التقوى والعدالة وألتزام العهد
يمر الشعب المصرى اليوم بمحنة قاسية ما عرفه في تاريخه القديم والحديث، فقد كانت المحن تمرعليه عابرة كسحابة صيف تنقشع لكونها محن ناتجة من حرب عبثية اواختلاف في رأي او مصلحة شخصية او ذاتية ليست عميقة الجذور، اما محنة مصر الحبيبة الحالية فقد أكلت اللحم وكسرت العظم ولا زالت ببعض برجالها وشخوصهم الغريبة تحمل معاولها تريد تهشيم العظم حتى النهاية، فلا تبقي له من بقية. تظافرت فيها الانانية والثأرية والمطامع المادية التي أعمت القلوب قبل العيون، فتحققت المطامع العالمية والعربية التي ما حلمت يوماً بأنها ستستولي على مصرنا وتضعفه لحد الموت، وتقف اسرائيل المغتصبة لارض الوطن العربي عن طريق عملائها في المقدمة، ومن ورائها العربان المجاورين الذين ما جرؤا يوما بذكر مصر الا وارتجفت شواربهم قبل ارجلهم خوفاً وذعرا ، يوم كان مصر تقف شامخة برجالها المخلصين، وحين تحقق لها ذلك، غرست فيها اسنانها السامة تريد قتلها حتى النهاية وامتصاص دمها لترميه جثة هامدة لا حراك لها، وقد يتحقق لها ما تريد مادامت مسئولية مصر الحبيبة اليوم تمهد الطريق لها حين تخلت عن ثالوث النجاح التقوى والعدالة والتزام العهد، فأفسدوا الوطن بالمال والرشوة وأفسدوا السياسة بالدين.
تلك كارثة يجب ان نحسب لها الف حساب خوفاً من الضياع الكلي للشعب والوطن معاً. على قادة ثورة يناير 2011 ان يعيدوا النظر في المواقف قبل فوات الاوآن، فقد وصلت سمعة هؤلاء المتحكمين فى ذمام الأمور الآن الى الحضيض بعد ان تساهلوا مع سراق المال العام وانتقائية القانون، فمهدوا الطريق للنقد العام المستند على الحقائق الملموسة التي لا راد لها ابدا والشواهد الحية التي اصبحت كثيرة ومؤكدة .
واذ يعتقد البعض من الاخرين ان بهؤلاء سيموت الفكر الثورى ويختفي منهج الثورة السياسة والحكم وتحقيق العدل المطلق فهم واهمون. ان الصحوة التى بدأت منذ يناير 2011 ستنتفض لتعيد لفكرها المتجدد كل مبدئيته ولتنتفض وتنفض عنها غبار السنين العجاف التي اراد لها الفكر المنحرف ان تموت. فلا زال في قادة الثورةالحاليين من يلتزم بمبادئ القرآن الكريم قولا وتطبيقاً. ونحن نقول لهم من يسلك طريق الانحراف عليه ان لا يدعي أنه من أهل مصر الحرة الذي اهتزوا وهم في مراقدهم الشريفة اليوم من جراء اختراق مبادئهم العظيمة من قِبل الذين يمثلونهم انتحالاً لا صدقاً.
لقد طفح الكيل بعد ان ضربت المبدئية واصبحت الدولة نهباً للاخرين واعلامها لا يتحدث عن الفقراء ومآسيهم، ولا عن خدماتهم المعدومة، والامراض التي تفتك بهم واراضينا التي ضاعت وشهدائهم الابرار ودمائهم الانهار واعراضهم المنتهكة في سوق النخاسة، بل تتحدث عس سفرات مسئوليهم واستشفاءاتهم وعمليات ارجلهم العرجاء وتنقلاتهم وانتخاباتهم وكأن الانتخابات اصبحت وسيلة لاهدف، المهم كيف يتحدون فيما بينهم حتى لا يخترقهم المخلصون، فهل يعي " طنطاوى" الواقع المحزن اليوم وهو المسئول الاول في الدولة امام الله والشعب، ام سيبقى يخاطب الناس بكلام المايكرفونات المعهودة وقوانينه تطبق بأنتقائية التطبيق.
ألتزموا ايها السادة بكلمة التقوى التي ما جاءت في القرآن عبثا دون اساس من تطبيق ملزم، فقد جاءت آياتها في خمس عشرة مرة ضمن الايات الحدية الواجبة التنفيذ، اي هي كالصلاة والصوم الواجبة التنفيذ على المؤمنين بالله ورسوله وكتبه المنزلة. واي خروج عليها فهو خروج على الدين كله. وحوالي 235 مرة على سبيل العظة والاعتبار. والايات الحدية ليست خيارا في هذا او ذاك، بل هي واجب ملزم قابل للتنفيذ ولا مسامحة فيه ولا تهاون ابدا، لان الخروج عليه من المحرمات، فهل وعت طبقة الحكام من اهل الدين هذا المقصد الالهي الذي شذت عنه من اول يوم استلام سلطة حكم الناس ، حين تقبلت الحاكم الاجنبي النزق العدو للوطن من فمهِ وراسه طمعا في السلطة، ولا نقول هذا اعتباطاً بل صورا غير قابلة للنقض ومذكرات كتبت بلسان هذا الحاكم الفار من وجه العدالة اليوم. فهل القرآن الكريم يبيح لهم هذا التصرف الخارج عن الشرعية الدينية. فلو كنا نؤمن بالتقوى قولا وتطبيقاً فهل سننحرف هذا الانحراف الخطيرفي مجتمع لا زال يعتقد ان رجال الدين ضمن دائرة احترامة .
