نقلا عن ( الأهالى )
د . محمود اسماعيل يكتب : العلمانية بين المسيحية والإسلام 1-2..العلمانية الأوروبية لا تعادي الدين وإنما تعري الگهنوت

Brian Diederich في الأربعاء ٢٥ - يوليو - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

 

العلمانية بين المسيحية والإسلام 1-2..العلمانية الأوروبية لا تعادي الدين وإنما تعري الگهنوت

admin2الثلاثاء 24 يوليو 20120

استهدف إخوان الصفا في الإسلام تطهير الشريعة من الجهالات

بقلم : د. محمود إسماعيل

مع تعاظم المد الأصولي في مصر المعاصرة ، دأبت جماعات الإسلام السياسي بكل تياراتها تروج لمقولة تكفير العلمانيين. ويرجع ذلك إلي عاملين أساسيين، أولهما الجهل بماهية مصطلح”العلمانية”معرفياً وتاريخياً. هذا الجهل الذي ينسحب بالمثل علي الفهم الخاطئ للإسلام نفسه. و لو قدر لهم فهم الإسلام-عقيدةً وشريعة-لأدركوا أنه يعانق ويحتوي العلمانية، وهو ما سنثبته في المقال التالي.

وثانيهما، يكمن في حقيقة جوهرية مفادها استثمار الإسلام في تحقيق مكاسب سياسية,فهم الذين تشير إليهم الآية الكريمة”يشترون بآيات الله ثمناً قليلاً”. !! وحين يتخذون من القرآن مرجعية يأولون آياته بما يخدم أهواءهم السياسية ومصالحهم الدنيوية، بحيث”يحرف الكلمة عن مواضعه”. وإذ يستشهدون بالأحاديث النبوية، فينتقون أحاديث الآحاد والضعيف منها والموضوع في الغالب الأعم تأثراً بالإسرائيليات. و حين ينهلون من معارف”السلف الصالح”فلا يميزون بين الصالح والطالح. باختصار يكرسون الدين لخدمة السياسة.

حقيقة المصطلح

لبيان ذلك، لا مناص من التعريف بمصطلح”العلمانية”,و علاقتها بالدين، بالمسيحية في هذا المقال,و بالإسلام في المقال التالي.

ثمة التباس في فهم النخبة المفكرة لهذا المصطلح الذي جري تداوله والترويج له آنياً، حتي بين العوام، بهدف تضبيب الوعي السياسي بين الجماهير. إذ وظفه الأصوليون المتحالفون مع العسكر لإجهاض ثورة 25 يناير. حيث جري اتهام الثوار بتهم الإباحية والكفر والعمالة لقوي أجنبية، كما هو معروف. تلك التهم الموروثة عن فقهاء السلطان الذي يتخذونه”ظل الله علي الأرض”من أمثال”الأشعري”و”الغزالي”و”ابن تيمية”. فأصحاب الاتجاه الأصولي بدلاً من تصنيف الجماهير حالياً إلي “ثوار”و”قوي الثورة المضادة”، روجوا لتصنيفهم إلي”إسلاميين”و”علمانيين”. ودمغوا الأخيرين بأنهم أعداء الإسلام. و استندوا في تبرير ذلك إلي أن علماني الثورة الفرنسية الذين أقروا عبادة العقل التي أعلنها”روبسبير” وسفاكا الدماء.

الحق أن العلمانية الفرنسية كانت متطرفة، لا لشيء إلا لمواجهة الاستبداد الكهنوتي. و يشهد علي ذلك أن الكنيسة كانت تبالغ في فرض الضرائب الباهظة باسم الدين. و لا غرو فقد حازت الإقطاعات الشاسعة وسخرت المعدمين في فلاحتها. و حسبنا أن دخل الأسقف كان يفوق دخل الملك. هذا فضلاً عن فساد”الإكليروس”-كبار رجال الدين-و انتهاك تعاليم المسيحية السمحة ببيع “صكوك الغفران”و المناصب الكهنوتية، فيما عرف بظاهرة”السيمونية”. و لعل ذلك-وغيره كثير-كان من أسباب واقعة”الأسر البابلي”، حيث جري سجن”البابا”في مدينة”أفينيون”، باعتباره رأس الفساد.

فساد الكنيسة

خلاصة القول أن التطرف العلماني في فرنسا كان رد فعل عنيف لمفاسد الكنيسة الكاثوليكية,و ليس هدماً للعقائد المسيحية. بل نجد الكثير من الفلاسفة العلمانيين يأصلون للإيمان المسيحي استناداً إلي العقل، كما هو حال”بسكال” و”برجسون” و”لوك” وغيرهم. بما يعني أن العلمانية الأوربية لا تعادي الدين بقدر تعريتها للكهنوت المحرف للدين من أجل السلطة والمباهج الدنيوية. في ضوء ذلك يمكن تفسير الثورة العامة علي الكاثوليكية عقدياً في أوروبا، حيث استهدفت حركة الإصلاح الديني “البروتستنتية” تنقية وتطهير المسيحية، شأنهم في ذلك شأن جماعة”إخوان الصفا”في الإسلام، حيث استهدفوا”تطهير الشريعة من الجهالات عن طريق الحكمة”.

