رحلة الجحيم: شباب الإخوان الهاربون من مصر للسودان.. قصص من هناك

في الثلاثاء ٠٤ - أبريل - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

عبر الصحراء قطع معظم هؤلاء الشباب طريقهم هربًا من جحيم السجون، وما يسمونه تلفيق القضايا. أيام قضوها في سيارات الدفع الرباعي والخيام، وصولًا إلى السودان، هربوا يرجون المساندة من إخوانهم. حكايات الهروب المثيرة لا تقل عن مثيلتها من قصص الحياة الصعبة في السودان، حتى انتهى المشهد بصور لشباب في شارع يبثون فيديو عبر موقع التواصل الاجتماعي في مساء الثاني من أبريل (نيسان) الجاري، لطلب النجدة لإثبات موقف.

وقف شباب في العشرينات وبداية الثلاثينات في شارع من شوارع الخرطوم ليشهد العالم على ما فعل بهم خلافهم مع إخوانهم الكبار -كما قالوا- فقط الخلاف في الرؤية بينهم، وبين مسؤولي الجماعة حول كيفية تداول السلطة داخليًّا، واتخاذ القرارات، اختلاف اعتبره -وفقًا لأصحاب الفيديو- الحاج محمد الحلوجي مسؤول المكتب التنفيذي لإخوان مصر في السودان انشقاقًا، وبالتبعية أصدر أمره بطرد الشباب.

عبد الله حمادة الذي بث الفيديو، عبر حساب شاب آخر يدعى محمد طلبة، قال: «طُلب منا أن نترك السكن وعندما سألنا عن موقفنا لأننا لم نبلغ بالمكان الجديد، قال مسؤول السكن أننا منشقون»، وتابع حمادة: «رفض الشباب الخروج في البداية حتى أبلغتهم المنظمة الخيرية التي تمتلك المبنى بضرورة الإخلاء بعد أن أرسل لهم البعض -في إشارة للطرف الآخر- رسائل عن كوننا شبابًا ينتهج العنف ومخربًا».

وبالرغم من الأحاديث الكثيرة، والتي انتشرت منذ عام تقريبًا عن الصراعات والطرد الذي يحدث لشباب الإخوان المؤيدين لمجموعة مكتب «محمد كامل» عضو مكتب الإرشاد الذي قتل منذ شهور على يد وزارة الداخلية، لكن يبدو أن ذلك الفيديو الذي بثته تلك المجموعة من شباب إخوان محافظة الإسكندرية، أشعل الصراع لأعلى مدى، ويدشن وسمًا تحت عنوان «طردوا_المطارد» يشارك فيه العشرات بالانتقاد، فيما رد الطرف الآخر بوسم «لم_يطردوا_أحد».

 


مقطع الفيديو لطرد شباب محافظة الإسكندرية

الرواية الأخرى

الحاج محمد الحلوجي هو مسؤول الإخوان في السودان، والرجل كما قيل عنه هو رجل أعمال متواجد في السودان منذ سنوات، وشغل منصب رئيس الجالية المصرية، ولا يظهر كثيرًا.

حاول «ساسة بوست» التواصل مع الحلوجي للرد على تلك التهم التي توجه له دائمًا، وأجرينا بالفعل الاتصال ورد علينا، وطلب تأجيل المحادثة مدة ساعتين على أن يكون إجراؤها عبر تطبيق الواتساب، وبعد نحو 12 ساعة أعدنا الاتصال به من جديد على رقمه الخاص الذي يستخدمه في تطبيق الواتساب، ولكنه لم يجب على الهاتف أو على رسائل الواتساب.

وانطلقنا نبحث عن بيانات أو أشخاص يحملون نفس رؤية الحاج الحلوجي ومكتب محمود عزت، فوجدنا بيانًا منسوبًا لمجموعة الإسكندرية التي تركت السكن، ويقوم بإعادة نشره الأشخاص القريبون من مجموعة الدكتور عزت، وسماهم «شباب نحو النور»، ونفى البيان رواية الشباب المطرود، واتهمهم بصناعة أزمة دون مبرر، وأكد أن تلك المجموعة عرض عليها الحصول على شقة، ولكنها رفضت.

