تجار الرقية الشرعية في الجزائر .. يبيعون الوهم ويتحرشون بالنساء باسم الدين

في الإثنين ٢٥ - فبراير - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

يتردد الجزائريون حين تسألهم عن أحوالهم بالرد (ما رانيش مليح) أي لست على مايرام. ويبقى الوضع العام للناس متدهورا بين التوتر والإحباط والخوف من المستقبل وإن اختلفت الأسباب .. بيد ان العديد من الجزائريين لا ينظرون إلى القلق أو التوتر كحالات يمكن معالجتها طبيا، بل يعتبرونها نتيجة "سحر ما" أو "معمول" يجب التخلص منه بالرقية..

في الجزائر الراقي كالطبيب المعجزة، له قدسية كبيرة، ولا أحد يسأل عن قدرات الراقي العلمية والدينية التي تؤهله للقيام بما يقوم به، بل ترتبط عادة قدرات الراقي بعدد المقبلين عليه، تماما كما يتم تقييم "جودة المشعوذين" بنسبة الإقبال عليهم، وبين المشعوذ والراقي في الذهنية الجزائرية اختلاف كبير وجذري، فالأول يمارس عملا محرما، والثاني يمارس عملا شرعيا، وبين العملين، يضيع الناس بحثا عن الراحة النفسية !


حجر الرقية، في الجزائر عبارة عن "عيادات" خفية، لممارسة أشياء كثيرة، باسم الدين، فقد أكدت تقارير كثيرة حدوث حالات اغتصاب من قبل "شيوخ الرقية" ضد نساء بحجة "إخراج الجن منهن"، وقد ضبط أحد الأزواج راقيا وهو يحاول أن يعري زوجته بعد أن فقدت الوعي، ولكن الراقي برر لفعلته بأنه أراد "تطهير" المريضة من "سحر فيها" !


آخر الفضائح كانت قبل مدة عندما توفيت امرأة بعد أن ضغط الراقي على عنقها بقوة، ونتج عن ذلك حالة اختناق قاتلة، وامرأة أخرى انهال عليها راقيان بالضرب لإخراج الجن من جسمها، إلى أن فقدت الحياة.. !


حكايات يعرفها الناس جيدا لأنهم شهدوا بعضها على الأقل. وحالات كثيرة شهدنها الكثيرات حين تمتد يد "الراقي" إلى أثدائهن وسيقانهن بحجة ممارسة "الرقية الشرعية" بالرغم من أن أغلبهم يشترط على "المريضة" أن تغطي جسمها جيدا ورأسها قبل دخولها عليه!


تناقض غريب ومثير استفحل في دولة مثل الجزائر، ولأن الذين يمارسون الرقية لا يخضعون للرقابة لأنهم يختارون الأحياء الشعبية المكتظة بالسكان، ولا يملكون أي ثقافة دينية أو علمية حقيقية لكنهم يعرفون أن مرض الجزائريين يتمثل في بحثهم عن "الحل".. لمشاكل وهمية أو حقيقية لا يملك حلها أحد.


تجار الرقية الشرعية التي يستثمر فيها الملتحين في الجزائر لا علاقة لأغلبهم بالرقية، كونها تجاوزت مجرد العلاج "الديني" إلى الاعتداء الجسدي على الآخرين، وعلى النساء بشكل خاص، فأغلب الضحايا من النساء اللائي يلجئن إلى الراقي عن قناعة أنه سيحل مشاكلهن النفسية، لأن ذهابهن إلى طبيب نفسي بمثابة "فضيحة" لا يمكن القبول بها !


قالت لي فريال (33 سنة): "أنا أعاني من الأرق الشديد والعصبية والتوتر الدائمين. راجعت طبيبا عاما لم يفدني في شيء، ونصحني أهلي باللجوء إلى الراقي.. وجدت راقيا جيدا أذهب إليه منذ شهر تقريبا".


سألتها: وماذا بإمكانه أن يفعل لك للتخفيف من تعبك؟ ردت: يرقيني .. يقرأ آيات وهو ينفخ في الماء الذي أحضره له لأشربه بانتظام، ويرقيني بوضع يده على رأسي وهو يقرأ القرآن.


سألتها: هل يضع يده على رأسك فقط؟ فقالت: نعم على رأسي فقط. أنا جربت راقيا سابقا لم أرتح له بصراحة، فقد كان يمرر يده أحيانا على ذراعي وعلى ثديي! بصراحة شعرت بالتأفف منه، وخفته كثيرا، فقد كانت لحيته مخيفة، ولم أعد إليه لأني لم أرتح له.


