رغم الإتفاق على معايير إختيار أعضاء لجنة إعداد الدستور الجديد ، بعد مارثون سياسى شاق ، إلا أن تمثيل المجتمع المدنى فى اللجنة لايتناسب مع أهمية " ضلع التنمية الثالث " أى مع الدور الإقتصادى والإجتماعى والسياسى الخطير للمجتمع المدنى ، خاصة فى مرحلة مابعد ثورة يناير وتأسيس الجمهورية الثانية فى مصر .
صحيح أن هناك تمثيلا للنفابات المهنية والأحزاب والعمال والفلاحين ، إلا أنه تمثيلا هزيلا ، لأنه لم يشمل ممثلين عن منظمات غير حكومية ، تنموية وحقوقية وبحثية ، وشخصيات عامة تعمل فى مجال حقوق الإنسان ودعم الديمقراطية ، وإعتقد إن الهجمة الشرسة على الجمعيات الأهلية ومعظم منظمات المجتمع المدنى ، وحصارها أثناء حكم النظام السابق ، مازالت تلقى بظلالها حتى بعد الثورة ، فقد كانت معظم تلك المنظمات تعد كيانات معارضة لذلك النظام ، وتعرضت لحملات تشويه وإتهامات كثيرة ، أثناء حكم مبارك ، منها العمالة للخارج ، وتلقى أموالا لقلب نظام الحكم ، بل ومطاردة وإضطهاد العاملين فى تلك المنظمات ، وإعتبارهم من الخونة ، مثلما ماحدث مع بعض العاملين فى مركز إبن خلدون ، ورئيسه الدكتور سعد الدين إبراهيم ، راعى المجتمع المدنى فى مصر ، والذى حبس فى عهد مبارك ظلما فى قضية إبن خلدون الشهيرة ، وبرأته محكمة النقض من تهمة التمويل الأجنبى .
وقد تعرض بعض منظمات المجتمع المدنى فى مصر إلى الهجوم أيضا بعد الثورة ، وأسفر عن ذلك القبض على بعض المصريين والأجانب مؤخرا ، وتمت إحالتهم للمحاكمة ، ويحاكمون الأن فى القضية المعروفة بالتمويل الاجنبى للمنظمات ، وبالطبع لن أعلق على قضية منظورة أمام أحد المحاكم ، حتى لاأتهم بأننى أقوم بالتأثير على القضاء ، ولكن لفت نظرى تصريحات لاحد المتهمين فى القضية ، والذى جاء من امريكا وقام بتسليم نفسه طواعية وبإرادته الحرة إلى السلطات المصرية ، رغم إنه لم يهرب ، وهو الناشط الحقوقى والشاب الواعد شريف منصور، المدير السابق لبرامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمنظمة " فريدوم هاوس " ، الذى أكد أن قضية التمويل المنظورة حاليا "مفبركة " ، وتعد بمثابة خط الدفاع الأول عن حرية المجتمع المدنى ، ولذلك فإنه إذا صدرت أحكام بالإدانة فإن هذا يعنى إنه ستكون هناك هجمة حكومية كاسحة على منظمات المجتمع المدنى فى المستقبل ، ولذلك يجب جميع النشطاء والعاملين بالمجتمع المدنى التضامن مع المتهمين فى القضية ، بل أكد شريف منصور أنه يفكر فى تأسيس منظمة مجتمع مدنى فى مصر لنشر الديمقراطية ، تخضع للقانون المصرى ، ويكون مسؤولا عنها بالكامل .
