سيدي الرئيس،
في الأيام الأولى للحُكم يتبين بوضوح الخاطف والمختطــَـف، الحاكم والمحكوم، وأنت أمام خيارين لا ثالث لهما: إما أن تأمر بحسم أو تؤمر بنعومة، أن يطيعك مستشاروك أو يعيدوا صناعتك، أن تصبح رئيسا لمصر أو تلميذَ المرشد في القصر!
لم أنتخبك، سيدي الرئيس، ولم يدر بذهني قط أن واحداً من الثلاثة عشر مرشحاً كان يصلح لحُكم أم الدنيا، ووقف الزمن بي عندما خلعت أحذية ملايين المصريين التي رفعوها في وجه طاغية مصر الذي قال عنه رئيس تحريرمجلة مصرية: إن الرئيس حسني مبارك لم يرتكب خطأ واحداً منذ توليه قيادة هذا الوطن!
حكايتي مع الإخوان المسلمين بدأت منذ عام 1965 عندما كان يجتمع بنا أستاذ العقيدة بالجماعة، وأتذكر وهو يقرأ علينا المباديء العشرة وتوقفت طويلا عند الفقرة التي تقول: احرص على أن لا يقع القرش إلا في يد أخيك المسلم، ولأنني كنت في الثامنة عشرة من عمري فلم أتنبه أنها دعوة طائفية لتمزيق الوطن. ومن حُسن حظي أنني لم أنتم للجماعة ولا لأي فرقة دينية أو سياسية أو اجتماعية لأن الانتماء لجماعة فيها قيادة يتعارض تماما مع طبيعتي، فقد قضيت عمري كله أرى الكبار صغاراً، ولا أومن بقداسة لفرد أو زعيم أو مصلح أو عالم ، فكل إنسان قابل للتعرض لمشرط قلمي.
ومع ذلك فقد قرأت معظم مؤلفات سيد قطب ومحمد قطب والمودودي وأبي الُحسن علي حسني الندوي، ولكن الشيخ محمد الغزالي كان الأقرب إلى قلبي ، ومالك بن نبي إلى عقلي، ومصطفى صادق الرافعي إلى لساني.
وقابلت الشيخ محمد الغزالي ولم أكن قد بلغت الثالثة والعشرين من العمر لأعرض عليه فصول أول كتاب لي في مقارنة الأديان، واستحسنه كثيرا، والحمد لله أن الكتاب لم يخرج إلى النور فقد هداني الله إلى طريق التسامح، والابتعاد عن مشاعر الفوقية، والانتماء إلى البشر في كل الأديان والعقائد والمذاهب رغم أنني ظللت إلى هذه اللحظة مسلما، مؤمناً، ملتزما بتوجيهات ديني الحنيف.
والتقيت في المركز الإسلامي بجنيف الدكتور سعيد رمضان ( نوفمبر 1973) وكان تقريبا وزير مالية الإخوان المسلمين، واللقاء معه كان جميلا ودافئاً، وقام وهو يودعني بتقبيل رأسي.
سيدي الرئيس،
تبدأ عزلة الزعيم عندما يضع أول قدم له في القصر فالسجن والقصر يتساويان أحيانا، والسجــّـان والمستشار توأمان في أغلب الأحوال، وأنت سيحيط بك مستشارون ومساعدون وإخوان وسلفيون وبرلمانيون ويونيفورميون فضلا عن أجهزة أمن واستخبارات ومترجمين ومعلمي البروتوكول وكل واحد منهم سيطيعك إنْ حزمت، فإذا أعطيت أذنيك للوشاة فقد أحكموا لك العقدة التي لا حل لها.
أول خطوة في المصيدة التي سينصبونها لك هي تلخيص الصحف والأخبار وفقا لاختياراتهم، فإذا اعتدت عليها فقد فصلوك عن شعبك، فتظن أنك تعرف ما يدور في مصر، والحقيقة أنهم سينتجون زعيما غريباً عن الشعب، فإذا تذكرت ولاءك للمرشد والجماعة وأفكارها ومبادئها فلن يمر وقت طويل حتى يصبح قصرُك سجنــَــك، وفكرُهم لسانـَـك، وأجهزتـُـهم الأمنية هيبـَـتــك.
