عن اسرائيل والأسباط

آحمد صبحي منصور في الأربعاء ٠٦ - يونيو - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

 

مقدمة :

بعض من ينتمى للقرآنيين يريد أن يثبت نفسه باحثا فى القرآن بأن يأتى برأى صادم يخالف المألوف ، ويتلمس لرأيه طريق التلاعب بالآيات وتحريف معناها وتجاهل السياق القرآنى ، أى يفعل بالضبط ما يفعله أشياخ الأديان الأرضية فى إخضاع القرآن الكريم لآرائهم المسبقة. وعانينا الكثير من هؤلاء ( القرآنيين ) وكتبنا فى اصلاحهم مقالات ، ونصحناهم بالتزام المنهج العلمى فى البحث ، وعادة ينتهى الأمر بهجرهم لنا وهجرنا لهم .

من سنوات تلاعب بعضهم بآيات القرآن ،وتكرر هذا من أسابيع وأيام فى موضوع الأنبياء بمقولات مضحكة ، نستحى من ذكرها .  وقد عثرت على مقالى هذا الذى نسيت نشره ، وكان من عدة سنوات ردا على بعضهم وتوضيحا لموضوع مفروض أن يكون واضحا ، وهو عن الأسباط . وننشره لأول مرة بعد سنوات.

 أولا : نبدأ ببعض ملامح من منهج القرآن الكريم فى ايراد قصص الأنبياء والرسل:

1 ـ القرآن الكريم لم يذكر كل الأنبياء والرسل : يقول جل وعلا :(وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ)(غافر 78).

2 ـ أفاض القرآن الكريم فى قصص بعض الأنبياء والرسل مثل نوح وابراهيم وموسى وعيسى ،   وتوسط فى قصص بعضهم مثل لوط و يونس و داود وسليمان و أيوب، وعرض لبعضهم باختصار مثل اسحق ويعقوب . وكان التركيز على العظة ، وهذا منهج القرآن المخالف لمنهج التأريخ العادى الذى لا بد أن يذكر الزمان والمكان وأسماء الأشخاص .

3 ـ ذكر قصص بعض الأنبياء والرسل دون ذكر اسمه : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ) (البقرة 246 ـ ) لم يذكر القرآن اسم ذلك النبى مع أنه ذكر اسم الملك ( طالوت ). وقال تعالى فى قصة ثلاثة من الأنبياء لم يذكر أسماءهم أو اسم القرية التى كانوا فيها : (وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءهَا الْمُرْسَلُونَ إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ ) (يس 13 ـ 14)

4 ـ ذكر موجزا مختصرا لبعض الأنبياء والرسل بالاسم مع بعض تفصيلات لم تتكرر فى القرآن الكريم كقوله تعالى عن النبى الياس :(وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلَا تَتَّقُونَ أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ ) (. الصافات 123 : 130)

5 ـ ذكر القرآن بعض الأنبياء والرسل بمجرد الاسم ( مثل اليسع وذى الكفل ) دون أى تفصيلات سوى أنهم من ذرية يعقوب ابن ابراهيم : (وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاءإِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلاًّ فضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ ) ( الأنعام 83 ـ ) (وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِّنْ الْأَخْيَارِ) ( ص 48 )

6 ـ ذكر مجموعة من أنبياء بنى اسرائيل بوصف محدد هو الأسباط ، إذ جعل الأسباط من بين الأنبياء الذين أوحى الله تعالى اليهم ، فقال تعالى: (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإْسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا ) بعدها كرر تعالى نفس الحقيقة فى أنه جل وعلا لم يذكر كل الرسل :(وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا) ( النساء 163 ـ )

ثانيا : معنى أسباط :

1 ـ من هنا نتعرف على أول معنى من معانى الأسباط ، وهو أنهم مجموعة من أنبياء بنى اسرائيل: ويلاحظ أن كلمة الاسباط تأتى تالية ليعقوب لأنه أبوهم :(إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإْسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا) ( النساء 163 ).

2 ـ والمعنى الثانى هو اللغوى لكلمة أسباط ، ويعنى شراشيب أو أفرع القنو فى النخل ، تلك التى تحمل البلح. ولأنها شراشيب كثيرة أو أفرع كثيرة تخرج من أصل واحد فقد أطلق نفس الوصف على الأبناء الذكور للنبى يعقوب ، وكان عددهم إثنى عشر رجلا، كل منهم أنجب ذرية تكاثرت فأصبحوا (12 ) قبيلة ، وأصبح اسم (الأسباط ) دليلا عليهم لتفرعهم من أصل واحد هو يعقوب عليه السلام. وفى أولئك الأسباط بعث الله تعالى أنبياء كثيرين من بنى اسرائيل ، ذكر بعضهم بالاسم فقط ، وذكر موجزا عن البعض الاخر ـ و تحدث عن بعضهم دون أن يذكر اسمه ، وأطلق عليهم جميعا لقب (الأسباط )

