تصنيع الفرد والمجتمع فى إطار التغيير لأفضل
2ـ قواعد التغيير والتصنيع

آحمد صبحي منصور في الخميس ٣١ - مايو - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

 

كتاب (الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر  ).

الباب الأول : (الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فى الاطار النظرى  )

الفصل الأول : (  الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر اسلاميا وقرآنيا  )

 سابعا : ( حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ )

2 ـ قواعد التغيير والتصنيع : تصنيع الفرد والمجتمع فى إطار التغيير لأفضل

أولا : ـ الوصفة السريعة لا تنفع ولا  تجدى فى تصنيع الفرد والمجتمع  

 1 ـ كان الخديوى إسماعيل معجبا بالحضارة الأوربية فحاول أن يجعل مصر قطعة من أوربا ، فارسل البعوث من الطلبة وأسس الأوبرا وقام بتعمير وتحديث القاهرة ، التى لا تزال أحياؤها الحديثة تنبض بجهوده ، ولكن سبق الخديوى اسماعيل بانشاء مجلس شورى النواب فى سابقة لم تحدث فى الشرق . وجىء بالنواب فى المجلس ، وهم لا يعرفون سوى الطاعة للخديوى الذى كانوا يخاطبونه بولىّ النعم . وقيل لهم إن المفروض فى النواب أن ينقسموا الى جبهة يمينية توافق ولى النعم ، وجبهة يسارية تعارضه ، وعليهم أن يختاروا أحد الجبهتين ، فما كان من النواب جميعا إلا أن تزاحموا الى جبهة اليمين تأييدا لولى النعم . حدث هذا فى ستينيات القرن التاسع عشر  . بعدها بأكثر من قرن كانت أغلبية المصريين توافق بإجماع مذهل أوديمقراطى جدا أى كلمة يقولها المستبد العسكرى عبد الناصر ، الى أن أفاق المصريون على نكسة 67 . جاء السادات مثل الخديوى اسماعيل مغرما بالغرب ، ويريد مثله إصلاحا فوقيا مظهريا فأعلن  لأول مرة عن السماح بالمنابر السياسية لتكون مقدمة لتكوين الأحزاب ، فتم إنشاء آلاف المنابر ، وتزاحم المواطنون طوابير للسماح لكل منهم فى تكوين منبر ، وأتخذوها (سبّوبة ) ووسيلة للتكسب وتنفيذا لتوجيهات السيد الرئيس ( السادات ) . وتقدم السادات خطوة فأنشأ حزب مصر ليمثّل السلطة بديلا عن الاتحاد الاشتراكى الذى أنشأه عبد الناصر لتجميع الشعب خلفه . وساعد السادات على إنشاء حزب العمل وسمح بظهور حزب التجمع اليسارى الاشتراكى الناصرى الماركسى لخلق معارضة مستأنسة وديكور ديمقراطى سطحى مظهرى . ثم كالعادة أصابه الملل من أداء حزب مصر الحكومى فأعلن إنشاء حزب جديد للسلطة أسماه ( الحزب الوطنى ) وفى يوم واحد ( هرول ) نواب وقادة وأعضاء حزب مصر الى الحزب الجديد ، ودخل مصطلح ( الهرولة ) الى قاموس السياسة المصرية . كل هذا يعبر عن نقص فى ثقافة الديمقراطية . إذ أنه لا بد من نشر وتعميق ثقافة الديمقراطية فى الطبقات الشعبية والأسرة والبيت والمدرسة والجامعة والعمل والشارع والنادى والمؤسسات الحكومية والأهلية.  لا يصح أن تؤسس مؤسسات الديمقراطية فوق أرض هشّة فتنهار فوق رءوس الناس فوضى ، بحيث يشتاق الناس لمستبد يعيد قبضته الحديدية . أى يفضّل معظم الناس التضحية بالحرية مقابل الأمن .

