لحم البشر
آكلي لحوم البشر

محمد شعلان في الخميس ٢٥ - يناير - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

آكلي لحوم البشر

مقدمة:

يحفل التاريخ الانساني بالكثير والعديد من الروايات والاساطير التي تحكي وتروي أكل لحوم البشر وكان ذلك في العصور الغابرة القديمة وكان الانسان يخطو أولى خطواته نحو الحضارة والرقى والحياة المدنية والعيش في مجتمعات تحكمها القيم والأخلاقيات والشرائع السماوية المتتالية, والتي حرمت كل الحرمة هذا الفعل وهذه الجريمة النكراء , وفي الحقيقة وفي التاريخ الانساني السحيق منذ فجر العصور الأولى ، لم يجد الانسان رغبة داخلية في أن يأكل ويتذوق طعم اللحم الانساني , وكان هذا نتيجة طبيعية للفطرة السليمة والسلمية التي خلق الله تعالى الناس عليها وإذا تتبعنا تطور هذه الرغبة المجرّمة والمُحَرمة في تاريخ المجتمعات البشرية الانسانية لوجدنا أن ألانسان الأول والذي كان يعيش في الكهوف وفي الأدغال في أدغال أفريقيا وأمريكا الجنوبية واستراليا وباقي القارات القديمة . كان يعيش في قبائل وجماعات بدائية همجية دموية تحكمها الغريزة غريزة البقاء والمنطق الخاطئ منطق القوة والبطش بمن هو أضعف وفرض السيطرة والارادة على الآخر المغلوب على أمره قليل الحيلة . وفي أغلب الظن ومن المتوقع أن من كانوا يقومون بهذه الطقوس الشريرة اللانسانية والمفسدة كان بدافع الانتقام ممن يشعرون منه بخطر يهدد معتقداتهم أو بمن يكون لديه المقدرة والامكانية على التغيير وخصوصاً عندما يكون غريباً عن هذه المجموعة أو الجماعة البدائية المعيشة والسلوك.

الرقص حول القدور

كانت الجماعات البشرية البدائية والتي تعيش في تكتلات وقبائل تتغذى التغذية اليومية العادية من الصيد البري ومما تنبت الارض من خضر وفاكهة وصيد البحر وكان هذا في المعتاد , ولكن عندما يحدث أمر في القبيلة والجماعة ويأتي دخيل على معتقدات القبيلة وسلوك القبيلة ويهدد مصالح القبيلة , وسواء كان هذا الدخيل من نفس النوع الذي ينتمون إليه أو دنوع الذي ينتمون إليه أو دخيل من نوع آخر من جنس آخر فإنهم يقومون بأسره والقبض عليه , وإذاقته بعضاً من ألوان العذاب , على أنغام الايقاع الذي ينذر بالنهاية المتوقعة. ومن ألوان هذا العقاب أن يوثقوا يديه إلى شجرة ويكون شبه عارياً ,وتوقد النار الكبيرة ويؤتى بالقِدْر أو القدور الكبيرة التي تتسع للمأدبة الكبيرة ويوضع "الدخيل" أو يلقى في هذا القدر أو في هذه القدور ويحمى عليها بالوقود حت تتأجج النيران وتغلي القدور , وأصحاب النفوذ في القبيلة والشباب يتراقصون ويلتفون ويدورون في حلقات متتابعة حتى ينضج الطعام "اللحم البشري" الدخيل أو الغريب الذي أحدث الزلزال في معتقداتهم وفي نظام حياتهم, وتكون الوجبة النادرة التي لاتكرر كثيراً والتي يشعرون بعدها بالامتلاء وبالشبع وبالروية.

وفي الحقيقة أن آكلي لحوم البشر إلى الآن لايزالوا يمارسون طقوسهم ولكن بطرق مختلفة ووسائل متعددة . فالبيانات تشير إلى أن بعضاً من رؤساء الدول الافريقية في القرن الماضي كانوا يهوون لحم الأطفال وكان الطهاة يقومون بعملية الطهو لهم تحت ظروف معينة وفي كتمان وفي سرية . ومنذ عدة سنوات وفي الغرب وبالتحديد في أمريكا الشمالية طالعتنا الصحف بتحقيق ،عن مهاجر من جنوب شرق آسيا كان يعيش هناك وأحب فتاة من تلك البلاد وأمِنَتْ له وقام باصطحابها الى شقته وهناك قام بتوثيقها وقتلها وتقطيع أوصالها إلى أجزاء ُمعدَة للطهو0وقام بتخزينها في الثلاجة للإستعمال على فترات ومرات عديدة .

