صراع الانسان مع الكثبان
زحـــف الرمـــــال

محمد عبدالرحمن محمد في الإثنين ٢٨ - مايو - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

 {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ }الأنعام59

الرمال الزاحفة والأنظمة الكاذبة الراجفة  تهدد حياة الانسان وتبطئ العمران بالوادي .. غير أن الرمال أكثر رحمة بالانسان فيمكن ترويضها ,, هل ترى يمكن ترويض الأنظمة المستبدة؟

هذا بمناسبة انتخابات الرئاسة بمصر في مايو 2012م

ونبدأ بأهمية دراسة الآثار التي تترتب على زحف الكثبان الرملية على العمران.

    إذا كانت السهول الرسوبية والمراوح الفيضية هى البيئة المناسبة لانشاء القرى والمحلات العمرانية، فإن حقول الكثبان الرملية الكبيرة والكثبان الانفرادية المهاجرة تعتبر غير مناسبة كمناطق استيطان لأن تحرك هذه الكثبان تعتبر من أهم المشكلات التي تواجه تعمير الصحراء.

ليس فقط التعمير والعمران بل حتى التنقل عبر الطرق الممهدة التي تحوطها الكثبان الرملية أوتهاجمها قاطعة الطرق على المسافرين مهددة حياتهم بالخطر الشديد.. إن لم تكن هناك وسائل الأمان التي تمنع مخاطر تلك الرمال الزاحفة المتحركة .. التي تكتسح كل شيء وتطمس معالمه..

ليلة أول  أمس 27 مايو 2012م انقلب اتوبيس شركة الوجه القبلي للنقل والسياحة على طرق القاهرة الفرافرة بسبب  زحف الكثبان الرملية على طريق الأسفلت..

 ورحمة من الله تعالى لم يصب أحد الركاب اصابات خطيرة.. كذلك كنت في ورك شوب عن الباسيك لايف ساببورت.. في المديرية بالعاصمة الخارجة وهاجمتنا عاصفة رملية خطيرة جدا .. مكتسحة الحافلة الخاصة التي كنا نستقلها  وانطمست معالم الطريق تماما أمامنا وكادت العاصفة من هولها أن تقلب السيارة لولا طلبنا من السائق أن يتوقف تماماً وكنا في غاية الرعب . أن تأتي سيارة من الخلف وتصطدم بنا  فقد انعدمت الرؤية تماماً ويمكن أن  تكون هناك خسائر في الأرواح..  ولولا فضل الله ما كنا نجونا من ذلك.

 إن مشكلة الرمال المتحركة أو الرمال الزاحفة والطائرة .. هى من مخاطر السير أو الاقامة بالصحاري والواحات المصرية.. وخصوصاً إذا انعدمت وسائل الأمان ومعايير السلامة في التخطيط الحكومي والأهلي لمواجهة مثل هذه الأخطار.

 ويقع بحر الرمال الأعظم إلى الغرب من منخفض الفرافرة في مساحات هائلة من الرمال والكثبان الرملية المتحركة، وتصل مساحته إلى مائة وخمسون الف كيلو متر مربع، أي مايزيد عن 1/7 مساحة مصر الكلية.. وتتوزع الكثبان الرملية على شكل سلسلتين تتحرك رمالهما في اتجاه الرياح  السائدة من الشمال الغربي إلى الجنوب الشرقي، وتؤثر تأثيراً مباشراً على العمران ومناطق استصلاح الأراضي.. ويمكن اعتبار خط سير السلسلة الشرقية في بحر الرمال هذا بمثابة حاجز طبيعي  يقف كعائق أمام انتشار المراكز العمرانية جهة الاتجاه الغربي.. ومن أهمها الفرافرة وأبو منقار.

وتؤثر السلسلة الشرقية المتفرعة من هذا البحر الأعظم للرمال  والمعروفة باسم غرد أبو المحاريق.. والبادئة من شمال شرق  الواحات البحرية  والمتجهة جنوبا على عمران وطريق الخارجة ... وتؤثر السلسلة الغربية والتي تبدأ من جنوب الفرافرة والمتجهة نحو الجنوب  على العمران في الداخلة مثل الموشية والجديدة (والقلمون) وهى مسقط رأس ــ عالم مصر في طب وجراحة العيون الراحل الدكتور/ سيد سيف. رحمه الله تعالى . وتمر السلسلة الغربية غرب مدينة موط عاصمة الواحات الداخلة، ويتضح من خلال الدراسات الجيومورفولوجية أن هناك صلة قوية بين التركيب الجيومورفولوجي وبين توزيع وانتشار مراكز العمران، ويظهر الارتباط بين المنخفضات كأحد هذه الظواهر  وبين نشاة وتوزيع العمران.