وهل سنعيب على السلفية المتخلفة اتهامنا باننا لنا قرآنا اخر ولا نؤدي الصلاة كما عند المسلمين الاخرين ونتزوج النساء بلا عقد شرعي، الى اخر الا سطوانة المشروخة التي نحارب بها اليوم. كفاكم نهبا وسرقة فقد امتلئت البطون حتى الحناجر من المال الحرام ولم يبق منكم من لم يستلم منصباً لا يستحقة في دولة المظاليم، وابناؤكم الجهلة يملئون السفارات في الخارج، فلا ملحق الا منكم ولا سفير الا منكم ولا لجنة الامنكم، حتى رجال الدين اصبحوا اليوم يزيفون الصلاة وبث الرعب فى النساء الأحرار بالنقاب والحجاب ولبس الساعة فى اليد اليمنى لأن اليسرى من الشيطان فهل يحق لنا أن نقطعها لأنها عدو رجيم ، ما هذا الذي يحدث الله اكبر.
يقول القرآن الكريم في سورة الانبياء:
"وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ." فالدولة ليست ملكا لاحد بل هي ملك الشعب، والتغيير السياسي ما جاء من اجل طبقة معينة بل جاء من اجل الشعب كل الشعب. التقوى واجبة على الجميع حتى نتقي الله في كل اعمالنا، بمعنى اننا نعمل وكأننا نرى الله، وان لم نكن نراه بالعين المجردة فأنه يرانا وهو القادر الرقيب، لذا فنحن في التقوى لسنا بحاجة الى رقيب، من يتخلى عنها عليه ان ينفض يده من حكم الدولة ومسئولية الشعب، والا فهو في منتظر العقاب.
اما العدل في الاسلام فهو ليس كلمة تؤخذ من قواميس اللغة لتفسر لغويا عند التطبيق، فالعدل في الاسلام هومجموعة القوانين الموضوعية الناطقة في تنظيم الوجود الانساني وظاهر الطبيعة والاحداث الانسانية وكيفية التعامل معها بحكمة ودراية وتنفيذ، فالقانون ليس هو الذي نحكم به نهاراً ونزمر به ليلاً. ان صيغة العدل في القرآن صيغة تعبدية، وهذا لايعني التعبد بالمفهوم العام للتعبد بل الصيغة التطبيقية به، فقد ذكر العدل في اكثر من 360 مرة في القرآن بصفة الالزام : إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا ".
لم تذكر الشرائع السابقة ولا اللاحقة للقرآن مثل هذا النص المحدد الملزم والواجب التنفيذ، مثل هذا النص الذي يعتبر في غاية الدقة في تطبيق العدالة بين الناس وهو مغيب الان في غالبية الحالات وفي كل مجالات الحياة دون استثناء، الم تكن الوصايا العشر التي جاءت في القرآن في سورة الانعام تمثل الصراط المستقيم، فاين انتم منها، اصبحتم لاتفكرون الا بالقصور والسيارة الفاخرة وسياحات الدرجة الاولى والمرتبات المغرية ودرجات التقاعد الوهمية التي تصنعونها لانفسكم والمحاسيب، والتي اعمت القلوب قبل الابصار، التفتوا الينا الى الشعب، فدورنا مغتصبة ونحن لا زلنا مبعدين عنها وحقوقنا الشرعية محجوزة عند المنافقين، وامننا مفقود ونساؤنا مستباحات وابناؤنا لاجئون في بلد الاغراب، وكل هلافيت الارض ترتع بنعمتنا ونحن منها محرمون، هذا مترجم وذاك خبير والاخر سمسار ولا ندري المصير. ان من شاهد التلاسن بين المرشحين، ليقول يا ارض أبعليني قبل ان ارى ما ارى من مهازل وتفاهات، فاين نحن من العدل بين الناس، في حين تطبق القوانين بانتقائية وان اللجان المكلفة بالتنفيذ تسيء تطبيق القوانين، فاين الرقابة اذن؟
اما العهد، فقد جاء بآية حدية ملزمة واجبة التنفيذ
"...........وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ "
وهي ليست بوصية عادية جاءت على سبيل العظة والاعتبار، بل هي من القوانين الملزمة واجب التنفيذ، فعهد على الطبيب الامانة في اداء الواجب دون استغلال، لكن طبيننا اليوم يخون المهنة ويتاجر حتى بدماء المرضى، وعهد على المحامي ان لا يداهن في الحق من اجل مصلحة او منفعة، وكذلك المهندس والوزير والضابط والشرطي والموظف، كل حسب مسئوليته في الوظيفة. وهنا وضع المشرعون المواصفات الاخلاقية لكل مهنة على حدة، ولا يسمح لاحد بممارسة المهنة الا ذا كان مؤهلاً لها، هنا اصبح لازما وواجباً ان يقسم اليمين على الدستور الاخلاقي لمهنته. وبخلافه لا يجوز ممارسة المهنة، والقسم ليس جديدا في الاسلام فكل الشرائع القديمة التزمت به حماية للمجتمع من الطامعين به والمخالفين لنصوص العدالة الانسانية، لكنه في الاسلام اكثر توضيحاً، حين اصبح عهدا بين الذي اقسمه وبين الله لا بين انسان وانسان اخر، والعهد هنا يختلف حتى على اداء الامانات بين الناس فلا مرونة فيه ابدا، لذا فان حنث اليمين في الاسلام يدخل ضمن المحرمات القطعية التي يعاقب عليها القانون.
لقد جاءت الوصايا العشر في سورة الانعام هي بمثابة الفرقان الذي يجب ان لا يخترق، فأين نحن منها الان؟ اللهم ربي عفوك ورضاك عن كل من التزم بالعهد قولا وتطبيقا. وناراً وسعيرا على كل من خان العهد وحنث اليمين.