الجزء الثاني من طاووس وكابوس وجاموس

محمد عبد المجيد في الخميس ٣١ - مايو - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً


حديث يُسري فودة مع حمدين صباحي رفع ضغط دمي المرتفع أصلا، وزاد علامات الاستفهام في رأسي أضعافاً مضاعفة!

أحيانا أطرح سؤالا ليس له غير إجابة واحدة: هل هناك نوع من أنواع الصمغ السوداني تفرزه أمخاخ سياسيينا، ومحللينا المنتفخين خيلاء وغروراً؟

كانت الفرصة أمامهم تفتح ذراعيها لاحتضانهم في أي وقت وأي مكان، فركلوها، وطمع كل منهم في سجاد أحمر يغرز فيه حذاءه الأسود وهو يستقبل ضيف مصر الكبير، والآن يكفكف كل ضيف منهم دموعه على الشاشة الصغيرة، ويطلب التعاون مع الآخرين لتأسيس قوة ضاربة تصل إلى السلطة ولو بعد حين!

يقرؤون التاريخ وتأتيهم غفوة نوم وهم لا يعلمون! يتابعون الأحداث لكنهم منشغلون بأنفسهم فلا يستخلصون عِبرة واحدة من أي حدث مهما صغر. يستمعون إلى سبعين من ضيوف الفضائيات في تحليلات غريبة كأنهم من أهل الكهف جاءوا لتوّهم إلى ماسبيرو، ثم لا يستوعبون حرفاً واحداً مما سمعوا أو .. شاهدوا!

سرقوا الثورة وأهدوها لاخواني وفلولي، تركهما المشير يحلمان أسبوعين آخرين قبل أن يصفع الجنرالات أحدهما، ويبقى في السلطة من يذيق المصريين أضعاف ما أذاقهم مبارك.

عندما ينجح الفريق أحمد شفيق فلن يستطيعوا أن يخرجوا من بيوتهم قبل أن يستأذنوه، وربما لن يتمكن أحدهم أن يدخل الحمّام قبل أن يسمح له ولي الأمر .. الفريق!

ما هو الحل؟

السؤال في حد ذاته إهانة لمن كان له سمع وبصر و .. عقل، فليس هناك غير طريق واحد، وكل الطرق الأخرى مسدودة، ومغلقة، ومن ينتهجها فقد عرف الطريق إلى الجحيم.

التصويت لمحمد مرسي حماقة لأن المشير والمجلس العسكري والنائب العام وكل قوى الفلول لن يرضوا بالجماعة فوق رؤوسهم، وبالتالي فإن التصويت لممثل الإخوان المسلمين يعني منح شرعية شعبية للفريق أحمد شفيق والمخلوع وغير المخلوعين من سارقي الثورة، فمن يلعب إلى النهاية مع الكبار، لا يحق له الشكوى أنهم راهنوا على ملابسه الداخلية.

التصويت للفريق أحمد شفيق له ميزة كبرى، وهي اختصار الوقت يوم القيامة في قراءة كتاب يلقاه الناخب منشورا، لأن الكتاب سيكون كله ملطخاً بالسواد، ولن يحتاج صاحبه لدخول الجحيم غير زمن أسرع من طرفة عين.

أما أقباطنا الذين سيصوّتون لأحمد شفيق فإن أرواح شهداء مصر من الأقباط ستطاردهم في النوم واليقظة ما بقي لكل ناخب فيهم من عمر!

ماهو الحل؟

مليونية عادية في ميدان التحرير لن يخرج فيها غير بضعة آلاف من المتكاسلين الغاضبين لأن الشعب كله يرغب في الذهاب بسعادة غامرة إلى صندوق الانتخاب، والتصويت، وانتظار النتيجة، ثم تأتي ضربة على القفا من أحمد شفيق، وينسدل الستار على أطهر وأجمل ثورات العصر.

الحل الوحيد .. الوحيد الذي لا أرى غيره هو مؤتمر صحفي يعقده المرشحون العشرة، مع افتراض رفض عمرو موسى بحُكم أنه فلولي، لكنه قد يراجع نفسه انتقاما من أحمد شفيق.

الدعوة في هذا المؤتمر إلى أم المليونيات( مليونية رفع الأحذية القديمة ) يرفض خلالها المصريون والثوار والغاضبون وأيضا الحمقى الذين أساءوا الاختيار التالي:

لا انتخابات مع أحمد شفيق.

مطالبة النائب العام باعتقاله، وإلا فإنه، أي النائب العام لم يعد يصلح لعصر الثورة.

