(حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ ) 6 ـ الخوف وتغيير ما بالنفس

آحمد صبحي منصور في الخميس ٢١ - يونيو - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

 

(حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ ) 6 ـ الخوف وتغيير ما بالنفس 

كتاب (الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر  بين الاسلام والمسلمين ).

الجزء الأول : (الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فى الاسلام  )

الفصل السابع : (حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ )  6 ـ الخوف وتغيير ما بالنفس 

  يبقى الخوف عائقا يمنع التغيير الايجابى للنفس . فكيف نقاومه ؟

1 ـ والخوف هو أكبر التحديات التى تمنع تغيير النفس وتحولها الى الإيجابية فى التضحية . والخوف شعور إنسانى عادى خصوصا لدى البشر الذين يعيشون تحت سلطان مستبد يتفنّن فى القهر والتعذيب والارهاب . وفى قصة فرعون وموسى وهارون نلمح تعبير الخوف يتردد على لسان موسى وهارون وقومهما مقترنا بتطرف فرعون فى القهر والتعذيب . فالخوف شىء عادى وإنسانى لم ينج منه الأنبياء ،ولكن يمكن التغلب عليه كما تمكن موسى وهارون من التغلب عليه .

2 ـ والله جلّ وعلا جعلها قاعدة مفادها : إنّك إذا أتّقيت الله جل وعلا ـ والتقوى هنا تعنى الخوف والخشية من الله جل وعلا ، فلن تخاف من مخلوق ، أما إذا عصيت الله جل وعلا ولم تخش منه ولم تخف منه فإن الشيطان الذى سيتولى زمام أمرك سيخيفك من كل شىء . يقول جل وعلا : (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ  ) ( آل عمران 175 ). فالشيطان يخوّف أولياءه وأتباعه ، ومفروض على المؤمنين بالله جل وعلا أن يخافوه وحده ، وعندها فلهم الأمن من الخوف طالما لا يرتكبون ظلما وطالما لم يخلطوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم :(الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ  ) ( الانعام 82 ).

3 ـ وهناك من يقع فى ظلم رب العزة بأن يشرك بالله ويتقوّل عليه بالكذب بأحاديث مفتراة كالأحاديث المفتراة المنسوبة للنبى ( الأحاديث النبوية) أو لله جل وعلا (الأحاديث القدسية ) التى يجعلونها وحيا وتشريعا تحت إسم ما يسمى بالسّنة لدى أصحاب الأديان الأرضية من المسلمين ، ثم يستطيل على الناس بهذه الافتراء ويفرضه عليهم بالقوة والإكراه فى الدين ، أى يقرن الكفر العقيدى ( بظلم رب العزة ) بالكفر السلوكى وهو ظلم الناس وينسب ذلك لدين الله جل وعلا ظلما لرب العزة . هذا الظلم المركّب والمتطرف جزاؤه خوف هائل يستقر فى قلوب أولئك الظلمة . خوف يتحوّل الى رعب يلقيه رب العزة فى قلوبهم فى الدنيا ، ثم مصيرهم الى النار ، وبئس مثوى الظالمين ، يقول جل وعلا : (سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُواْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ )( آل عمران 151 ).

4 ـ وهذا يتحقق فى واقعنا . فأصحاب وأئمة تلك الأديان الأرضية والمروجين لها إذا تعرضوا للإضطهاد سقطوا خوفا وإنهاروا رعبا ، وهذه سمة فى تاريخهم عندما يصطدمون بالمستبد ويقعون تحت سطوته . وهذا المستبد نفسه أكثر الناس رعبا ، ولا يعدل رعبه إلا مقدار ظلمه ، فكلما إزداد ظلما إزداد رعبا من انتقام ضحاياه . هو يدور فى حلقة مفرغة من الظلم ومن الرعب ، يرعب الناس ويرتعب من الناس . فلكى يؤكّد إستبداده لا بد من ارهاب الناس بالتعذيب ، وكلما أسرف فى التعذيب زاد خوفه من ضحاياه ومن انتقامهم ، وكلما تراءت له كوابيس ضحاياه أسرف أكثر فى الظلم ليخيف الناس ، وكلما أسرف فى الظلم والتعذيب وإزداد ضحاياه من الأبرياء إزداد خوفه أكثر وأكثر، وهكذا يظل يدور فى حلقة مفرغة من الظلم والخوف الى أن يسقط قتلا أو عزلا. وإذا سقط  وظلّ حيا تحول الى فأر مذعور .! وانظروا الى نهاية مبارك وبن على ، وما كان يفعله القذافى وما يفعله الآن بشّار الأسد .