دعني أعترف لك بأنك لست الرجل الذي أحلم به رئيسا لبلدي، وكل السياسيين والحزبيين والمرشـَـحين سابقا للرئاسة والذين يصدّعون رؤوسنا آناء الليل وأطراف النهار بعبقريتهم الموهومة وأحزابهم المهترئة لا يساوي أكبرهم عندي حفنة من تراب مصر، ولا يصلح لحُكم قرية على أطراف ترعة في أقصى وادي النيل، فأنا حلمت لأكثر من ثلاثة عقود بمصر غير تلك التي يخطط لها الظاهرون في المشهد المصري، وكتبت مئات المقالات، ووضعت سِنَّ قلمي في عين الطاغية المخلوع لربع قرن تقريبا، وحرمني من زيارة بلدي لأحد عشر عاماً حتى قامت ثورة 25 يناير، فازداد ولعي، وهوسي، وعشقي في وضع تخطيط، ولمسات، وأفكار، واصلاحات لكل ما في مصر، ولم أترك شبراً واحداً لم يعرضه قلمي في حلمي الأكبر.. الأمن، كرامة المواطن وحقوقه، الأمية، التسامح ، المساواة، العلاج والعلاقة بين الطبيب والدولة، الدواء المجاني لكل طفل تحت سن الثانية عشرة، ذوي الاحتياجات الخاصة، الكتاب، اللغة، الأسعار، السكن، القضاء، الدبلوماسية، النظافة، المساجد والكنائس، الرقابة، المساعدات الخارجية والتعاون مع دول العالم، الصحافة والنفاق والتملق والترخيص، الفضائيات والتخلف فيها وكيفية التعيين، السينما وكل أنواع الفنون، الدين وكيفية التعامل معه، الفهم الحقيقي لرسالة الإسلام، القضاء على الصراع الديني الأحمق بين متشددي الدينين الكبيرين، حقوق أقباطنا وهي واجبات كل مسلم مع مساواة كاملة غير منقوصة حتى لو أراد القبطي الالتحاق بالأزهر الشريف وارتداء ملابس العلماء فالمواطنة ليس فيها كلمة ولكن!
كتبت منذ سنوات أحد أهم مقالاتي تحت عنوان ( خوفي على مصر من الإخوان المسلمين)، ومازلت أخاف على مصر منكم، سيدي الرئيس، فما أسهل الاستبداد باسم الدين، والمزايدة تحت راية الإسلام، والبكاء لغياب دولة الخلافة، والعثور على تبرير لأي جريمة فآلاف من الكتب الصفراء التي تعفرت لمئات السنوات يمكن أن تكون منبعاً للتخلف والرجعية والإرهاب.
الإسلام الحنيف دين أكمل الله به رسالته للعالمين، أما المشروع الإسلامي في عصر الانحطاط العربي والديكتاتوريات والسجون والمعتقلات والفقر والفساد والأمية فهو عملية نصب واحتيال باسم السماء على الأرض.
القرآن العظيم كلمة الله العليا، ورسالته الخاتمة، لكن الشيطان يستطيع أن يستشهد بآيات من كل الكتب المقدسة، وصدام حسين استدعى العلماء المسلمين بعد غزو الكويت لتبرير عدوانه، وكان أقطاب المؤسسات الإسلامية يقضون شهر رمضان في الدروس الحسنية بجوار أشد أجهزة القمع والتعذيب في مغرب الحسن الثاني. وكان جعفر النميري عراب الفلاشا صاحب بيوت الأشباح، أي سجون القهر وانتهاك كرامة المواطن فيجلد فقراء الخرطوم وأم درمان، وتــُـخرج له تروس المطابع كتابا عن منهج الإسلام في الحُكم مع تبريرات حسن الترابي، ثم جاء عمر حسن البشير وتحول السودان الطيب الأسمر إلى سجن كبير، ثم انفصل إلى شمال وجنوب، وتحت زعم المشروع الإسلامي تم اغتصاب آلاف من نساء دارفور.
وقامت حركة طالبان المتخلفة والمهووسة بالجنس لتحيل حياة الأفغان إلى جحيم، وخرجت علينا شياطين القاعدة لتتيح الفرصة لعودة الاستعمار للعالم الإسلامي، وخرج علينا شباب الإسلام الصومالي، ثم حركة بوكو حرام في نيجيريا، وظل التاريخ الحديث كله ألعوبة في أيدي أباطرة الفتاوى الفجــّـة وأمراء المشاريع الإسلامية التي يقوم كل إرهابي بتقديم مشروع النصب والاحتيال والارهاب حسبما تقتضي ظروف الوطن.
سيدي الرئيس،
لم أنتظر نتيجة التصفية النهائية في مباراة الرئاسة بينك وبين الفريق أحمد شفيق، فحزني هنا يعادل حزني هناك، ومصر مع الاستبداد الفلولي كمصر تحت حُكم الاستبداد الديني، وقبولي بالأمر الواقع لا يعني مطلقاً تعاطفي مع الإخوان المسلمين، لكنني أخاف خوف الموت المفاجيء من هجمة دينية حتى لو كان السلفيون قادتـَها، فيعيدون الزمن قرنا أو اثنين في الفنون والآداب والكلمة الحرة والفلسفة والاختلاط العفيف بين المرأة والرجل وحقوق غير المسلمين وتكفير من يفكر وارهاب المطابع وحجب الفن السابع وجعل التعليم مقتصرا على أقوال السلف وعبقرية من ماتوا و .. شبعوا موتا لمئات السنوات.
في قناعاتي، سيدي الرئيس، أن التدين المحدث والمبالغ فيه ليس أكثر من انشغال الذهن بالجنس والحور العين وتعدد الزوجات وتسهيل صور جديدة من التحايل على عالم المرأة.
