السنة النبوية بين البحث والمسلمات
مرتكزات السنة النبوية
يكثر الجدل في مرحلة مابعد انهيار الخلافة العثمانية حول السنة النبوية سواء من ناحية كيفية فهمها وعلاقتها بالقرآن، وكان للهجمة الثقافية الغربية دور كبير في ظهور هذه الإشكالية على السطح، حيث حاول الإصلاحيين إعادة فهم السنة وإنزالها على الواقع الذي بدأ يشهد تغيرا نوعيا في بنية المجتمع ، وكلما ازدادت التغيرات في المجتمع وتعمق الاختراق الثقافي للمجتمعات العربية كلما ازدادت إشكالية السنة النبوية عمقا ، وفي الطرف المقابل للإصلاحيين الذين كانوا في صراع مع مكوناتهم الثقافية كان هناك المتمسكين وبشدة بحرفية السنة النبوية، وما بين متمسك بالأحاديث الصحيحة بحرفيتها وبين منكر لها كلية مدارس متعددة ، وأهمية السنة في العقل الجمعي الإسلامي تكمن في أنها تمثل القاعدة المعرفية التي ارتكزت عليها معظم الأحكام الفقهية والتشريعية، فهي تحتل في المخزون الثقافي لأمتنا حيزا كبيرا جدا، وقد غدت مصدر التشريع الأكبر، حيث أن آيات الأحكام في القرآن قليلة جدا ولا سيما الناحية الإقتصادية والناحية السياسية.
لذلك فنحن بحاجة لتحديد علاقة القرآن بالسنة ولكن تسبق هذه العملية خطوة وهي معرفة البنى العقدية والفكرية التي انبنت عليها ما يسمى بالأحاديث الصحيحة فمن خلال هذا التحديد يمكننا لاحقا معرفة وزن هذه الأحاديث الصحيحة ثم يمكننا بالتالي تحديد دورها ومكانتها من القرآن.
ولكن الدخول بهذا الدرب شائك وفيه خطوط حمراء مفترضة ، وأفكار واعتقادت خلعت عليها صفة القدسية وما سأقوم به هو اختراق هذه الخطوط الحمراء لأنها في الحقيقة هي المرتكزات التي تأسست عليه ما يسمى بالأحاديث الصحيحة، طبعا أنا هنا أستثني الحديث عن السنة المتواترة وحديثي يتجه حصرا نحو أحاديث الآحاد، والسؤال هو ماهي هذه المرتكزات أو البنى المعرفية المؤسسة للسنة في عقولنا وفي الموروث الثقافي للأمة الإسلامية.
هناك أربعة مرتكزات سنناقشها:
1. عدالة الصحابة: حيث أن أحاديث الآحاد تعتمد على منهج للجرح والتعديل يتوقف دوره عند من ينطبق عليه توصيف الصحابي ، فعندما يحدد حسب علم الرجال أن فلانا صحابيا يتوقف هنا دور علم الجرح والتعديل.
2. علم الجرح والتعديل: هناك اتفاقات كثيرة بين علماء الجرح والتعديل حول شروط صحة الحديث ولكن هناك اختلافات ، وما يهمنا هو الإختلافات عند إسقاط مفاهيمهم للجرح والتعديل على أرض الواقع ،وثانيا مدى التزامهم بشروط صحة الحديث.
3. نقد المتون : هل صحة السند تعني صحة الحديث كاملا هذا ما سيتبين لدى مناقشة متون صح سندها حسب قول علماء الحديث.
4. تدوين الحديث.
ثمة ملاحظة هامة وهي أنه ربما تشتبه الأمور فتصنف أفكاري في حقل الصراع السني الشيعي حول الأحاديث ولذلك اقتضى الأمر أن أنوه أن منطلقاتي مغايرة تماما، أضف إلى ذلك أن الأحاديث التي تصنف صحيحة عند الأخوة الشيعة تحتاج أيضا لمراجعة شاملة، فصحة الحديث عندهم تعتمد على ركن رئيسي وهو عصمة أهل البيت وهذا ما نختلف معهم فيه ولعل هذه العصمة امتدت إلى الكثيرين ممن حول الأئمة الاثنا عشر، وسيكون لي قريبا وقفة تأمل مع منهجهم في تصحيح الحديث.
1. عدالة الصحابة
مصطلح الصحابي يشمل: الصحابة المهاجرين وهناك الأنصار وهناك أصحاب بيعة الرضوان وهناك أهل بدر وهناك الطلقاء وهناك من جالس الرسول يوم أو يومين.
