مؤرخو مصر قبل ابن الصيرفي

آحمد صبحي منصور في الجمعة ١٣ - يوليو - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

 

كتاب ( المجتمع المصرى فى ظل تطبيق الشريعة فى عصر السلطان قايتباى ):دراسة فى كتاب ( إنباء الهصر بأبناء العصر ) للمؤرخ القاضى ابن الصيرفى .

الفصل التمهيدى : ثانيا  : مؤرخو مصر قبل ابن الصيرفي

مؤرخنا المجهول ابن الصيرفى سجّل فترة غامضة فى التاريخ المصرى المملوكى ، وجاء بعد مدرسة مصرية تاريخية متميزة فى التأريخ تزعمها المقريزى . ونحتاج لمجلد كامل لاستعراض تاريخ علم التاريخ قبل عصر المؤرخ ابن الصيرفى ، ولكن نكتفى بلمحات من كتب لنا سبقت فى علم ( التاريخ والمؤرخون ) وهى مادة تاريخية متخصصة كنا ندرسها فى قسم التاريخ بكلية اللغة العربية جامعة الأزهر فى أوائل الثمانينيات.

 بداية التأريخ باللغة العربية وفيما يخص العرب

1 ـ قبل الفتح الإسلامى كانت هناك بين المصريين معارف ومؤلفات تاريخية وتراث شعبى باللغة القبطية . وبالفتح العربى دخلت اللغة العربية ، وتم تعريب الدواوين المصرية فى عهد الخليفة الأموى عبد الملك بن مروان ، واضطر الكتبة الأقباط المسيطرون على دواوين الدولة المصرية وإدارتها الى تعلم اللغة العربية ليحتفظوا بوظائفهم ونفوذهم داخل الحكم العربى الجديد . وبالتفاعل بين المصريين والعرب القادمين انتشرت اللغة العربية بين المصريين الذين تسموا ب( الأقباط ) نسبة للديانة القبطية المسيحية التى تمسكوا بها ورفضوا الدخول فى الاسلام . ولكن مع انتشار اللغة العربية أخذت تتوارى وتتراجع أمامها اللغة القبطية شيئا فشيئا الى الجنوب والصعيد الى أن أضحت فى العصر المملوكى متشابكة مع لغة النوبة . وتحولت تأدية العبادات القبطية الى اللغة العربية بعد أن نسى المصريون الأقباط والمسلمون لغتهم الأم وتكلموا بالعربية. ولسنا هنا بصدد التأريخ لعلم التاريخ المصرى القبطى وكيف تحوّل الى الكتابة بالعربية ، واشهر مؤرخيه ، ولكننا فى هذه العجالة السريعة نلمح لتأريخ مصر بعد الفتح العربى (الاسلامى ) والذى بدأه عرب مسلمون ، ثم تابعه بعدهم مصريون مسلمون يؤرخون لما يجرى فى مصر بعد الفتح .  

2 ـ انعكس الفتح العربى ( الاسلامى ) مبكرا مؤثرا فى تكوين مدرسة تاريخية مصرية ، ليس فقط من حيث اللغة ، فأصبح بالعربية ، ولكن من حيث الموضوع ، فتميزت المدرسة التاريخية الأولى بالتأريخ للفتوحات العربية ( الاسلامية ) في مصر وأفريقيا والأندلس حيث كانت مصر معبراً للفتوحات الإسلامية في هذه المناطق ، وكان الرواة للفتوحات الإسلامية من الذين أسهموا فيها. وعرفت (بكتب الرايات) نسبة للرايات التى كانت تحملها فرق المسلمين في الفتوحات. وقد جمع ابن الحكم (187- 257هـ) روايات الفتوحات في كتابه المشهور (فتوح مصر وأخبارها).

التأريخ للدول المصرية بعد الفتح العربى  ـ

دخلت المدرسة التاريخية المصرية فى تطور جديد حين تكونت في مصر دول مستقلة في العصر العباسى الثانى مما أوجد نوعاً جديداً من المؤلفات التاريخية المتخصصة فى مصر ودولها المستقلة ؛ فالمؤرخ ابن الداية ت 334 كتب في الدولة الطولونية:سيرة أحمد بن طولون، سيرة ابنه خماروية، سيرة هارون بن خماروية، أخبار غلمان ابن طولون بالإضافة إلى أخبار أطباء، أخبار المنجمين. والمؤرخ محمد بن يوسف الكندي (283-350هـ) له كتب الخطط والجند العربي والموالى وضاعت كلها ولم يبق إلا كتابه المشهور (الولاة والقضاة).والمؤرخ ابن زولاق (306-387هـ) كتب تاريخ مصر، وخطط مصر، فضائل مصر، سيرة الأخشيد، سيرة المعز لدين الله الفاطمي، سيرة جوهر الصقلى. والمؤرخ المسبحي (366-420هـ) الذى عاصر الخليفة الحاكم بأمر الله الفاطمي كتب ما يزيد على ثلاثين كتاباً أهمها التاريخ الكبير ، وهو  موسوعة في التاريخ المصري. وقد اقتبس منه المقريزى وأبو المحاسن والسيوطى والسخاوى. ثم كان التأريخ للدولة الأيوبية فى مصر والشام ، الى أن تأسست الدولة المملوكية على أنقاض الأيوبيين .

