مبدعات صغيرات يوقّعن كتبهن في معرض الكتاب بالرباط.. مواهب تتفجر سردا في عمر الزهور

في الإثنين ١٣ - يونيو - ٢٠٢٢ ١٢:٠٠ صباحاً

يقول الروائي عبد المجيد سباطة عن ظاهرة توقيع أطفال لكتبهم إنه من الواجب إبعادهم عن التغطية الإعلامية المزيفة التي لا هَم لها سوى البهرجة السطحية، وتحفيزهم على القراءة الجادة والواعية والمناسبة لأعمارهم تدريجياالرباط – تجلس الكاتبة الصغيرة هبة الله العلمي خلف طاولة مستطيلة صفت عليها قصصا من تأليفها باللغتين العربية والفرنسية.

يتحلق حولها الأطفال من أعمار مختلفة طلبا لتوقيع إحدى القصص المعروضة ولتبادل أطراف الحديث حول تجربتها فيوأثارت الطفلة هبة الله دهشة وإعجاب الأسر التي زارت المعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط مع أطفالها، بوصفها نموذجا متفردا لموهبة يانعة اقتحمت عوالم السرد، وخطت بقلمها إنتاجات أدبية عديدة وهي في عمر الزهور.

الكتابة لإسماع الصوت
بثقة عالية بالنفس، متنقلة بين عربية رشيقة وفرنسية أنيقة، تبادلت الكاتبة الصغيرة هبة الله التي لا يتعدى عمرها 14 عاما تجربتها في الكتابة خلال حفل توقيع كتبها في فعاليات المعرض الدولي للنشر والكتاب في دورته الـ27 بالرباط، وتقاسمت مع الأطفال حبها للقراءة وما اكتسبته خلال سنوات عمرها الصغير من مهارات ساعدتها على حيازة تأشيرة الدخول إلى عالم التأليف والتعبير عن الذات.

تقول هبة الله للجزيرة نت "بدأت علاقتي بالقراءة وعمري عامان، كانت والدتي تقرأ لي القصص قبل النوم بأسلوب مشوق، عندما تعلمت القراءة بدأت أحاول فك ألغاز الحروف وتركيب الجمل، ومن حينها صار الكتاب رفيق دربي في هذه الحياة".

شاركت هبة الله وهي في عمر الـ11 في مسابقة تحدي القراءة العربي غير أنها أرادت لمشاركتها أن تكون مختلفة.

الكاتبتان الصغيرتان لينا عامل (يمين) وهبة الله العلمي تتبادلان توقيع إصداراتهما (الجزيرة)
تقول "كنت أنا وأقراني نتنافس حول ما قرأناه من كتب، قلت لنفسي ما الذي يميزني عنهم؟ فكلنا نحب القراءة ونقرأ بنهم، لذلك قررت أن أكتب قصة للأطفال لأتميز عن باقي المتنافسين، وكانت هذه القصة هي باكورة أعمالي الأدبية وعنوانها (شان والقطعة الذهبية)".

منذ ذلك الحين، وجدت هبة في الكتابة متنفسا، ووسيلة للتعبير عن رأيها، وإسماع صوتها وأيضا "تمرير مجموعة من الرسائل والقيم التي ستفيد أقراني" وفق تعبيرها.

ونشر لهبة الله 4 إصدارات هي قصتان قصيرتان إحداهما باللغة العربية وأخرى بالفرنسية وروايتان باللغة الفرنسية.

تقول إنها تحب القراءة والكتابة باللغتين معا "أحب النثر بالفرنسية والشعر بالعربية".

بالنسبة لها، فالكتابة ليست نزوة طفولة وهواية مؤقتة، بل إنها حلم المستقبل "أحلم أن أكون كاتبة عالمية وأضع بصمتي في تاريخ الأدب وأن يكون لي أثر"، لكنها مهنيا ترغب في أن تصبح مهندسة في الذكاء الاصطناعي، وفي نظرها لا يوجد تنافر بين العلوم والأدب بل بينهما توافق وترابط كبير.

اكتشاف المواهب
بينما توقع هبة الله القصص للأطفال الصغار، تقف والدتها سهام الرحاوي على بُعد خطوات منها، تلتقط الصور لابنتها وتتابعها عن كثب.
تؤكد سهام للجزيرة نت أن القراءة علمت ابنتها أشياء كثيرة وفتحت عينيها على العالم من حولها، فبفضل الكتب التي طالعتها، اكتشفت في نفسها ميولا للموسيقى فبدأت تتعلم عزف البيانو إلى جانب ممارسة الرسم، وفي نظرها "بفضل القراءة يكتشف الإنسان ذاته ومواهبه المدفونة".

دفعت مريم أم ريحانة، بطفلتها ذات الـ5 أعوام للاقتراب من الطاولة حيث تجلس الكاتبة هبة الله، ووقفت جانبا وهي تتابع الحديث الدائر بينهما.

تقول مريم للجزيرة نت إن ابنتها تحب القراءة وكتابة القصص، وأخذتها إلى حفل توقيع هبة الله العلمي لتشجيعها ولتريها أنها قد تكون يوما ما كاتبة وتوقع كتبها للقراء.