لا مبرر للخوف من البشر فلا دخل لهم فى الحتميات لأنها بيد الله جلّ وعلا وحده

1 ـ الحتميات ، ، وهى أقدار حتمية لا سبيل للفرار منها ، وليس الإنسان مسئولا عنها فلا دخل له فى إختيارها ولا حرية له فى تفاديها ، لذا يكون حساب الانسان يوم القيامة خارج تلك الحتميات فيما يملك التصرف فيه بالطاعة أو المعصية .  وتلك الحتميات تخصّ الموت والميلاد والرزق والمصائب.

2 : كل انسان مصيره الموت ، أى كل إنسان محكوم عليه سلفا بالاعدام . ومقدر سلفا موعد ومكان موته. لو تحصّنت بقلعة هاربا من الموت فسيلحق بك الموت : (أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ ) ( النساء 78 ) فالموت يطاردك وهو خلفك . ولو فررت من الموت سيقابلك ،وستجده أمامك  (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ  ) ( الجمعة 8 ). هو من خلفك وأمامك لأنه ( الموت) يعيش فيك ، مخلوق كالحياة فى داخلك :(الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا )(الملك  2). أى لا مهرب من موعد الموت ولا من مكان الموت . وحين إحتج بعض المنافقين على قتلى معركة ( أحد ) ( يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا )، جاء الردّ من رب العزة بأن المكتوب عليهم القتل لو بقوا فى بيوتهم لتعيّن عليهم أن يذهبوا الى المكان المحدد لموتهم فى الموعد المحدد لموتهم: (قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ  ) ( آل عمران 154 ) .ولا تستطيع قوة فى العالم أن تقتلك أو تميتك قبل موعدك أو أن تؤجل موعد موتك ( فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ) ( الاعراف 34 ، النحل 61 ) (إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ )(يونس49 )، فذلك بيد الله جل وعلا وهو المحيى المميت ، وقد أعلن جلّ وعلا أنه لا سبيل مطلقا لتأخير موعد الموت لنفس إذا حلّ أجلها ( وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا) (المنافقون 11 ). أى لايستطيع المستبد أن يقتلك إلا فى الموعد والمكان المحدد سلفا والذى لا بد أن تواجهه بيد المستبد أو بيد غيره . فأنت ميّت لا محالة فى موعدك وفى مكان موتك المقرر سلفا . والأعظم منك شأنا وهو خاتم المرسلين قال له ربه يساوى بينه وبين خصومه فى إستحقاق الموت (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ )(الزمر 30). المستبد الذى تخاف منه لن ينجو مثلك من الموت ، فلماذا تخاف منه ؟ . قد تقول الأغلبية الصامتة إنها لا تخشى الموت ولكن تخشى القتل . ولكن نهاية الحياة حتمية بالموت من مرض أو بالقتل ، وليس لنا فى هذا خيار . ولكن ماهو الأيسر ـ لو كان لنا الخيار : هل نموت بعد مرض مؤلم مزمن متعب لنا ولأحب الناس الينا أم نموت قتلا وسريعا فى أقل من دقيقة ؟ سنموت حتما ولكن ما هو الأسر والأسهل ؟ ثم هذا القتل فى سبيل مبدأ غاية فى السمو أليس أفضل من موت عادى ؟ اليس الموت بأى طريقة أفضل من حياة ذليلة ؟