تسيّد المدرسة التاريخية المملوكية فى مصر والشام

وأصبحت القاهرة أهم الحواضر (الإسلامية) منذ العصر الفاطمي ، ثم صارت عاصمة العالم (الإسلامى)  بعد أن سيطرت الدولة المملوكية على أهم مناطق الشرق وانتقلت إليها الخلافة العباسية بعد هزيمة المغول، مما أدخل المدرسة التاريخية المصرية فى عصر الإزدهار ، خصوصا فى النصف الأول من القرن التاسع الهجرى ، وتزعم المدرسة التاريخية المصرية وقتها مؤرخ مصر الكبير تقي الدين المقريزى (766-845هـ). وذلك تأثرا بالوحدة السياسية التى حققها المماليك وبالمكانة السياسية التى تحتلها مصر المملوكية .  وهنا نتوقف ببعض التفاصيل مع المدرسة التاريخية المصرية والشامية فى العصر المملوكى .

المدرسة التاريخية فى المشرق ( سوريا والعراق ) قبل وأثناء العصر المملوكى

1 ـ سيطرت الدولة المملوكية على مصر والشام وبعض أجزاء من العراق وشمال سوريا والحجاز . وتكونت مدرسة تاريخية فى الشام فى دمشق وحلب ( المملوكية ) كانت تركّز على الشام بسبب إقامة المؤرخ فى موطنه بالشام ورصده أحداثها ، ثم ينقل عرضا ما يحدث فى مصر . وفى الوقت الذى تخصصت فيه المدرسة التاريخية المصرية فى كتب الرايات والفتوحات فى الغرب ثم فى التأريخ للدول المصرية الطولونية والاخشيدية والفاطمية والأيوبية فإن المدرسة التاريخية فى المشرق ( سوريا والعراق ) ركزت على بغداد ودمشق من خلال التاريخ الحولى ، الذى يؤرخ بالسنة والحول متخذا من بغداد نقطة انطلاق كما فعل الطبرى فى تاريخه وجرى على نسقه ابن الجوزى فى (المنتظم ) وابن الأثير فى الكامل . وأيضا من خلال التأريخ للعواصم مثل تاريخ بغداد وتاريخ دمشق وتاريخ حلب ..بدأ هذا مبكرا فى القرن الثالث الهجرى ، واستمر الى العصر المملوكى .

 2 : بسقوط بغداد ووقوع العراق تحت حكم المغول وذرية هولاكو إنفصلت مدرسة العراق التاريخية عن المدرسة التاريخية المملوكية فى مصر والشام . تميزت مدرسة الشام المملوكية بالتركيز على جعل سوريا وليس القاهرة نقطة الانطلاق فى التأريخ ..

3 ـ وخرج عن هذا المنهج من قام بالتأريخ فى الطبقات متبعا منهج ابن سعد فى الطبقات الكبرى الذى ترجم فيه للنبى عليه السلام والصحابة والتابعين وتابعيهم حتى أواخر العصر الأموى. فقد تنوعت كتب الطبقات اللاحقة لتؤرخ للفقهاء حسب مذاهبهم ، كطبقات الشافعية وطبقات الحنابلة ، وأيضا طبقات النحاة وطبقات الأطباء والحكماء والمعتزلة .. وهذه النوعية من التأريخ للأعلام لم تتقيد بالمكان ، ولكن تقيدت بمن تؤرخ له 4. وهناك من قام بالتأريخ العام للمشاهير مثل وفيات الأعيان لابن خلكان ، ومن تابعه مثل فوات الوفيات للكتبى ، والوافى بالوفيات للصفدى .

