أيها المصريون: كما تكونوا يولَّى عليكم!

د. شاكر النابلسي في الأربعاء ٠٦ - يونيو - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

انتخابات الإعادة للرئاسة المصرية بين أحمد شفيق ومحمد مرسي ستبدأ بعد أيام، وسيختار الشعب المصري نهائياً رئيسه القادم، بعد أن اختبر مياه الانتخابات الرئاسة السابقة، فوجدها مياه نقية صالح للشرب والسباحة  والاستعمال، لا قذى فيها، ولا طفح مجار، ولا تشوبها شائبة، كما ذكرنا في مقال سابق.

ولكن الملاحظ، أن المعلقين، والمحللين السياسيين، منقسمون على أنفسهم. فمنهم من يرى أن عودة أحمد شفيق تمثل عودة النظام القديم بحلّة جديدة. وهذا غير صحيح. صحيحٌ، أن أحمد شفيق كان من رجالات العهد السابق، ولكن لا يعني هذا، أنه سيحكم بمنطق وبأسلوب ذلك العهد. فالمجلس العسكري كله من رئيسه إلى أصغر ضابط فيه، كانوا من رجال العهد السابق. ورئيس الوزراء الحالي (كمال الجنزوري) كان من رجال العهد الماضي. ولكن كما قال الزعيم نيلسون مانديلا، في رسالته الى الثوار العرب في 2011، فإن الجدل السياسي اليومي، يشير بأن معظم الوقت مهدرٌ في سبِّ وشتم، كل من كانت له صلة تعاون مع النظام البائد. وكأن الثورة لا يمكن أن تكتمل إلا بالتشفّي والإقصاء. كما يبدو أن الاتجاه العام مصر، يميل إلى استثناء، وإبعاد، كل من كانت له صلة قريبة، أو بعيدة بالنظام السابق. وهذا أمر خاطئ.

 

كيف نبتلع مرارات الظلم؟

قال نيلسون مانديلا، في رسالته الى الثوار العرب عن رجالات العهد السابق:

"إن مرارات الظلم ماثلة. إلا أن استهداف هذا القطاع الواسع من المجتمع، قد يسبب للثورة متاعب خطيرة. فمؤيدو النظام السابق كانوا يسيطرون على المال العام، وعلى مفاصل الأمن، والدولة، وعلاقات البلد مع الخارج. واستهدافهم قد يدفع إلى أن يكون إجهاض للثورة. وهو أهم هدف لأعداء الثورة في هذه المرحلة، التي تتميز عادة بالهشاشة الأمنية، وغياب التوازن."

 

الاحتواء والمسامحة أهم من الانتقام!
وحذَّر مانديلا الثوار العرب من سيطرة "حزب الانتقام". وشدد على الثوار أن يتذكروا، أن "أتباع النظام السابق في النهاية، هم مواطنون ينتمون للبلد. فاحتواؤهم ومسامحتهم، هي أكبر هدية للبلاد في هذه المرحلة، ثم إنه لا يمكن جمعهم ورميهم في البحر، أو تحييدهم نهائياً. فلهم الحق في التعبير عن أنفسهم. وهو حق ينبغي أن يكون احترامه من أبجديات ما بعد الثورة." وهذا ما سبق وقلناه في عدة مقالات على هذه الصفحة. وكذلك قاله الفيلسوف المصري مراد وهبة، ثم صمت نهائياً عن الكلام عن ثورة 25 يناير. وقالته أيضاً الكاتبة المصرية الشجاعة لميس جابر، في مقالات عدة، نشرتها في جريدة "المصري اليوم"، ثم أُسكتت هي الأخرى.


لكي لا تصرف الثورة الآخرين عن التغيير

واجب الثوار العرب، أن يرسلوا رسائل اطمئنان إلى النظم السياسية التي ما زالت ملتفة حول الدكتاتوريات القروسطية الأخرى،  تؤكد لهم أن لا خوف على مستقبلهم في ظل الديمقراطية والثورة، مما قد يجعل الكثير من المنتفعين يميلون إلى التغيير، وهذا سوف يخفف من خوف وهلع الدكتاتوريات القروسطية الأخرى مما ينتظرها.


أسلمة المجتمع المصري

وقسم من المعلقين والمحللين السياسيين، يرى أن نجاح محمد مرسي مرشح "الإخوان المسلمين"، يعني أسلمة المجتمع المصري، وتحقيق استراتيجية "الإخوان المسلمين" الدينية/السياسية، بعد أن سيطروا على مجلسي الشعب والشورى، ولكن قبل الاجابة عن كل هذا، نتساءل:

هل أن المجتمع المصري لم يتأسّلم حتى الآن؟ وأنه تأسّلم – بشكل كبير وواسع - بدافع التدين الشعبي الريفي الصوفي البسيط، الموروث من العهد المملوكي، كما شرح لنا الشيخ أحمد صبحي منصور في كتابه ذي الأجزاء الثلاثة (التصوف والحياة الدينية في المملوكية) الذي نال عليه درجة الدكتوراه من الجامعة الأزهرية. فنسبة المحجبات الآن 80% ونسبة المنقبات 30% ونسبة من يطلقون لحاهم تديناً حوالي 30% ، وهم في ازدياد. ورغم أن عهد عبد الناصر – كما يردد الإخوان المسلمون – كان عهداً علمانياً، إلا أن أ.أ.إغناتنكو المساعد السابق لجورباتشوف لشؤون الصحافة يقول في كتابه (خلفاء بلا خلافة: التنظيمات السياسية/الدينية المعارضة في الشرق الأوسط) أن عدد المساجد عام 1963 ازداد زيادة كبيرة، بحيث تضاعف عددها عما كان عليه قبل الثورة. وفي عام 1966 أصبح هناك أكثر من 15 ألف مسجد في مصر (ص 19). كما أصبح رجال الدين في عهد السادات في عداد البُنى الحكومية. ونشرت المجلة الدينية المشهورة (منبر الإسلام) مقاطع كبيرة من (ورقة أكتوبر) الساداتية. كما نشرت العديد من المقالات الدينية المستوحاة من هذه الورقة مثل : "القيم الروحية في ورقة اكتوبر"، و "المفاهيم الإسلامية المستوحاة من ورقة أكتوبر"، و "ورقة أكتوبر والدستور"، وغير ذلك من المقالات الدينية المختلفة المستوحاة – كما زعم الزاعمون – من "ورقة أكتوبر"، التي يقال أن الراحل أنيس منصور قد ساهم مساهمة كبيرة في كتابتها، كما سبق وساهم محمد حسنين هيكل في كتابة "الميثاق" عام 1962. وفي عهد مبارك، تضاعف عدد المساجد، وعدد الدعاة الدينيين، وعدد المنابر الدينية، وكان لهذا كله أثره في صعود التيار الديني عام 2011 ، ورئاستهم لمجلسي الشعب والشورى، وكذلك أثره في تفوق مرشح "الإخوان المسلمين" (محمد مرسي) في الانتخابات الأولية  للرئاسة، رغم أنه المرشح البديل لخيرت الشاطر. ومنافسة محمد مرسي لأحمد شفيق، الذي يقال إن الماكينة العسكرية، كانت من ورائه كالمدفع الموجه، كما كانت ماكينة "الحزب الوطني" الحاكم السابق الى جانبه، مما أمكنه من التفوق في الانتخابات الأولية للرئاسة.

إذن، فالمجتمع المصري تأسّلم، منذ زمن. ولم يعد هناك مجال لانتظار أسلمته. أما الجواب عن أن نجاح محمد مرسي في انتخابات الإعادة، سوف يحقق استراتيجية الإخوان المسلمين في أسلمة المجتمع، فهذا صحيح. ولكن ضمن حدود وشروط معينة، يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار الآن، وملخصها:

1-           أننا في مطلع الألفية الثالثة، ومطلع القرن الحادي والعشرين، ونعيش – كلنا في الشرق والغرب - في آثار "الثورة العالمية الثالثة"، وهي الانترنت، وثورة الاتصالات، وتدفق المعلومات. فلسنا في بداية منتصف القرن العشرين، حيث الاستقلال السياسي فقط. وقد مضى على هذا نصف قرن، ولم يعد للإخوان المسلمين تلك الأحلام السياسية/الدينية الرومانسية التي يحلمون بها. ولم يعد الحاكم المصري، هو الحاكم المملوكي. وأصبح للدستور هيبة، وسلطة، وقوة. وهو لجام الحاكم من الشطط والخروج على ديمقراطية الإسلام في "العدل والإحسان".

2-           لم تعد مصر، ذلك البلد المعزول الذي يستطيع أن يحكم فيه الحاكم كما يشاء، وبالقدر الذي يشاء، وضد من يشاء، وإلى جانب من يشاء. فلجان ومنظمات "حقوق الإنسان" منتشرة في مكان. و"عيون" الرأي العام العالمي الرقابية Human Rights Watch منتشرة، ومدسوسة في كل مكان. ورغم أن الدول الغربية – بما فيها أمريكا – تقف في بعض الأحيان الى جانب الدول الدكتاتورية العربية القروسطية، ولا تتحرك لتأييد، ودعم التغيير، إلا ضمن مصالحها الخاصة، إلا أنها لم تعد كما كانت قبيل الحرب العالمية الثانية.

وهناك أسباب كثيرة أخرى ولكن لضيق المساحة نكتفي بهذا القدر.

فيا أيها المصريون: كما تكونوا يولّى عليكم. فلا تنتقدوا "الإخوان المسلمين"، لأنهم يتمسكوا باستراتيجتهم الدينية، ولكن انتقدوا أنفسكم إن وافقتوهم على ذلك. وليكن صندوق الاقتراع النزيه والشفاف، الحكم بينكم وبينهم. أما أن تنتخبوهم، وترضوا عنهم، وتوصلوهم الى مجلسي الشعب، والشورى، والرئاسة، ثم تتباكون على ما جرى. فأيديكم - حينئذ - أيها المصريون أوكت، وأفواهكم نفخت.

والسلام عليكم.

اجمالي القراءات 8692