من خلال بعض الاتصالات والعلاقات أجرينا اتصالًا بشباب قريب من رؤية الحلوجي من بينهم حسن، الذي اكتفى بذكر أول اسم له فقط، وقال التصريحات الرسمية تكون من قيادات الجماعة، أنا شاهد عيان فقط، وأردف: «مجموعة المنشقين -هكذا أصر على تسميتهم- لديهم شقق وغرف، ولكنهم حاولوا أن يستغلوا الأمر إعلاميًّا في الصراع مع القيادات الشرعية، وإن كان لدى مجموعة نحو النور مكتب يقوم بالصرف عليهم، ما شأنهم بجماعة الإخوان»، هكذا قال حسن، وتابع وبالرغم من كل ذلك ترك لهم حرية التصرف إما الخروج من السكنات وإما أن نتركها لهم وعليهم دفع الإيجار.

ويشير حسن إلى حُسن تصرف المكتب التنفيذي في السودان، قائلًا: «قرار الفصل بين الطرفين قرار عاقل، ويحجم الأزمات، فهم ليسوا من الإخوان، ولديهم اعتراضات على الجماعة وقياداتها، ولديهم مكتب منشق ما قد يشعر بأن هناك شدًّا وجذبًا قد يحدث، والفصل حل مثالي».


اقرأ أيضًا: «هارب ترانزيت»: العالقون العرب في ماليزيا.. قصص من هناك

الطرد جزاء الفكر

عبدالله حمادة، الشاب الذي تحدث عبر البث المباشر في الفيديو المثير للجدل، قال لـ«ساسة بوست» استضافنا بعض الإخوة لحين الحصول على شقة والحمد لله، ونؤكد أننا لم نسع للشو الإعلامي كما يقول البعض، ولكن نحن قلنا ما يرضي ضمائرنا أمام الله وأمام إخواننا، وفي المقابل كانت هناك اتهامات لنا بالتطرف والإرهاب، وأخرى بعلاقات نسائية وشرب المسكرات، والله يعلم أنها ليست حقيقة.

وتابع: «فعل الحرام أو الحلال لا يرتبط بفكر أو انتماء، وكانت تلك الاتهامات تقال عن بعض المطرودين خلال الشهرين الماضيين، ولكن على ما يبدو أن الأزمة الحالية أصابت البعض بالارتباك، فكانت الاتهامات لنا مركبة؛ تطرف وعلاقات نسائية في وقت واحد، وهو أمر غير واقعي».

والحقيقة -وفقًا لحمادة- أننا طالبنا بالحصول على حقنا، التمويل المالي الذي يصل للسودان يأتي تحت مسمى «مخصصات المتضررين من الانقلاب»، ولا يحدد الانتماء الفكري، وبفرض أننا منشقون عن الجماعة -كما يدعي البعض- فلنا حق في التمويل لأنه غير قاصر على جماعة الإخوان وأفرادها.

حمادة أكد أن مجموعة الإسكندرية ليست الأولى التي يتم طردها، وهناك مجموعات أخرى، وتبعهم مجموعة من محافظة الغربية -شمال القاهرة- أربعة أفراد تم طردهم من السكن أيضًا أمس، ومن قبلها مجموعات كثيرة من محافظات مختلفة: الجيزة والغربية والقليوبية وبني سويف، وصل الأمر لرفض تسكين الشباب الذين يأتون حديثًا إلا بعد التأكد من انتمائهم لمجموعة الدكتور محمود عزت، التي ليس لها شعبية كما تدعي، والحقيقة أن القائمين على أموال الإخوان في السودان تابعون لتلك المجموعة، ويطردون ويمنعون التموين الشهري، وهناك طلاب منع عنهم مصروفات الدراسة حتى يعلنوا تأييد مجموعة الدكتور محمود عزت، والكثير فعل ذلك لضيق الأحوال المادية، الأمر كارثي، وذلك بحسبه.

 

مع جبهة عزت ولكن

حديث عبد الله حمادة عن التفاف بعض الشباب الهارب للسودان، وإخفاء أفكارهم وميولهم لضمان الحصول على المصروفات والتمويل، أكده محمد، أو كما اختار لنفسه اسم (محمد أحمد)، شاب يبلغ من العمر 19عامًا، هرب من مصر إلى السودان عبر الصحراء في رحلة لا تقل خطورة -بحسب وصفه- عن خطورة السجون المصرية التي تنقل بينها لنحو ستة أشهر، شهد خلالها حفلات تعذيب، لمجرد انتمائه للجماعة، قبل أن يحصل على إخلاء سبيل ويهرب.

