كان يتم اقتسام السلطة والنفوذ بين الفرعون المستبد والكاهن النصاب في اتفاق غير معلن بينهما للتحالف ضد البسطاء "المؤمنين". وكان "توازن المصالح" بين الملوك والكهنة يميل أحيانا لصالح طرف منهما على حساب الآخر : فمثلا نجح الملوك بعد نهاية المدة الآتونية – بعد ثورة إخناتون الدينية - إلى عصر رمسيس الثالث , في تقليص اختصاصات الكهنة وكف أيديهم عن النظام الإداري للدولة بأن أعطوا للوزراء سلطة الإشراف على الكهنة . ولكن بعد انتهاء عصر رمسيس الثالث تقلص نفوذ الفرعون وامتد اختصاص الكهنة إلى خزانة الدولة – وهو غاية المُنَى والطلب . واستطاعت أسرة الكاهن الأكبر آمون أن تحصر في يدها العديد من وظائف الدولة , فأبوه كان مشرفا على الضرائب, وأصبح ابنه كبيرا لكهنة آمون , وابنه الآخر مشرفا على الضرائب وأراضي الملك , وابنه الثالث أصبح بعد ذلك كبيرا لكهنة آمون , كما استطاع أمنحتب الكاهن الأكبر لآمون في عصر رمسيس التاسع , أن يحصل على موافقة الملك على قيام موظفي معبد آمون بتحصيل أموال المعبد بأنفسهم – وهو غاية المنى والطلب – بدون تدخل الحكومة . ولما تأرجح التوازن بين الملك(السلطة السياسية) والكاهن(السلطة الدينية) , ظهرت أهمية الجيش لترجيح أحد الطرفين على الآخر , فقد كشف الصراع في المرحلة الآتونية على أهمية الجيش في حسم الصراع لصالح الملك . كذلك تمتع الكهنة بفعاليات عسكرية , فكان منهم من يحمل ألقابا عسكرية مثل (قائد جنود آمون) ولقب "رئيس المجندين لخدمة آمون رع" بل هناك ما يشير إلى قيام مصانع المعابد بصنع احتياجات الجيش , وكان بعض الكهنة يتلقون تدريبا عسكريا قبل الشروع في خدمة معبد آمون . وكان للمعابد بعد الحركة الآتونية , قوات عسكرية تحت التصرف المباشر للكاهن الأكبر . وثنائية " الحاكم - ورجل الدين " , واشتراكهما في مساحة من السلطة وتبادل المنفعة بل وتبادل السلطة بينهما أحيانا , ضاربة بجذورها في أعماق التاريخ , " فأيام السومريين أثرى الكهنة مما ُيقدَّم إليهم من قرابين حتى أصبحوا أكثر الطبقات مالا وأعظمها قوة في المدن السومرية , وحتى كانوا هم الحكام المتصرفين في معظم الشؤون , حتى ليصعب علينا أن نحكم إلى أي حد كان رجل الدين كاهنا , وإلى أي حد كان ملكا . وفي أطلال وادي الرافدين وجدوا مكتوبا باللغة المسمرية هذا النص المعبر عن أصالة هذه العلاقة النفعية : ( عندما تدرك الفائدة من إجلال إلهك , فسوف تسبح بحمده , وتقدم التحية للملك ) ويبرز هذا المثل قِدم الربط النفعي بين التعبد للآلهة وطاعة الملوك وبين الكسب الشخصي المترتب عليهما في نظر سكان وادي الرافدين القدماء , كما يؤكد الارتباط الأزلي بين الإله والملك . وتتمثل خطورة التعاون بين الفرعون والكاهن في إضفاء الشرعية على ما يتم سنَّه من تشريعات ظالمة تهدف في نهاية المطاف إلى خدمة التحالف الشيطاني بين الفرعون والكاهن واعتبارها بعد ذلك دينا واجب التنفيذ .
المراجع: د. بهاء الدين إبراهيم محمود – المعبد في الدولة الحديثة في مصر الفرعونية , ول ديورانت - قصة الحضارة - المجلد الأول - الجزء الأول, وغيرهما