شيرين عبادي والتأويل المستنير للإسلام
شيرين عبادي والتأويل المستنير للإسلام

في السبت ١٧ - فبراير - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

شيرين عبادي والتأويل المستنير للإسلام

 قرأت بنهم ودون توقف تقريباً الكتاب الأخير الصادر بالفرنسية للسيدة الإيرانية شيرين عبادي. وقد طبقت شهرتها الآفاق بعد ان نالت جائزة نوبل للسلام عام 2003 واصبحت بذلك أول امرأة مسلمة تحصل على هذا الشرف الرفيع. وقد رأيتها أكثر من مرة على شاشة التلفزيون الفرنسي وبدت لي من خلال كلامها امرأة محترمة فعلاً وتستحق التقدير. فهي لا تتنكر لأصولها الإيرانية ولا لتقاليدها الاسلامية العريقة. ولكنها في ذات الوقت ترفض التزمت أو الانغلاق الفكري الذي يشيعه الجناح المتعصب في إيران ويريد فرضه على المجتمع بالقوة باعتبار انه هو وحده الاسلام الصحيح! وهنا تكمن العقبة الكأداء التي تواجه كل المجتمعات العربية والاسلامية. فالجماهير تعتقد (بل وحتى الكثير من المثقفين يعتقدون) بأن هناك تفسيراً واحداً للإسلام: هو هذا التفسير المسيطر والسائد منذ القدم وحتى اليوم. ولا يستطيعون ان يتخيلوا وجود تفسير آخر غيره لسبب بسيط: هو ان الدراسات العقلانية والتنويرية عن الاسلام غير منتشرة في مجتمعاتنا بالشكل الكافي. بل إن المنتشر هو العكس تماماً. فهم يختزلون الاسلام الى بعض الممنوعات والمحظورات في الأكل والشرب والملبس والفصل بين الجنسين وتحجيب المرأة وغير ذلك، وينسون ان الاسلام هو اولاً وقبل كل شيء ثقافة وحضارة وقيم روحية واخلاقية عليا. ان كل المشاكل التي واجهتها شيرين عبادي بعد اندلاع الثورة الاسلامية عام 1979ناتجة عن هذا الفهم المتخلف والبالي للإسلام. فبعد ان تحمست للثورة وانخرطت في المظاهرات العارمة لتحقيق نجاحها، كان جزاؤها الفصل من عملها كقاضية! ويبدو انها كانت أول امرأة تصل الى منصب القضاء في ايران عام 1970 وفي ظل الشاه. وبالتالي فما سمح به النظام «العميل» المستغرب رفضه النظام الوطني الاسلامي! هنا تكمن المعضلة المحيرة التي تواجهنا جميعاً. فنحن نقع بين فكي كماشة: إما الأنظمة الفاسدة الممالئة للغرب ولكن التي تسمح بنوع من الحرية والليبرالية في السلوك، واما معارضاتها الاصولية المعادية للغرب ولكن التي تضيق الخناق على الجميع رجالاً كانوا أم نساء.. في العمل؟ فقلت هما أمران احلاهما مر.. شاه ايران الذي يتضور شعبه في الأرياف أو الأحياء الفقيرة جوعاً يصرف مبلغ ثلاثمائة مليون دولار عام 1971 لإرضاء طموحاته الامبراطورية وعظمته الفارغة. ومعلوم انه دعا آنذاك ما لا يقل عن خمس وعشرين ألف شخصية عالمية للاحتفال بالذكرى الألفين وخمسمائة على تأسيس الامبراطورية الفارسية والتبجح بأمجاد كسرى انوشروان واظهار نفسه وكأنه أعظم الملوك على وجه الأرض لأنه وريث كل هؤلاء. وقد استقدم كل انواع الزخرفة المترفة بل وحتى وجبات الطعام والشراب بالطائرات من باريس لكي يرضي ضيوفه الأجانب. وكانت تلك هي القشة التي قصمت ظهر البعير. فقد استغل الخميني هذا الاحتفال الكبير الفاحش الثراء للتنديد بآل بهلوي وتأليب الشعب الإيراني عليهم للإطاحة بهم. وهذا ما كان. ولكن ماذا حدث بعدئذ؟ لقد حلت طبقة جديدة محل طبقة قديمة في نهب ثروات إيران وظل الشعب جائعاً كما كان.. صحيح ان رجال الدين الكبار الذين يتحكمون بمقاليد الأمور في طهران لا يذهبون الى كازينوهات باريس وروما لصرف المبالغ الطائلة هناك كما كان يفعل الشاه وحاشيته وبعض وزرائه، ولكنهم استولوا على الثروة هم وعائلاتهم وأتباعهم وبنوا القصور في إيران. وتقول شيرين عبادي بأن الشخص الفقير المتواضع الذي قاد سيارة الخميني من المطار الى العاصمة الإيرانية بعد عودته من باريس مظفراً فاتحاً، قد اصبح من أغنى الأغنياء لاحقاً. وقس على ذلك.. وهكذا تشكلت طبقة من المنتفعين حول قادة النظام الجديد وعاد نظام المخابرات الى سابق عهده حتى ترحم الناس على السافاك وما أدراك ما السافاك!. وبالتالي فلم يتغير شيء تقريباً. بلى تغير، لقد عادت الأمور الى الوراء، وضاقت الحريات وكممت الأفواه وساد الإكراه في الدين.. فالشاه على الأقل كان يسمح بأن تصبح المرأة قاضية وان تتعلم وتتوظف وتخرج من بيتها حاسرة الوجه، فأصبحت الآن مقيدة بالسلاسل والأغلال! أعتقد شخصياً أن التجربة الإيرانية أعطتنا، نحن العرب والمسلمين الآخرين، درساً لا ينسى: وهو ان النظام الثيوقراطي الأصولي لرجال الدين لا يمكن ان يكون حلاً ولا أن يشكل مستقبلاً. وبالتالي فالشعب الإيراني دفع الثمن عنا جميعاً وجنبنا بذلك مغبة المرور بنفس التجربة المريرة التي مر بها ومن لا تزال لديه أوهام اسطورية حول الأنظمة الأصولية فليذهب الى إيران لكي يرى حقيقة الأمر على ارض الواقع. ولكن ألم تكن تجربة «طالبان» كافية لإقناعنا بذلك مرة واحدة وإلى الأبد؟! الشيء الذي أرعبني في كتاب السيدة شيرين عبادي هو ما ذكرته في البداية فبعد ان منعوها من ممارسة القضاء بحجة انها امرأة ناقصة العقل اصبحت محامية. وراحت تناضل من اجل قضية المرأة والأطفال والسجناء السياسيين. واكتشفت ان الجناح الأصولي الظلامي في السلطة الإيرانية كان قد أمر بتصفية عشرات المثقفين في نهاية التسعينات من القرن الماضي. بعضهم خُنِق في الشارع مباشرة، والبعض الآخر قتل بالسكاكين في الزوايا المظلمة هنا أو هناك. وكل ذلك بتهمة الانحراف عن الاسلام وقيمه. ولكن اي اسلام؟ بالطبع الاسلام بحسب ما يفهمونه هم بكل عقليتهم الضيقة المتزمتة. وكُلِّفت السيدة عبادي من قبل العائلات بالدفاع عن الحقوق المهدورة لهؤلاء المثقفين المغتالين بعد ان اضطرت السلطة للاعتراف بمسؤوليتها عن قتلهم. وهذا تقدم كبير يسجل لصالح الجناح المعتدل او العقلاني في السلطة الإيرانية. فقد كان بإمكانها ان لا تعترف بأي شيء وان تمارس القمع على طول الخط. والواقع انه يوجد تيار مستنير في إيران وليس فقط تيار متزمت او محافظ وان كان لا يزال ضعيفاً. مهما يكن من أمر فإن المشكلة ليست هنا. المشكلة هي ان السيدة عبادي وقع بصرها وهي تتصفح الملفات والأضابير على العبارة التالية: الشخص المقبل على اللائحة والذي تنبغي تصفيته يدعى: شيرين عبادي!! لم تكد تصدق عينيها عندما قرأت العبارة، زاغت عيناها، جفَّ حلقها، توقف عقلها عن التفكير ولو للحظة، دخلت في وجوم عميق.. وإذن فهي ايضاً مرشحة للاغتيال!.. ولكن لحسن حظها فإنها نجت من عملية الاغتيال للسبب البسيط التالي: عندما ذهب القاتل الى وزارة الاستخبارات لأخذ رخصة بتنفيذ العملية قال له الوزير: لا، ليس في شهر رمضان! فرد عليه القاتل: ولكن هؤلاء الناس، اي المثقفين العلمانيين، لا يصومون، انهم كفَّار يحلّ ذبحهم.. فمنعه الوزير من ذلك وأصر على موقفه. وكان ان نجت من العملية.. ثم تشير المؤلفة الى صدور فتوى شرعية عن احد الشيوخ الكبار قبل كل عملية قتل لأي مثقف. وبالتالي فالفتوى الدينية التي تُحِلّ القتل هي أخطر من الشخص الجاهل الذي ينفذ عملية القتل. هنا نصل إلى جوهر الأمر وبيت القصيد. فصاحبنا كان يريد «أن يتقرب الى الله» بقتل سيدة محترمة وأم وزوجة لانها تفهم الاسلام بطريقة اخرى مخالفة لطريقته. والواقع انها مسلمة ومؤمنة بالله عن قناعة حقيقية داخلية، وتناضل من اجل الفقراء والمضطهدين اينما كانوا. وهذه هي جريمتها في نظر الجهلة المتطرفين الغلاة.

اجمالي القراءات 7172