3 ـ والمعنى الثالث للكلمة استعمله القرآن الكريم ليدل على القبائل الاسرائيلية الاثنتى عشرة التى تكاثرت فى عهد موسى عليه السلام.  وكان هذا التقسيم ساريا قبل موسى وبعده ، ونفهم هذا من التمعن فى قوله تعالى عن بنى اسرائيل (قوم موسى ):(وَمِن قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ)(الاعراف 160)(وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ) ( البقرة 60)

ثالثا : معنى اسرائيل

1 ـ كلمة اسرائيل وردت مرتين فقط فى القرآن الكريم لتدل على النبى يعقوب عليه السلام، حيث نزل القرآن الكريم فى بيئة تجمع بين أبناء اسماعيل ( العرب المستعربة و منها قريش ) و أهل الكتاب و منهم الذين هادوا واليهود و النصارى .

2 ـ وعلى خلاف ما يتوقع البعض فقد كان كبار الأنبياء من بنى اسرائيل معروفين لدى العرب الأميين وقت نزول القرآن الكريم، فقد كانت ملة ابراهيم موجودة برغم ما لحقها من تحريف . وكان العرب الأميون ـ أى الذين ليسوا من أهل الكتاب ـ يجادلون النبى محمدا عليه السلام بما يعرفون من قصص الأنبياء السابقين المتوارثة ( الزخرف 57 ـ ) وكان أهل الكتاب بالذات أكثر علما من العرب الأميين. وقد احتكم القرآن الكريم الى علماء أهل الكتاب فقال للنبى محمد (فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ ) ( يونس 94).وذكر رب العزة جل وعلا أن من معجزات القرآن الكريم أنه يعلمه علماء بنى اسرائيل ( الشعراء 197 ) وأن منهم من كان يعرف الكتاب كما يعرف أبناءه ومع ذلك يكتمون الحق وهم يعلمون (البقرة 146  ) (الأنعام  20 )

3 ـ وفى هذه البيئة المثقفة كانت التوراة الحقيقية موجودة وكذلك الانجيل الحقيقى . وعندما تركها أصحابها وجاءوا يحتكمون للنبى محمد قال تعالى له (وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَـئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ )( المائدة 43 ) بل أن الله تعالى تحداهم بالتوراة التى فى أيديهم وقال لهم (قُلْ فَأْتُواْ بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ).( آل عمران  93) .

4 ـ جاء هذا فى احدى الآيات التى ورد فيها ذكر اسرائيل اسما للنبى يعقوب ، إذ قال تعالى : (كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِـلاًّ لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُواْ بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ فَمَنِ افْتَرَىَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ قُلْ صَدَقَ اللّهُ فَاتَّبِعُواْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ )( آل عمران 93 ـ ). المعنى المقصود فى الاية : إنه قبل نزول التوراة تحرم وتبيح من الطعام كان كل الطعام حلالا لبنى اسرائيل إلا ما قام يعقوب ـ أو اسرائيل ـ بتحريمه على نفسه من تلقاء نفسه.

5 ـ ولكن لماذا ذكر الله تعالى يعقوب هنا باسم اسرائيل ، ولم يذكره بالاسم المعتاد (يعقوب ) ؟ لأن الله تعالى احتج عليهم بالتوراة ، وهى فى هذه المرحلة فى تاريخ يعقوب كانت التوراة تطلق عليه لقب ( اسرائيل ) . هذا هو واحد من الموضعين المذكور فيهما اسم اسرائيل للنبى يعقوب عليه السلام.

6 ـ فى المرة الأخرى جاء ذكر يعقوب باسم ( اسرائيل ) فى سورة مكية هى مريم ، يقول تعالى :( (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ ) ( مريم 58 ). و نلاحظ إن هذه الاية الكريمة جاءت تعليقا على طرف من قصص الأنبياء السابقين. والاية تتحدث عن النبيين عموما فى تاريخ البشرية ـ وتنسبهم الى الآباء الكبار : آدم ، ونوح ،وابراهيم و، واسرائيل ـ أى يعقوب الذى توالت فى ذريته الأسباط الكثير من الأنبياء والرسل . عليهم جميعا السلام. قد يكون هناك أنبياء قبل نوح فهم يرجعون الى آدم ، وكان هناك أنبياء قبل ابراهيم ، وهم  يرجعون الى نوح ، وهو آدم الثانى للبشرية بعد الطوفان ، وهناك  نبى ليس من ذرية يعقوب ، وهو اسماعيل بن ابراهيم ـ عم يعقوب بن اسحاق بن ابراهيم. ثم هناك خاتم النبيين عليه السلام ، وهو لا ينتمى الى بنى اسرائيل ـ ولكنه ينتمى الى فرع اسماعيل. الآية الكريمة المشار اليها جمعت كل الأنبياء فى جملة مختصرة. كلهم من نسل الآباء الكبار آدم ـ أو نوح ـ أو ابراهيم ـ أو اسرائيل أو يعقوب.