ولقد نهت الشرائع السماوية والأعراف الانسانية عن أكل لحوم الكائن البشري , واستباحة لحومه ودمائه ،

* ومن الناحية الفسيولوجية الطبية : فإنه إذا تعوّد الجسد البشري على نوع معين من الغذاء المتكرر أصبحت النواحي الوظيفية للجسم لا تحدث على أكمل وجه إلا إذا حصل الجسم على هذا النوع من الغذاء , ومن هنا سوف يبحث الكائن البشري عن لحم بشري كى يتغذى عليه.

* ومن الناحية السيكلوجية : أنه تحدث الكارثة والطامة الكبرى إذا أصبح اللحم البشري مستساغاً للنفس الانسانية فبهذا تكون قد انعدمت حرمة الجسد الانساني والنفس الانسانية وسوف يسعى الجميع للحصول على الوجبة الشهية المقوية لهم.

* من الناحية الإجتماعية : فإن الكثير من الحروب يمكن أن تندلع ليس لأجل الأرض ولا لأجل الأموال ولا الثروات الطبيعية مثل البترول أو مصادر الطاقة الأخرى ,ولالفرض السيطرة ونشر الثقافة الخاصة وإنما سوف تكون الحروب لغرض الحصول على وجبات من اللحم البشري الطازج الشهي إذا تعوده الكائن البشري.

*ملحوظة : أكل المصريون اللحم البشري في سنين المجاعات في عصر الدولة المملوكية ,وليس المجال مناسباً لإكمال هذا الموضوع.

* لأجل كل هذا : حرّمتْ كل الشرائع السماوية أكل اللحم البشري وشددت الحرمة على ذلك . وعلى حرمة النفس الانسانية وتجريم كل ما يؤدى إلى إزهاق النفس الانسانية المؤمنة " المأمونة الجانب" والمسلمة "المسالمة" التي يأمن شرها المجتمع ولاتعتدي على المجتمع بالقتل أو كل ما يؤدي الى القتل أو إهلاك الأنفس في المجتمع ,

* إن المقصد والهدف من تحريم أكل اللحم البشري هو الحفاظ على النوع البشري من الهلاك والضياع والحفاظ على حرمة وحياة النفس الانسانية ,

* وبالتأكيد وبالضرورة أن كل فعل أو كل قول من شأنه أن يسهم ويساعد في إهلاك النفس الانساينة فإنه حرام وشديد الكراهة , مثله مثل أكل "اللحم البشري".

* وفي تاريخ الانسانية وفي تاريخ المسلمين: الكثير من الحروب قامت لأجل كلمة خبيثة أحدثت الوقيعة والفتنة بين الأمم وقامت الحروب والمعارك وسفكت الدماء , وكان السبب الأساسي في كل تلك المآسي هو "الكلمة الخبيثة" .

* الكلمة الخبيثة : هي الظن السيئ هي التجسس هي الغيبة هي الهمز واللمز . هى السخرية من الآخر . وعدم تقديره واستيعاب ما يقول بكبر واستعلاء وعناد.

* يقول الله تعالى ( ياأيها الذين ءأمنوا لايسخر قومٌ منْ قومٍ عسى أن يكونوا خيراً منهم ولانساءٌ منْ نساءٍ عسى أن يكُنّ خيراً منهُن ولا تلْمِزُوا أنْفُسَكُمْ ولا تنابزواْ بالألقاب بئس الاْسمُ الفسوقُ بعدَ الإيمانِ ومن لم يتب فأولئك هو الظالمون. ياأيها الّذين ءامنوا اْجتنبوا كثيراً منَ الظنِ إنّ بعضَ الظنِ إثْمٌ ولاتجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضاً أيُحِبُ أحَدُكُمْ أنْ يأْكُلَ لحم أَخيهِ ميتاً فكرِهتُمُوهُ واتقوا الله إن الله توابٌ رحيمٌ.. 11, 12الحجرات).