مناقشة الأدلة
يستدعي أصحاب نظرية عدالة الصحابة أدلة قرآنية يثبتون فيها وجهة نظرهم ويكرسون من خلالها المرتكز الأول للحديث الصحيح، وكما قلنا أن علم الجرح والتعديل يتوقف دوره عند من ينطبق عليه- في عرفهم- مصطلح الصحاب، لذلك لابد من مناقشة هذه الأدلة وهي:
قوله تعالى {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه} التوبة 100. وقال تعالى: {محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم} الفتح 29، و{للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون * والذين تبوأوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون *والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا إنك غفور رحيم} الحشر الآية 8-10، و{لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم مافي قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا} الفتح آية 18. وهذه الآية خاصة بمن بايع تحت الشجرة فقط.
هذه الأدلة تثبت رضا الله عن المهاجرين والأنصار، ولكن إذا تتبعنا رواة الأحاديث لوجدنا أن الغالبية العظمى من غير المهاجرين والأنصار، ولكن يبقى أيضا إذا استثنينا المهاجرين أنه ليس جميع من كان في المدينة كانوا أنصارا فقد كان فيهم المنافقين وهناك بعد ذلك ممن أسلم من الأعراب ومن أسلم بعد الفتح.
وهذه بعض الأدلة التي تثبت أن في مجتمع الصحابة المنافقين وغيرهم:
يقول تعالى: {ومِمَّنْ حَوْلَكُم مِنَ الاَعرابِ مُنَافِقُونَ وَمِن أهلِ المدينةِ مَردُوا على النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعلَمُهُمْ} التوبة 101. هذا يدل على أن ممن يطلق عليهم مصطلح الصحابي منهم المنافقون من الأعراب ومن أهل المدينة.
{قالتِ الاَعرابُ آمنّا قُلْ لم تؤمنُوا ولكِن قُولُوا أسلَمنا ولمّا يَدخُلِ الاِيمانُ في قلوبِكُم... إنّما المؤمنونَ الَّذِينَ آمنُوا باللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لم يَرتابُوا وجَاهدُوا بأموالِهِم وأنفُسِهم في سبيلِ اللهِ أُولئِكَ هُمُ الصادِقُون} الحجرات 14. وهذا أيضا دليل آخر فالأعراب هم ممن ينطبق عليهم لفظ الصحابة حسب العرف الذي اعتمده المحدثون.
{إنَّ الَّذينَ جاءُوا بالاِفكِ عُصبَةٌ مِنكُم... لكُلِّ امرىءٍ مِنهُم ما اكتسَبَ مِنَ الاِثمِ والَّذي تولّى كِبرَهُ منهُم لهُ عذابٌ عظيمٌ} النور 11 وكذلك ايضا هؤلاء ينطبق عليهم لفظ الصحابي.
وقوله تعالى: {لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة} الأحزاب 60. فهناك منافقين ومرجفون ومن في قلوبهم مرض في المدينة.
وقد نبهني الاستاذ أبو القاسم حاج حمد إلى عند اطلاعه على الموضوع إلى آية هامة جدا تشير إلى الموضوع وهذا نص كلامه "التقوُل عليه صلى الله عليه وسلم هناك إشارة له فى سورة النساء الآية 83 {ويقولون طاعة فأذا برزوا من عندك بيت طائفة منهم قولاً غير الذي تقول والله يكتب ما يبيتون فأعرض عنهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلاً} ورد الله المرجعية (في الآيتين اللتين تليها) إلى القرآن {أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه أختلافاً كبيرا * وأذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول والى أولى الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم}.
وحديث «في أصحابي اثنا عشر منافقا فيهم ثمانية لا يدخلون الجنة» صحيح مسلم.
وقد كان عمر يتتبع حذيفة في الجنائز فإذا حضر حذيفة صلى عليها عمر وإلا فإنه كان يمتنع، ومعروف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخبر حذيفة بأسماء المنافقين ، وكذلك فإن سورة المنافقين تثبت وجود منافقين في عصر الصحابة ولم يكونوا معروفين معروفين من قبل الصحابة يقول الدكتور الأعظمي "لكنهم كانوا مختفين في جسد المجتمع آنذاك ويمارسون أعمالهم النفاقية بشكل مستور تماما" ص113.