7 ـ ونظير ذلك قوله تعالى ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُم مُّهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ ) (الحديد 26) الاية هنا تتحدث عن النبوة من عهد نوح . أى أن نوح هنا هو السقف الأعلى و ليس آدم .وتضيف اليه ابراهيم . لأن ابراهيم أنجب إثنين من الأبناء اسماعيل ثم اسحق. وعاش ابراهيم ليرى ابنه اسحق وقد أنجب حفيدا له هو يعقوب. ثم جاءت الذرية من أبناء يعقوب الإثنى عشر،وتتالت فيهم النبوة الى عيسى عليه السلام. ثم جاء ختم النبوة للعالم كله و الى قيام الساعة بالنبى محمد عليه السلام ، من قريش ـ وهى أشهر قبيلة فى ذرية اسماعيل بن ابراهيم. لذلك فان نوحا وابراهيم معا قد جعل الله تعالى فى ذريتهما النبوة و الكتاب ، وفى هذه الذرية الاتية من الأنبياء تجد الأكثرية فاسقة و الأقلية مهتدية ـ شأن بقية البشر. والمستفاد أن أنبياء بنى اسرائيل ـ وهم كثيرون ـ يرجعون الى ابيهم يعقوب بن اسحاق بن ابراهيم.

أخيرا: ونوجز القصة من أولها :

1 ـ فى البداية كان ابراهيم ومعه ابنه اسماعيل ـ يقيمان قواعد الكعبة ـ بعد أن بوأ الله تعالى لابراهيم مكان البيت ( الحج 26 )، وفى أثناء عملهما كانا يدعوان الله تعالى بأن يتقبل عملهما ، وأن يرزق اسماعيل ذرية صالحة مسلمة ، وأن يبعث فيهم رسولا منهم،( البقرة 127 ـ )وهو ما تحقق بعدها بقرون ببعثة خاتم النبيين محمد عليه السلام. هذا بالنسبة لفرع اسماعيل بن ابراهيم ، وهو أبو العرب المستعربة. أحد القسمين الكبيرين من العرب الباقية ( العرب العاربة القحطانية اليمنية الجنوبية ـ والعرب الشمالية المستعربة ).

2 ـ فى الفرع الثانى من ذرية ابراهيم نجد ذرية يعقوب بن اسحاق بن ابراهيم. ولقد جاءت البشرى لابراهيم وزوجه سارة ـ فى شيخوختيهما بأن الله تعالى يبشرهما باسحق ومن وراء اسحاق يعقوب. لقد أراد الله تعالى مكافأة الخليل ابراهيم عليه السلام بعد أن نجح فى الاختبارات التى مرّ بها بأن جعله يعيش بعد وصوله الى الشيخوخة لينجب ولدا ثم يظل يعيش ليرى هذا الولد قد أنجب ولدا ، أى يعيش ابراهيم ليرى ثلاثة من ذريته وقد صاروا أنبياء( اسماعيل ، اسحاق و يعقوب )، وأن يعيش آخر عمره متمتعا بابنه الأخير و حفيده منه ( اسحاق ويعقوب ) ، وهذا معنى قوله تعالى (وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ)(الأنبياء 72 ).

3 ـ ورزق الله تعالى يعقوب اثنى عشر ذكرا ، منهم يوسف بن يعقوب بن اسحاق بن ابراهيم  ـ عليهم السلام. ومعروف ما جرى فى قصة يوسف و كيف انتهى الحال باستقدام والديه واخوته الأحد عشر وأبنائهم الى مصر:(اذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَـذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ ) (فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللّهُ آمِنِينَ)(يوسف 93  99 ).

4 ـ إذن عاش ابراهيم الى أن شهد مولد يعقوب حفيده وقد بشرته الملائكة باسحق ثم يعقوب. وقبل موته أوصى ابراهيم بنيه ( اسماعيل واسحاق وحفيده يعقوب بالتمسك بالاسلام ). ويعقوب أيضا قبل موته وصّى أولاده الاثنى عشر ـ ومنهم يوسف بالتمسك بالاسلام. طبعا كانوا يتكلمون بلغة غير العربية.يقول جلّ وعلا :( وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـهَكَ وَإِلَـهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِلَـهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ )(البقرة 132 : 133 ) ، أى عندما حضر يعقوب الموت وصّى بنيه الاثنى عشر بالاسلام.  