5 ـ كما تميزت هذه المدرسة باستكمال التأريخ الحولى للسابقين ، فالعادة أن ينقل المؤرخ فى التاريخ الحولى عمن سبقه كالطبرى الذى نقل الروايات الشفهية عن السيرة والعصر الأموى والسنوات السابقة على عصره فى الدولة العباسية ، ثم حين وصل الى التأريخ لعصره أصبح هو الأصل الذى ينقل شاهدا على عصره. وبعد موت الطبرى تتابعت الكتابة تكمل التأريخ بعده . واستمر هذا التأريخ الذى يستكمل ويتابع التأريخ الحولى مؤرخا بعد مؤرخ ، وكان أحيانا يكتب بعضهم تلك التكملات تحت عنوان ( الذيل على ..)، أى يقوم بالتذييل على تاريخ حولى سابق . ومن أمثلة هذا فى العصر المملوكى ( ذيل ابن العراقى ) وهو ولى الدين أبوزرعة بن عبدالرحيم بن الحسين العراقى)، وبدأ كتابه ( الذيل ) بالتأريخ من سنة مولده 762،  وهو تكملة لكتاب التاريخ لوالده ، وقد قام والد العراقى بتكملة تاريخ ذيل العبر للحافظ الذهبى.

6 ـ ومنهم من قام باستكمال التأريخ دون استعمال لمصطلح الذيل مثل ( ابن قاضى شهبه) : أبوبكر أحمد بن محمد بن عمر ت851. وكتابه ( الإعلام بتاريخ أهل الإسلام   فى 7 مجلدات ،  وهو تراجم للأشخاص والحوادث على النسق الحولى . و(الكتبى: ابن شاكر : صلاح الدين محمد بن أحمد ت764.)فى كتابه (عيون التواريخ )، ويهتم فيه كالعادة بأخبار الشام مع إيراد الأشعار لمن يترجم لهم . ولكنّ أبرزهم تاريخ ابن كثير ( 700 ـ 774 ) الذى نقل عن السابقين من ابن سعد والطبرى فى العصر العباسى وغيرهم الى أن وصل لوقته فى العصر المملوكى فى القرن الثامن الهجرى فقام بالتأريخ لعصره .

7 ـ ويتميز النويرى (شهاب الدين أحمد بن عبدالوهاب ت 733.) بموسوعته ( نهاية الأرب) والتى جمع فيها  علوم عصره ، ثم خصص الأجزاء الأخيرة فى التأريخ . واعتمد منهجا رائعا فى التأريخ الموضوعى الحوالى ، أى يتوقف مع كل دولة من حيث الموضوع من بدايتها الى نهايتها ، وبعد أن ينتهى منها يتعرض لدولة أخرى . حتى وصل الى التأريخ لعصره المملوكى ، فكان يتهرب من التاريخ المباشر لعصره خوفا وتملقا للناصر محمد بن قلاوون كما يظهر فى الجزء الأخير..

8 ـ وهناك مؤرخ أخر يحمل نفس اللقب :( النويرى) ،وهو ( محمد بن قاسم بن محمد النويرى) وكان معاصرا للنويرى المشهورى إذ مات عام 775 هجرية ، .ولكن هذا النويرى كان صوفيا ماجنا رشيق الثقافة . وتأتى أهمية كتابه:( الإلمام بالأعلام فيما جرت به الأحكام والأمور المقضية فى واقعة الإسكندرية ) بتسجيله غزو حاكم قبرص لمدينة الاسكندرية وقتله أهلها وتدميره لها، وكان هذا النويرى شاهدا على الأحداث فدونها ضمن ثرثرة جمع فيها بين التاريخ والفقه والتصوف والمعارف العامة.

9 ـ ونعطى أمثل لبعض مشاهير المدرسة الشامية المملوكية :

( الذهبى : شمس الدين بن محمد بن قايماز التركمانى ت 748) . وله ( تاريخ الإسلام وطبقات المشاهير والأعلام )   ولا أدل على أهميته من نقل المؤرخين اللاحقين منه وتذييلهم له ، وله فى الطبقات ( تذكرة الحفاظ ) و( دول الإسلام فى جزئين ، و ( العبر فى خبر من غبر) فى 5 أجزاء.

( الصفدى،خليل بن أيبك ت 764 ). وله:( شرح لامية العجم ) و (نكت الهيمان في نكت العميان ) وموسوعته الكبرى ( الوافى بالوفيات) و (أعيان العصر) وقد عرض فيه المؤلف لأعيان عصره مع الاهتمام بالنواحى الأدبية والأشعار.و( ابن الفرات: ناصر الدين محمد بن عبد الرحمن بن الفرات)(735 -807)، وله ( تاريخ ابن الفرات )، و ( أبو الفدا :المؤيد اسماعيل أبو الفدا من ذرية الأيوبيين فى العصر المملوكى وقد مات عام 714،وله ( تاريخ أبو الفدا ) و (ابن الوردى: زين الدين الدين عمر ت 705هـ ) وله ( تاريخ ابن الوردى: تتمة المختصر في أخبار البشر.).