كتبت في مقال سابق لي تحت عنوان ( لماذا انتخب المصريون الإسلاميين؟)، وقلت فيه:
الدينُ كـَكـُل أيديولوجية سماوية أو وضعية، وأيضا كأيّ قيمةٍ كبرىَ في الدنيا يستخدمها الطيبُ والشرس، المسالمُ والإرهابي، المتسامحُ والطائفي، المظلومُ والظالمُ، الاستشهاديُّ والانتحاري.
الدين، الحرية، العدالة، الحب، التقدم التكنولوجي، البورصة، الأسعار، مجلس الأمن، الفيتو، البحوث العلمية، الاستفتاءات، السلطات الثلاث، الإعلام .. الخ
كلها أشياء تستطيع أن تستخدمها في الخير والشر، فتقتل باسم الحـُب، وتظلم تحت راية العدالة، وتغشّ وأنت تقوم بتعديل الأسعار، وتـُكـَبـِّـل المـِعـْصـَمـَيـّن زاعماً أنك تـُحرر إنساناً، وتـُعـَمـّم التزويرَ في الاستفتاء، وتنضوي السلطات الثلاث تحت راية الاستبداد، ويتنفس الإعلام كذباً في برنامج الحقيقة المطلقة.
صندوقُ الاقتراع أحد هذه الأشياء التي تأتيك بعبيد أو أسياد، بكفاءات أو جهالات، بمخلصين أو لصوص، بوردة أو سيف، لكن المهم أن سوءَ النيــّة يتداخل مع حــُسنها، فيظن صاحبــُها أنه يـُرضي اللهَ تعالىَ فإذا بالشيطان يرقص طرباً لخيارات الطيبين والبسطاء كفرحتــِه بالمجرمين والأشرار.
خيارات المصريين لم تكن عادلة لأن أحـَـدَ الطرفين في بلد يحتل التديــّن الفــِطري، والمتواضع، والتقليدي، والموروث يزعم أنه متحدث باسم الله على الأرض، وأنه سيــُـطبق شرع الله مع السؤال المكرر لانهائياً:( هل أنت أحرص من الله على حقوقك؟)، فيخرس، وينظر في الأرض خجلا من يتبادر إلى ذهنه سؤالٌ يــُغضب ربـَّه، أعني لا تـَرْضىَ عنه الجماعة!
المعركة لم تكن متكافئة رغم أنَّ أحدَ طرفيها كان داعية مخلصا لكرباج ولي الأمر، ومنافحاً عنيدا عن ظلم أمير المؤمنين ولو ضرب ظهرَك، واغتصب كلَّ حريمِ أهلك، وأخرج القليل مما في بطون أبنائك ليضيفه إلى مائدة طعام قصره المليء بخيرات شعبك.
والطرف الثاني وفقاً لتفسيرات الأول علماني ملحد وليبرالي خليع وكاره للإسلام ومغرم بالقيم الغربية المنحلة ويبحث عن اغراق المجتمع بالفساد حتى يتحقق هدف أعداء ديننا من الأمريكيين والإسرائيليين والغربيين!
صندوق الانتخاب لم يكن في حاجة لأكثر من وصف المعركة على أنها بين الخير الإسلامي والشرّ العلماني، فثلاثة من كل عشرة أصوات لا يعرف أصحابــُها القراءة والكتابة، وسبعة من كل عشرة يقرؤون بصعوبة بالغة، وثمانية من كل عشرة يجمعون ليوم القيامة حسناتٍ في الانتخابات لعلها تــُغـَطــّي على سيئات في كل مناحي الحياة!
الزاعمون أنهم صوتُ الحق الإلهي يضربون تحت الحزام، فالجماهير تنحاز لمن يبني لها جنة في الآخرة مقابل الرضا والقناعة بعشة صفيح في إحدى العشوائيات المتناثرة في القاهرة الكبرى، والجماهير تعشق الإكليشيهات الجاهزة والتي لا تحتاج لعقل أو منطق أو تحليل أو شكّ أو توقف تأملي لبرهة أو أقل، فــ( الاسلام هو الحل)، و( الله سيرزق أولادك من فوقهم ومن تحت أرجلهم) و( الحاكم الظالم له نهاية) و ( المرشح المؤمن خير من الكافر العادل) و ( الزكاة المباركة أفضل من المليارات المتحصلة من الضرائب ) ... الخ
المخدرات ليست فقط تلك التي يُهــَرّبها تجار السموم، ولكنها أيضا في ألسنة وأقلام دعاة السكون والصمت والقبول بالأمر الواقع وانتظار ما ستسفر عنه الأيام القادمة، فانتهى الأمر بسرقة وطن، ونهب دولة، واستئساد طاغية على رقاب شعبه!
الناخب لا يبحث عن الكفاءة والعلم والإدارة، لكنه سيـُصـَوّت لمن يــُحـَدّثه عن ضرورة ارتداء الحجاب والنقاب، وعن الرقابة على أفلام الانحلال الخــُلـُقي، وعن أهمية رضا الله وطاعته في طاعة ولي الأمر، وليس في الدفاع عن الحق، والاعتصام من أجل المعتقلين الأبرياء، ومحاربة الغش والاحتيال ورفع الأسعار واستغلال السلطة وأهمية الكتاب في حياة الناس.