بالطبع لم أندهش من شجاعة شريف منصور ، وعودته من أمريكا حيث يقيم هو وعائلته ، إلى القاهرة ، والذهاب برجليه إلى النيابة العامة ، رغم انه لم يكن هاربا ، فهو إبن صديقى وأخى الكبير الدكتور أحمد صبحى منصور ، المفكر الإسلامى الكبير ، والأستاذ السابق بجامعة الأزهر ، ورئيس المركز العالمى للقران الكريم ، كما أننى أعرف شريف منذ أن كان طفلا صغيرا ، وأعرف كيف نشأ وتربى وتعلم ، على يد والده الدكتور العالم احمد صبحى ، وفى رواق إبن خلون الذى أسسه والده ، والذى أشرف بأننى كنت أحد أعمدته ، ولكن إستوقفنى إستشرافه للمستقبل ، وشعوره أن هناك خطر قادم يهدد منظمات المجتمع المدنى فى مصر ، ولاسيما أنه قريب جدا من تلك المنظمات ، سواء على المستوى الداخلى ، أوبحكم عمله فى منظمات غير حكومية كبرى بالخارج .
كلام شريف منصور يعد بمثابة دق ناقوس الخطر ، وتفكيره فى تأسيس منظمة اهلية لدعم الديمقراطية فى مصر هو تحدى وإصرار على بقاء المجتمع المدنى فى بلادنا على قيد الحياة ، رغم الهجمات الشرسة عليه قبل وبعد الثورة ، وتشجيع اخرين على إقامة منظمات غير حكومية تعمل وفقا للقانون ، حتى نعطى قبلة الحياة للمجتمع المدنى المصرى .
لابد من تغيير الصورة النمطية عن منظمات المجتمع المدنى فى مصر ، خاصة التى تتلقى تمويلا من الخارج ، مادام ذلك التمويل نظيفا ، ويضخ فى تلك المنظمات وفقا لأليات القانون المصرى ، وتحت إشراف السلطات المصرية ، مع عدم التدخل فى عمل تلك المنظمات مادامت ملتزمة بالقانون ، وتراعى أسس الامن القومى المصرى والمصلحة العليا للبلاد .
ولابد من إصدار قانون جديد ينظم عمل منظات المجتمع المدنى فى مصر ، يتناسب مع التطورات السياسية الجديدة و المتلاحقة فى مصر ، ويتوافق مع الحالة الثورية التى نعيشها ، وعملية البناء الديمقراطى التى نقوم بها ، ولاسيما بعد تأسيس الجمهورية الثانية .
ولابد أن نغير الصورة الذهنية عن المنظمات غير الحكومية " الوطنية " سواء التى تعمل فى مجال حقوق الإنسان أو دعم الديمقراطية أو نشر ثقافة المجتمع المدنى ، فليس كل من يعمل فى تلك المنظمات عميلا ، أو خائنا لوطنه ، ولابد أن نعيد الإعتبار إلى تلك المنظمات ، ونقف بقوة ضد المنظمات التى تهدف إلى إختراق أمننا القومى وتقويض إستقرارنا ، تحت لافتة " الديمقراطية وحقوق الإنسان " والقضاء على الدكاكين الحقوقية الصغيرة المجهولة التمويل ، والضرب " بيد من حديد " على الذين حولوا عمل بعض المنظمات إلى " سبوبة " واكل عيش .
لابد أن يتناسب دور المجتمع المدنى ، مع إنجازات ثورة يناير ، ونعطى له حرية اكبر فى الحركة ، كى يقوم بدوره بحرية ، فى الحياة السياسية والإقتصادية والإجتماعية ، بصورة تتناسبب مع قيام الجمهورية الثانية فى مصر، ولاسيما أن المجتمع المدنى لعب دورا كبير فى نجاح ثورة يناير ، ولاسيما بعد إنهيار معظم سلطات الدولة ، والإنفلات الأمنى ، ويكفى أن نعرف أن تكوين لجان شعبية لحماية المواطنين والمنشأت كان نشاطا أهليا ، بل إن توفير إحتياجات المواطنين أثناء الثورة كان يتم بواسطة جمعيات اهلية ومنظمات غير حكومية ، وهى تعد من أركان المجتمع المدنى .
حمدى البصير
Elbasser2 @yahoo.com