3 ـ  الأغلبية الصامتة لديها عقدة الخوف من التعذيب . ومعروف أن للجسد الانسانى حدا أقصى فى تحمل الألم ، فإذا تعداه لم يعد يشعر به وراح فى غيبوبة ، أمّا فى الاخرة فلا حد أقصى فى تحمل الألم ، ولا حد أقصى فى مدى حدوث الألم إذ سيكون خالدا أبد الدهر . ونفس الحال فى المتعة ، فهناك حد أقصى فى تذوق المتعة فإذا أسرف الانسان فى الملذات فقد الاحساس بها ، ولو حاول مثلا إرهاق جسده طلبا للمزيد أصيب بالمرض وربما فقد نهائيا قدرته الجنسية . وفى سجن طرة عام 1987  كان لى رفيق فلسطينى قال إنه عاش مرفّها لا يتصور أن يتحمّل صفعة على وجهه ، فلما جىء به الى طرة ، كان يرتعش خوفا من التعذيب ، وعندما علّقوه وضربوه بالسياط أحسّ بألم السياط الأولى فقط ، ثم تخدّر محل ضرب السياط بحيث لم يعد يشعر بعشرات السياط التالية، ثم فتح عينيه وهو ملقى فى الزنزانة . إن الخوف من التعذيب هو أكبر من التعذيب نفسه ، والذى يستعد مقدما لهذه المحنة يقلل كثيرا من ألمها وصعوبتها . ولكل إنسان نصيبه من الألم ومن المتعة ، ولا بد أن يأخذ حظه من هذا ومن ذاك ، ويأتى الألم من مرض أو من جراحة ، فإذا أردت النجاة من تعذيب فربما ينتظرك مرض أفظع ألما .

وفى النهاية فكل ذلك مكتوب لا فرار منه ، فهىحقيقة لا جدال فيها أنه لا يصيبنا سوى المكتوب علينا سلفا : (قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا  ) ( التوبة51  ) أى أن ما مقدر لنا من مصائب وآلام لا بد أن نواجهها ، وإذا حاولنا الفرار منها ستلاقينا ، ولو حاول المستبد أن يوقع بنا ضررا ليس مقدرا لنا فلن يستطيع ، ولو حاول المستبد أن ينجّى نفسه وأبناءه من مصيبة قادمة فلن يستطيع . لذا فإن المؤمن يتخذ موقفا حياديا من حتميات المصائب والرزق ، معتقدا أن ما ينتظره من سراء وضراء لا فرار منه قد تم إصدار الأمر الالهى بها له وعليه حتى قبل مجيئه الى هذا العالم ، لذا فإن المؤمن لا يحزن من وقوع مصيبة ولا يغتر من حدوث نعمة ، بل يشكر ويصبر ويرضى ويقرّ نفسا ، يقول جلّ وعلا : (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ ) ( الحديد 22 ـ 232 ) ،

4 : وقد تكفّل ربّ العزة جلّ وعلا بالرزق لكل كائن حى يدب فى الأرض:(وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ)(هود 6 )، حتى لو كانت دابة فى أعماق الصخور أو أعماق البحار تعجز عن حمل رزقها:(وَكَأَيِّن مِن دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ )(العنكبوت60) . وكل أنسان هو سبب للرزق لأخيه الانسان ، الأب سبب فى رزق أبنائه ـ والأولاد هم أيضا سبب فى رزق الوالدين ، وهم جميعا سواء فى تكفّل ربّ العزة برزقهم:(وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُم مِّنْ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ) (الانعام 151) (وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم )(الاسراء 31)، وصاحب المصنع سبب فى رزق العمال ، والعمال هم سبب فى رزقه ، والمستبد نفسه رزقه على الله جلّ وعلا . وفى كل شئون الحياة من بيع وشراء وتجارة وتعامل فإن الذى يدير توزيع الرزق والمكسب والخسارة هو الله جل وعلا ، لذا فالمؤمن لا يخشى قول الحق خوفا من قطع رزقه، أولأنه (صاحب عيال ) أو لحرصه على الوظيفة الميرى. من يفعل ذلك يكفر بالقرآن ويكفر بالله الرزّاق ، ويعيش خانعا ذليلا ، ( يأكل العيش بالجبن ) كما قال الجزار الشاعر المصرى فى العصر المملوكى.

5 ـ وبإيجاز فإن الله جل وعلا وحده هو صاحب حتمية الميلاد لكل فرد من البشر . هوالذى خلق كل فرد وأختار ملامح وجهه ونسبه ، ثم هو الذى حدد صحته ومرضه ، وهو الذى تحكم ويتحكم فى رزقه وفى مصائبه ، وحدّد سلفا موعد وموضع موته . وبالتالى لا نخشى سواه من بشر مثلنا تجرى عليهم نفس الحتميات فى الميلاد والرزق والمصائب والموت . 

