سؤال وجواب- ثلاثية الطاقة والماء والقمح.. هل تدفع مصرَ بعيدا عن سياسة المحاور؟

في الأربعاء ٢٠ - يوليو - ٢٠٢٢ ١٢:٠٠ صباحاً

بعد قمة جدة واللقاء الأول مع الرئيس الأميركي جون بايدن، زار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ألمانيا ثم صربيا.القاهرة – بعد زيارة اختتمها أمس الثلاثاء إلى ألمانيا؛ حملت إعلانا باستعداد بلاده لتصدير غاز شرق البحر المتوسط إلى أوروبا عبر محطات مصرية، وذلك في إطار توجه للحد من الاعتماد على الغاز الروسي؛ وصل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي -في زيارة هي الأولى من نوعها- اليومَ الأربعاء إلى صربيا المعروفة بموقف مغاير لجيرانها في أوروبا فيما يتعلق برفض الغزو الروسي لأوكرانيا.

يأتي ذلك بعد اللقاء الأول للسيسي مع الرئيس الأميركي جو بايدن على هامش قمة جدة الأسبوع الماضي في السعودية، وهو ما يثير تساؤلات عن تعاقب الزيارتين اللتين تتزامنان مع تطورات دولية وتحالفات متشابكة لمصالح إقليمية ودولية متناقضة، وتأثير ذلك على إدارة القاهرة لسياستها الخارجية، فهل هي بصدد صياغة بدائل بعيدة عن سياسة المحاور التي سيطرت على مواقفها لعقود؟مع مرور قرابة 5 أشهر على الحرب الأوكرانية، لا تزال القاهرة تراقب بحذر من دون تأييد واضح لطرف على حساب آخر، حيث سبق أن أيدت قرارا أمميا طالب بانسحاب روسيا من أوكرانيا، وفي الوقت ذاته رفضت توظيف عقوبات اقتصادية ضد موسكو.

وفي التاريخ الحديث، فيما يتعلق بمحوري الشرق والغرب، مالت مصر منذ ثمانينيات القرن الماضي إلى الجانب الأميركي، وهو ما يعززه تأكيد البلدين على أن علاقاتهما إستراتيجية خاصة على المستوى العسكري، لكنها في السنوات الأخيرة أبحرت -إلى حد ما- شرقا، في إطار هامش المناورة الذي اتبعته لمواجهة ضغوط غربية، وفق مراقبين.

وما سبق يثير تساؤلا رئيسيا؛ هل تدفع التطورات الدولية والإقليمية الراهنة مصر إلى صياغة بدائل بعيدة عن سياسة المحاور؟ ويتمخض عن ذلك مجموعة تساؤلات تسعى "الجزيرة نت" عبر محللين سياسيين إلى الإجابة عنها، وأهمها؛ هل اختارت مصر أوروبا على حساب روسيا بموجب اتفاقيات الطاقة الاخيرة؟ وهل تمتلك أوراقا لصياغة بدائل بعيدة عن سياسة المحاور؟ وما كلفتها؟

وما دور ثلاثية الطاقة والأمن المائي واستيراد القمح في التأثير على سياسة القاهرة الخارجية؟

مؤتمر صحفي مشترك بين السيسي (يسار) والمستشار الألماني أولاف شولتز في برلين (الفرنسية)
هل تدفع التطورات الدولية الراهنة مصر إلى صياغة بدائل عن سياسة المحاور؟
الأكاديمي والمحلل السياسي المصري خيري عمر، يرى أن بلاده تسعى إلى تنويع علاقاتها الخارجية، وبدا ذلك في تنوع مصادر التسليح واتفاقيات التجارة والصناعة بين مختلف القوى الدولية؛ حتى لا تكون مرهونة لتغيرات مفاجئة على الساحة الدولية تدفعها إلى تحمل أعباء جديدة.

وعزز عمر رأيه بالإشارة إلى أن السيسي توجه إلى صربيا التي تعد أكثر قربا إلى الجانب الروسي، بعد زيارته مباشرة لألمانيا أحد الأطراف المتأثرة بالحرب الأوكرانية المستعرة خاصة في إمدادات الغاز.

وشدد على أن ذلك يعكس الرغبة المصرية في عدم الانحياز، والتأكيد على أن القاهرة ليست مع طرف ضد آخر.

واتفق مع الرأي ذاته، الأكاديمي والمحلل السياسي المصري محمد الزواوي، مشيرا إلى أن القاهرة تعلمت على مدار تاريخها الحديث ألا تعتمد على دولة ما، سواء في سياساتها الخارجية أو حتى فيما يتعلق بسياسات التسليح والطاقة.

