من الكلمات السياسية إلى المناهج الدراسية... تحوّلات خطاب "الدولة" عن 25 يناير

في الثلاثاء ٢٥ - يناير - ٢٠٢٢ ١٢:٠٠ صباحاً

أحد عشر عاماً مرت على ثورة يناير، تبدلت فيها سيرة الثورة ومفاهيمها في عيون الذين عايشوها وكانوا رافضين لها، والذين قبلوها من دون أن يغامروا في خوض غمارها، والذين تشكل وعيهم بعدها. وتبدّلت أيضاً في عيون من شاركوا فيها.

ورغم مرور أحد عشر عاماً، وبسبب التحولات السياسية التي أثرت على سيرة الثورة حتى باتت خطراً على من يرددونها بشكل إيجابي، تغيب الدراسات السوسيولوجية الجادة التي ترصد تحولات تلك السيرة وما يعنيه ذلك على المستويين السياسي والاجتماعي، بعدما عادت السياسة لعبة تحتكرها بعض الجهات وتغيّبها عن الشارع.

تلك الجهات وحدها باتت هي التي تشكل سيرة الثورة في الكلمات والأدبيات الرسمية، فتسميها "أحداثاً"، وتدعوها "اضطرابات"، وتستدعيها في معرض التهديد والوعيد بمصائر دول ثارت شعوبها على الديكتاتورية والفساد فانهارت وتحولت ساحات مفتوحة لاصطياد الشعب بالطائرات.

ومن كونها سبباً أساسياً لقيام الثورة بسبب ممارساتها في التعذيب والقتل خارج إطار القانون في أماكن الاحتجاز؛ باتت الشرطة المصرية التي أثارت غضبة المتظاهرين في 25 يناير، هي من حققت أهداف الثورة، بحسب أحدث تصريح للرئيس عبدالفتاح السيسي، الذي جاء بعد يوم واحد من نشر صحيفة الغارديان البريطانية تقريراً عن استمرار تعذيب المحبوسين في أحد اقسام الشرطة بالعاصمة.

وإن كانت الثورة لا تزال حية في قلوب وعقول الذين أطلقوها وقدموا الأرواح لأجل أهدافها "العيش والحرية والكرامة والعدالة"، يبدو أن صوتها انزلق في منحنى من الخفوت والتغييب في خطابات الدولة على مدار الـ11 عاماً الماضية، حتى أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي اكتفى بذكرها هذا العام في 32 مرة ضمن كلمته بمناسبة عيد الشرطة الـ70، انخفاضاً من 50 مرة في العام السابق.

تلك الجهات وحدها باتت هي التي تشكل سيرة الثورة في الكلمات والأدبيات الرسمية، فتسميها "أحداثاً"، وتدعوها "اضطرابات"، وتستدعيها في معرض التهديد والوعيد بمصائر دول ثارت شعوبها على الديكتاتورية والفساد فانهارت وتحولت ساحات مفتوحة لاصطياد الشعب بالطائرات
في عيدها الأول، أعلن المجلس العسكري –الحاكم آنذاك- أن ثورة 25 يناير(كانون الثاني) 2011، نجحت في القضاء على الظلم والقهر، مؤكداً بفخر أنه كان متضامناً معها وشريكاً فيها. بعده جاء حكم الإخوان المسلمين الذين نسبوا أنفسهم إليها باعتبارهم فصيلاً ثورياً، حتى وصلوا إلى السلطة فصاروا إذ ذاك يتحدثون عن أهمية الاستقرار. وفي ذكراها الأولى وقفوا فوق منصات ميدان التحرير يحاولون إسكات صوت المنادين باستكمال أهداف لثورة من خلال رفع صوت القرآن. وخلال حكمهم حاولوا السيطرة على الاحتفال بذكراها الثانية (كانون الثاني/ يناير 2013) وتحويلها إلى احتفالية بنجاح الرئيس (محمد مرسي وقتذاك) في تحقيق أهدافها التي كانت لا تزال بعيدة.

وبعد رحيلهم، جاءت فترة انتقالية قادها رئيس المحكمة الدستورية العليا، عدلي منصور، الذي احتفل بذكراها الثالثة بكلمة جمعت بين الاحتفال بها وذكرى عيد الشرطة، مع التركيز على "ثورة 30 حزيران/ يونيو 2013"، باعتبارها تصحيحاً للمسار الذي بدأته ثورة يناير.