التداخل بين مدرستى مصر والشام فى العصر المملوكى

كان المؤرخ الشامى يركّز على سوريا بينما كان يركّز المؤرخ المصرى على مصر. وظهرت إيجابية فى هذا المنهج عند التأريخ لحادث معين جرى فى سوريا ثم استمر سريانه ليصل الى مصر . هنا يجد الباحث تأريخا يتابع الحدث ويسير معه بالتسجيل خطوة خطوة من سوريا الى القاهرة . وعلى سبيل المثال نرى المؤرخ الشامى  (ابن طولون:شمس الدين محمد بن أحمد (880-953) ، يسجل فى الشام وقائع الفتح العثمانى وصراع سليم الثانى العثمانى مع المماليك وسلطانهم الغورى ، وهزيمة الغورى وتوسع العثمانيين فى الغزو والفتح ، وذلك فى كتابه ( مفاكهة الخلان في حوادث الزمان ) المعروف بتاريخ ابن طولون . ثم إذا وصل سليم الثانى العثمانى الى مصر كان ابن إياس أبرز مؤرخ مصرى فى إنتظاره يسجل بالتفصيل وقائع سقوط الدولة المملوكية وشنق آخر سلاطينها طومان باى على باب زويلة بالقاهرة .

 المدرسة المصرية المملوكية قبل عصر المقريزى: مؤرخو مصر فى القرن الثامن الهجرى

1 ـ وأهم ملامحها وجود مؤرخين مصريين من أصل مملوكى، مثل ابن أيبك الداودارى: أبوبكر بن عبد الله ، ( وابن عبد الله يعنى عدم معرفة إسم أبيه لأن أباه جىء به مملوكا) . وكان هذا المؤرخ معاصرا للناصر محمد بن قلاوون. وله تاريخ ضخم بعنوان ( كنز الدرر وجامع الغرر)، وفيه الجزء التاسع بعنوان:(الدر القاهر فى سيرة الملك الظاهر). وايضا بيبرس الداودار ، وله كتاب ( زيدة الفكرة في تاريخ الهجرة )، وجرى فيه على عادة النقل عن السابقين الى أن يصل الى التأريخ لعصره فى الجزء التاسع فيؤرخ معاصرا للأحداث ، فيما بين 656 : 709 . وهذا المؤرخ مملوك ينافق سلطانه الناصر محمد بن قلاوون إلى درجة أنه أهمل تاريخ من اغتصبوا الحكم منه أسوة بإهماله تاريخ المغول المعاصرين له . وأيضا ( ابن دقماق ، وهو:صارم الدين ابراهيم بن محمد ت 809 .) وله ( الجوهر الثمين في سير الملوك والسلاطين)، ورغم أنه مختصر إلا أنه معاصر يعبر عن عقلية العصر. وله أيضا : ( الإنتصار لواسطة عقد الأمصار.) فى  5 أجزاء.

2 ـ الملمح الثانى هو التأريخ للصعيد فيما كتبه ( الأدفوى: جعفر بن ثعلب بن جعفر ت 748 ) فى كتابه : (ـ الطالع السعيد فى أخبار نجباء الصعيد.).   

المدرسة التاريخية المصرية فى النصف الأول من القرن التاسع الهجرى بزعامة المقريزى

1 ـ من أعلام هذه المدرسة المؤرخ الفقيه (ابن حجرالعسقلانى) : (شهاب الدين أحمد بن على بن محمد بن على (773-752).وله فى مجال التاريخ : ( رفع الأصر عن قضاة مصر )، و( إنباء الغمر بأبناء العمر) الذى يؤرخ فيه لعصره من سنة ميلاده الى قبيل وفاته، وله :ـ( الدرر الكامنة فى أعيان المائة الثامنة.) فى أربعة أجزاء ، وقام بنفسه بالتذييل عليه بعنوان ( تاريخ المائة التاسعة أو ذيل الدرر الكامنة) وهناك نسخة خطية  فى دار الكتب المصرية بقلم ابن حجر نفسه ولكنها صعبة القراءة جدا تبلغ أهميتها أن المؤرخين المعاصرين نقلوا عنها . ومشهور ابن حجر بشرحه للبخارى فى كتاب ( فتح البارى ) . وعلى سنّته سار فى العصر العثمانى مؤرخ محدث آخر هو ( ابن حجر الهيثمى) : شهاب الدين بن محمد بن بدر الدين ت 974 . وله ( إتحاف إخوان الصفا بنبذ من أخبار الخلفا)  . وهو تاريخ للخلفاء العباسيين بالقاهرة ينقل عن تاريخ الخلفاء للسيوطى.

