رغم إنتهاء الإنتخابات الرئاسية أمس ، وإنتظار المصريين جميعا لنتيجتها ، كى يعرفوا رئيسهم الجديد ، الذى سيحكمهم على مدى السنوات الأربع القادمة ، إلا أن الحكم الذى أصدرته المحكمة الدستورية العليا يوم الخميس الماضى بحل مجلس الشعب المنتخب ، وإصدار المجلس العسكرى لإعلان دستورى مكمل يوم الأحد الماضى ، مازال يشغلنى بشدة ، وقد يرتبط التعبير عن الأثار الجانبية السلبية لهذا الحكم ، والاعلان الدستورى المكمل ، بنتيجة الإنتخابات الرئاسية الخميس القادم .
ففى حالة فوز الدكتور محمد مرسى مرشح حزب الحرية والعدالة ، الذراع السياسى لجماعة الإخوان المسلمين برئاسة الجمهورية ، فسوف يكون هناك مخرج سياسي ، لقرار حل البرلمان ، وإستحواذ المجلس العسكرى على السلطة التشريعية ، على إعتبار أن المتضرر الأكبر من قرار الحل هم الإخوان والسلفيين ، الذين كانوا يشكلون الأغلبية الكبرىفى البرلمان ، وهما فى الحقيقة ومن الناحية الواقعية كانا من أكبر المؤيدين للدكتور مرسى فى إنتخابات الرئاسة ، وبالتالى يمكن تدارك ومعالجة قرار حل مجلس الشعب ، وفى نفس الوقت تخفيف حدة تولى " العسكر " سلطة التشريع " .
أما فى حالة فوز الفريق أحمد شفيق فى إنتخابات الرئاسة ، فإن الأزمة ستطفو على السطح ، وسيكون أول صدام بين " الإسلاميين " وشفيق ، بسبب تداعيات حل البرلمان ، لإن قرار الحل سيستخدم لتصفية الحسابات ، وسيكون بداية لتهميش وإقصاء فصائل تيار الإسلام السياسى ، الذى يضم الإخوان والسلفيين وكل الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية ، خاصة بعد صدور الإعلان الدستورى المكمل ، بحجة حماية الدولة المدنية وترسيخ أركانها ، وهى الحجة التى سيستخدمها شفيق جيدا لصالحه ، للقضاء على خصومه وسيجد تأييدا من قوى سياسية عديدة ، خاصة من اليساريين والليبرليين ، بل ومن " الفلول " .
كنت أتمنى أن تقوم المحكمة الدستورية العليا بتأجيل النطق فى الحكم الخاص بعدم دستورية بعض نصوص قانون إنتخابات مجلس الشعب ، وحل البرلمان ، إلى جلسة تحدد بعد إنتخابات الرئاسة ، لإن سرعة الفصل فى الدعوى لم تكن ضرورة ملحة ، بخلاف الحكم فى عدم دستورية قانون العزل ، والذى ترتب عليه إستمرار الفريق شفيق فى السباق الرئاسى ، فقد كان من الضروى أن يصدر الحكم فى ذلك التوقيت ، وقبل إنتخابات جولة الإعادة ، لتحديد موقف " شفيق " أى هل يمكن أن يطبق عليه العزل السياسى أم لا ؟.
أما سرعة الفصل فى مدى دستورية بعض مواد قانون الإنتخابات التشريعية ، وحكم المحكمة الدستورية بعدم دستورية إنتخاب ثلث أعضاء المجلس ، و" تفسير " المحكمة هذا الحكم بأنه يمتد إلى الثلين الباقيين ، ثم قيامها بحل البرلمان من تلقاء نفسها ، فقد أثارت تللك " العجلة " العديد من علامات الإستفهام " السياسية " وجدلا قانونيا مازال مشتعلا حتى الأن ، رغم صدور قرار من المجلس العسكرى بحل البرلمان ، بعد يوم من حله بواسطة المحكمة الدستورية العليا .
أى أن السلطة القضائية قد وجهت ضربة قاصمة إلى السلطة التشريعية ، وبعد 24 ساعة وجهت السلطة التنفيذية ضربة " قاتلة " ممثلة فى المجلس العسكرى إلى " السلطة التشريعية " أيضا ، لأول مرة فى مصر ، رغم أنه ليس من حق السلطتين من الناحية القانونية والواقعية توجيه اللكمات إلى السلطة التشريعية ، ولاسيما أن تلك الضربة من السلطة التنفيذية ، تبعها إعلانا دستوريا مكملا يغتصب سلطة التشريع من البرلمان ، ولا أعرف ماالحكمة من الحرب على السلطة التشريعية فى هذا التوقيت الحساس، والقيام بحل البرلمان ، والإجهاز عليه ، خاصة إن المحكمة الدستورية ليست محكمة الموضوع ، كما إن الإعلان الدستورى لايخول للمجلس العسكرى ، حل البرلمان ، لإن ذلك يجهض ويقوض مبدأ الفصل بين السلطات ، ويمثل إعتداء صارخا من السلطتين التشريعية والتنفيذية على السلطة التشريعية ، وبلكمة واحدة وفى نفس التوقيت ، بل أن الرئيس المخلوع مبارك ، وهو فى قمة جبروته ، لم يجرؤ على حل مجلس الشعب مرتين فى دورتين متتاليتين ، والذين تم إنتخابهما عامى 1984 و 1987 عندما حكمت المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورييتهما ، إلا بإستفتاء شعبى .
كان يجب على المحكمة الدستورية أن تراعى المواءمة السياسية ومصلحة البلاد ، وتؤجل الحكم فى دستورية قانون مجلس الشعب ، بدلا من أن تضع بحكمها المتعجل هذا البلاد على حافة بركان ، وتهدم مجلس الشعب الذى كنا نفاخر – ومعنا المجلس العسكرى – بإنه جاء بإنتخابات حرة ونزيهة ، وكلفنتنا إنتخابات أعضائه أكثر من مليار جنيه ، بل أين سيؤدى رئيس الجمهورية الجديد اليمين الدستورية ؟ ولمصلحة من أن تحل المؤسسة الوحيدة المنتخبة من الشعب ونعطل عمل لجنة صياغة الدستور ، ونعود الي نقطة الصفر، وتصبح مصر في مهب الريح.
أما تأثيرات إعلان دستورى مكمل فى الوقت الحالى فسوف أتناولها بالتفصيل فى مقال قادم .
حمدى البصير