سراييفو.. أقدم مؤسسات التعليم الإسلامي الأوروبية تخرّج الدفعة 472 من طلابها

في الثلاثاء ١٧ - مايو - ٢٠٢٢ ١٢:٠٠ صباحاً

شهدت مدرسة "غازي خسرو بك" التي تعدّ من أهم الآثار العثمانية في العاصمة البوسنية (سراييفو) تخريج الدفعة 472 من طلابها.

وذكر منصور مالكيتش، مدير المدرسة التي تعدّ من أقدم مؤسسات التعليم الإسلامي في أوروبا، أن الدفعة الحالية تضم 49 طالبا و68 طالبة، بينهم 9 حفظة للقرآن الكريم.
وأعربت الطالبة فاطمة حسين باهيتش التي تخرجت في المدرسة بمعدل عال عن فخرها بالتعلم في المدرسة العريقة التي "توفر أساسا جيدا جدا لأي تعليم في المستقبل"، وفق تعبيرها.
طلاب مدرسة "غازي خسرو بك" يحتفلون بالتخرج بجوار المجمع التاريخي الذي يضم مسجدا ومدرسة ومكتبة (الأناضول)
مدرسة وجامع تاريخي
بُنيت المدرسة والجامع عام 1530 عندما كانت البوسنة والهرسك جزءا من الدولة العثمانية، بناهما المعمار التبريزي عجم علي بأمر من حاكم ولاية البوسنة العثماني الغازي خسرو بك.
ورغم عدم كونه أول جامع بني في المدينة عقب فتح العثمانيين لها فإنه الأهم فيها، فضلا عن إسهامه الكبير في تمدّن سراييفو التي كانت حينئذ عبارة عن قضاء صغير.

وجاء الغازي خسرو بك إلى البوسنة بعد 60 عامًا من بداية الحكم العثماني، فلم تكن إدارته للدولة إدارة تقليدية، ولم تكن أقل كفاءة من قيادته للجيش، واستطاع أن يجعل سراييفو مركزا حضاريا واقتصاديا متميزا، فاستحق بجدارة أن يطلق على عصره "العصر الذهبي".

ويقع جامع خسرو بك حاليا بجانب برج الساعة التاريخي المشيد في القرن الـ16، ضمن السوق الرئيسة في قلب العاصمة سراييفو.

واهتم الغازي خسرو بك بإنشاء المؤسسات التعليمية والاقتصادية والخدمية، كما أسس وطوّر نظام الوقف الإسلامي ليضمن التمويل الذاتي لتلك المؤسسات، وعلى رأس تلك المؤسسات يأتي الجامع الذي بناه عام 1530 في أجمل مناطق سراييفو، وأسند تصميمه إلى عجم علي كبير المعماريين في الدولة العثمانية الذي جعله تحفة فنية وعمرانية، بالإضافة إلى توفر كل المرافق اللازمة من أماكن للوضوء وكُتّاب لتعليم القرآن ومكتبة وغيرها، حسب تقرير سابق للجزيرة نت من سراييفو

مدرسة الغازي خسرو بك في سراييفو (الجزيرة)
في إحدى وثائق وقف الغازي خسرو بك في العاصمة البوسنية سراييفو، يقول "يُدرك كل حكيم وعاقل أن هذا العالم عابر وليس منزلا ولا مسكنا، بل هو ممر يوصل المرء إلى دار النجاة أو الجحيم، والحكيم هو الذي لا يخدعه هذا العالم…".

وفي مقابل المسجد بنى الغازي خسرو بك مدرسة تُعدّ أول مؤسسة تعليمية في البلقان وقد تخرج فيها عشرات العلماء والمثقفين ورجال الحكم في البوسنة والهرسك، كما أنشأ مكتبة للمخطوطات والكتب الإسلامية تؤدي دورا مميزا في الحياة التعليمية والثقافية والبحثية في البوسنة والهرسك وفي أوروبا والعالم أجمع.

واهتم الغازي خسرو بك بالحفاظ على رقي سراييفو ونظافتها، فأمر بإقامة شبكة لتزويدها بالماء العذب، وحسب المؤرخين فإن سراييفو من أول المدن الأوروبية التي عرفت نظام شبكات مياه الشرب، وسبقت بذلك عواصم أوروبية شهيرة مثل فيينا (1553) وباريس (1602) ولندن (1609).

وحظي الجانب الاقتصادي باهتمام الغازي خسرو بك، فبنى عشرات المحالّ أوقفها للإنفاق على الأوقاف، كما بنى عشرات الدكاكين خصصها للحرفيين، وبنى سوقا مغلقة تسمى "سوق بازستان" تحتوي على عشرات المحالّ، وبنى "تكية" لتقديم الطعام مجانا للمحتاجين من أهل البلاد وللمسافرين وعابري السبيل.
غازي خسرو بك
ولد خسرو بك عام 1480م من سلالة عرفت بالملك والحكم، فأبوه البوسني فرهاد بن عبد الله كان واليا على مدينة سرز في اليونان، وأمه هي الأميرة سلجوقة بنت السلطان العثماني بايزيد الثاني، حفيدة السلطان محمد الفاتح.
قُتل أبوه عام 1486 في معركة قرب مدينة أضنة في الأناضول حين كان قائدا في جيش السلطان بايزيد الثاني، ولهذا حظي خسرو باهتمام مبكر من جده السلطان وأخواله الأمراء، فنشأ وتربى في القصر العثماني بإسطنبول، فأسهم ذلك في صقل شخصيته وقدراته الإدارية والسياسية والعسكرية.

أظهر خسرو منذ صغره نبوغا واستعدادا لتحمل المسؤولية أهّلاه للقيام بكثير من المهام والأعمال الدبلوماسية المهمة للدولة، فأُرسل عام 1503 مبعوثا رسميا باسم الدولة العثمانية إلى أمير روسيا، ورافق خاله محمد بن بايزيد أثناء ولايته على القرم، ثم عُيّن عام 1519 واليا على مدينة سميديريفو الصربية، ثم أصبح واليا على البوسنة عام 1521.

ضريح الغازي خسرو بك وبجواره ضريح مراد بك ناظر الوقف
ضريح الغازي خسرو بك وبجواره ضريح مراد بك ناظر الوقف في سراييفو (الجزيرة)
أما على الصعيد العسكري، فقد تميز خسرو بشجاعة نادرة بوصفه جنديا، وبتفوق ملحوظ بوصفه قائدا عسكريا. وبعد أن أصبح واليا على البوسنة بنى جيشا بوسنيا قويا، شارك به في العديد من المعارك، فكان على رأس الجيش البوسني (تحت راية الخلافة العثمانية) في معركة موهاكس ضد مملكة المجر عام 1526، التي انتهت بانتصار العثمانيين ودخول المجر تحت سلطة الدولة العثمانية، كما شارك في حصار فيينا الأول عام 1529، لكن المشاركة العسكرية الأبرز له كانت إسهامه بكفاءة في فتح بلغراد، إذ كانت سببا في أن منحه السلطان لقب "الغازي".
استشهد الغازي خسرو بك سنة 1541 في إحدى المعارك ضد الصرب بالقرب من "الجبل الأسود"، ودفن بناء على وصيته في سراييفو على يسار المسجد الذي يحمل اسمه.
ظهرت شخصية الغازي خسرو بك بجلاء خلال ولايته للبوسنة، فعلى الرغم من أنه أنفق بسخاء في أعمال البر بوازع من التقوى والورع فإنه في الوقت نفسه أبدع في الإدارة والسياسة وقيادة الدولة.
اجمالي القراءات 746