ماذا يحدث الآن : في هذه الأيام وفي الوظائف الحكومية وفي زمالة العمل ومع الجيران ومع المختلف معك في الرأى ماذا يحدث؟ نجد الفسوق كل الفسوق بشأن هذا الموضوع لشدة خطورته وتحريمه أسماه الله تعالى " أكل اللحم البشري للأخ الميت" وهو السخرية من الآخر في حضوره ونجد اللمز, يلمز بعضهم البعض نجد التنابز بالالقاب , نجد الظن السيئ متفشياً وهو خلق سيئ يهلك المجتمع ويولد العداوة والبغضاء , نجد التجسس , نجد الغيبة , كل هذه الصفات الذميمة القبيحة المهلكة للنفس وللمجتمع وللآخر .

والله يا إخواني هذا يحدث : إنهم يهرعون للصلاة وقت العمل وفي شدة إحتياج المواطن لهم في توقيع الكشف الطبي وتخفيف آلامه يتركونه ويذهبون للوضوء ثم الآذان ثم إقامة الصلاة والمواطن يتألم وربما يكون مصاباً في حادث وينزف , ولأحد ينجده ويستغيث ولا من مغيث , ينادون للصلاة ويدخلون فيها جماعة , ومعهم المساعدون لهم من الفنيين والعمال والسائقين وكأنها الصلاة الأخيرة قبل قيام الساعة. ويأخذون أكثر من ساعة , حتى ينتهون وينتهى يوم العمل ويطلبون من المواطن الحضور غداً لإتمام ما لم يكتمل من الكشف الطبي وخلافه من الفحوص . وهذا يحدث أيضاً في الكثير من المؤسسات الحكومية كالمدارس ومجلس المدينة والادارات المختلفة.

ثم تنتهي الصلاة: وعندما يكونون ثلاثة أو أربعة مجتمعين بعد الصلاة لاحظت أنه عندما يكون واحداً ممن كان معهم في الصلاة وواقفاً معهم ثم ينصرف ، فإنهم يقومون بالكلام في حقه بكلام لاذع وجارح ويسخرون منه ومن بعض سلوكه ولزماته في الكلام والحركات , سخرية مهينة, يعيبون عليه في أشياء وفي سلوكه وهم يأتون أبشع منه , وعندما ياتي آخر يتوقفون عن اللغو والغيبة والسخرية. عندما يكون الآخر لايوافقهم على ذلك التصرف منهم .

* هذا الأخ : الذي كان يشاركهم الصلاة والعمل والزمالة والحياة , يستطيبون أكل لحمه الميت أمامهم عندما يلوكون سيرته وسلوكه بألسنتهم في غيابه واحياناً في حضوره ، وبسخرية منه أمامه .

* ليس هذا فحسب : بل إن سوء الظن وتوقع الشر من الآخر هو الأساس فالجميع دائماً يعتقدون أن الآخر والزميل في العمل هو مرتشي ولص وحرامي ومزور لكثير من الفواتير والأوراق التي يتحايل بها على القانون وعلى المصلحة التي يعمل بها, والكثير متهم في سلوكه الجنسي , وكأن هاجس الهوس الجنسي يطارد الجميع.

* نحن على الحق : دائماً معتقدون أنهم على الصواب وعلى الحق وانهم يطبقون الشريعة ويعملون بالأحاديث وبالتراث وبالمرويات التي إن عمل بها المجتمع سيصلح حاله , وأنه لن يولى عليهم في هذه الحالة إلا الحاكم العادل .

* ندعوا لصلاة الجماعة وللجماعة : وكأن صلاة الجماعة هى الهدف الأسمى وليس ما تأمر به الصلاة من النهي عن الفحشاء والمنكر والبغي بعد تأديتها .

* عقل الجميع هو عقل القطيع : إنهم دائماً كسلفيون وبخاريون يدعون لتنمية عقل الجميع لأن يكون عقل القطيع "قطيع الخرفان والماشية في الصباح يرعون في المراعي وفي المساء يأوون للحظائر حيث الغريزة, والجميع عليه السمع والطاعة وإلا يكون خارج عن الجماعة , والخارج والمفارق للجماعة لن يبقَ في عمره غير ساعة. وإلى هنا تنتهي هذه الوجبة عندهم.

اجمالي القراءات 34645