وهناك الحديث في صحيح مسلم: عن بن عباس رضي الله تعالى عنهما قال خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا أيها الناس إنكم محشورون إلى الله حفاة عراة غرلا ثم قال {كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين} إلى آخر الآية ثم قال ألا وإن أول الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم ألا وإنه يجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول يا رب أصيحابي فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول كما قال العبد الصالح {وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد} فيقال إن هؤلاء لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم ==صحيح البخاري.
أولا الآية فيها دليل على أنهم المجتمع الذي كان حول الرسول لأن الرسول يستشهد بآية العبد الصالح {وكنت شهيدا عليهم ما دمت فيهم} فقوله مادمت فيهم دليل على ذلك، وكلمة مذ فارقتهم تعني أنهم مجتمع الصحابة وهم الذين فارقهم.
وهناك رواية السيدة أم المؤمنين عائشة: ورد عن عائشة رضي الله عنها أنَّها قالت: "جَمَع أبي الحديث عن رسول الله صلى الله عله وسلم وكانت خمسمائة حديث، فبات ليلته يتقلّب كثيراً.
قالت: فغمّني، فقلت: أتتقلّب لشكوى أو لشيء بَلَغك؟
فلمّا أصبح قال: أي بُنيّة، هَلُمِّي الاَحاديث التي عندك. فجئته بها، فدعا بنار فحرقها.
فقلت: لِمَ أحرقتها؟
قال: خشيت أن أموت وهي عندي فيكون فيها أحاديث عن رجل قد ائتمنتُه ووثقتُ [به]، ولم يكن كما حدّثني فأكون نقلت ذلك" راجع تذكرة الحفاظ
فهذا دليل على أن أبا بكر لم يكن يرى أن جميع الصحابة عدول.
ولنأخذ أكثر الصحابة رواية للحديث أبو هريرة ونستقصي حول هذه الشخصية التي أثارت جدلا ونسب لها آلاف الأحاديث:
أبو هريرة
أولا: أقوال بعض العلماء والصحابة في أبي هريرة
سير أعلام النبلاء ج: 2 ص: 601-600
عن السائب بن يزيد سمع عمر يقول لأبي هريرة لتتركن الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو لألحقنك بأرض دوس وقال لكعب لتتركن الحديث أو لألحقنك بأرض القردة
يحيى بن أيوب عن ابن عجلان أن أبا هريرة كان يقول إني لأحدث أحاديث لو تكلمت بها في زمن عمر لشج رأسي قلت هكذا هو كان عمر رضي الله عنه يقول أقلوا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وزجر غير واحد من الصحابة عن بث الحديث وهذا مذهب لعمر ولغيره فبالله عليك إذا كان الإكثار من الحديث في دولة عمر كانوا يمنعون منه مع صدقهم وعدالتهم وعدم الأسانيد بل هو غض لم يشب فما ظنك بالأكثار من رواية الغرائب والمناكير في زماننا مع طول الأسانيد وكثرة الوهم والغلط فبالحري أن نزجر القوم عنه فيا ليتهم يقتصرون على رواية الغريب والضعيف بل يروون والله الموضوعات والأباطيل والمستحيل في الأصول والفروع والملاحم والزهد نسأل الله العافية فمن روى ذلك مع علمه ببطلانه وغر المؤمنين فهذا ظالم لنفسه جان على السنن والآثار يستتاب من ذلك فإن أناب وأقصر وإلا فهو فاسق كفى به إثما أن يحدث بكل ما سمع وإن هو لم يعلم فليتورع وليستعن بمن يعينه على تنقية مروياته نسأل الله العافية فلقد عم البلاء وشملت الغفلة ودخل الداخل على المحدثين الذين يركن إليهم المسلمون فلا عتبى على الفقهاء وأهل الكلام قال محمد بن يحيى الذهلي حدثنا محمد بن عيسى أخبرنا يزيد بن يوسف عن صالح بن أبي الأخضر عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال ما كنا نستطيع أن نقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قبض عمر
سير أعلام النبلاء ج: 2 ص: 603