2 ـ ولأن الديمقراطية هى المشاركة فى الحكم ، وتفاعل الفرد فى المجتمع معبرا عن رأيه وموقفه فإن ما نقوله عن الديمقراطية ينطبق تماما على موضوعنا عن تفاعل  الفرد بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر تفاعلا يقلل من وجود الأغلبية الصامتة التى هى نذير سوء بهلاك المجتمع . وبالتالى فلا تجدى الوصفة السريعة فى إقامة ديمقراطية فوقية سطحية مظهرية ، أو فى تفاعل حقيقى خلّاق يأمر فعلا بالمعروف ويتخلّق به ، وينهى عن المنكر ويتجنّبه . بدون ثقافة ديمقراطية متعمقة رأسيا وسائدة أفقيا يتحول المجتمع بالحرية التى لا يحسن إستغلالها الى فوضى وغابة تسقط فيها الدولة ويتمنى الناس وجود حاكم مستبد يضبط البلد ،. لو تم تنفيذ الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر بلا ثقافة ووعى متعمق ومنتشر فسيكون فى أفضل حالاته زوبعة وتمضى ، أو تكون موجة عاطفية موسمية وتنتهى ، أما فى أسوأ حالاتها ستكون خداعا لاستمرار الاستبداد خلف مظاهر كاذبة .

ثانيا : الوعى هو الأساس

1 ـ إن الاستعداد للتضحية بالنفس والمال مما يساعد على ترسيخ ثقافة الديمقراطية والتفاعل بالخير. ولكن بدون ثقافة ووعى فلن يجدى العطاء وستكون التضحية فى سبيل الشّر والارهاب.

المثال المؤلم هو فى تاريخ المسلمين بعد وفاة النبى محمد عليه السلام . أطاع الرسول عليه السلام أوامر ربه فى تشريع القتال : (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190) ( البقرة ) فلم يقم مطلقا بالاعتداء على أحد ، واكتفى بالحرب الدفاعية . وفى أواخر حياته أرسل رسائل للحكام يدعوم سلميا الى الاسلام  ، وشمل هذا كسرى وهرقل والمقوقس وغيرهم . كانت رسائل لإعلامهم بالاسلام ، تنصح وتعظ ، ولا تهدد بشنّ حرب . وفى عهده عليه السلام كان أغلب مسلمى المدينة يجاهدون مع النبى عليه السلام فى سبيل الله جل وعلا بالمال وبالنفس . وقبيل موته عليه السلام رأى النبى جموع العرب تدخل فى دين الله أفواجا ، ونزل قوله جل وعلا فى سورة النصر (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً (3)). رآهم يدخلون فى الاسلام بمعناه الظاهرى أى المسالمة والسلام ، وليس بمعناه القلبى فلا يعلم غيب القلوب وما تخفيه الصدور سوى رب العزّة جل وعلا . دخلوا فى الاسلام بمعنى السلم والسلام ، ومعهم بنوأمية وغيرهم من أساطين قريش أصحاب التاريخ الطويل فى حرب الاسلام .

إختلف الوضع بعد موته عليه السلام فسيطرت قريش ( المهاجرون و( الطلقاء ) أى من أسلم بعد فتح مكة ) مما دفع الأعراب فى نجد وغيرها الى الردة ، فتوحّد القرشيون فى حرب المرتدين الى أن هزموهم . وحتى لا يعود الأعراب الى الثورة والردة فقد رأت قريش أن تستثمر طاقتهم الحربية وغرامهم بالسلب والنهب والغزو فى حرب الأمم المجاورة التى لم تحاربهم . ونسى كبار الصحابة أبو بكر وعمر وعثمان وعلى وغيرهم قوله جلّ وعلا تحريم قتال المسالمين الذين لم يعتدوا على المؤمنين :( لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) ، ونسوا أن الأمويين وغيرهم ممن دخلوا فى الاسلام مؤخرا هم الذين أخرجوا المؤمنين من ديارهم وقاتلوهم من قبل ، وممنوع موالاتهم طالما يحاربون المؤمنين معتدين ، نسوا قوله جل وعلا عن بنى أمية وغيرهم :( إِنَّمَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ (9)( الممتحنة ). الأعراب الذين لا علم لهم بحقائق الاسلام كان سهلا  إقناعهم بأن تلك الأمم المجاورة كفرة يجب قتالهم .  وبهذا قاتل العرب بكل فدائية فى الفتوحات معتقدين أنه جهاد فى سبيل الله جل وعلا. و كان بعض المرتدين السابقين أشجع الفرسان في الفتوحات ، بل إن أشجع الفرسان المسلمين على الإطلاق في معارك القادسية وفتح المدائن والقضاء على فلول كسرى كان طلحة بن خويلد الأسدى الذي ادعى النبوة في حركة الردة ، ثم عاد للإسلام بالتأويل القرشى وظل يكفّر بشجاعته وفروسيته عن خطيئة الردة ، وفق ما ترسّب فى عقليته من أن غزو تلك البلاد هو جهاد فى سبيل الله يتفانى فيه طالبا الموت تحت شعار إمّا النصر وإمّا الشهادة .!وارتكب العرب كل هذا القتل والنهب والسبى لشعوب تمتد من خراسان الى الاندلس ، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا . والآن يسير على نفس الطريق قادة الارهاب حين يقنعون الشباب ويخدعونهم بتفجير أنفسهم على أنه جهاد فى سبيل الله . إذن فقبل بذل المال والتضحية بالنفس لا بد من الوعى حتى تكون التضحية فى الخير وليس فى الشر .  

