نحن المسلمين نؤمن بالحلول السماوية السحرية السريعة التى تهبط علينا فجأة لتحيل ضعفنا قوة، وتمنحنا العزة بعد المذلة. ما زلنا نحلم بأنه لن ينقذنا من هذا الضعف والهوان إلا ظهور الخليفة أو المهدى المنتظر . ونسينا ما كان من خلفائنا السابقين. ونرى أن الحل فى تنصيب خليفة. وذلك ضرب من سيادة التفكير بالتمنى ، وهو تفكير يعفينا من مشقة العمل وجهد النظر والتأمل فى طبيعة مشكلاتنا والتفكر فى حلول واقعية تخرجنا من هذا النفق المظلم الذى قبعنا فيه سنوات وسنوات ولا يلوح لنا الخروج منه فى المستقبل القريب.
وهذا التفكير يريحنا من مشقة العمل بجد لإصلاح أحوال العباد والبلاد، ومن العمل على إحداث نهضة ثقافية وعقلية وصناعية وزراعية وتكنولوجية وعلمية ، والعمل على إرساء مبادئ الحكم الشورى والعدل والمساواة وسيادة القانون والقضاء على الفساد بأشكاله كافة، وإحداث ثورة فى نظام التعليم والبحث العلمي والقضاء على الأمية الهجائية والثقافية، فمصائر الأمم وأقدارها لا تتحدد بلمسة من عصا ساحر ماهر، بل يصنع أقدار الأمم حاكم شرعي مقتدر، والشرعية هنا ليست شرعية قريش أو شرعية الجيش، بل الشرعية الحقيقية الوحيدة هي شرعية الاختيار الحر من الشعب الحر فى نظام شورى تحكمه المؤسسات لا النظم الديكتاتورية أو الأتوقراطية أو الثيوقراطية أو حكومات العسكر.
وحماسة المسلم لدينه قد توهمه بعدم الخضوع للسنن التي يخضع لها سائر الخلق من حوله، فيظن ، فى وقت شدته، أن الله سيستثنيه فلا يخضع للقوانين والسنن التى يخضع لها الناس ، ويأمل أن تبادر قوى خفية لمساعدته فى الوقت المناسب ، وأن عناية خاصة مبهمة قد تمد له يد العون لتقيله من عثرته، وعليه فقط أن ينتظر المعجزة.
ويطول بالمسلمين الانتظار ، عليهم انتظار اندحار الأعداء بلا قتال، إذ سيُهزمون بالدعاء أو بالوباء ، أو انتظار موت المستبد ليحصلوا على حريتهم، فلا جدوى من مناهضة الظالم وانتزاع حريتهم وكرامتهم، بل عليهم انتظار وفاته، ونسوا أن ابن المستبد سيرثهم كما تورث الأنعام ، ويطول بهم الانتظار. لقد غفلوا عن أن انتظار الحلول السحرية التي تأتى بغته دون الأخذ بالأسباب واستفراغ الجهد، إنما هي محض أضاليل تشل عقولهم كما تشل الأحجار الثقيلة عنق من يحملها على رأسه. وهذا الانتظار، على طريقة انتظار المهدي المنتظر، سمة من سمات العقل المهزوم ، هكذا يفكر كل المهزومين وكل من ضاقت بهم السبل ، هكذا ظن الألمان بعد هزيمتهم فى الحرب العالمية الثانية، وكانوا يتوهمون أن هتلر سيخرج عليهم معلنا استخدام سلاح جبار يحول الهزيمة نصرا. وهكذا فكرنا بُعَيد هزيمة 67، إذ قلنا : لم يحن بعد استخدام صواريخنا الفتاكة من طراز الظافر والقاهر.
إنها العقلية الانهزامية التي تنتظر الفرج السهل وتنأى بنفسها عن الصعب، وتترك المهام الجسام التي يتعين عليها الاضطلاع بها, لشخص آخر تتخيله وتتمناه وتنتظره. وبذا نترك الأهداف التي يمكن بلوغها بإصابات مباشرة، ولكن ببعض الجهد، ونكتفي بالجري وراء سراب وأوهام. والأمر واضح واضح، يقول الله تعالى: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم). هذا هو السبيل ، والسبيل الوحيد . فعلينا أن نتنبه إلى كشف السنن التي خلقها الله لتسيير الحوادث.