وقال إن الأزمة الدولية الراهنة رسخت ذلك المفهوم لدى بلاده، بل ربما ستدفع مصر إلى مزيد من الاعتماد على الذات في مجال الأمن الغذائي وعلى رأسه تأمين احتياطات كبيرة من القمح المزروع محليا.

لماذا لم تتخذ القاهرة موقفا واضحا من الحرب الأوكرانية؟
تبدو مصالح مصر متضاربة حيال الحرب الأوكرانية، فمن جهة هي على رأس المستوردين للقمح من روسيا وأوكرانيا (من أكبر مورديه عالميا) إضافة إلى علاقاتها العسكرية مع الجانب الروسي، وعززتها اتفاقيات السلاح في السنوات الأخيرة ومفاعل الضبعة النووي الذي تدشنه شركة "روساتوم" (ROSATOM) الروسية المملوكة للدولة، ومن جهة أخرى لها علاقات إستراتيجية مع الجانب الأميركي ومصالح متبادلة مع مختلف العواصم الأوروبية.

وانطلاقا مما سبق، يرى خيري عمر أن الموقف المصري من الحرب الأوكرانية يظل محايدا؛ لارتباطه بمسار يبتعد عن التكتلات الدولية، ومن جانب آخر ارتباطه مباشرة بالمصالح المصرية، حيث عملت القاهرة على تحييد مصالحها المختلفة بين الشرق والغرب، وهو ما يمكن ملاحظته من زيارات وجولات المسؤولين لعواصم العالم مؤخرا.

غاز شرق المتوسط يصل أوروبا عبر محطات مصرية.. هل اختارت مصر الغرب على حساب روسيا؟
يستبعد عمر هذا السيناريو، موضحا أن القاهرة لم تختر طرفا على حساب آخر، حيث إن مسألة الغاز محسومة منذ عام 2017، باتفاقيات دولية تشير إلى أن مصر ستصبح محطة لإسالة غاز شرق المتوسط إلى أوروبا، بما يعني أن الموقف المصري الراهن لا يرتبط بسياسة المحاور أو الحرب الأوكرانية.

وفي المقابل، يرى الزواوي أن مصر تميل إلى المعسكر الغربي بقيادة أوروبا والولايات المتحدة في مجالات التنقيب والاستخراج والتصدير، إلا أنه أكد على أن بلاده لا تزال تحافظ على علاقة جيدة مع روسيا التي تقوم بإنشاء مفاعل الضبعة.

وأضاف أن مصر تعمل على ضخ الغاز للسوق الأوروبي، الذي يعتبر المستهلك الأكبر للطاقة في المنطقة، ومن ثم فإنها تساعده على سياسات تنويع الطاقة بعيدا عن الاحتكار الروسي، مشددا على أن ذلك يصب في تعظيم مكانة مصر كما رأينا في الاتفاق الأخير مع ألمانيا.

كما أشار إلى أنه بالرغم من كون حصة مصر ضئيلة نسبيا مقارنة بالأطراف الأخرى في آبارها الغازية، وكذلك حصصها في معامل تسييل الغاز في إدكو ودمياط (شمالي البلاد)، إلا أنها تعمل جاهدة على أن تكون المركز السياسي لمفاوضات الطاقة، كما عملت على إدماج إسرائيل في خط الغاز العربي مؤخرا.

ماذا تنتظر مصر من المجتمع الدولي؟
في هذا الصدد، يؤكد عمر أن القاهرة لا تنتظر شيئا من الغرب في تغيير تحفظاته على الملف الحقوقي أو قضايا الديمقراطية، كما أنها تجنبت الحديث خلال قمة جدة الأخيرة عن سد النهضة.

وأوضح أن ملف السد يبدو محيرا في إدارته من الجانب المصري، وربما تفسير ذلك يرتبط بفكرة جيولوجيا السد، حيث إنه يبدو أن لدى القاهرة حسابات بأنه لن يكتمل لأسباب إنشائية، وهو ما قد يفسر الصمت الراهن المتوافق عليه رسميا، وفق اعتقاده.

هل مصر قادرة على الابتعاد عن سياسة المحاور؟
يرى المحلل السياسي خيري عمر، أن الحل السهل والأفضل لمصر هو الابتعاد عن سياسة المحاور، مشددا على قدرتها على ذلك.

وأوضح أن مؤتمر جدة الأخير، يتبين منه أن القاهرة كانت لديها تحفظات قائمة تشير إلى قدرتها على المناورة، حيث كان الرئيس الأميركي جو بايدن يسعى إلى تجييش عربي ضد إيران بالتزامن مع فرض اندماج إسرائيل في الإقليم، وفق وصفه.