مغيرة عن الشعبي قال حدث أبو هريرة فرد عليه سعد حديثا فوقع بينهما كلام حتى أرتجت الأبواب بينهما وفي تأويل مختلف الحديث، وذكر أبا هريرة فقال أكذبه عمر وعثمان وعلي وعائشة رضوان الله عليهم وروى حديثا في المشي في الخف الواحد فبلغ عائشة فمشت في خف واحد وقالت لأخالفن أبا هريرة وروى أن الكلب والمرأة والحمار تقطع الصلاة فقالت عائشة رضي الله عنها ربما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وسط السرير وأنا على السرير معترضة بينه وبين القبلة قال وبلغ عليا أن أبا هريرة يبتدئ بميامنه في الوضوء وفي اللباس فدعا بماء فتوضأ فبدأ بمياسره وقال لأخالفن أبا هريرة وكان من قوله حدثني خليلي وقال خليلي ورأيت خليلي فقال له علي متى كان النبي خليلك يا أبا هريرة
وقد قام ابن قتيبة بمحاولة التوفيق بين الأحاديث والدفاع عن أبي هريرة ولكن كل الدفاع لا يفض الإشكال الذي يقول أنه كان متهما من الصحابة ، وأحاديث الحفظ (النمرة والكساء)التي أوردها عن رسول الله إنما ذك">سير أعلام النبلاء ج: 2 ص: 615
يحيى بن سعيد عن ابن المسيب قال كان أبو هريرة إذا أعطاه معاوية سكت فإذا أمسك عنه تكلم
الإصابة ج: 7 ص: 441
وأخرج بن أبي خيثمة من طريق بن إسحاق عن عمر أو عثمان بن عروة عن أبيه قال أبي أدنني من هذا اليماني يعني أبا هريرة فإنه يكثر فأدنيته فجعل يحدث والزبير يقول صدق كذب فقلت ما هذا قال صدق أنه سمع هذا من رسول الله ولكن منها ما وضعه في غير موضعه
ثانيا اتهام الصحابة له بالكذب
حدثنا سليمان بن أحمد ثنا أبو زرعة الدمشقي ثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب بن أبي حمزة عن الزهري حدثني سعيد وأبو سلمة أن أبا هريرة قال إنكم تقولون إن أبا هريرة يكثر الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وتقولون ما للمهاجرين والأنصار لا يحدثون عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل حديث أبي هريرة وإن إخواني من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق وكان يشغل اخواني من الأنصار عمل أموالهم وكنت امرءا مسكينا من مساكين الصفة ألزم النبي صلى الله عليه وسلم على ملء بطني فأحضرحين يغيبون وأعي حين ينسون
حدثنا محمد بن سلام قال أخبرنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي رزين عن أبي هريرة قال رأيته يضرب جبهته بيده ويقول يا أهل العراق أتزعمون أني أكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم أيكون لكم المهنأ وعلي المأثم أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا انقطع شسع أحدكم فلا يمشي في نعله الأخرى حتى يصلحه==الأدب المفرد ورواه ابن ماجة
سبحان الله أبو هريرة يتهم من وصفهم الله من المهاجرين الذين تركوا ديارهم واموالهم والأنصار الذين نصروا رسول الله والذين قال الله عنهم {رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله} هؤلاء يقول ابو هريرة أنهم كانوا منشغلين بالصفق بالأسواق و بالأموال فهل نصدق أبو هريرة ونكذب القرآن؟؟؟؟
وهل كانت السنة ضائعة قبل أن يمن الله على المسلمين بأبي هريرة؟؟؟
وانظر إلى افتراءه على السيدة عائشة
سير أعلام النبلاء ج: 2 ص: 604
محمد بن كناسة الأسدي عن إسحاق بن سعيد عن أبيه قال دخل أبو هريرة على عائشة فقالت له أكثرت يا أبا هريرة عن رسول الله قال إي والله يا أماه ما كانت تشغلني عنه المرآة ولا المكحلة ولا الدهن قالت لعله
لا أدري إذا كان أبو هريرة بهذه المواصفات من الحفظ والفقه والتي يصف بها نفسه فلماذا لم يرجع إليه أبو بكر وعمر وعثمان وعلي؟؟؟
لو كان عندهم ثقة ويقبلون روايته لسألوه إذا أشكلت عليهم مسألة لعلهم يجدون فيها حديثا عند أبو هريرة. ولكن كان هذا الحديث من أبي هريرة ليدافع عن نفسه بسبب رد السيدة عائشة لأحاديثه:
بلغ عائشة أن ابا هريرة يقول: ان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: لان امتع بسوط في سبيل اللّه احب الي من ان اعتق ولد الزنى، وان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: ولد الزنى شر الثلاثة، وان الميت يعذب ببكاء الحي. سنن البيهقي.
فقالت عائشة: رحم اللّه ابا هريرة اساء سمعا فأساء اصابة.