الناخب يريد أن يكسب رضا من يبيع له حسنات سواء بالمساعدة على وصوله إلى الحرم الديمقراطي أو بعدم التصويت للعلماني الذي تمكن الزاعمون بأنهم حزب الله على الأرض من تشويه صورته.
وأخطأت القوى الليبرالية عندما لعبت في أرض الخصم، وأجبرها أن تستخدم أسلحة يجيد هو التصويب بها حتى لو أخطأ، فالناخب سيرى كل ضربة من الإسلامي موجعة لليبرالي، والمعركة بهذه الطريقة لا تحتاج لصوت العقل، ولا لنهج المنطق، ولا يكترث أحد للموضوعية والحقائق والتوثيقات، ويكفي أن يضع أسماء كبيرة مثل البخاري ومسلم وابن عباس والترمذي وأبا هريرة حتى لو كان الموضوع عن التصحر والنظام المالي وحقوق الإنسان والصعود إلى الفضاء وبناء جيش حديث، ثم يــُغـَلـّفه بتعبيرات جميلة كالسلف الصالح والآباء الأولين ومن عاشوا في القرون الثلاثة الأولى فتصبح المعركة محسومة مسبقاً لصالح صاحب الملعب والكرة و.. الجماهير المشجعة.
على باب لجنة الاقتراع تستطيع أن تهمس في أذن الناخب المصري البسيط مستنكراً أن يعطي صوته لمن لا يحتكم إلى شرع الله، فأحدهم أقنع الناخبين الطيبين أن منافسيه يؤيدون الكافر نجيب محفوظ الذي وضع رواية( أولاد حارتنا) لكنه لا يذكر أنها عام 1957، يسخر فيها من الله ورسله، فالمرشح الإسلامي، لا يتحدث إلى الناخب عن فن الإدارة، وملايين القضايا المهمـَـلة في ملفات المحاكم، وميزانية البحوث العلمية، وكيفية القضاء على أمراض الكبد الوبائي والسرطان، وتثبيت سعر الدواء، وكيفية توفير ميزانية لعلاج الأطفال مجاناً.
في العالم العربي ستحسم صناديقُ الاقتراع أيَّ معركة انتخابية لصالح من يبحث عن حلول مُعضلات الحاضر في حكايات عن أناس مرّوا على الدنيا منذ مئات السنين، وآلاف من الأحاديث التي يختلط فيها الحق بالباطل، والمعلوم بالمجهول، والمؤكد بالموضوع في زمن كهنة السلطان ستدخل المعركة بلافتات تدعم أحد المرشحين ولو مرت عليها قرون عدة.
صندوق الانتخاب يصلح في بلد لم يعد يتعرف على أميٍّ واحد، ولا يصل إلى فتحة الصندوق صوت لمرشح استخدم المقدس في حملته الانتخابية، واستدعى شهوداً من المقابر، واستعان بتفسيراتٍ لا علاقة لها ألبتــّة بعصرنا وزمننا وظروفنا.
لهذا كان طبيعياً أن يرفض عدد من النواب القــَسـَم كما هو معروف في الدستور فأضافوا إليه شرط عدم تعارضه مع شرع الله، وبالتالي يمكن رفض أي مشروع حتى لو كان إنشاء دار للأوبرا في صعيد مصر بحجة أن ابن عباس فسـَّر( اللهو) في الآية الكريمة على أنها الموسيقى والغناء.
يصغر العقل، ويتقزم، ثم يختفي عندما يضرب النائبُ طوقا من الغموض والابهام على طروحات البرلمان، فلغتنا الجميلة مليئة بمـُســَكـِّنات لا حصر لها، وإذا كنتَ إسلامياً وعارضتَ رأياً مخالفاً لقناعاتــِك عن مشروع ثقافي أو فني أو تعليمي أو جامعي أو طبي فالحجة بين يديك، ولا تحتاج لقراءة صفحة واحدة عن المشروع، فتقف بشموخ وتزعم أنك تشم رائحة تشويه صورة الإسلام، وأن ابن عم صاحب المشروع كان يعمل في قناة خليعة أو أن ابنته تقضي العطلة على الشاطيء في الغردقة!
نتائج المعركة محسومة، ومحجوزة، ومضمونة لمن تمكن من التعبئة النفسية والوجدانية والعاطفية والروحية لصالح برنامجه الوهمي، ويكفي تأكيده بأنه سيعمل الخير، ويحافظ على مصالح أبناء الدائرة(وليس الوطن)، ويستجيب لمطالبهم، ويبني لهم مسجداً جديداً، ويزرع التقوى والإيمان في أرجاء القرية، وتلك هي أقصى امكانياته العقلية والعلمية والإدارية والثقافية!