انضم محمد لجماعة الإخوان بداية من مرحلة الأشبال -مرحلة الطفولة- وعائلته جميعها إخوان، سافر للسودان في محاولة لبدء حياة جديدة، كما يقول لـ«ساسة بوست»: «حاولت السفر لاستكمال تعليمي في تركيا أو ماليزيا، ولكن الحالة المادية لعائلته حالت دون ذلك، فالعائلة مشتتة، ولن أخوض في تفاصيل لتفادي معرفة اسمي الحقيقي، فأنا لا أريد مشاكل. دراستي هنا تحتاج مصروفات كثيرة، والإخوة الكبار -يقصد مجموعة محمود عزت- هم القادرون على توفيرها، في حين أن الإخوة في المكتب العام قدرتهم المالية بسيطة، واحتاج للدراسة في الجامعة لمصروفات تصل إلى نحو 1500 دولار، وهذه أقل جامعة يمكن أن ألتحق بها، ومصروفاتي الشخصية لو كان سكني خارج شقق الإخوان لن تقل عن 500 دولار، وحاولت العمل فى أعمال يدوية ولكن العائد غير مجدٍ».

وكما رفض محمد الإفصاح عن اسمه، رفض سعيد المصري أيضًا ذكر اسمه الحقيقي، سعيد من محافظة الغربية، وخرج من سكن الإخوان عندما طُلب من بعض المنتمين لمجموعة المكتب العام المعارضة لمجموعة الدكتور محمود عزت ترك السكن، حاول أن يأخذ موقفًا، ولكن ظروف المعيشة منعته وعاد مرة أخرى.

ويقول: «لدي زوجة وأبناء، ولكني لا أستطيع دعوتهم للحضور، وكنت أفكر في المعيشة في تركيا أو ماليزيا ولكن الضمانة الوحيدة هنا هي الإقامة التي يجد فيها البعض صعوبة مالية في الحصول عليها في ماليزيا، في حين تحتاج تركيا لفيزا، وأنا هارب عبر الحدود وليس لدي إقامة في أي دولة، كما أن تمويل إخوان مصر في السودان كبير لقربها من مصر، ولأنها أول محطة في الهروب».

وتابع الحديث قائلًا إن الاتهامات التي تطول الشباب الذي يطرد من شقق مجموعة محمود عزت اتهامات غير أخلاقية، ولا تصح أن تصدر من أفراد في جماعة الإخوان، وخاصة مسألة التطرف، فجميع من مر على السودان أو يعيش فيها على علم بأن المتطرف لا يحتاج للسكن الخاص بالجماعة، أو تمويلها، ففي الوقت الذي تنشغل فيه قيادات الجماعة بالصراعات، والتضييق على الشباب في السكن، والتحرك وسحب الجوازات، ومنع استقبال الضيوف، وتفتيش المتعلقات الشخصية دون استئذان، في المقابل هناك مجموعات متطرفة من جنسيات عربية تسعى لتجنيد الشباب، لديها من الأموال الكثير، ومن الاحتواء العديد من الطرق، ويستغلون صغار السن ويجندونهم، أما القائمون على أموال الجماعة في السودان -مجموعة الحاج الحلوجي- بدلًا من التركيز على احتواء الشباب وتشغيلهم في المشروعات التي يمتلكها معظمهم في السودان، وبالمناسبة مشروعات كبيرة وبالمليارات، يكون تركيزهم على إعلان السودان منطقة مطيعة لمجموعة الدكتور محمود عزت فقط.

مصطفى زهران، الباحث في شؤون الحركات الإسلامية، يقول لـ«ساسة بوست» التخوف من تطرف شباب الجماعة في حالة استمرار الانقسام وعدم الاحتواء أمر متوقع، والتطرف هنا ليس كما هو معروف الانتماء لتنظيمات متطرفة -متعلقة بالدين فقط- ولكن أيضًا من الممكن أن يكون نقدًا للإسلام ذاته ينتج عنه موجات إلحاد من داخل الجماعة.

ويكمل زهران أن هذا أمر طبيعي بعد الهزة التي حدثت للجماعة وتنظيمها خلال السنوات الماضية، والحل من وجهة نظري -الحديث لزهران- إنهاء الانقسام، وإعادة النظر في واقع الجماعة ومستقبلها، وضرورة صدور مراجعات فكرية، والفصل بين الدعوي والسياسي.

اجمالي القراءات 852