موافقة محمد مرسي على إعادة الانتخابات، فهو راسب لا محالة في الامتحان الأخير لأن وضع الدرجات النهائية ينبغي أن تكون ممهورة بتوقيع المشير، وكل هؤلاء دُمى تتحرك، وبعدما تؤدي دورها في مسرح العرائس يتم التخلص منها.

إعادة الانتخابات مرة أخرى مع تبديل اللجنة العُليا المقدسة، ومن الأفضل نائب عام جديد وغير فلولي.

في هذا المؤتمر يحدد المرشحون للرئاسة الذين رسبوا، وبكوا، ولطموا وجوههم على ما فرطوا في حق أنفسهم، وعلى موافقتهم الهزيلة والحمقاء بدخول انتخابات يتساوون فيها مع عمرو موسى وأحمد شفيق، ويتم الإعلام عن يوم ( مليونية رفع الأحذية ).

أتوقع أن يعترض الإخوان المسلمون لأنهم يعيشون في وهم الغطرسة والعنجهية، ويغمضون العين عن مشهد مستقبلي عندما يسقط مرشحهم أمام الفريق، ثم يتم حل مجلس الشعب، وبعد ذلك تجرى انتخابات برلمانية أمام أحذية العسكر وعودة الفلول إلى المناصب العليا، وتحديد النسبة المئوية لأعضاء البرلمان وفقا لمساحة السُخرة والعبودية التي يوافقون عليها.

قطعا فإن الحل الذي أراه أنا مرفوض لأن معظم القوى السياسية في مصر تزعم بكبرياءٍ أن لها الكلمة الفصل وهي تحني جسدها خضوعا، وتصيح دفاعا عن كرامتها وهي تُعرّي ظهرها لسوط السلطة.

أيام معدودة قبل أن ندخل قفص الفئران، أو نستنشق عبير الحرية من جديد، ولكن في هذه الحالة فإن نجاح الثورة مشروط باعفاء كل من عمل بالقرب من مبارك لأكثر من عامين.

أيام قليلة قبل أن يعلن الفريق شفيق تحريم الحديث عن ( ثورة العيال) كما سيطلق عليها لاحقاً، أو أن نتقي اللـه في مصرنا ويستجيب المصريون لدعوة كل الخائبين والساقطين في الانتخابات الرئاسية الذين خذلوا الشعب المصري بانخراطهم في عملية عبثية مع عمرو موسى وأحمد شفيق، وتشرق سماء أم الدنيا بأم المليونيات .. ويفهم كل وغد أن الحذاء القديم هو لغة الثورة الطاهرة.

محمد عبد المجيد

طائر الشمال

أوسلو في 30 مايو 2012

 