انتخب المصريون الإسلاميين لأن الاسم يشي ويوحي بوقوف الله، تعالى، مع حزبه المنتصر حتماً، رغم أن أول فصول التزوير يحملها الاسم ذاته، فكلنا إسلاميون، والقبطي الذي يتساوى مع المسلم في كل الحقوق، دون أي استثناء مهما صغر، وأن أمنه وأمانه وحريته وعدم التمييز ضده في أدنى الصور غير المرئية ضمانة حقيقية،هو أيضا إسلامي، فلماذا يزعم فريق، زوراً وبهتاناً، أنهم إسلاميون أكثر من الآخرين، وأن العلي القدير منحهم بركات من السماء وحـَجـَبـَها عن غيرهم!
أما الحُكم بشرع الله فتفسيره الواقعي تـَرْكُ شؤون الدنيا والدين لبعض البشر لعلهم يستنبطون من الدين أحكاماً تناسب أهواءهم، وتفسيرات لا ترهق عقولــَهم، وسُلطة مُغـَلــَّفـة بالتقديس، وزعامة تزعم أنها خلافة، واستبداداً لا يحتاج لأكثر من دقيقتين من التشاور حتى يصدر الحُكم بقطع الرقبة.
إنني مؤمن إيمانا عميقا بشرع الله كما هو في ذهني أنا فقط، أي حُرْمة الأميــّة، ونسبة مئوية كبيرة من ميزانية الدولة إلى البحوث العلمية، ومخالفة اخفاء براءات الاختراع للإسلام، والعلاج المجاني غير المؤجل لكل طفل تحت سن الثانية عشرة، والمساواة الكاملة بين المواطنين، وأن التكفير كـُفــْر، وأن بناء المساكن فوق الأراضي الزراعية مُحــَرّم تحريماً قاطعاً، وأن التفريط في فائض مياه النيل مخالف أيضا لشرع الله.
شرع الله هو تذويب الفوارق الكبيرة بين الطبقات إلا الطبيعي منها، وإيجاد حل لمليون طفل في الشوارع، ومستشفيات ذبح ميزانية المواطن المسكين مخالفة لأحكام الإسلام، ومنع ترميم الكنائس إلا بأمر السلطة عمل مناهض لعدالة السماء.
شرع الله أن لا ينام المصريون وأحد أبنائهم يتوجع في زنزانة تحت الأرض ليوم أو بعض اليوم، وأن تجند الدولة إمكانياتها لتعميم الثقافة الإنسانية والعلمية بكافة أنواعها.
وشرع الله أن نطيعه، سبحانه وتعالى، إذا طلب منا أن لا نتبع ما ألفينا عليه آباءنا، ولكن ما آمنت به قلوبنا وعقولنا ووعينا.
وشرع الله، عز وجل، أن نقرأ الآية الكريمة التي تحثنا على التعارف شعوبا وقبائل، وبالتالي فاخفاء وجه المرأة حرام حــُرمة كاملة لأنه يفتح للمجتمع الآمن باب الرذيلة والفساد والارهاب والمعاصي والخيانة الزوجية.
وشرع الله يعني الكفاءة قبل زبيبة الصلاة، والعبقرية العلمية والإدارية والفكرية قبل اللحية، والشرعة العالمية لحقوق الإنسان لا تتعارض مع الحقوق في الإسلام، ولا مانع من الخلافات الصغيرة في تفاصيل تختلف من بلد إلى آخر.
وشرع الله في شوارع نظيفة، والقضاء على الدروس الخصوصية، ورفع الأجور، وزيادة الانتاج، وحرية النشر والابداع، ومنع الاستغلال والغش، وافتتاح مكاتب لحماية المستهلك، و ..
هذا هو شرع الله الذي أفديه بحياتي ودمي دون أن أزعم أنه يمنحني أفضلية وأولوية ومكانة أعلى من الآخرين، فالعزيز الجبار ربُّ كل البشر.
المصريون انتخبوا الإسلاميين، ولو زعم الإسلاميون أنهم ليبراليون بحُكم ارتباط الدين الحنيف بالحرية، ثم يؤكد الليبراليون أنهم فرقة الله التي تطيعه في الخير ورفع مرتبات الموظفين والاهتمام بتقوى المواطن في عمله، وحماية المستهلك لأن مَنْ غشــَّنـا فليس مِنـّا، فأغلب الظن أن نتيجة الانتخابات كانت ستدير وجهها إلى الناحية الأخرى.
صناديق الانتخاب في العالم الثالث أكبر عملية غش باسم العدالة، فهي تصنع طغاة اختارهم ناخب مشوّش الفكر، محدود القدرات، مخدَّر إعلامياً، مُسيّطــَّر عليه من سارقي التفسيرات باسم الدين.
إنني مؤمن بشرع الله، لكن التابعين لفهمي وتفسيري وقناعاتي قلة نادرة يهتز لها ضحكاً صندوق الانتخاب، ولا أستبعد أن يتهم الجماعة إيماني بأنه كفر، ومحبتي لله أنها ابتعاد عنه، عز وجل، وقناعاتي أنها طعنة في ديني الحنيف.
هذا هو تفسيري لتصويت المصريين لصالح الإسلاميين،وكذلك تفسيري لشرع الله، وأعتذر للذين سيهرب النوم من عيونهم، فالصدمة شديدة عليهم!