ثالثا : مراعاة التدرج وفهم الأوضاع القائمة  من أساسات الوعى

1 ـ وتدبر آيات القرآن الكريم يعطى أمثلة .  ففى السور المكية ولمدة 13 عاما كان التركيز على التعليم والتوعية باخلاص العقيدة وإلتزام الخلق السامى ، وأن تكون العبادات وسيلة للتقوى ، ومن ملامح التقوى حسن التعامل مع الناس والتزام الرقى الحضارى والأخلاقى فى التعامل الفردى والجماعى وعلى كل المستويات . ولم يأت فرض القتال مطلقا فى  السور المكية بل ظل الأمر بالكف عن رد الاعتداء ساريا بعد الهجرة للمدينة ، وتحمل المسلمون فى أول عهدهم وهم بالمدينة اعتداءات متكررة من قريش لأن الأمر بالقتال لم يكن قد أتى بعد . ثم جاءهم الإذن بالقتال يشير فى حيثياته الى تحمل المسلمين لهجوم قتالى من العدو المعتدى بينما هم ملتزمزن بكف اليد وعدم الدفاع عن انفسهم . يقول جلّ وعلا :( أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40)( الحج ). أى بدأ رب العزة بترسيخ ثقافة لااله إلا الله وثقافة الوعى الخلقى ، أى ثقافة الديمقراطية المباشرة وثقافة التفاعل الصحى فى المجتمع قبل أن تبدأ الممارسة فى المدينة ، ثم شهدت المدينة نزول السور المدنية بتفصيلات التشريعات السياسية التعبدية والأخلاقية والاجتماعية ..وغيرها ..

2 ـ تخيل لو نزل فى مكة قوله جل وعلا : (وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (36)( التوبة ) وهى فى أواخر ما نزل من القرآن وفيه الرد على تحالف المشركين المعتدين بالاتحاد ضدهم كافة . لو فرضا نزل هذا الأمر فى مكة حيث يعانى المؤمنون الاضطهاد والعذاب ، عندها سيكون تطبيق هذا الأمر ـ لو حدث ـ انتحارا جماعيا . إن تشريعات التعامل مع المعتدين تختلف حسب قوة المظلومين وضعفهم . ويجب الوعى بهذا . عند الضعف يكون التشريع هو الصبر على الاضطهاد أوالهجرة ، وعند القدرة على رد الاعتداء يكون الاذن بالقتال الدفاعى . وعند امتلاك زمام القوة يكون الاستعداد لرد إعتداء أى تحالف ظالم معتد . هذا مع التمسك بالسلام وعدم الاعتداء على المسالمين فى كل حال . لا بد من الوعى بأن لكل مقام مقالا . وبدون ذلك يقع الطرف الضعيف فى الانتحار كما يفعل الانتحاريون الذين يوصفون بالارهابيين لأنهم فى عجزهم عن مواجهة جيش العدو المعتدى يستبيحون قتل الأبرياء المدنيين.

3 ـ ولنتخيل نزول هذه الآيات فى مكة : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (62) لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذاً فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63) ( النور )، هى من أوائل ما نزل فى المدينة ، ونزلت فى الحث على حضور المجالس السياسية للشورى وعدم التخلف عنها . وكان مستحيلا تطبيقها فى مكة  حين كان المؤمنون فى اضطهاد وملاحقة وتحت الحصار.  ولكن سبق هذه الآيات فى مكة الأمر بالشورى كمجرد تمهيد نظرى لملامح المجتمع المسلم: ( وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (38)( الشورى ).