طاووس وكابوس وجاموس و .. أحد عشر متواطئاً


أما الطاووس فكان وزير خارجية الطاغية مبارك لعشر سنواتٍ شهدت انحدارَ الدبلوماسية المصرية، وعندما غادرها جاء أحمد ماهر ليكتشف أن عمرو موسى قام بتعيين مريديه ومعارفه في سفارات مصر المهمة طمعاً في أن يحيط بالاثنين معاً: الخارجية المصرية وجامعة الدول العربية.
وأما الكابوس فيتوارى خلفه المخلوع كأنه خيالُه أو عفريته أو خنجره المختفي وراء ظهره، ويفتخر أمام ناخبيه بأنَّ مثله الأعلى حسني مبارك بكل دراكيوليته المفزعة، وتلميذ الشيطان قد يضاعف بقسوته جينات ورثها أو اكتسبها أو تعلــَّــمها، وبشار أشد غلظة من حافظ الأسد، وجان كلود أعفن من فرانسوا ديفالييه، ولو عاش عُدِيّ لتفوّق على صدام حسين، وسيأتي الوقت الذي يترحم فيه المصريون على أنياب مبارك عندما يغرز الفريق أحمد شفيق في أجسادهم أظافرَه.
وأما الجاموس فيغطــّـون وجهه لئلا يصيبه الدوار وهو يجر الساقية، فيظن نفسه في سباق له خط نهاية كطوابير الانتخابات الرئاسية، ثم يعرفون لاحقاً أن عــَـصابة سوداء من قماش سميك تم لصقـُـها فوق عيون لا ترىَ وهي مفتوحة، فماذا لو كانت معصَّبة؟
وأما الأحد عشر متواطئاً فجريمتهم هي أم الجرائم بدون مفاضلة بينهم، الناصري والينايري والمارق عن الإخوان والإسلامي والأمني و ....
كانوا يعرفون أن المنافسة غير شريفة حتى لو قام ملائكة مسوّمون على كل صندوق اقتراع لحمايته، فالفلوليان قفزا فوق الأخلاق والقانون والثورة وكل القيم النبيلة والسامية، وبدلا من أن يكونا في زنزانة باردة بها جردل أصفر باهتٌ لونُه لقضاء الحاجة، ترشــّـحا نيابة عن المخلوع، وركلا كل أبناء النيل في مُنتهى مجراه على مؤخراتهم. أما الدولة والمجلس العسكري ومجلس الشورى والقضاء( النزيه!) والنخبة والصفوة وقِرَدة الإعلام ورجال العدالة وحُماة القيم في المؤسستين الدينيتيـّـن، الأزهر والكنيسة فصفقوا للمسرحية .. المذبحة!
جريمة الأحد عشر مرشحاً للرئاسة تستحق نورمبرج أخلاقية ليجيبوا على السؤال الأهم: ألم تعرفوا أن الثاني عشر والثالث عشر مشتركان، ومتواطئان، وتلميذان، ومنتـَـجان طـِـبـْـق الأصل لقاتل أولادكم، ومنتهك حرماتكم، ومغتصب بناتكم، ومعذب شبابكم، وفاقئ عيون درة فلذات أكبادكم؟
أفهم أن شهد السلطة لا تعادله حلاوة ولو كانت حلاوة الإيمان في القلب، لكن أن يصل الغدر وحلم سيادة القصر بكم إلى الصمت والخنوع والسكوت فتدخلون سباق الترشح مع أهم تلامذة المخلوع طمعاً في صوت الناخب، وثقة في النزاهة الوهمية، وإيماناً بواقع حُكم المجلس العسكري فأحسب أنكم تستحقون مئة جلدة على مؤخرات عارية وفي قلب ميدان التحرير وبكرباج مليء بمسامير صغيرة!
لماذا لم يتكاتف الأحد عشر متواطئاً، لو كانوا مخلصين، بالدعوة إلى عشرين مليونية في كل ميادين مصر الحرة لرفض عمرو موسى وأحمد شفيق، على الأقل ليصبح صوت الناخب حلالاً في الدنيا والآخرة رغم أن المجلس العسكري لم يكن ليسمح لأيٍّ منكم أن يصبح رأسُه أعلى من رؤوس الجنرالات!
كتبت عشية الانتخابات في مقال لي بعنوان ( حوار بين المشير والسفيرة الأمريكية ) وانتهيت فيه إلى أن هناك إعادة بين محمد مرسي وأحمد شفيق، وظن كل من يعرفني أن صاحبه مجنون، فقد اخترت مَنْ أجمع كل المحللين في مصر أنهما سيحصلان على أقل الأصوات، ولم أكن أكثر ذكاء من غيري، لكن المشهد بتفاصيله كان يشي بهذه النتيجة ولو استضافت الفضائيات كل نجوم الشاشة الصغيرة الذين صدَّعوا رؤوسنا بنتائج استطلاعات لا تقنع طفلا من أطفال شوارع القاهرة قضى حياته تحت كوبري أو في موقف سيارات.
الناخب المصري يبتسم وهو يدخل المصيدة، وينظر بخيلاء وهو يدلي بصوته كأن المشير همس في أذنه باسم الفائز بالرئاسة، ويظن الناخب أنه صاحب الكلمة الفصل، ويقسم لكَ أنها انتخابات نزيهة لأن الفضائيات دخلت عشرين دائرة إنتخابية، ونام في ألف من الثلاثة عشر ألف لجنة مندوبون عن الإخوان وبعض المرشحين الآخرين!