سيدي الرئيس محمد مرسي،
سأفترض إنني من مؤيديك، وهذا ليس صحيحاً بالمرة، وأضع بين يديك مطالب ونصائح وخيارات وأفكاراً أزعم أن مستشاريك الجدد سيلخصونها لك في فقرتين وفقا لرغباتهم، فالرئيس في قصره معتقل، أي يحددون لك استقبالاتك وأهميتها، وما تقرأه، ونبذة عن الأخبار العالمية، ومقالات المديح، ويقنعونك أن العالم كله ينتظر كل كلمة تتفوه بها لتكون للكون نبراساً.
إن هناك متخصصين في فن تخدير الزعيم، ثم عزله عن قضايا الوطن.
كنت أتمنى أن لا تدخل القصر الجمهوري قبل الافراج عن كل معتقل حرَمــِه الجنرالات من أهله وأحبابه، فأنا أرى أن أي ليلة تقضيها على الفراش الوثير في قصرك في الوقت الذي ينام مصري آخر على البــُـرش بجانب دلو أصفر قديم هي جريمة ستــُـحسـَـب عليك يوم القيامة, ولو قلت بأنك ستنظر في هذا الأمر بعد فترة قصيرة فثق، سيدي الرئيس، أنك لا تصلح لتحقيق أحلامنا في مصر الجديدة .. مصر الثورة.
لا أدري ما هي الخطوط الممنوع تجاوزها في فهمك لتصنيف الفلول؟
مجلس الشعب الإسلامي كعادة كل الذين يزعمون بهتانا وزورا أن الله معهم، اختاروا أخف الفلول ضررا لمنعهم من العمل السياسي، وتركوا الأخطر، والأقسى، والأغلظ، والأوفى للمخلوع، وما أسهل اطلاق النار في مغارة علي بابا على ثلاثة لصوص، وترك الآخرين يخرجون بسلام، أليس هذا هو الخروج الآمن أو الاستمرار الهاديء؟
كنت أتمنى أن يكون اليوم الأول لكَ التأكد من أن مبارك وولديه وحبيب العادلي وأحمد نظيف وأنس الفقي معتقلون، وأن تأمر سادة ما سبيرو بتصوير فيلم قصير عن الحياة اليومية لأعداء الشعب، على الأقل لتكون إشارة منك أن الثورة أتت بك إلى القصر.
من أين تبدأ؟
إذا كنت تستطيع أن تجلس أمام أي قناة فضائية مصرية لأكثر من عشرين دقيقة دون أن يرتفع ضغط دمك من المومياوات التي تطل على الناس، فقد قضيت على أي ذرة تفاؤل لديَّ!
في رأسك الرئاسي الآن مئات من الأولويات، فمصر كادت تخرج حتى من هامش التاريخ بسبب صمتنا الاجرامي على عهد مبارك وعائلته، وعليك أن تبحث عن الضحايا قبل البدء في الخطة صفر!
الجنرالات سيعطونك صلاحياتك الرئاسية والدستورية قـِـطعاً صغيرة تذوب تحت اللسان فور التهامها لكنك لن تحصل عليها كاملة حتى لو غادر شباب الإخوان ميدان التحرير بعدما تصادم مع مصالحهم، أو بعدما تلقوا التوجيهات من المرشد .. الخليفة!
أخطر عملية تخدير ستتعرض لها هي حكايات الناس البسطاء عن الرئيس التقي الذي تحفه الملائكة من كل جانب، والمتواضع الذي يفتح باب السيارة بنفسه، وربما يطلب من وزير المالية شراء تــُـكـْتـُـك لفخامة الرئيس بدلا من السيارة الفارهة!
الأولوية بعد الافراج الفوري عن المعتقلين وانهاء عصر استدعاء المواطن من قفاه ليلا أو نهاراً هي لأكبر جريمة في جهاز العدالة المصري، بل هي أم الجرائم، أعني ملايين القضايا المعلقة والمؤجلة التي لم يبت القضاء فيها بسبب البطء الشديد، والفساد، ومافيا المحامين، وسهولة ظلم الناس بكلمة: قررنا تأجيل النظر في القضية إلى جلسة لاحقة حتى يتمكن محامي المدعي أو المدعىَ عليه من جمع البيانات الناقصة!
جرائم، سرقات، قتل، مخدرات، اغتصاب، اعتداء، استيلاء على سكن الآخرين عنوة، غش وتلاعب، تهريب، تزييف، تزوير، انتحال، احتيال، بلطجة .. كلها تنتهي إلى جهاز قضائي مــُـسـَـيـّـس، وضعيف، حتى أن قضية العصر التي سقطت قبل مطرقة القاضي تم الحُكم فيها ببراءة الشقيقين وأصغرهما حـــكم مصر مع والده بالحديد والنهار، ونهب مليارات من أموال الغلابة.
سيدي الرئيس محمد مرسي،
هل وصولك إلى الحُكم يعني نجاح الثورة؟
الاجابة بنعم خدعة لا تنطلي على شباب أطهر ثورات العصر، فأنت لم تنجح، لكنك حصلت على ملايين من الأصوات التي أتت بك إلى الحُكم خوفا من عودة عصر مبارك في صورة أحمد شفيق.