بالمثل، كانت الثورة الفرنسية بمثابة محاولة للقضاء علي الإقطاعية من قبل البرجوازية النامية، علي الصعيد الاقتصادي-الاجتماعي، حيث أحرزت نجاحات مظفرة في صراعها مع الإقطاعية الفيودالية, ومهدت بذلك الطريق لتنامي الرأسمالية من حيث إتاحة حرية الملكية الفردية وحرية العمل. و علي المستوي السياسي كانت الثورة تعبيراً عن ظهور الدولة الوطنية الحديثة التي تستمد شرعيتها من الشعب، لا الكهنوت. متأثرةً بفلسفة”جون لوك”و”اوجست كونت”الوضعية ومفيدةً من الديمقراطية الإنجليزية التي تعتمد الدستور الوضعي والقوانين المدنية كبديل عن القانون الكنسي. وعلي الصعيد الثقافي، كانت تعبيراً عن النزعة الإنسانية”الهيومانية”كبديل للخرافات والشعوذات والأساطير التي غلفت الفكر الثيوقراطي، عامدةً إلي تطوير المبادئ الإنسانية التي دعي إليها”سافونا رولا”ابان عصر النهضة. تلك المبادئ التي تبنتها وطورتها الثورة الفرنسية واتخذت منها شعار”الإخاء والعدل والمساواة”و هي مبادئ متضمنةً في الإنجيل دون شك. و علي الصعيد العلمي، كانت الثورة تدشيناً للبحث العلمي التجريبي بدراسة الطبيعة والإنسان كموضوعات”وضعانية”تستكنه العلل والأسباب من خلال منهجية تقاربها من داخلها وليس من الخارج، بفضل ثلة من العلماء والمفكرين من أمثال”بيكون”و”ديكارت”و”فولتير”و”كانت”و غيرهم ممن أحدثوا نقلة في التفكير الذي ظل أسير المنطق الأرسطي لعدة قرون من الزمان.

رفض توظيف الدين

تأسيساً علي ذلك، نؤكد أن”العلمانية”مصطلح مشتق من”العلم”علي صعيد المعرفة. كما أنه مشتق من “العالم”و”الزمان”، كبديل ونقيض لـ”الغيب”، علي المستوي الفلسفي بما فتح الطريق إلي مناجزة الاستبداد سياسياً، أخذاً بقول السيد المسيح:”ما لقيصر لقيصر وما لله لله”. كذا فتح آفاق جديدة لمعرفة مؤسسة علي العلم كبديل للمعرفة الكهنوتية التي سادت أوروبا العصور الوسطي، حيث اختزلت المعرفة فيما يعرف باسم”الفنون السبعة الحرة”وكلها موجهة لخدمة اللاهوت.

من هنا كانت دعوة العلمانيين-في مجال السياسة-تتمثل في”الحكم المدني”كبديل للحكم”الثيوقراطي”و ما ترتب عليه من آثار سلبية علي جميع الأصعدة.

وجدير بالذكر أن العلمانية-في التحليل الأخير-ليست”ملحدة”بقدر ما رفضت توظيف الدين من قبل”الكهنوت” ضد”الإنسان”. وبنفس الدرجة اعتمدت”القانون الوضعي”، كبديل للاهوت الكنسي الذي فرَغ المسيحية من مبادئها الإنسانية المثالية ووضعت حداً لطغيان البابوية التي نقضت عهدها مع الإمبراطور”شارلمان”الذي حال دون تدخل البابوية في الحياة الدنيوية وقصر نفوذها علي الجانب الديني.

ابن رشد مصدرا

ونحن في غني عن رصد ما تمخض عن العلمانية في أوروبا من القضاء علي النظام الإقطاعي وظهور الرأسمالية بما حققته من تعاظم النشاط الاقتصادي الذي تمثل في الثورة الصناعية التي قادت إلي الكشوف الجغرافية وما تلاها من ظهور حركة الاستعمار الاستيطاني. لذلك حق لفيلسوف مثل”ماكس فيبر”بأن حركة الإصلاح الديني فضلاً عن كونها حررت المسيحية من سلطان الكهنوت، كانت من أسباب ظهور النظام الرأسمالي.

جدير بالذكر أيضاً، أن الثورات البرجوازية التي أسفرت عن العلمانية أفادت إلي حد بعيد من الفكر الإسلامي-المعتزلة وابن رشد وابن الهيثم وغيرهم-في تمجيد العقل,و اعتماد المنهج العلمي التجريبي ورفض الكهنوت، بما يؤكد احتواء الإسلام للعلمانية، وهو ما سنعرض له في المقال التالي.

اجمالي القراءات 13834