أخيرا : (لا مَلْجَأَ مِنْ اللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ) :التوجّه لله وحده لأنه وحده هو النافع الضّار    

1 ـ كل البشر سواسية فى موضوع النعمة والنقمة ، وهم أسباب ووسائل فى موضوع النفع والضرر ،

ومن الله جل وعلا تأتى إختبارات المحنة والنقمة ، ولا دور على الإطلاق لتلك الآلهة فى نفع أحد أو الإضرار بأحد . يقول جل وعلا : ( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِوَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِي اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِي اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ (38)( الزمر )( وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17) وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (18)( الأنعام ) (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (107)( يونس )(مَا يَفْتَحْ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (2)( فاطر )

2 ـ وبالتالى فكل نعمة مصدرها المنعم جل وعلا : (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْ اللَّهِ (53)(النحل ). ونعم الله لا يمكن حصرها ولا عدّها ( وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34)  ( ابراهيم )( وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (18)( النحل )

3 ـ  والله جل وعلا يعطى النعمة إختبارا للناس ، فإذا كفروا بالنعمة فقد حلّ بهم الهلاك فى الدنيا والخلود فى الجحيم فى الآخرة ( أَلَمْ تَرَى إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ (28) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ (29) وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَندَاداً لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ (30) ( ابراهيم )، وإذا قاموا بحق النعمة شكرا وطاعة زادهم نعمة ، وإن كفروا فإن عذابه جل وعلا شديد (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ (7) (ابراهيم )، فرب العزّة ليس محتاجا لتعذيبنا إن شكرنا وآمنّا : (مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً (147) ( النساء ).

4 ـ والقيام بحق النعمة شكرا وطاعة لله جل وعلا وتفاعلا بالخير فى المجتمع يستلزم تغييرا إيجابيا فى النفس ، وإن لم يحدث هذا التغيير كان الهلاك جزاء كفران النعمة . فالله جلّ وعلا أنعم على فرعون بملك مصر وأنهار تجرى من تحته ، فقابل النعمة كفرا وعتوا ، فحق عليه وعلى قومه الغرق والهلاك ، وصار رمزا كئيبا لمن يأتى بعده ويسير على دأبه وعلى سنّته ، يقول جل وعلا : ( ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (53) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كَانُوا ظَالِمِينَ (54) ( الأنفال ).

5 ـ ومن هنا فإنّ تغيير النفس بالحق والايمان الحق والتقوى الصادقة هو طريق الفلاح فى الدنيا والآخرة . وبمجرد أن تأتى الارادة الحازمة و الوعى الصادق بأن النافع الضار هو الله جل وعلا وأنه جل وعلا لا يظلم أحدا فى الدنيا أو الآخرة ، وأن العزّ فى طاعته والخزى فى عصيانه ، عندها تأتى إرادة الله جل وعلا بنجاح هذا التغيير تالية ومؤكدة لارادة الناس :( إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ) وإلّا فالهلاك لا مفرّ منه : ( وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ (11)( الرعد ).

5 ـ بهذا الوعى يمكن تحرير النفس من الخوف وأوهام الخضوع والخنوع ، ويمكن السمو بها وتغييرها الى الأفضل لتكون فعّالة بالخير ، تغير صاحبها وتغير مجتمعها بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، وتتواصى بالحق وبالصبر ، وبذلك ينجو البشر الانسان فيها من الخسر والخسران فى كل زمان وفى كل عصر وأوان: (بسماللهالرحمنالرحيم . وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)

 ودائما .. صدق الله العظيم .

ملاحظة

بهذا ينتهى الجزء الأول من كتاب ( الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ) ويليه بعونه جل وعلا الأجزاء الأخرى التى تتناول ( الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ) فى تاريخ المسلمين على مستويين : المستوى النظرى التقعيدى ، والمستوى التاريخى الواقعى،من عصر النبوة الى الدولة السعودية فى عصرنا الراهن . ندعو الله جلّ وعلا أن يعيننا على الوفاء بهذا الوعد .

اجمالي القراءات 16979