أولا :
1 ـ مسكين ذلك المصرى قليل البخت،قليل البخت في الدنيا ، وفي الآخرة أيضاً.! يتحمل ظلم الحاكم ويهتف له ، ولا يجد له عند الحاكم فى مقابل ذلك إلا الاستهانة والنكران ، ويقوم المصرى المسكين بالرد على ذلك بطريقته الخاصة ، يستغيث بالأولياء والصالحين أو ما يسميهم " بأهل الله " ويقف أمام الأضرحة والقبور المقدسة يطلب منهم رفع الأذى ، وربما كتب مطالبه فى ورقة ورسالة وأودعها عند الإمام الشافعى أو عند "السيدة "فهى "رئيسة الديوان " "وأم العواجز" و" ندهة المنضام " .
2 ـ والمصرى حين يفعل ذلك يعيش على وهم كاذب بأن الظلم سينقشع ، ويكتفى بالأمل وينشد مواويل الصبر ،ويأمل أن يقوم الصبر بحرق الدكان طبقاً للمثل الشائع ، ولكن يظل الدكان عامراً بالظلم ،فييأس المصرى من الدنيا ويتمنى أن يكون صاحب حظ في الآخرة ، إذ ليس معقولاً أن يكون قليل البخت في الدنيا والآخرة ،ولكنه لايعرف أنه أضاع نفسه فى الآخرة أيضاً حين استغاث بغير الله ، وحين طلب المدد من الموتى الذين صاروا تراباً ، وحين قال عن الأولياء الذين يقدسهم أنهم " أهل الله " !!
2 ـ هل لله تعالى أهل ؟ إن الأهل هم الزوجة والأولاد ، فهل يصح أن يقال ذلك على الله تعالى وهو الأحد الصمد الذى لم يلد ولم يولد ولم يكن له كواً أحد ؟ ! !
لقد حفلت عشرات الآيات في القرآن الكريم بنفى أن يكون لله تعالى ولد ، والله تعالى يقول" بَدِيعُ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (101) ( الأنعام ) والصاحبة هى الزوجة ، والله تعالى يقول عن ذاته " وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَداً (3) ( الجن )
ومع أننا نقرأ هذه الآيات كثيراً، ومع أننا ننفى باللسان أن يكون لله تعالى ولد أو زوجة أو أهل إلا أننا نقف أمام الأضرحة المقدسة نستغيث (بأهل الله ) ونهتف قائلين: (مدد يا أهل الله )، ونعتقد أن لهم تصريفاً وجاهاً وتحكماً في ملك الله ،ونخدع أنفسنا فلا نطلق عليهم لقب الآلهة ، مع أننا نصفهم بصفات الآله الواحد جل وعلا ونعتبرهم (أهل الله ) الذين يتحكمون في الدنيا والآخرة .. ومن يدعى العلم والمعرفة من الصوفية فيقول أن( أهل الله) هم المتحكمون فى الباطن ، أما حكام الدنيا فهم أصحاب دولة الظاهر، وعلى هذا فالمصرى المسكين ضائع بين أهل الباطن وأهل الظاهر ، تظلمه الحكومة فى الظاهر ، وتخدعه مملكة أهل الباطن بمشايخها واعوانها المستفيدين من الأضرحة والقائمين على صناديق نذورها، وبين أولئك وأولئك يفقد المصرى أمواله وكرامته ودنياه وآخرته.
3 ـ وإذا أردت أن ترى الخشوع على حقيقته فانظر إلى المصرى وهو يقف أمام مقصورة الضريح المقدس ... إنه يؤدى صلاة كاملة ، يقف خاشعاًقانتاً كأنه يقف أمام الله تعالى يصلى ، ثم تراه في تلك الوقفة أمام الضريح يقرأ الفاتحة، ثم يركع بأن ينحنى يقبل زجاج المقصورة ويتنسم عبيرها المقدس، ثم يجلس ليلمس و(يبوس الأعتاب )، والمثل الشعبى يقول " إللى يبوس الأعتاب ما خاب!!" ، ثم يجلس وقد أسند رأسه للمقصورة يشكو حاله ، وهو يعتقد بأن المدفون في الضريح يعلم ما في خلجات نفسه ، وقد يتلو القرآن في جلسته ويتهجد بالأوراد . إذن هى صلاة كاملة وعبادة تامة ، فيها القيام ،والركوع والسجود والجلوس للتشهد ، وفيها الفاتحة وقراءة القرآن والدعاء والاستغاثة .
