووضع حوافز وبدائل اقتصادية واجتماعية لتمكين المواطنين من الانتقال التدريجي لهذه المدن".

وقال هناك "عدة مدن أنشئت بالشراكة مع القطاع الخاص أكان في مدينة الزرقاء أو حتى جنوب مطار الملكة علياء، وبعضها يعاني نوعا من التعثر"، ولهذا قبل الحديث عن مدينة حديثة جديدة، الأولى إيجاد حلولا لهذه المشاريع".

وأبدى الكلالدة استغرابه لاختيار مكان المدينة "على نحو بعد 40 كلم من العاصمة عمان، والتي سينقل لها بعض المؤسسات الرسمية بحسب التصريحات الحكومية"، واصفا هذا الأمر بـ"غير المنطقي".

وتابع أن الحكومة تعول على اختيارها "لمكان المدينة الجديدة بوجود أراض بمساحات شاسعة تمتلكها الخزينة، ما يعني أنها لا تحتاج إلى الإنفاق على الاستملاكات"، ولكن "المنطقة المختارة تعتبر ضمن المناطق الصحراوية في المملكة، والتي يعني أن درجات الحرارة فيها أعلى بثلاث درجات على الأقل عن المناطق الأخرى في الصيف، وأقل بثلاث إلى أربع درجات في الشتاء، ناهيك عن قربها من منطقة تأسيس المفاعل النووي السلمي الذي وضعت مخططات لإنشائه قرب قصير عمرة".

وأعاد الكلالدة التذكير بتجربة الأردن في إنشاء "مدينة الشرق التي أصبحت تعرف لاحقا باسم مدينة خادم الحرمين"، مشيرا إلى أنها "تجربة فاشلة"، إذ بعد نحو عقد على إيجادها "لا يتجازو عدد سكانها 27 ألف نسمة، بينما كانت الخطط الموضوعة لها بأن تستوعب حوالي نصف مليون نسمة".

ويتوقع الكلالدة أن تسعى الحكومة لتمويل إنشاء هذه المدينة من خلال "طرحها للاستثمار من قبل القطاع الخاص"، فيما تشير المعلومات أن تكلفة إنشائها في جميع المراحل ستزيد عن ثمانية مليارات دينار أردني (أي ما يزيد عن 11 مليار دولار).

رئيس هيئة المكاتب والشركات الهندسية، عبدالله غوشة قال في منشور على حسابه على فيسبوك "ضمن عجز الموازنة، وتراجع المشاريع الرأسمالية بسبب نقص التمويل، من أين سيتم توفير تمويل المدينه الجديدة؟ سنعود وأذكركم بنفس العنوان بعد عشرين سنة. مدينة خادم الحرمين في الزرقاء مساحتها 21 ألف دونم، وصممت لـ 350 ألف نسمه والآن نتحدث عن مساحه 277 ألف دونم لمليون نسمة، الأرقام للمقارنة".

وأحال مجلس الوزراء الدراسة الخاصة بمشروع المدينة الجديدة إلى لجنة التنمية الاقتصادية، بحسب ما كشف وزير الاتصال الحكومي الشبول في تصريحاته الأخيرة.
اجمالي القراءات 484