ومطالب الثوار لم يتحقق منها شيء لأكثر من عام ونصف العام، وأنت مقيد اليدين، ناقص الصلاحيات، يتربص بك الفلول والعسكر، وينتظر المرشد أن تقوم بتقبيل يديه.
هل صحيح أن المجلس العسكري بكل ما يملك من أجهزة أمنية ومخابراتية ويستطيع لو أراد أن يُحصي على المصري أنفاسه وأحلامه في غرفة نومه، لا يعرف أسماء البلطجية وأماكنهم وجرائمهم ومموليهم؟
في أقل من 48 ساعة يمكن لجنرالات الحُكم أن يجعلوا مصر بلدا آمنا لا يتجرأ فيه بلطجي أن يلوح بقبضته أمام مواطن أعزل يسير في منتصف الليل في حارة ضيقة مظلمة!
ترى كيف ستختار، سيدي الرئيس، رجالك ومستشاريك وعيونك التي تنقل لك هموم الشعب وأزماته ومصاعبه؟
إذا اخترت الذين صنعهم الإعلام في عهد المخلوع، واحتلوا الفضائيات، ومقاعد رؤساء الأحزاب وضيوف الصحف ومُتــَـلوّني كل عهد ومن يوحي إليك الأقربون أنهم الأصلح والأفضل، فيمكنني من الآن أن أنعي الوطن في عهدك.
كل الذين ظهروا في مولد( سيدنا الريـّـس) لا يصلح أي منهم لمنصب وزير أو محافظ أو نائب أو مستشار أو مدير مكتب، أما إذا افترضت أن مصر خلاقة، وولادة، فأنت تستطيع أن تأتي بما لا عين رأت ولا أذن سمعت من قلب هذا الوطن الطيب، ومن بطن هذه الأم العريقة .. أم الدنيا.
الجماعات الدينية ستتنفس في عهدك، والكلمة الحرة ستختنق في مزاد المنع والمطاردة وكراهية المزايدين للابداع والفنون والآداب والجمال والموسيقى، ومن يخاطبك الآن، سيدي الرئيس، يؤمن أن النقاب حرام لأنه مخالفة صريحة لتوجيهات العزيز القدير( إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا)، فالأصل في الخلق أن يتعرف الإنسان على أخيه الإنسان لتكوين علاقة صحية وسليمة تظهر فيها عظمة الخالق في الوجه من جمال وطيبة وغضب وتسامح وتوعد واعتراض وتهديد ورفض وقبول و ....، وأنا أرى أن أي رفض لسبب الخلق، وهو التعارف بين البشر ذكورا وإناثا، يدخل في دائرة العصيان الصريح لأوامر الله تعالى، وعلى رأسها النقاب وتغطية وجه المرأة.
ويخاطبك الآن من يؤمن بحرمة تحريم الموسيقى والغناء، فخالقنا، جل جلاله، صنع أجمل وأعظم معجزاته في الأذن والحنجرة وربط المشاعر الجميلة بالموسيقى البديعة والراقية، وجعلها مدخلا لتطهير النفس، وسلامة الفؤاد، وربط الذكريات في شريط طويل من حياة المرء.
ويخاطبك من يؤمن بأن الجنة للذين أتوا الله بقلوب سليمة، لذا يستوي لديَّ إنْ كان جاري مسلما أو قبطيا أو بهائيا أو غير مؤمن أو علمانيا أو ليبراليا، فالحياة طريق طويل نــَـمر خلاله بكافة المنعطفات، وأي محاولة للقبض على لحظة فكرية في حياة أي شخص لمحاسبته عليها ستفتح الباب لمحاكم التفتيش الإخوانية السلفية.
سيدي الرئيس،
هل تريد أن يلتف المصريون حولك، رغم معرفتي المسبقة بأن الجماعات الدينية لا تسمع إلا صوت مرشدها، إذن فعليك بازاحة ما ينغــِّـص على المصريين حياتهم، وينقل الأمراض لأطفالهم، والراوئح الكريهة لهوائهم الذي يتنفسونه. إنها القمامة التي تشهد على فشل الدولة كلها، من المخلوع إلى ابنه، ومن المشير إلى المجلس العسكري، ومن القيادات السياسية والدينية إلى المفكرين والمثقفين وما تسمى بالصفوة. مناقصة عالمية أو عربية أو مصرية تربح فيها الشركات ما تشاء من جمع القمامة مرتين في اليوم، وحرقها، وتدويرها، وفرزها، شريطة أن لا يبقى في شارع أو حارة أو زقاق أو زاوية صندوق قمامة صغير.
عشرات من شركات النظافة في العالم برمته ستتسابق لتربح، ولتجعل مصر أنظف بلد في المنطقة.