 2 ـ ومثل ابن حجر كان ( العينى: بدر الدين (762-855). الذى قام بشرح البخارى فى كتابه ( عمدة القارى )، وقد خدم العينى الدولة المملوكية ، ونافق السلطان الظاهر (ططر) فى ( الروض الزاهر في سيرة الملك الظاهر ططر) ونافق السلطان المؤيد شيخ فى تاريخه :( السيف المهند في سيرة الملك المؤيد شيخ المحمودى ). وكتب فى التاريخ الحولى : ( عقد الجمان فى تاريخ أهل الزمان )، وهو متوسط الجودة ،  ويعاب عليه أنه فى تأريخه للسنوات الأخيرة كان مختصرا على غير العادة فى الحوليات.

 3 ـ وكان المقريزى( تقى الدين أحمد بن على (766- 845 ) زعيم هذه المدرسة . كانت مؤلفات المقريزى صدى للوضع السياسي المتميز للدولة المملوكية وقتها . لذا نراه يكتب في التاريخ العام والتاريخ العالمي بالإضافة إلى المؤلفات المتخصصة في شتى نواحى الحياة والحضارة المصرية والمعارف المصرية. في التاريخ العام كتب المقريزى مؤلفاته الضخمة مثل (الخبر عن البشر)، (الدرر المضيئة في تاريخ الدولة الإسلامية)، (أمتاع الأسماع بما للرسول من الأبناء والأحوال والحفدة والمتاع). في التاريخ المصري وضع ثلاثة كتب ضخمة هى: (تاريخ مدينة الفسطاط) الذى أرخ فيه لمصر منذ الفتح العربي إلى الفتح الفاطمي ، وفى تاريخ العصر الفاطمى كتب نقلا عن المسبّحى وغيره ( اتعاظ الحنفا بذكر الأئمة الفاطميين الخلفا). ثم  كتابه الأشهر (السلوك لمعرفة دول المملوك) وأرخ فيه لمصر في العصرين الأيوبي والمملوكى إلى قبيل وفاته سنة 845هـ.وكان ينقل عن المؤرخين السابقين باختصار وحرفية نادرة ، حتى إذا وصل الى عصره أصبح يؤرخ شاهدا على عصره متوسعا وشاملا فى الأجزاء الأخيرة من ( السلوك ). وفي تاريخ العمران المصرى وضع موسوعته الكبيرة (المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والأثار) وهى المعروفة بخطط المقريزى وفيه أرخ للمدن المصرية ومعالمها والحياة الاجتماعية فيها. وكان رائدا فى الكتابة التاريخية الاجتماعية متأثرا باستاذه ابن خلدون ت 808هـ.، إلا إنه خلافا لابن خلدون الذى تجاهل مصر فى مقدمته وتاريخه نرى المقريزى منكبا على تاريخ مصر فى ماضيها وحاضرها سياسيا واجتماعيا وحضاريا وعمرانيا . في تاريخها البشرى وضع المقريزى كتابين للترجمة لرجال مصر هما (المقفي الكبير) ويقع فى أربع مجلدات مخطوطة،وقد جمع فيه تراجم لكل من وفد على مصر منذ الفتح أو عاش فيها. وله أيضا ( درر العقود الفريدة في تراجم الأعيان المفيدة)، وكان يكثر من الاشارة اليه فى كتبه الأخرى . هذا بالإضافة إلى كتبه الصغيرة التى تناولت نواحى متخصصة في النقود وتاريخ الأعراب والاقتصاد والغناء والأحوال الدينية وآل البيت والنزاع بين الأمويين والهاشميين وبنيان الكعبة ومن حج من الملوك وحلّ لغز الماء .

5 ـ  وأصبح المقريزي أستاذاَ لمدرسة تاريخية جاءت بعده فى الجيل التالى فى النصف الثانى من هذا القرن . وكان من تلامذته المجهولين فيه مؤرخنا ابن الصيرفي الذى نصاحبه في كتابه (إنباء الهصر) لنتعرف على المجتمع المصري في عصر قايتباى.

6 ـ ونرجو بهذا العرض السريع أن نكون قد قدمنا لمحة عن مصر الإسلامية بين التاريخ والمؤرخين قبل عصر قايتباى وقبل المؤرخ الصيرفي. و ويبقى أن نتعرف على هذا المؤرخ المجهول المنسى ( الصيرفى ) أو ( ابن الصيرفى ) بين مشاهير المؤرخين الذين عاصرهم فى النصف الثانى من القرن التاسع الهجرى. 

اجمالي القراءات 13273