فى مشكلة ترخيص السلاح فى مصر
أولا
1 ـ منذ شهرين كان الحاج ( ن ، ن ) خارجا من مزرعته التى تقع على حواف الصحراء فى محافظة الشرقية ، أوقفته دورية شرطة وقامت بتفتيش سيارته فعثرت فيها على مسدس بلا ترخيص ، أقرّ الرجل بملكيته للمسدس وقال إنه يتسلح به لحماية نفسه ، وأنه سبق وقدم شكاوى للشرطة ضد بلطجية مسلحين بالآسلحة الالية هاجموا مزرعته وسرقوها عدة مرات ، ولكن دون جدوى بل أدت الى مزيد من التهديد له فاضطر لشراء هذا المسدس ليدافع عن نفسه وعن أملاكه . أحيل الحاج ( ن ن ) للمحاكمة فحكمت عليه بخمسة عشر عاما .!. هذا رجل مسالم إضطر للتسلح ليحمى نفسه فانتهى به الأمر للسجن 15 عاما طبقا لقانون ظالم نطق به قاضى أشد ظلما وأشد حمقا !!.
2 ـ فى عصر المعزول وما سبقه من حكم العسكر كان ولا يزال يوجد قاعدة لترقية ضباط الشرطة ، تربط ترقية الضابط بمدى نشاطه فى تلفيق الجرائم . صحيح إنه لا يقول هذا صراحة ولكن يتم تقدير الضابط بمدى كشفه للجرائم والمجرمين . وهذا ميسور جدا وفق المتعارف عليه فى تعامل الشرطة مع المواطن المصرى ، فمن حق ضابط المباحث القبض على من يشاء ، ومن حقه إستناطقه بالتعذيب ليعترف المسكين بأنه الذى قتل عمر بن الخطاب والمهاتما غاندى ومارتن لوثر وكنج وجون كيندى فى ليلة واحدة!. ويحيله للنيابة ، وليس مهما إن برأته النيابة أو المحكمة ، المهم إن الضابط الهمام يستحق الترقية بمقدار ما يلفقه من قضايا ظالمة وكاذبة للأبرياء ، هذا بينما تتوثق علاقته بالمجرمين والمفسدين فى الأرض. وقد ظهر بعد الثورة وجود ميليشيات مسلحة للبلطجية تأتمر بأوامر الشرطة ، واستخدمتهم ضد مظاهرات الثورة ولا تزال تستخدمهم بنجاح ضد المواطنين الآمنين وفق مصالح سياسية . واصبح من الشائع علم ومشاركة بعض العاملين فى الشرطة فى جرائم الخطف وتثاقلهم عن مطاردة الخاطفين . ولهذا إنتشرت بكثرة هائلة جرائم الخطف ، والمواطن الشريف المهدد حائر بين عجزه عن الدفاع عن نفسه وتعقيدات حصوله على تصريح بحمل السلاح ، وخوفه من حمل سلاح بلا ترخيص فيدخل السجن سنوات طوالا.
3 ـ فيما يخصّ ترخيص أو عدمه ، فالمعروف أن الصعيد والمناطق المتاخمة للصحراء يكثر فيها إقتناء السلاح للدفاع عن النفس أو للأخذ بالثأر ، أو للعدوان . وإعتاد الضابط الحريص على الترقية والذى يعمل هناك أن يقوم بحصار القرية ومطالبة أهلها بتسليم عدد كذا من الأسلحة ، وإلا هجم على بيوتهم وهتك حرماتهم ، فيضطر أهل القرية للتعاون فيما بينهم فى شراء الأسلحة من تجارها المعروفين للشرطة لينجو بأنفسهم وحرماتهم من سطوة ذلك الضابط المتشوق للترقية .
4 ـ وأنتشر تهريب السلاح لمصر بعد الثورة من الحدود الليبية والفلسطينية والسودانية ، وبدرجة أصبحت تشكل خطرا على الوطن والمواطنين ، وأسهمت فى الانفلات الأمنى ، وقطع الطريق وخطف المواطنين وانتشار جماعات وعصابات الإجرام والبلطجة . والمنتظر تفاقم المشكلة وعجز الحكومة عن حلها بسبب تفاقم المشاكل الاقتصادية وزحف الجوع على الفقراء ليصبحوا أفقر الفقراء ، والجوع كافر كما يقولون. ثم إن جهاز الشرطة يحتاج الى إصلاح جذرى ، وهو متعذر ، فقد تشرب أفراد هذا الجهاز أنهم أسياد الشعب وليسوا خدما له، واعتادوا التسلط على المواطنين واستغلال سلطتهم فى التربح والفساد . طبعا هناك قلة صالحة ، ولكن لا مكان لها وسط أغلبية ساحقة عاشت على الفساد ومارست التعذيب والتلفيق ، ووصلت بالتلفيق الى الترقية وفق نظام الشرطة الفاسد الظالم المشار اليه . والتفصيلات كثيرة ومعروفة ، وتغرى بالخروج عن موضوعنا عن مشكلة ترخيص السلاح ، وهو أحد ملامح الأزمة الأمنية الراهنة فى مصر .
