كسرت مخرجة فلسطينية الصمت حول موضوع جرائم الشرف بعرضها لفيلم وثائقي يتناول على مدار 53 دقيقة قصصا حقيقية لجرائم قتل في إطار ما يسمى بالدفاع عن الشرف، وأوضحت بثينة خوري، عندما وقفت على خشبة مسرح وسينما القصبة في رام الله بالضفة الغربية المحتلة لتقدم العرض الأول لفيلمها "مغارة ماريا" أن الفيلم يحكي موضوعا صعب التناول ومحظورا في المجتمع العربي، على حد قولها، مشيرة إلى أن هذا العمل نتاج سنتين من العمل والتصوير.
يبدأ الفيلم بقرع أجراس الكنائس لتذهب المخرجة بالمشاهدين وتعرفهم بمغارة ماريا التي يحمل الفيلم اسمها، وهي موجودة في ساحة كنيسة قديمة تدعى الخضر في قرية الطيبة على بعد 20 كيلومترا إلى الشرق من رام الله، وتروي امرأة عجوز قصة ماريا المدفونة في هذه المغارة فتقول: "ماريا بنت حلوة شك أهلها فيها، وكان الثوار في تلك الفترة في العام 1936 وطلبوا منهم قتلها وقاموا بإحضارها من البيت حتى وصلت إلى هذا المكان (الكنسية) وقاموا بقتلها.. لم يكن معها أي شيء، وبعد مقتلها كشفوا عليها وقالوا إنها بتول. ماريا بريئة".
فيما تقدم امرأة أخرى قصة ماريا، التي تقول إنها لمجرد ذهابها إلى القرية وهي تركب على الحصان خلف الراعي بسبب المطر تم قتلها ودفنها في المغارة، وبعد هذا العرض، الذي ربما تريد منه المخرجة الإشارة إلى أن قضايا القتل للدفاع عن شرف العائلة موجودة في المجتمع الفلسطيني منذ القدم تنتقل بعد ذلك إلى الحديث عن أحداث قصة مأساوية ذهبت ضحيتها هيام، وهي فتاة مسلمة من قرية فلسطينية مع شاب مسيحي من قرية أخرى.
القتل بالسم
وتتلخص قصة هيام، كما تعرضها خوري في فيلمها، في أنها فتاة تبلغ من العمر 35 عاما، اكتشف أهلها أنها حامل من غير زواج ليقوموا بعد ذلك بقتلها ودفنها على أنها ماتت بنوبة قلبية، الأمر الذي يكتشف لاحقا عندما تقوم النيابة العامة باستخراج الجثة وتشريحها ليتبين أنها أجبرت على تناول السم وأنها كانت حامل في شهرها الثامن.
ويغيب أهل الفتاة في هذا الفيلم الوثائقي، وقالت خوري لاحقا بعد الفيلم إنها بذلت جهودا مضنية في محاولة الحديث مع أهل الفتاة، إلا أنهم رفضوا، وتستعيض المخرجة في إبراز وجهة نظر أهل الضحية بقصة حقيقية أخرى يتحدث فيها أهل الضحية، لكن دون أن تظهر وجوههم.
وتتطور الأحداث بعد ذلك؛ ليهاجم أهل الفتاة منازل عائلة الشاب ومصنعا لهم في القرية ويقوموا بإحراقها، فيما قامت الشرطة الفلسطينية بالتحفظ على الشاب المتهم بعلاقته بالفتاة حفاظا على حياته، وهذا ما تعرضه خوري في رواية لأحد ضباط الشرطة.
وتعرض خوري مراسم لوقائع الصلح العشائري الفلسطيني لهذه القضية في منطقة يحتل فيها القضاء العشائري مكانة بارزة، إلى جانب القضاء المدني. وتستحضر خوري في فيلمها مواقف وآراء حول هذه القضية الشائكة، ومنها تلك العجوز التي تقول "العار مش قليل ما في أغلى من العرض إلا الأرض"، في إشارة منها إلى أنها تؤيد القتل في إطار ما يسمى بالدفاع عن شرف العائلة.
نجت من 7 طعنات
وتقدم المخرجة قضية أخرى في هذا الفيلم، تتحدث فيها فتاة لا يظهر وجهها نجت من الموت بأعجوبة، عندما تعرضت "لسبع طعنات بالسكين على يد شقيقها "لم يسألني عن شيء ماذا فعلت أو اقترفت، فقط حاول قتلى، وبعد نجاتي من الموت ما زلت أشعر بنظرات الشك منه دائما".