ومع استعداد الرئيس السيسي لتولي السلطة رسمياً في النصف الثاني من عام 2014، بدأ حديثه عن 25 يناير محيياً إياها في البداية، ورافضاً كل حديث يتعرض لها بالسوء. لكن الحديث لم يلبث أن تحوّل مجراه ليكرر ما جاء في كلمات الرئيس السابق عدلي منصور باعتبارها ثورة للتغيير احتاجت إلى ثورة أخرى لتصويب مسارها، ثم توالت التصريحات المتناقضة. ففي المناسبات الرسمية يمر ذكرها سريعاً لكونها تعبيراً عن رغبة المصريين في بناء مستقبل جديد، لكن في مناسبات أخرى وصفها الرئيس بالمؤامرة، وحذّر بشكل دوري من تكرارها باعتبارها "خراباً" و"وعياً زائفاً"، واتهمها بالتسبب في تعثر أزمة سد النهضة الإثيوبي، وبأن مصر معها "أوشكت أن تضيع".أحد عشر عاماً مرت على ثورة يناير، تبدلت فيها سيرة الثورة ومفاهيمها في عيون الذين عايشوها وكانوا رافضين لها، والذين قبلوها من دون أن يغامروا في خوض غمارها، والذين تشكل وعيهم بعدها. وتبدّلت أيضاً في عيون من شاركوا فيها
"تحديث" المناهج
ليس في خطب الحكام وحدها خفت صوت ثورة يناير بل خفت أيضاً في المناهج الدراسية، فبينما تناولتها في السنوات الأولى بشيء من التفصيل، صارت تُعرض في صورة معلومات عامة سريعة في ختام كتابَي التاريخ للصفين الثالث الإعدادي والثانوي، من دون ذكر المسببات التي أطلقتها.

راهناً، عادت الأمور في المناهج الدراسية إلى ما كانت عليه قبل عام 2011. ذلك أن 25 يناير هو عيد الشرطة المصرية، ويمكننا إضافة ثورة 25 يناير إليه في جملة قصيرة على استحياء.

في البداية، تم تضمين الحديث عن ثورة يناير وبعض مسبباتها في مناهج المرحلة الابتدائية، واستمر ذلك من عام 2012 إلى عام 2014 على أن يكون هذا في إطار تطوير المناهج الدراسية بشكل عام.

ولكن لدى اتضاح الرؤية، بدأت عملية تطوير جديدة للمناهج، كان من توابعها الاكتفاء بإضافة ذكر ثورة 25 يناير وثورة 30 يونيو إلى مناهج التاريخ للصفين الثالث الإعدادي والثانوي، بشيء من التفصيل عام 2014-2015. تناول الفصل الأخير من منهج الصف الثالث الثانوي الثورتين منذ تشكل الحركات المتسببة في اندلاع 25 يناير وأحداثها وصولاً إلى تنحي الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك فتولي الإخوان المسلمين الحكم ورحيلهم بقيام ثورة 30 يونيو وتولي الرئيس عبد الفتاح السيسي الحكم رسمياً.

بمرور الوقت، تقلص الحديث عن الثورة أيضاً في المناهج، فبعدما كان كتاب التاريخ للثانوية العامة متضمناً ثماني صفحات عن الثورتين، بات الفصل الثامن عبارة عن ثلاث ورقات تضم معلومات سريعة عن الأحداث من 2011 إلى 2014.



تنصُّل متعمد
في هذا الصدد، يقول الباحث بالمركز القومي للبحوث التربوية كمال مغيث لرصيف22: "الدولة هي اللي بتضع المناهج، بتكلف كتاب يألفوا المناهج. وفي نفس الوقت بيكون فيه تعليمات نتكلم عن إيه ونكتفي بإيه، الصفحتين تلاتة اللي في كتاب تاريخ ثالثة إعدادي وثانوي، تتناول الثورة كمجرد حدث في تاريخ مصر مش ثورة حقيقية ضد نظام مستبد".

خبير تربوي عن تقليص ذكر 25 يناير في المناهج الدراسية: "الدولة مش بتحاول تخبي العداء دا ولا تتنصل منه"
ويضيف أن ثورة 25 يناير في سنواتها الأولى "شهدت دفعة جماهيرية قوية، تدهورت مع الوقت بفعل القوانين التي وضعتها الدولة والتي تجرم التظاهر وتعاقب على التعبير عن الرأي، إضافة إلى التنكيل برموز الثورة، وعودة رجال الأعمال ورموز نظام مبارك لسابق عهدهم".

ويرى مغيث أن ثورة يناير لم تستمر في طريقها ولم تحقق أهدافها بمحاكمة الفاسدين والمستبدين ومرتكبي الجرائم، "حتى وصلنا إلى وقتنا الحالي الذي يعتبر امتداداً لحكم مبارك، الذي قامت الثورة عليه، وبالتالي لا بد أن نجد النظام يحمل عداءً واضحاً للثورة".

ويتابع: "الدولة مش بتحاول تخبي العداء دا ولا تتنصل منه".

ويعترف الباحث التربوي أن ثورة يناير "انتكست إلى حد كبير. لكن الناس مش بتنسى. وممكن نعتبر وقتنا ده موجة من موجات وإحنا في انتظار موجة قادمة تكمل الثورة، حتى لو الدولة بتحارب الفكرة لكنها ما أنتهتش من وجدان الشباب اللي شاركوا في الثورة".

اجمالي القراءات 819