وأضاف أنه رغم الإغراءات الأميركية، يظل الموقف المصري ملتزما باعتبار إسرائيل مشكلة أمنية، وبالتالي معارضة اندماجها في الإقليم، مشيرا إلى أنه حتى لو تغيرت الظروف الإقليمية والدولية سيكون الاندماج الإسرائيلي محدودا وسيظل نفوذه ضعيفا ومحمولا على جناح أميركي.

ومع زيارة بايدن -وفق عمر- اتضح أن المسؤولين العرب أدركوا ضرورة التقارب فيما بينهم لتحييد أية أعباء دولية، وهو ما جعل الرئيس الأميركي لا يأخذ ما يريد، وفق تعبير عمر.

ورأى عمر أن ما وصفه بالنضج الإقليمي الراهن، جاء بعد حراك داخلي في السنتين الماضيتين، وسيخلق حالة من الوعي المشترك في المستقبل، قد تقود من خلاله الدول العربية تكتلا مؤثرا على الحياد الإيجابي، يعززه التضافر المصري السعودي.

وفي السياق ذاته، شدد الزواوي على أنه لا يمكن تخيل عودة مصر إلى سياسة المحاور مرة ثانية، كما حدث في أعقاب انهيار الاتحاد السوفياتي والاعتماد الكلي على أميركا فيما يتعلق بتوريد السلاح لا سيما المقاتلات، حيث إن وجود روسيا بديلا للتسليح بأحدث أجيال المقاتلات
لماذا لم تتخذ القاهرة موقفا واضحا من الحرب الأوكرانية؟
تبدو مصالح مصر متضاربة حيال الحرب الأوكرانية، فمن جهة هي على رأس المستوردين للقمح من روسيا وأوكرانيا (من أكبر مورديه عالميا) إضافة إلى علاقاتها العسكرية مع الجانب الروسي، وعززتها اتفاقيات السلاح في السنوات الأخيرة ومفاعل الضبعة النووي الذي تدشنه شركة "روساتوم" (ROSATOM) الروسية المملوكة للدولة، ومن جهة أخرى لها علاقات إستراتيجية مع الجانب الأميركي ومصالح متبادلة مع مختلف العواصم الأوروبية.

وانطلاقا مما سبق، يرى خيري عمر أن الموقف المصري من الحرب الأوكرانية يظل محايدا؛ لارتباطه بمسار يبتعد عن التكتلات الدولية، ومن جانب آخر ارتباطه مباشرة بالمصالح المصرية، حيث عملت القاهرة على تحييد مصالحها المختلفة بين الشرق والغرب، وهو ما يمكن ملاحظته من زيارات وجولات المسؤولين لعواصم العالم مؤخرا.

غاز شرق المتوسط يصل أوروبا عبر محطات مصرية.. هل اختارت مصر الغرب على حساب روسيا؟
يستبعد عمر هذا السيناريو، موضحا أن القاهرة لم تختر طرفا على حساب آخر، حيث إن مسألة الغاز محسومة منذ عام 2017، باتفاقيات دولية تشير إلى أن مصر ستصبح محطة لإسالة غاز شرق المتوسط إلى أوروبا، بما يعني أن الموقف المصري الراهن لا يرتبط بسياسة المحاور أو الحرب الأوكرانية.

وفي المقابل، يرى الزواوي أن مصر تميل إلى المعسكر الغربي بقيادة أوروبا والولايات المتحدة في مجالات التنقيب والاستخراج والتصدير، إلا أنه أكد على أن بلاده لا تزال تحافظ على علاقة جيدة مع روسيا التي تقوم بإنشاء مفاعل الضبعة.

وأضاف أن مصر تعمل على ضخ الغاز للسوق الأوروبي، الذي يعتبر المستهلك الأكبر للطاقة في المنطقة، ومن ثم فإنها تساعده على سياسات تنويع الطاقة بعيدا عن الاحتكار الروسي، مشددا على أن ذلك يصب في تعظيم مكانة مصر كما رأينا في الاتفاق الأخير مع ألمانيا.

كما أشار إلى أنه بالرغم من كون حصة مصر ضئيلة نسبيا مقارنة بالأطراف الأخرى في آبارها الغازية، وكذلك حصصها في معامل تسييل الغاز في إدكو ودمياط (شمالي البلاد)، إلا أنها تعمل جاهدة على أن تكون المركز السياسي لمفاوضات الطاقة، كما عملت على إدماج إسرائيل في خط الغاز العربي مؤخرا

ماذا تنتظر مصر من المجتمع الدولي؟
في هذا الصدد، يؤكد عمر أن القاهرة لا تنتظر شيئا من الغرب في تغيير تحفظاته على الملف الحقوقي أو قضايا الديمقراطية، كما أنها تجنبت الحديث خلال قمة جدة الأخيرة عن سد النهضة.