ويتحدث من عرفته المخرجة بأنه شقيق الضحية الذي لا يظهر وجهه أيضا، والذي بدا نادما عن محاولته قتل شقيقته ويقول "نظرة المجتمع ونظرة الناس حطمتني نهائيا، الكل كان يقول اذبحها أنت مش رجل، الظلم كان لكل العائلة، تمنيت أنها لو هربت من أمامي وأنا أحاول قتلها".
وتحت هذا الضغط ودون محاولة استجداء الحقيقة يقدم هذا الشاب على محاولة قتل شقيقته وقال "ذهبت إلى الشرطة وسلمت نفسي" ويورد الشاب هنا مفارقة في وصفه
لموقف الشرطة "ثلاثة أرباع من كانوا في مركز الشرطة قالوا إن هذا عمل مشرف، والربع قال إنها جريمة".
اعتذار آية
وتقدم خوري في فيلمها -الذي تقول إنها تعرضت خلاله لضغوط وهي تعمل به، منها كسر الكاميرا أثناء التصوير، وسؤالها لماذا تصور مثل هذا الفيلم- رواية لمقتل فتاة على يد شقيقها في الشارع العام، ترويها الفتاة آية زينات شاهدة العيان، التي تقول إنها انحنت على جسد الفتاة المسجى على الأرض واعتذرت لها لأنها لم تستطع مساعدتها.
وقالت آية: "اقترب الشاب من الفتاة وطعنها وكانت تصرخ، ابتعد عنها ثم عاد إليها وطعنها أكثر من مرة، ثم بدأ يدوس عليها بقدميه، حتى تأكد من أنها ماتت"، وتترك هذه الحادثة أثرا كبيرا في نفس آية، التي تخشى على أختها عبير التي تغني في فرقة لموسيقى الهيب هوب لرفض المجتمع لفكرة أن تغني الفتاة هذا النوع من الأغاني، الذي يوصف بغناء الشارع.
وتعرض خوري حوارا بين والدة آية، وأختها عبير، يتمحور حول رفض الأم مشاركة ابنتها في هذه الفرقة خوفا عليها من الناس وكلام الناس "الهيب هوب موسيقى شوارع"، وترد عبير "لا أستحي من ذلك... أنا أحسن من... بيغنوا للحب واحنا ممنوع نعيشه بدي أكون مين أنا".
وبسبب هذا الخوف من كلام الناس لم تستطع عبير أن تشارك زملاءها بالصعود على خشبة المسرح للغناء معهم مع أنها تمكنت من تصوير فيديو كليب لأغنية هيب هوب، تتحدث عن واقع مدينتها اللد داخل إسرائيل".
وتتحدث عبير بمرارة عن واقع المجتمع الذي تعيش فيه "الحب ممنوع إذا بتحكي عنه ممكن تنقتلي، حتى صديقاتي المتعلمات صدمت من موقفهن في قتل النساء على خلفية ما يسمى بالدفاع عن شرف العائلة".
تختتم المخرجة فيلمها بلقطة لمغارة ماريا، التي يظهر فيها هذه المرة هيكل عظمي في لقطة يتم فيها إقفال باب المغارة، في حين أن ملف قضايا القتل فيما يسمى شرف العائلة يبقى مفتوحا.
ظاهرة متزايدة
وقالت خلود دعيبس، وزيرة شؤون المرأة في مؤتمر صحفي اليوم السبت 24-11-2007 "القتل على ما يسمى خلفية الشرف ظاهرة منتشرة في الأراضي الفلسطينية، وفي ازدياد مستمر والإحصائيات متفاوتة".
وترصد التقارير الصادرة عن منظمات حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية أن ما بين عشرين إلى خمسين امرأة قتلن منذ بداية عام 2007 بسبب الدفاع عن شرف العائلة، ويستفيد المتهم بجرائم القتل هذه من فقرة في قانون العقوبات المعمول به في الأراضي الفلسطينية، تخفف عنه العقوبة بموجب ما يسمى "العذر المخفف" للعقوبة.
وقال علي الخشان وزير العدل في حكومة رئيس الوزراء سلام فياض، إن الحكومة تعمل على إعداد مشروع قانون سيقدم لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، يتضمن حذف العذر المخفف في قانون العقوبات لعقوبة القتل في جرائم الشرف.