4 ـ والفارق الوحيد بين صلاة المصرى لله تعالى وصلاته أمام الضريح أن المصرى حين يصلى لله الصلوات الخمس فإنه يشغل عقله بكل شئ عدا الصلاة وتنطلق أفكاره حول كل شئ وربما فى المعاصى ، ويكتفى بآداء الحركات في الصلاة وينطق الفاتحة والتكبير والتسبيح والتشهد كأنه آلة دون أن يعقل شيئاً مما يقول ، أما حين يقف ضارعاً متوسلاً أمام الضريح فهو يقرأ الفاتحة في خشوع ، وينهال تقبيلاً وتقديساً على زجاج المقصورة وقماش الضريح ، ودموعه تسبقه وقلبه ينتفض وجوارحه ترتعش ، وخوفه هائل وأمله في صاحب الضريح عظيم ..! ! وبعدها يعود وقد أحس بالراحة والإنشراح واعتقد أن الفرج قريب .
5 ـ ومع ذلك فالظلم باق ومستمر ومنتشر ... لأن المصرى – وهو المظلوم – قد ظلم رب العالمين حين وقع في الشرك وعبادة الأولياء والأضرحة، وليس مهماً إن كان يفعل ذلك بحسن نية وعن طيبة قلب ، لأن الطريق إلى الجحيم مفروش دائماً بالنوايا الحسنة ... وكان يكفى المصرى أن يقرأ القرآن بعلم وتعقل وتدبر ليتأكد أن الشرك ظلم عظيم .
ثانيا :
1 ـ نشرت هذا المقال فى جريدة ( الأحرار ) من عشرين عاما. ولا تزال الأضرحة عامرة بروادها ، وستظل عامرة بروادها لأن ابليس يخدع كل جيل بعبادة الأحجار من تماثيل مقدسة ( أصنام ) وقبور مقدسة ( أنصاب ) .
2 ـ وبعض الصحابة الذين إجتمعوا حول خاتم النبيين وصار إسمهم الذين آمنوا ـ أى بالايمان الظاهرى بمعنى الأمن والأمان والمسالمة والسلام ـ كانوا يؤمنون بالأضرحة أو بالأنصاب ، وبمتعلقاتها من الأزلام أو الزعم بعلم الغيب ، وكانوا يؤدون القرابين للأنصاب أو القبور المقدسة فحرّم الله جلّ وعلا الأكل مما يقدم نذرا من طعام للقبر المقدس وما يتم ذبحه عليه من أضحيات فقال جلّ وعلا : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالأَزْلامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ )(3) ( المائدة ).وواضح أن سورة المائدة من أواخر ما نزل فى المدينة قبيل وفاة النبى عليه السلام ، لأن فى هذه الآية يقول جل وعلا: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً )(3)( المائدة )وفيها يقول جل وعلا للمؤمنين الصحابة ينهاهم عن شرب الخمر ويأمرهم باجتناب الذهاب للأضرحة وتقديسها : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) ولم ينتهوا ، يقول جل وعلا لهم : (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ (91) ولم ينتهوا ، فأمرهم بطاعة الله ورسوله وإلّا فما على الرسول إلا البلاغ : (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (92)( المائدة )
هذا كان حال بعض الصحابة وهم حول النبى ، وقد نجح ابليس فى السيطرة على بعضهم فظل متمسكا بتقديس الأنصاب وشرب الخمر .. ثم فيما بعد نجح ابليس فى جعل الأجيال الآتية من (المؤمنين ) يقدسون الصحابة أنفسهم من خلال أحاديث منسوبة اليهم بعد وفاتهم بقرون !..
3 ـ ويوم القيامة سيقول رب العزة لبنى آدم : (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60) وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (62) ( يس )، أى ظلّ ابليس يخدع كل جيل نفس الخدعة ، ويجعلهم يعبدون الحجارة ويؤلفون أحاديث ويقدسونها ، وسيظل ابليس يخدعهم بأحاديثه وأحجاره وأساطيره من جيل الى جيل حتى قيام الساعة ، وبنو آدم أكثرهم لا يعقلون ، يعبدون ابليس وهم لا يشعرون .!
ويوم القيامة سيتبرأ منهم ابليس ويسخر منهم وهم معه فى جهنم : ( وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلاَّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِي مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (22) ( ابراهيم )
4 ـ يخرب بيتك يا ابليس .!! إيه العبقرية دى .!!