سألتها: هل وجدت الراقي الجديد مختلفا؟ فردت على الفور: نعم هو مختلف لأنه لم يلمس يدي أو جسمي، سوى رأسي، يضع يده على خماري .. لديه الكثير من الزوار يوميا ألا يدل هذا أنه جيد؟.


جمال (42 سنة) تعود على هذه الأماكن، فهو يأخذ زوجته وأخته إلى الراقي، الأولى لترتاح من التعب النفسي الذي تعاني منه منذ عام والثانية ليخلصها من "سوء الطالع" فتتزوج..


سألته عن الراقي الذي يأخذ زوجته وأخته إليه فقال: عرفني عليه صديق موثوق منه، ويبدو جيدا. سألته: منذ متى وأنت تذهب إليه؟ فرد: منذ أشهر.. سألته: هل تحسنت حالة زوجتك؟ فرد على الفور: تبدو هادئة نعم، بعد أن كانت متوترة وتصاب أحيانا بهستيريا بلا سبب، لكنها تبدو أفضل الآن. سألته: وأختك؟ فرد: تنتظر نصيبها!


سألته: هل تدخل مع زوجتك وأختك إلى حجرة الرقية؟ فرد: لا ... الراقي يستقبل كل شخص على انفراد، وأنا أثق أنه يفعل ما تتوجب مهنته ان يفعل.. سألته: وعندما تذهب مع زوجتك إلى الطبيب، هل تدخل معها إلى غرفة الفحص؟ رد: نعم لأني أكون ملما بحالتها بدقة ويمكنني إخبار الطبيب عما تعانيه ! فهي في أغلب الحالات غير قادرة على قول جملة واحدة من شدة التوتر.


يأخذ بعض "شيوخ الرقية" المال، دون أن يتشرطوا كثيرا، لكنهم يأخذون ما لا يقل عن 2000 دينار في ثلاث جلسات رقية، وثمة من لا يأخذ المال، فيترك الزبائن "يقدرون قيمته" وفق ما يحملونه له من مؤونة، سكر، دقيق، وأشياء أخرى حسب قدرات الزائرين!


سألت الدكتورة في مجال الطب النفسي "كوثر أ.م" عن إقبال الناس على "شيوخ الرقية" دون التأكد من "إمكانياته" فأجابت قائلة: لا تنسي أن الرقية مرتبطة بالدين، ولهذا فالجميع يقبل عليها دون البحث عن النتائج التي غالبا ما تكون كارثية، كموت المرضى على أيدي شيوخ الرقية مثلما تعودنا مطالعته في الصحف.


المسألة هي ان الراقي يتحول إلى "قديس" ليس لشيء سوى لأنه يستغل "خوف الناس" من المجهول، ويستغل "الجانب الديني فيهم" فنجد أغلب الذين يمارسون نشاطا يدخل في خانة الرقية، تجدينهم بين الثلاثين والخمسين من العمر، وتجدين ثقافتهم الدينية سطحية للغاية، ناهيك على أنهم يحفظون القرآن عن ظهر قلب فقط (حفظا فقط) مما يجعلهم في نظر المريض "مقدسين" يحق لهم اللمس دون أن يكون في الأمر شكوك !"


سألتها: هنالك من يدخل مع زوجته إلى عيادة الطبيب ولا يدخل مع زوجته إلى حجرة الرقية؟ فردت (مبتسمة): لأنه لا يثق في الطبيب كرجل، يعتبره "مشكوكا فيه" بينما الراقي فهو منزه عن "اللمس غير الشرعي" وهذا ما جعل العديد من شيوخ الرقية يستغلون الأمر ويعتدون على نساء فاقدات الوعي بحيث أنهن يكن غير قادرات على المقاومة، ثمة حالات من الاعتداء وقعت فعلا، نساء لم كن فاقدات الوعي تماما استطعن المقاومة وفضح بعض الشيوخ، لكن يبقى الراقي "مقدسا" طالما هو "يعالج" بالقرآن في مجتمع كالمجتمع الجزائري !


في الحقيقة ليس هنالك أي دراسة معمقة في الجزائر عن "عالم الرقية"، ولا توجد إحصائيات عن ممارسي هذه "المهنة"، فكل من يحفظ نصف القرآن يمكنه البدء في الرقية، ومن يحفظ القرآن كاملا يكون مؤهلا لذلك، دون أدنى تعلم حقيقي للفقه الديني ولا للشرع الديني، فقط يفتحون بيوتهم للزوار، ويعرفون أن أغلب الزوار من النساء اللائي سوف يتعرضن (في حجر الرقية) لكل أنواع التحرش الجنسي تحت شعار "سأرقيك من الجن والإنس !"

اجمالي القراءات 12428