5 ـ. ومعروف أن يعقوب هو أب الأبناء الأثنى عشر ، ومنهم نبى الله يوسف عليه السلام. وقصته مع اخوته(الأحد عشر كوكبا ) مذكورة بالتفصيل فى سورة يوسف ، وأن يوسف استقدمهم من البدو مع أبيهم وأمه فعاشوا فى مصر ، وتناسلوا فيها . وتكاثر أبناء يعقوب أو اسرائيل فى مصر و أصبحو إثنى عشر قبيلة، كلها تنتمى الى يعقوب أو اسرائيل ـ أى أبناء اسرائيل أو بنى اسرائيل.   وأصبح لهم لقب جديد هو ( بنو اسرائيل ) وبهذا اللقب كان يخاطبهم النبى موسى ، وكان يتعامل معهم طبقا لتقسيمهم الى اثنى عشرة قبيلة : (وَمِن قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ) ( الاعراف 160 )(وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ) ( البقرة 60).

6 ـ وكان موسى وهارون وعيسى أشهر الرسل الأسباط لبنى اسرائيل : (فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى ) ( طه 47 )( وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَآئِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْاْ عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُواْ يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَـهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) ( الاعراف 138 )(وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ ) ( الصف 5 ـ 6 )( وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللّهِ وَأُبْرِىءُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِـي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)( ال عمران 49 )(أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ )( البقرة 246 )

7 ـ وهناك حقيقة قرآنية مجهولة عن بنى اسرائيل ، فبعد خروج موسى ببنى اسرائيل من مصر ، وفى فترة التيه توغّل بنواسرائيل فى الجزيرة العربية ، وتركوا فيها آثارا عبرية ، واختلطوا ببنى عمومتهم من القبائل التى تناسلت من اسماعيل عليه السلام . ودعوهم الى إتباع رسالة موسى وهارون فرفض العرب ، يقول جل وعلا عن العرب ورفضهم القرآن وطلبهم آية حسية مثل موسى : (فَلَمَّا جَاءَهُمْ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا لَوْلا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ (48)( القصص ).

8 ـ وفى الجزيرة العربية عاشت ذريات من بنى اسرائيل وتكاثرت فى اليمن وفى خيبر وفى يثرب التى صار إسمها المدينة ، وكان أولئك اليهود الاسرائيليون يعرفون من كتبهم قرب ظهور النبى الخاتم من ذرية اسماعيل ، ومولده فى مكة ومهجره الى المدينة ، وكان أولئك اليهود فى يثرب يستفتحون على الأوس والخزرج بقرب مبعث النبى الخاتم ومهجره الى يثرب ، وأنهم سيتحالفون معه ضد عرب الأوس والخزرج . فلما ظهر عليه السلام وهاجر للمدينة كفروا به حقدا وحسدا ، يقول جلّ وعلا : ( وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِعَلَى الْكَافِرِينَ (89) بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ  عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ (90) ( البقرة ).

9 ـ كان القرآن دعوة لبنى اسرائيل وغيرهم أن يؤمنوا به فقد جاء مصدقا لما معهم : (  يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِي الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (40) وَآمِنُوا بِمَا أَنزَلْتُ مُصَدِّقاً لِمَا مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ ) ( البقرة )( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنْ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنْ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) ( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنْ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (19)( المائدة  )

10 ـ ونصل الى ما يخصنا فى موضوع ( الأسباط ) الذى ورد فى إطار الدعوة القرآنية لهم بالرجوع الى الاسلام واسم الاسلام وملة ابراهيم الحقيقية قال جلّ وعلا لهم :( وَقَالُواْ كُونُواْ هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُواْ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ )( البقرة 135 ). ويقول جلّ وعلا فى الاية التالية بالايمان بما نزل على كل الرسل  والأنبياء ،أى يكونوا لله جل وعلا مسلمين : (قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ )( البقرة 136 )، أى عليهم الايمان بكل الوحى الذى نزل على ابراهيم واسماعيل واسحق ويعقوب  والأسباط . ونلاحظ هنا الترتيب الزمنى ( ابراهيم ثم اسماعيل ثم اسحاق ثم يعقوب ) وبعده ( الأسباط )، أى الأنبياء من ذرية يعقوب ، ثم جاء التخصيص من أنبياء الأسباط بموسى و عيسى. وبنفس الحجة رد عليهم رب العزة فقال : (أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَـقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطَ كَانُواْ هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللّهُ ) ( البقرة 140 )وفيها أيضا نفس الترتيب الزمة والمجىء بالأسباط بعد يعقوب ليدل المصطلح على الأنبياء من ذرية يعقوب أو من بنى اسرائيل . وبنفس الترتيب تكلم رب العزة عن الأنبياء من بنى اسرائيل ( الأسباط ) بعد ابيهم يعقوب فقال تعالى : (قُلْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ) ( آل عمران 84 ).

وبهذا نفهم معنى الأسباط من خلال القرآن الكريم . والله جلّ وعلا هو الأعلم .

اجمالي القراءات 33574