5 ـ مشكلة ترخيص السلاح تعبير عن فلسفة النظام المستبد الذى يتسلط على الناس ويتوجس شرا بالمواطن ، ويؤسس منظومته التشريعية على الحظر والمنع والعسف . يتجلى هذا فى الكثرة الكاثرة لمواد قانون العقوبات ، وصياغتها بطريقة مطاطة هلامية تتيح شتى التفسيرات والتأويلات للإيقاع بالمواطن المسكين ، فإذا وقع ضحية لها وأحيل للنيابة أو للمحاكمة وكان حسن الحظ فظهرت براءته فإن الافراج عنه من قبضة البوليس تستلزم معاناة أخرى ، أى يكون من السهولة بمكان اعتقال المواطن والقبض عليه عشوائيا ولكن من الصعب إطلاق سراحه بعد الحكم ببراءته . هذا غير الحبس الاحتياطى الذى دفع ثمنه الملايين من المصريين الأبرياء ، ونحن من ضحاياه . نقول إن مشكلة ترخيص السلاح فى مصر تقع ضمن هذه الفلسفة الظالمة للدولة المستبدة المصرية ، والتى لا بد من تغييرها . فترخيص السلاح عملية معقدة وتتوقف على هوى الشرطة ، أى قد يحصل على الترخيص من لا يستحق ويتم منعه على المستحق . وفى كل الأحوال فالتصريح مكروه لدى العقلية البوليسية المصرية شأن المجرم الذى يتوجس شرا من الضحية وينتظر منه الانتقام ، فكيف يصرّح له بحمل السلاح ؟.
6 ـ وزير الداخلية الجديد أعطى مهلة لمن لديه سلاح ليقوم بتسليمه ، بغض النظر إن كان مجرما أو شريفا . وبإمكانه ــ لو أراد ـ أن يجرد الميليشيات والبلطجية من سلاحهم ، وهم معروفون بالاسم ، وأكثرهم موالون للشرطة تابعون لها..ولو قام بتجريدهم من السلاح واستجوابهم لأمكنه نزع سلاح مئات الألوف من المجرمين الآخرين .. ولنفترض فى الخيال وأحلام اليقظة وجود وزير داخلية يريد القيام فعلا بوظيفته فى تأمين المواطن المصرى ، كيف سيحل هذه المشكلة ( ترخيص السلاح ) ..أقترح الآتى :
6 / 1 : أن يكون الأصل هو الاباحة وليس المنع .
6 / 2 : يتم المنع من الترخيص بحمل السلاح لكل صاحب سوابق جنائية أو تثبت التحريات سوء سلوكه ، كما يتم منع من هو أقل من 30 عاما من الترخيص .
6 / 3 : تسهيل الحصول على الترخيص للمواطنين الذين يحتاجون لحمل السلاح دفاعا عن أنفسهم طبقا لقواعد واضحة ، مثل أن يكون صاحب منشأة أو متجر أو مزرعة ، أو أن يعيش فى منطقة غير آمنة ، أو يتلقى تهديدا على حياته . وفى كل الأحوال لا بد من تحريات جدية وشفافة لإثبات إستقامته وحاجته لحمل السلاح المرخّص . أى أن يكون الترخيص ليس للسلاح ولكن لحامل السلاح . وطبعا فالسلاح المقصود هو المسدس العادى الذى يكفى فى الدفاع عن النفس ، وليس البنادق الآلية .
6 / 4 : تدريب المرخص لهم بكيفية استعمال السلاح فى الدفاع عن النفس ، وتعليم القوانين الخاصة بحمل السلاح واستعماله بألّا يكون لقتل المعتدى ولكن بالتهديد لمنعه من التعدى ، فإن إضطر لاستعمال السلاح فلا يطلقه للقتل ولكن لتوقيف المعتدى ..
6 / 5 : ألا يكون الترخيص مستديما بل يكون مؤقتا ومرهونا باستمرار إنطباق قواعد المنع لصاحب الترخيص .
6 / 6 : مراجعة دورية للتراخيص واصحابها لإيقاف الترخيص أو عدم تجديده لو خالف الشخص القواعد أو وقع فى جريمة أو اساء استخدام السلاح .
6 / 7 : مع هذا يكون الحزم والشدة فى ملاحقة المجرمين المسلحين وتطبيق القانون عليهم ، ومصادرة سلاح من لا تنطبق عليه الشروط فى الترخيص بالسلاح ، دون سجنه أو حبسه طالما كان مسالما و لم يرتكب جريمة .
7 ـ فى تصورى فهذا يخفف العبء عن الشرطة ، ويردع المجرمين ، ويؤمن حياة المواطنين الشرفاء المسالمين . وهذا يتفق مع الحق الشرعى للمواطن فى الدفاع عن النفس ، ويتفق مع النظرة القرآنية فى التسلح للمسالمين كى يردعوا المعتدين مقدما ، فالمجرم الجبان يتشجع عندما يكون مسلحا مقابل إنسان برىء منزوع السلاح . أما إذا كان المواطن مسلحا فإن هذا المجرم يفكر كثيرا قبل أن يتصدى لانسان شريف قادر بسلاحه على الدفاع عن نفسه .
أخيرا
قال النابغة الذبيانى
تعدوالذئاب على من لا كلاب له وتتقى صولة المستأسد الحامى