حضور لافت للجمهور في حفل توقيع الكاتبة الصغيرة هبة الله العلمي لمجمل إصداراتها (الجزيرة)
لينا.. تعبير عن الذات والأفكار
غير بعيد عن منصة التوقيع، صادفت الجزيرة نت لينا عامل وهي كاتبة صغيرة (14 عاما) اقتحمت بدورها عوالم السرد ووقّعت ضمن فعاليات المعرض الدولي للكتاب كتابها الأول الصادر باللغة الفرنسية.
تتشابه بدايات التعلق بالقراءة لدى لينا وهبة الله، حيث تحضر الأم وعادة قراءة القصص كل ليلة كأسلوب يربط الصغار بعوالم الحكي والسرد.

وجدت لينا كما حكت للجزيرة نت نفسها تميل لمادة الإنشاء في فصول الدراسة، إذ ينطلق قلمها سيالا عند صياغة المواضيع التي يقترحها الأساتذة وخاصة في حصة اللغة الفرنسية.

تقول "كنت أحلم منذ صغري بأن أكون كاتبة، إلى أن جاءت اللحظة التي قلت فيها لنفسي: ماذا أنتظر، عندي أفكار كثيرة واللغة تطاوعني؟ فكتبت كتابي الأول وبعدما أنهيته عرضته على والدي الذي عرضه بدوره على صديق ناشر فأشرف مشكورا على طبعه".

وتضيف "بطل قصتي هو كتاب حي يتكلم عن نفسه ويعبر عنها، يتحدث مع القارئ، يعرض أفكاره وانتقاداته للمجتمع ونظرته للحياة والكون".

تجهز لينا مشاريع أخرى، فهي تعكف "حاليا على كتابة قصة وأريد كتابة الشعر، هذا المجال يعجبني، فأنا أكتب لأعبر عن ذاتي وعما يعتمل في أعماقي من مشاعر وأفكار".

رغم سنها الصغير، ترى لينا أن امتهان الكتابة ليس بالأمر السهل بل إنه محفوف بالصعوبات والتحديات.

تقول "في العمق لا أرغب أن أكون كاتبة فقط، لأني عندما أنظر إلى مستقبل الكتاب أراه مبهما، يعجبني المجال السمعي البصري، لذلك فالمهنة التي أحلم بأن أزاولها عندما أكبر هي الإخراج، لكن يمكن أن أمارس الكتابة بالتوازي".

الكاتبة الصغيرة لينا عامل تحمل باكورة إصداراتها وهي قصة باللغة الفرنسية (الجزيرة)
تشجيع وتوجس
ولفتت المبدعات الصغيرات الأنظار في جناح الطفل بالمعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط، وشهدت لحظات توقيع كتبهن تفاعلا وحضورا للأسر التي اصطحبت أطفالها لتحبيبهم في القراءة وخلق صلات مع الكاتبات والاستلهام من تجاربهن.

وإضافة إلى هبة الله العلمي ولينا عامل، وقّعت الطفلة عبير عزيم (14 عاما) أيضا قصتها "درع الوطن"، وكذا الطفلة دينا نجمي (10 أعوام) التي وقعت قصتها بالفرنسية "مغامرات ليا وأصدقائها".

وينظر الكاتب والروائي عبد المجيد سباطة لتوقيع عدد من الأطفال كتبهم في معرض الكتاب من زاويتين.

فمن جهة، يشجع هذا التوجه ويجده خطوة في طريق السعي نحو تحقيق حلم المجتمع القارئ، حيث يعود جيل الألفية (أو جيل زد (Z) كما جرت تسميته) إلى الكتاب، بعدما هيمنت التكنولوجيا على كل مناحي الحياة وشلت القدرة على التفكير والإبداع السليم.

شعار معرض الرباط الدولي للكتاب 2022 (مواقع إلكترونية)
ومن جهة أخرى، ينظر لهذه الظاهرة بعين التوجس والريبة لتحولها في بعض الأحيان إلى عرض أو شو إعلامي يرافقه التصفيق والتقاط الصور ثم "لا شيء" بعد ذلك، إذ لا تتم متابعة هؤلاء المبدعين الصغار في مراحل لاحقة، وهو ما قد يؤدي في النهاية -وفق رأيه- إلى تدمير مواهبهم الوليدة وتحويل أحلامهم الوردية البريئة إلى كوابيس سوداء.

ويؤكد سباطة في حديث مع الجزيرة نت، ضرورة دعم الكُتاب الصغار دعما حقيقيا ومواكبتهم باستمرار، والعناية بموهبتهم وسقيها ماء الخبرة والثقة، بما يعينهم على تجاوز كل مظاهر الاستغراب وربما السخرية مما يقومون به.

ويرى من الواجب إبعادهم عن التغطية الإعلامية المزيفة التي لا هَم لها سوى البهرجة السطحية، وتحفيزهم على القراءة الجادة والواعية والمناسبة لأعمارهم تدريجيا، لأنها -كما يقول سباطة- "السبيل الوحيد لصقل إبداعاتهم والمضي بها قدما نحو الاحتراف، وإن أصرت الأصوات المتشائمة على تثبيط عزيمة الأسر الحاضنة والتقليل من شأن مجهوداتها". الكتابة وتنمية المهارات.
اجمالي القراءات 652