هل تعرف، بدون مستشارين، أين هي أوجاع المصريين؟
إنها في مستشفيات استثمارية تسرق أعضاء المريض تحت التخدير، وفي صيدليات تقصم ظهر المواطن المسكين بدواء لا نعرف تاريخ انتهاء صلاحيته، وفي دروس خصوصية تفرغ جيب رب أسرة يحمل هَــمَّ شراء عدة أرغفة في اليوم، وفي شواطيء مصر التي نهبها الأوغاد رغم أننا تعلمنا أن كل شيء للبيع إلا البحر!
أول ملف تفتحه هو مليارات منهوبة من جيوب المساكين ولم تبرح مكانها بعد في حسابات خارجية، والعالم كله يضحك على شعب مصر الذي قام بثورة، وانشغل عن تهريب عائلة مبارك لأموال المصريين.
وماذا عن الشهداء، وقناصة العيون، وقتلة الشباب، و( الجمل ) و ( محمد محمود) و(مجلس الوزراء)و ( وماسبيرو)؟
وماذا عن صمت الدكتور الجنزوري سنوات طويلة عن سرقات مبارك وعائلته لميزانية الدولة؟
مجازر الطريق في سباق الموت بين سيارات يقودها متحالفون مع عزرائيل، فتنة طائفية يزعمون أنها نائمة لكنها في أوج توهجها المتخلف وإذا لم يتعلم المسلم أن حقوق القبطي واجب عليه، وأن الله لا يقبل صلاته إذا ظلم شريك وطنه فالوطن على حافة الهاوية.
لو كنت مكانك لأمرت في الدقائق الأولى للحكم بعمل لجان من خبراء المياه لقياس التلوث فيها، ثلاث مرات في اليوم،على الأقل.
وأوجاع المصريين في استنزاف خيراتهم، جمرك الاسكندرية على رأسها!
وماذا عن كرامة المصري في الداخل والخارج؟ أحتاج للحديث عنها إلى مجلدات ولعلي أتذكر مقالاتي لأكثر من عشرين عاما خلت، والموجهة للطاغية المخلوع( كرامتنا يا فخامة الرئيس) و ( أنت متهم لأنك مصري)!
سيدي الرئيس محمد مرسي،
لعلك تحتاج إلى أربع سنوات كاملات لتسمع مني ما لم يقله لك الآخرون، رغم أنك تعيش في مصر وتتنفس هواءها، فالمساحة هنا لا تتسع للحديث عن الزراعة والبناء فوق الأراضي الزراعية والغلاء ومياه النيل والمسرطنات وملايين الأطفال الهائمين على وجوههم، وأزمة موجعة لكل مسامات جسدي كلما كتبت هددتني الروح بالصعود: إنها مشكلة العوانس، فتيات مصريات بالملايين ينتظرن في نظام أعوج ومتخلف وغير إنساني أن يتم حل المشكلة من السلطة، ومع صعود الإخوان المسلمين إلى الحُكم، الصوري على الأقل، فتفكير الجماعة لا يصل إلى أبعد من تعدد الزوجات كحل لمشكلة إنسانية ووطنية، بل كارثة قومية.
لو سألتني، سيدي الرئيس، عما أطلبه منك لأتراجع قليلا عن حِدّتي، رغم استمرار عدم ثقتي بالاخوان المسلمين وهو أمر ليس غريبا عليَّ فأنا لا أثق في كل السياسيين الذين يملأون المشهد صخبا وصياحا واستعراض عضلات، بدون استثناء، من المخلوع إلى ولديه وزوجته مرورا بالمشير والمجلس العسكري وأجهزة القضاء والنائب العام ورئيس الوزراء وكل قيادات الإعلام ورؤساء الأحزاب من الوفد والتجمع إلى الإخوان والسلف، لكانت رغبتي الأولى أن تطلب من المشير خطابا علنيا وواضحا وأمام جماهير شعبنا يعتذر فيه على العمل لأكثر من عشرين عاما مع أعتى طاغية مصري منذ بناة الأهرام، وأنه يطلب الصفح من الشعب العظيم وثواره الأطهار!
حينئذ، سيدي الرئيس محمد مرسي، فلن تحتاج لثــَـنائي ومديحي فالشعب كله سيحملك على الأعناق.
معذرة، فلن أستطيع تهنئتك قبل أن أرى وجهك الحقيقي، ولكن كيف سيلخص لكَ مستشاروك هذه الرسالة، أم أنك ستقرأها بنفسك، وتبكي على أحوال رعيتك، ولا تسقطها من ذاكرتك.
إنها نصائح لا يسلمها، عادة، المستشارون لرئيسهم، ولو تأملتها من خلال وطنيتك وإيمانك فستجد أنها هدية لا يستطيع الأقربون منك اهداءك مثلها. ويكفيك فخرا أنها من مصري لا يثق في مبارك أو المشير أو شفيق أو كل مرشحي الرئاسة أو أي من رؤساء الأحزاب أو حتى الرئيس الدكتور محمد مرسى وجماعة الإخوان المسلمين.
محمد عبد المجيد
رئيس تحرير مجلة طائر الشمال
عضو اتحاد الصحفيين النرويجيين
أوسلو في 27 يونيو 2012
Taeralshmal@gmail.com