لماذا لم يلتق البرادعي بأقطاب التيار السلفي؟

في الأربعاء ١٤ - أبريل - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً

عندما بدأ الدكتور محمد البرادعي تحركاته السياسية الرامية لتحقيق العديد من أهداف التغيير السياسي في مصر فإنه التقي بمعظم قادة الحركات السياسية المعارضة أو حتي شبه المعارضة بمختلف مشاربها السياسية من أول الأقباط ذوي المطالب الفئوية نسبيا وحتي الإخوان المسلمين ذوي المطالب العقائدية ومرورا بـ«شباب 6 أبريل» وشباب أحزاب المعارضة وحركة «كفاية» وحركة «ضد التوريث» وغيرها من الحركات السياسية التي أغلبها قوي سياسية توصف بأنها جديدة وصاعدة وغير حزبية، ومع ذلك كله لم يلتق الدكتور البرادعي بأي من قادة الحركة الإسلامية السلفية رغم ما لهم من ثقل شعبي كبير في جميع أرجاء مصر وما لهم من ثقل إعلامي كبير عبر استحواذهم علي عدد كبير من برامج العديد من القنوات التليفزيونية الفضائية.

قد يقال: ولماذا لم يسع قادة السلفيين لمقابلة الدكتور محمد البرادعي كما سعي غيرهم؟ وهذا سؤال مشروع أيضا، وسنحاول عبر هذا الموضوع الإجابة عن السؤالين.

أولاً - لماذا لم يسع الدكتور محمد البرادعي لمقابلة مشايخ السلفيين ويستمع لآمالهم وأهدافهم كما فعل مع غيرهم من قادة التيارات السياسية والاجتماعية المختلفة؟

الثاني- لماذا لم يسع قادة السلفيين لمقابلة البرادعي والاستماع إليه وبثه آمالهم في التغيير؟

في الواقع فإن السعي للتغير السياسي في بلد في مثل ظروف مصر يستلزم من الدكتور البرادعي أن يسلك أحد طريقين:

الطريق الأول - العمل علي بناء قاعدة شعبية ذات أطر تنظيمية محددة تقوم بتثقيف وتعبئة قطاع واسع جدا من الجماهير المصرية كي يتمكن من تحريك هذه الجماهير في الاتجاه الذي يريده وحسب أهداف التغيير التي يحددها، وهذا الطريق لا يمكننا الجزم بعد بأن البرادعي سلكه، لأننا نميل لاعتباره لم يسلكه حتي الآن رغم أنه بدأ جولات جماهيرية ناجحة في الشارع المصري لكن ذلك لا يكفي للقول بأنه يسعي لتكوين قاعدة جماهيرية مسيسة ومنظمة ويمكن تعبئتها علي نطاق واسع في أي وقت وأي مكان، الجولات مجرد خطوة لا تعني شيئاً ما لم تتبعها خطوات من التثقيف السياسي والتعبئة والتجنيد الجماهيري ومن ثم التنظيم، وهذه الخطوات جميعها لو سلكها البرادعي فسوف يتكون له حزب سياسي ذو قاعدة جماهيرية جيدة سواء قام البرادعي بتسجيله كحزب قانوني أم لا، وحتي الآن لا يمكن القول بأن البرادعي فعل هذا أو حتي أظهر نية لفعل هذا.

الطريق الثاني- أن يسعي الدكتور محمد البرادعي للتحالف مع القوي السياسية المعارضة المتعددة بحيث تؤلف بينها جبهة متحدة تسعي لتحقيق الحد الأدني المتفق عليه من الأهداف الوطنية، وهذا ما يبدو أن البرادعي سعي إليه بتأسيسه «الجمعية الوطنية للتغييرالديمقراطي» التي ضمت كل ألوان الطيف السياسي المعارض في مصر من الشيوعيين وحتي الإخوان المسلمين.

ولا مانع في الحقيقة أن يجمع البرادعي بين الطريقين، فيكون لنفسه ولأهدافه قاعدة شعبية واسعة ذات كيان محدد ومنظم ومستقل عن القوي السياسية الأخري، وفي الوقت نفسه يتحالف مع قوي المعارضة المتعددة حتي يعطي لعملية تحقيق أهدافه دفعة قوية ويكثف الضغط علي الحزب الحاكم، لكن لم يتضح من عمله حتي الآن سوي سعيه عبر الطريق الثاني فقط.

و أيا كان الأمر فإن البرادعي مع سعيد لتحقيق عملية تحالف سياسية واسعة لابد أن يدرك أنه لابد أن يحدث اختراقا للحالة السياسية المزمنة للمعارضة المصرية، فمنذ 2005 وحتي الآن وهناك أكثر من عشر جبهات سياسية معارضة قد تشكلت من أحزاب سياسية قائمة أو من قوي سياسية غير حزبية، ومع ذلك لم ينجح أي منها في دفع حكومة الحزب الحاكم لتغيير سياساتها الديكتاتورية والفاسدة، وهذا الاختراق لن يتم فيما يبدو إلا عبر النجاح في عمليتين:

العملية الأولي : إقناع الإخوان المسلمين بخوض ضغط كفاحي وحقيقي منتظم ومستمر بكل أوراقهم السياسية ضد حكومة الحزب الحاكم وسياساتها، مع تأمين مساندة كل القوي السياسية المعارضة للإخوان المسلمين في ذلك.