(اما قوله): لان امتع بسوط في سبيل اللّه احب الي من ان اعتق ولد الزنى، انها لما نزلت: {فلا اقتحم العقبة * وما ادراك ما العقبة} قيل: يا رسول اللّه ما عندنا ما نعتق، إلاّ ان احدنا له جارية سوداء تخدمه وتسعى عليه، فلو امرناهن فزنين فجئن بالاولاد فاعتقناهم، فقال رسول اللّه صلى الله عله وسلم: لان امتع بسوط في سبيل اللّه احب الي من ان آمر بالزنى ثم اعتق الولد.
(واما قوله): ولد الزنا شر الثلاثة، فلم يكن الحديث على هذا، انما كان رجل من المنافقين يؤذي رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقال: من يعذرني من فلان ؟ قيل: يارسول اللّه مع ما به ولد زنى، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: هو شر الثلاثة، واللّه عزّ وجلّ يقول: {ولا تزر وازرة وزر اخرى}.
واستدركت عليه حديث من اصبح جنبا ثم اعترف أنه من كيسه ، وحديث إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه لم يكن كما رواه أبو هريرة. (راجع الاصابة فيما استدركته السيدة عائشة على الصحابة)
وهذه بضعة أحاديث تثبت الأقوال السابقة:
سير أعلام النبلاء ج: 2 ص: 628
شعبة عن محمد بن زياد رأيت على أبي هريرة كساء خز قال أبو هريرة نشأت يتيما وهاجرت مسكينا
يقول أخبرني أبو هريرة قال إنكم تزعمون أن أبا هريرة يكثر الحديث على رسول الله صلى الله عليه وسلم والله الموعد إني كنت امرأ مسكينا ألزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ملء بطني...إلخ
عن أبي هريرة قال دخلت على رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة عثمان وبيدها مشط فقالت خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من عندي آنفا رجلت رأسه فقال لي كيف تجدين أبا عبد الله قلت بخير قال أكرميه فإنه من أشبه أصحابي بي خلقا هذا حديث صحيح الإسناد واهي المتن فإن رقية ماتت سنة ثلاث من الهجرة عند فتح بدر وأبو هريرة إنما أسلم بعد فتح خيبر والله أعلم وقد كتبناه بإسناد آخر. وقد روى الحديث كل من الحاكم والبيهقي وأحمد في فضائل الصحابة وقال الذهبي صحيح منكر المتن
وفي رواية أخرى يقول الحاكم أن أبا هريرة قد يكون رواه عن صحابي آخر (ولا أشك أن أبا هريرة رحمه الله تعالى روى هذا الحديث عن متقدم من الصحابة أنه دخل على رقية رضي الله تعالى عنها لكني قد طلبته جهدي فلم أجده في الوقت ))ولن يجده عن أحد سوى أبي هريرة)
حديث آخر
عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحكم في الأنصار(الآحاد والمثاني) ورواة الحديث ثقات==ولكن متن الحديث باطل لأن فيه نص على أن الحكم في الأنصار وهذا مالم يقل به أحد فهل هذا من كيس أبو هريرة ؟؟؟؟
ثالثا: أبو هريرة وتأثره بالثقافة الكتابية
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال فقدت أمة من بني إسرائيل لا يدري ما فعلت وإني لا أراها إلا الفأر إذا وضع لها ألبان الإبل لم تشرب وإذا وضع لها ألبان الشاء شربت فحدثت كعبا فقال أنت سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقوله قلت نعم قال لي مرارا فقلت أفأقرأ التوراة==البخاري==
وقد اشكل على ابن حجر هذا الحديث وتعارضه مع حديث أن الله لم يجعل لمسخ نسلا ،وبرر التعارض بأن الرسول قال ذلك على سبيل الظن ولكن ورد هذا في صحيح مسلم بتأكيد على أنها مسخ:
عن أبي هريرة قال الفأرة مسخ وآية ذلك أنه يوضع بين يديها لبن الغنم فتشربه ويوضع بين يديها لبن الإبل فلا تذوقه فقال له كعب أسمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أفأنزلت علي التوراة ==صحيح مسلم
وفي مسند الإمام أحمد: قال أبو هريرة الفأر مما مسخ وسأنبئكم بآية ذلك إذا وضع بين يديها لبن اللقاح لم تصب منه وإذا وضع لبن الغنم أصابت منه قال فقال له كعب قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فقال أبو هريرة إذا نزلت على التوراة.