وأوضح أن ملف السد يبدو محيرا في إدارته من الجانب المصري، وربما تفسير ذلك يرتبط بفكرة جيولوجيا السد، حيث إنه يبدو أن لدى القاهرة حسابات بأنه لن يكتمل لأسباب إنشائية، وهو ما قد يفسر الصمت الراهن المتوافق عليه رسميا، وفق اعتقاده.

هل مصر قادرة على الابتعاد عن سياسة المحاور؟
يرى المحلل السياسي خيري عمر، أن الحل السهل والأفضل لمصر هو الابتعاد عن سياسة المحاور، مشددا على قدرتها على ذلك.

وأوضح أن مؤتمر جدة الأخير، يتبين منه أن القاهرة كانت لديها تحفظات قائمة تشير إلى قدرتها على المناورة، حيث كان الرئيس الأميركي جو بايدن يسعى إلى تجييش عربي ضد إيران بالتزامن مع فرض اندماج إسرائيل في الإقليم، وفق وصفه.

وأضاف أنه رغم الإغراءات الأميركية، يظل الموقف المصري ملتزما باعتبار إسرائيل مشكلة أمنية، وبالتالي معارضة اندماجها في الإقليم، مشيرا إلى أنه حتى لو تغيرت الظروف الإقليمية والدولية سيكون الاندماج الإسرائيلي محدودا وسيظل نفوذه ضعيفا ومحمولا على جناح أميركي.

ومع زيارة بايدن -وفق عمر- اتضح أن المسؤولين العرب أدركوا ضرورة التقارب فيما بينهم لتحييد أية أعباء دولية، وهو ما جعل الرئيس الأميركي لا يأخذ ما يريد، وفق تعبير عمر.

ورأى عمر أن ما وصفه بالنضج الإقليمي الراهن، جاء بعد حراك داخلي في السنتين الماضيتين، وسيخلق حالة من الوعي المشترك في المستقبل، قد تقود من خلاله الدول العربية تكتلا مؤثرا على الحياد الإيجابي، يعززه التضافر المصري السعودي

وفي السياق ذاته، شدد الزواوي على أنه لا يمكن تخيل عودة مصر إلى سياسة المحاور مرة ثانية، كما حدث في أعقاب انهيار الاتحاد السوفياتي والاعتماد الكلي على أميركا فيما يتعلق بتوريد السلاح لا سيما المقاتلات، حيث إن وجود روسيا بديلا للتسليح بأحدث أجيال المقاتلات، يظل خيارا آخر جيدا للرفض الأميركي لتصدير التقنية المتقدمة في ذلك المجال.

هل تمتلك مصر أوراقا لصياغة بدائل بعيدة عن سياسة المحاور؟ وما كلفة الاستبدال؟
يتفق عمر والزواوي على أن مصر تمتلك العديد من الأوراق، فمن جهة باتت لاعبا في سوق الطاقة خاصة الغاز، إضافة إلى مساعيها في دعم الاقتصاد الأخضر القائم على الطاقة النظيفة، وكذلك دورها في الحد من الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، وتشاركها مع المصالح الأميركية أو الروسية في المنطقة.

وفي مقال بصحيفة الشروق، عرض أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة مصطفى كامل السيد، مجموعة مؤشرات وتساؤلات تحدد ما إذا كانت مصر ستصبح دولة مستقرة فاعلة على صعيدها الإقليمي ومسموعة الكلمة على الصعيد العالمي أم لا.

وأبرز هذه التساؤلات -وفق السيد- هل من صالح مصر فى ظل أوضاع دولية غير مستقرة أن تلتزم بعلاقات أوثق مع إحدى القوى الكبرى على حساب علاقاتها بالقوى الكبرى الأخرى، أم أن المرونة في كثافة ومجالات العلاقات مع القوى الكبرى القديمة والبازغة هي عين الحكمة فى هذه الظروف؟

أما عن كلفة استبدال المحاور، فقد رأى خيري عمر أن اتخاذ مصر موقفا مؤيدا لمحور على حساب آخر يعني أنها ستكون نقطة متقدمة على هذا المحور أو ذاك، وهو ما يولد أعباء ليس من الحكمة تحملها.

وحذّر من أنه لو اتجهت القاهرة شرقا قد تواجه ضغوطا أميركية وعقوبات وتضييقا في ملفات إقليمية ومحلية، ولو اتجهت غربا ستعادي الروس، بما يهدد مصالحها في بؤر مختلفة تعد لاعبا فيها سواء في إثيوبيا أو ليبيا أو سوريا.
اجمالي القراءات 729