ثالثا التركيز على التغيير منذ الصغر

1 ـ الأمويون والأعراب الذين أمضوا معظم حياتهم فى حرب للاسلام تمسكا بثقافة الجاهلية ثم أضطروا لإعتناق الاسلام قبيل موت النبى لم يتغيروا ، ثقافتهم التى عاشوا عليها وحاربوا الاسلام فى سبيلها لم تتغير ، لذا سرعان ما أعلن الأعراب ردتهم بعد موت النبى ، ووجدها بنو أمية فرصة ليستعيدوا صدارتهم بالوقوف الى جانب بنى عمومتهم القرشيين المهاجرين ، وبعدها قفزوا للحكم باسم الاسلام فإعادوا المسلمين الى ثقافة الجاهلية تحت شعر الاسلام . طول معايشتهم لثقافة الجاهلية وطول معايشتهم قرونا لما وجدوا عليه آباءهم كان هو الأساس الراسخ والذى عاشوا عليه طفولتهم وشبابهم وكهولتهم ، أما الاسلام الذى إعتنقوه بضع سنين فى حياة النبى فكان شيئا عارضا وسهلا محوه من قلوبهم .

2 ـ نفس الحال ينطبق على منافقى المدينة ، وقد كانوا فيها الملأ المتصدر قبل الهجرة . فسببوا المتاعب للنبى والمؤمنين معه . ليس فقط لأنهم  أسسوا لهم زعامة وقيادة قبل هجرة النبىوالمؤمنين الى المدينة فلما حدثت الهجرة فقدوا تلك الزعامة وتلك الصدارة بالوضع الجديد ، ولكن أيضا لأنهم أمضوا شبابهم وكهولتهم وقد إعتادوا على ثقافة الجاهلية فأصبح صعبا عليهم التخلّى عنها ، وهذا شأن الانسان عادة بعد أن يتجاوز الخمسين من عمره واعتاد على موروثات وعادات وتقاليد أصبحت لديه دينا أرضيا ملزما .

3 ـ لذا يكون صعبا أو متعذرا أو مستحيلا تثقيف الانسان بثقافة الديمقراطية بديلا عن ثقافة العبيد ، وأن يتثقف بالفاعلية والتفاعلية والمشاركة الايجابية فى المجتمع مستعدا للتضحية فى سبيل الخير ، بدلا من ثقافة الخمول والخضوع والسلبية و ( الأنا مالية ـ من العبارة المصرية المشهورة : وأنا مالى ؟ ).

4 ـ هناك من يبلغ الخمسين والستين بل والسبعين وتكون لديه قابلية للهداية والتفاعل الايجابى بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر لأنّه يكمن فى قلبه استعداد داخلى لم يجد طريقه للتعبير والظهور  ، فلما جاءته الدعوة رحّب بها لأنه كان يعايشها من قبل فى ضميره متمنيا ، وكان ينظر لما حوله متألما . أما من يمضى معظم عمره فى الصّد عن سبيل الله والظلم والفساد والاضلال والافساد فلا يمكن أن يتغير ، ولو أرغمته الظروف فسيضطر الى مجاراة الوضع الجديد نفاقا حتى يجد الفرصة ليتآمر ويدمّره من الداخل . 5 5ـ التثقيف يبدأ مع الطفل والشباب فى مرحلة التعلم والاستيعاب . وتأتى المتاعب عادة من كبار السّن ممن تشبعوا بثقافات الاستبداد والتخلف والتسلط وتكونت لهم مصالح لا بد لهم أن يدافعوا عنها ويكون الاصلاح عدوا لهم .وأولئك يجب مداراتهم بالتى هى أحسن ، فهم الى زوال بحكم السّن ، هم جزء من الحاضر ويمثلون الماضى. أما الشباب والأطفال فهم الجزء الأكبر من الحاضر وهم وحدهم أصحاب المستقبل.

ثالثا : الجمع بين التغيير الأفقى والتغيير الرأسى معا 

ولكنّ هذا لا يعنى مطلقا إهمال تثقيف الكبار . إن التغيير الرأسى هو مع تثقيف الأطفال والشباب ، بينما يكون التثقيف الأفقى هو شموليته للمجتمع كله . فالتركيز فى العمق بتوعية وتعليم الطفال والشباب لا يعنى الاهمال التام لكبار السّن والشيوخ ، فأولئك ينالهم نصيبهم فى الدعوة الأفقية التى تشمل المجتمع بأسره من خلال وسائل الاعلام والاتصال والمساجد والكنائس والنوادى والمقاهى ..لو نجح التركيز فى العمق مع الأطفال والشباب مع التركيز الأفقى فى النشر العام للوعى فسيتم تصنيع الانسان ليكون متفاعلا بالخير فينجو المجتمع من الاستبداد والفساد ..ومن الهلاك .

اجمالي القراءات 14276