وهذه الأحاديث تعارض هذا الحديث
مسند ابي يعلى عن أبي هريرة قال أن رسول الله قال «الفأرة يهودية وإنها لا تشرب ألبان الإبل» قال الشيخ حسين أسد: إسناده صحيح
وهذه الأحاديث تتعارض مع الحديث الذي رواه مسلم أيضا «إن الله عز وجل لم يهلك قوما أو يعذب قوما فيجعل لهم نسلا وإن القردة والخنازير كانوا قبل ذلك» ج4
سير أعلام النبلاء ج: 2 ص: 600
الطيالسي حدثنا عمران القطان عن بكر بن عبد الله عن أبي رافع عن أبي هريرة أنه لقي كعبا فجعل يحدثه ويسأله فقال كعب ما رأيت أحدا لم يقرأ التوراة أعلم بما فيها من أبي هريرة.
سير أعلام النبلاء ج: 2 ص: 606
عن بكير بن الأشج عن بسر بن سعيد قال اتقوا الله وتحفظوا من الحديث فوالله لقد رأيتنا نجالس أبا هريرة فيحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحدثنا عن كعب ثم يقوم فأسمع بعض من كان معنا يجعل حديث رسول الله عن كعب ويجعل حديث كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
هنا نقف أما إشكالية خطيرة وهي علاقة أبي هريرة بكعب الأحبار، وعلاقته بالتوراة فكعب الأحبار كان من اليهود وكان يروي للناس بما في التوراة وكان أبو هريرة يروي عنه ، حتى أن كعبا تساءل مرة إن كان قد سمع حديث الفأرة من الرسول والأغرب إجابة أبي هريرة بقوله (إذا أنزلت علي التوراة)
وقد نبهنا الله من اليهود واحترافهم للتحريف والدس وتشويه صورة الإسلام ، والروايات السابقة تضع أبا هريرة في موضع الشبهة فهو يعلم بالتوراة أكثر من علم قراء التوراة حسب قول سعد ، وكان يحدث في المجلس الواحد عن كعب وعن الرسول ، وهناك أحاديث منسوبة لأبي هريرة عن الرسول موجودة بنصها الحرفي في التوراة مثل حديث خلق الله آدم على صورته.
من هنا ينبغي الحذر من أحاديث أبي هريرة سواء كان يفعل ذلك عن حسن نية أو العكس.
وهناك حديث خلق الجبال والأرض في صحيح مسلم والذي رواه عن أبي هريرة وثبت عند علماء الحديث أن هذا مروي عن كعب الأحبار وليس عن الرسول صلى الله عليه وسلم.
خلاصة
يتبين مما سبق أن افتراض عدالة الصحابة فيه مجانبة كبيرة للحقائق التي يخبرنا عنها القرآن والتاريخ والحديث نفسه، ولا يوجد حديث واحد يشير إلى عدالة جميع الصحابة وخيرية الصحابة لا تعني عدالتهم جميعا، ناهيك عن الإشكال في تحديد من ينطبق عليه مصطلح الصحابي وهذا الخلاف موجود ويمكن لمن يحب الاستزادة الرجوع إلى كتاب (تحقيق منيف الرتبة لمن ثبت له شريف الصحبة للسيوطي)
لذلك لا بد أن يمتد علم الجرح والتعديل ليطال هذا المجتمع، ولكن ما يحول دون ذلك هو القدسية التي خلعت عليهم في كتب التاريخ والرجال والتنقيب في هذا الموضوع صعب جدا لاسيما إذا أخذنا بعين الإعتبار أن 70% من تراثنا لا يزال مخطوطات، ناهيك عن أن أي كتابة لا تسير في خط السلطة الدينية آنذاك سوف تحارب وتحرق كتبها كما حصل مع ابن رشد مثلا.
الأمر الثاني يتعلق بالضبط فشروط قبول الرواية أن يكون الراوي عدل ضابط فالعدالة وحدها لا تكفي ، والسؤال هل ثبت ضبط وحفظ جميع الصحابة للأحاديث؟
لو كان الضبط ثابتا للجميع لما احتاج الرسول أن يعين من يكتب القرآن ومن يحفظه، ومعلوم أنه كان حول الرسول أشخاص حددت لهم هذه المهمة، فالضبط إذا غير ثابت ومن البديهي أن تغيير كلمة أو نسيانها أو اقتطاع الحديث من سياقه أو أي تقديم وتأخير يخل بالمعنى ويغيره، وهذه نقطة هامة لابد من مراعتها.