لم يدر بذهني قط أن أفاضل بينهم، وأتمنى نجاح أحدهم، فالأحد عشر متواطئاً تلوثوا بدماء من كان مبارك مثلهما الأعلى، وأنا لست مع الترشح أو مع عدم الترشح، وأنا مناهض للتصويت وأيضا ضد عدم التصويت، لكن الزمن توقف بي عند الحادي عشر من فبراير عام 2011، وكل مؤسسة عسكرية او برلمانية أو أمنية أو رئاسية أو قضائية أو إعلامية لا تمثل لي غمسة بعوضة ما لم تكن مَطالبُ الثورة على رأس أولوياتها.
ومضى عام ونصف العام والدولة كلها متواطئة ضد الثورة، ورجال مبارك يرتعون، ويعملون في البزنس، ويديرون رؤوس أموالهم كما يديرون رؤوسهم، وسوزان مبارك مبرئة تماما من جرائم زوجها وولديهما رغم دورها المسموم في التوريث والصمت ومساندة القتلة.
عام ونصف العام وسارقو الثورة يلتهمونها أمام الشعب، ويعيدون انتاج النظام العفن، ويحتفظون بعدة آلاف من أبناء شعبنا في سجون مبارك الجديد، ويخفون تحت حمايتهم كل القتلة وقناصة العيون والبلطجية وأصحاب السوابق، ومع ذلك فشعبنا يقف في صفوف طويلة مبتهجاً بديمقراطية العسكر، وواثقاً أنه سيُحسن الاختيار كما فعل مع انتخابات مجلس الشعب التي وضعت لنا تحت قبة البرلمان فضيحة بكل المعايير.
النخبة والصفوة وبائعو الكلام ومنسقو التعبيرات الفضائية والضيوف ذوو ربطات العنق قرروا، ولو عن غير قصد، تضليلَ الشعب، فازدادت الحيرة، وخرج الدكتور البرادعي، كالعادة، من مطار القاهرة الدولي دون أن يوجه عُشّاقه ومريديه، وكان على يقين من أن عودته بعد انتهاء ( مولد سيدنا الريّس) ستحمل أتباعه على اعتبار كل سكناته وحركاته وسفره وقعوده عبقرية لا مثيل لها.
لم يكن الأمر في حاجة قبل الانتخابات بوقت طويل لشعرة ذكاء لنعرف أن هناك إعادة، وأنها ستكون بين محمد مرسي وأحمد شفيق.
يسألني الكثيرون عمن أتمنى أن يحكم مصر من بين ممثل أيمن الظواهري وتلميذ حسني مبارك، فيزداد غضبي لأنني لست مشاركاً في التواطؤ على شعبنا، ولم أتمنى واحداً من الثلاثة عشر، وأن تقزيم وتحجيم وتصغير وتحقير مصر ليس من شيمتي، فمصر العريقة أكبر منهم مجتمعين أو منفردين.
يدخلون السباق خلسة، ويراهنون على لون الحصان وليس على قدرته، وفي النهاية يطلبون مني أن أختار بين حصان سيتحول إلى ذئب، وبين حصان سيصبح ضبعاً!
كلنا قتلة، ومتواطئون، وجبناء، وساذجون، وصامتون على انتهاك كرامتنا، وضاربو المثل للعالم كله أننا أحمق ثوار فيغضبون، وينتصرون، وعندما يتحدث العالم عن بطولتهم، يقدمون كأس الفوز لأوفى رجال السفاح المخلوع.
أيها المصريون،
لمن بقي في كرامته بعض الروح قبل النزع الأخير، قوموا إلى صلاتــِـكم، يرحمكم الــله، وصلاتــُـكم، ويتساوى فيها المسلم والقبطي، لا تجوز إلا في ميدان التحرير وميادين مصر كلها، ومطالب الثورة تعرفونها كما تعرفون أبناءكم، وصلاتُكم مشروطة برفع خمسة ملايين حذاء قديم في الهواء، وبرفض أي شعار آخر غير الهوية المصرية.
ولأن الفلول والعسكر والإسلاميين والمتغطرسين والواثقين أن صوتهم في صناديق الاقتراع معصوم من الخطأ، فإن الاستجابة لندائي ستجد آذانا صمّاء كما وجدتْ طوال سنوات مريرة.
أو قدّموا مصر على مذبح السذاجة والمصلحة والطائفية وقداسة الزعماء وكراهية الآخر وذبح ثورة جاءت لتحريركم، فأعطيتم لخصومها السلسلة والرقبة لاستحماركم ثلاثة عقود جديدة.
قفوا في صفوف طويلة من حلايب إلى الإسكندرية، واجلسوا بعدها فوق صناديق الاقتراع بعدما تصوّتوا لحلمكم القادم بين اثنين يمسك كل واحد منهما كرباجَه الخاص، ولكن الكلمة الأخيرة والفصل هي للمشير والمجلس العسكري بموافقة ضمنية أو صريحة من النائب العام ومجلس الشعب ومجلس الشورى والمجلس الاستشاري والجنرالات والنخبة والصفوة ومبرري جَلــْـد الشعب الباحث عن فرعون جديد.
الثورة سيستردها أبناؤها بخمسة ملايين حذاء قديم في مشهد بديع وحر ومصري ومستقل يجعل الدنيا تشهق شهقة الدهشة على قدرة شعب مصر على التمسك بثورته ووطنه.
خمسة ملايين حذاء قديم ترتفع في الهواء في يوم واحد، ولحظة منفردة تشرق فيها أم الدنيا.
أو عشرون مليونا من السلاسل الغليظة يوم الإعادة، نستمتع بلفها حول أعناقنا، ثم نهيل التراب على ثورتنا.
لا أظن أن هناك خياراً ثالثا بين الـله و .. إبليس، فاختاروا بين العلي القدير في ميادين مصر كلها، أو الشيطان في صندوق الانتخاب!

 

اجمالي القراءات 8841