العملية الثانية: إقناع السلفيين بالمشاركة في العملية السياسية بشكل فعال ومباشر علي الأقل في المجالات التي تتوافق مع أفكارهم وأهدافهم وأولوياتهم.

و إنما حددنا الإخوان المسلمين والسلفيين باعتبار أنهما أكبر قوتين شعبيتين تتمتعان بحضور جماهيري واسع في الشارع المصري، وقواعدهما الشعبية تفوق بعشرات المرات مجموع القواعد الشعبية لجميع أطياف المعارضة المصرية مجتمعة.

الدكتور محمد البرادعي بدأ تنسيقا ملحوظا مع الإخوان المسلمين لكن هذا التنسيق لم يصل حتي الآن لإقناع الإخوان المسلمين بخوض الصراع السياسي بثقل مناسب.

أما السلفيون فلم يتصل بهم البرادعي ولم يتصلوا به، ويخطئ من يظن أن السلفيين لا يهتمون بمتابعة الشئون السياسية أو أنهم تحديدا لا يتابعون ظاهرة البرادعي وعملية الإصلاح السياسي، فالواقع أن مشايخ السلفية يتابعون أوضاع البلاد جيدا ولهم فيها آراء محددة، وعدد غير قليل منهم يتناول العديد من مجريات الأحداث بالرأي والتحليل من حين لآخر إما في محاضراتهم في الفضائيات أو المساجد أو بشكل أوسع علي شبكة الإنترنت خاصة المشايخ سعيد عبد العظيم وياسر برهامي وأبو اسحاق الحويني ومحمد حسان

و إذا كان حال السلفيين هكذا فلماذا لم يتصل بهم البرادعي ولماذا لم يتصلوا به؟

بالنسبة للبرادعي هل مازال أسير الطرح الإعلامي غير الجاد الذي يعتبر السلفيين بعيدين عن السياسة ولا علاقة لهم بها أو أنهم صنيعة الحكومة المصرية أو السعودية؟

هل ينوي البرادعي الاتصال بالسلفيين مستقبلا في إطار تحركاته الجماهيرية المستقبلية؟

و بالنسبة للسلفيين لماذا لم يسعوا للاتصال بالبرادعي علي الأقل لاستكشاف ما عنده والاطلاع علي أجندته السياسية؟ هل يستريبون منه بسبب علمانيته الواضحة أم بسبب أنه عاش فترة طويلة في الغرب وله علاقاته الوثيقة بالعديد من الدوائر الغربية بسبب منصبه الدولي المهم الذي شغله لسنوات طويلة؟ السلفيون قد يرون أن الأنسب لأجندتهم السياسية ألا يتورطوا في التحالف مع البرادعي أو غيره من القوي الوطنية العلمانية لئلا تهتز صفوفهم عبر الاختلاف حول الشرعية الدينية لمثل هذا التحالف، وفي الوقت نفسه فإنهم لا شك سيستفيدون من أي تغيير سياسي يسعي نحو مزيد من الحريات وصيانة حقوق الإنسان لأنهم سوف يستغلون ذلك في توسيع دوائر نشاطهم ومجالات دعوتهم، لكنهم عندما يتحقق لهم ذلك دون التحالف مع شخص أو جهة لها أجندتها العلمانية ذات الطبيعة الموافقة للقيم الغربية يكون أفضل لهم، إلا أن هذا التقدير السياسي يكون سليما في حالة ضمان ما إذا كان البرادعي ودعاة التغيير سيحصدون النجاح في كل حال أو في أرجح الأحوال دون مشاركة السلفيين أو حتي مساندتهم، أما إن كان هذا النجاح غير مضمون للبرادعي ولقوي التغيير دون المشاركة السلفية فإنه يكون من مصلحة السلفيين العمل لإنجاح التغيير إن كان ذلك في إمكانهم أي إن كان تدخلهم في عملية التغيير كفيلاً بإنجاحها.

أما البرادعي أو غيره من قادة قوي التغيير السياسي فإنهم من مصلحتهم إقناع رموز السلفيين بأهمية مشاركتهم في عملية التغيير السياسي وذلك لما لذلك من أهمية علي نتائج المعادلة السياسية في مصر، ورغم أن كثيراً من السلفيين لا يؤيدون استخدام المظاهرات كوسيلة للعمل السياسي ويحرمون الاشتراك في انتخابات مجلس الشعب لأنه مجلس تشريعي يشرع من دون الله فإن السلفيين فيهم فصائل كثيرة لها موقف آخر في هذه الأمور كما أن جميع السلفيين هم أصحاب جماهيرية عريضة، ويمثلون رقما مهمًا وصعبا جدا في المعادلة السياسية المصرية.

 

اجمالي القراءات 4918