 وهناك عدة مناطق عمرانية قديمة وجديدة تأثرت بهذه الكثبان،  ومنها في منخفض الخارجة قرية (جناح) نسبة إلى (محمد علي جناح) زعيم ومؤسس باكستان الشرقية ، والزحف المستمر للرمال على المساكن والمزارع في هذه القرية بالدرجة التي أجبرت أهلها  على ترك مساكنهم  واتجاه نمو القرية العمراني باتجاه الجنوب إلى أن اضطروا للتخلي عنها في عام 1975م  وبناء مساكن لهم على بعد اثنين كيلو متر جنوب شرق الموضع القديم، وإن كان ذلك غير آمن أيضاً من زحف الرمال.!!

 وتمثل هذه القرية مسرحاً للصراع المستمر بين الانسان والطبيعة القاسية المتمثلة في زحف الرمال، وحدث كذلك  في قرية (الجزائر)  وهى من العمران المعاصر وتابعة للواحات الخارجة.

ويتضح سوء اختيار الموقع لتأسيس هذه القرية المعاصرة منذ عهد عبدالناصر.. وذلك لوجودها جنوب سلسلة من الكثبان  التابعة للنطاق الأوسط والذي يمتد بطول عشرة كيلو مترات.. من جنوب عارف وحتى الجزائر..

ويتوقع الباحثون أن يكون لها نفس مصير جناح.. ويرى الدكتور عبدالمنعم حنفي ضرورة وضع خطة لنقل موضع  قرية الجزائر  بعيداً عن مسار هذه السلسلة من الرمال..

وكذلك قرية (بولاق) التي تقع جنوب الخارجة بين سلسلتين من الكثبان ضمن القطاع الأوسط المتجه من الشمال إلى الجنوب.. ويتضح ذلك من أن أقدم أجزاء بولاق  يتكون من بيوت قديمة ومهجورة  طمرتها الرمال في شمالها الغربي ، وزحف الرمال يتعدى المساكن للأراضي الزراعية والآبار مثل زمام بئر بولاق 8  الذي يتعرض لزحف الرمال من الجهة الشمالية، وقد طغت الرمال على ما لا يقل عن 15% من مساحة زمام البئر وكذلك يتهدد زمام بئر 10 وبولاق6  بمرور سلسلة رمال بطول 2,5 كيلو متر وعرض 400 متر.

  وفي منخفض الداخلة تأثرت كذلك بعض المحلات العمرانية وخاصة الواقعة غرب المنخفض لقربها من سلسلة النطاق الغربي المتفرعة من بحر الرمال الأعظم جنوبي الفرافرة.

ونجد أن الحدود الغربية لمدينة الداخلة(موط)  هى سلسلة البرخانات من الرمال المتحركة والتي تعترض امتداد المدينة العمراني وتتسبب في ايقاف هذا الامتداد.

  وقد تحكمت سلسلة الكثبان الرملية هذه في توجيه اتجاهات نمو المدينة نحو الشرق والشمال الشرقي..  عندما قامت لجنة لتحديد موقع بعض البنايات السكنية كنواة لإنشاء حي متكامل في عام 1975م  ورأى البعض ضرورة تعمير مدخل المدينة  من ناحية طريق المطار وهو طريق شرق العوينات من الجنوب الغربي .. واستطاع وقتها الدكتور عبدالمنعم حنفي إقناع أعضاء اللجنة بخطورة هذا الموقع نتيجة تعرضه لزحف الرمال لوقوعه في مسار زحف الكثبان.. ولذلك تم تغيير الموقع إلى شرق الكتلة السكنية القديمة. ترى لو لم يستطع هذا العالم الدكتور.. إقناع تلك اللجنة الحكومية برأيه .. مالذي كان سيتم..!؟

وفي الخمس سنوات الأخيرة خصصت الحكومة أرضا للعاملين بالادراة الصحية بالداخلة  لبناء مساكن لهم في تلك المنطقة الواقعة في نطاق هذه السلسة من الكثبان الرملية المتحركة فيخطئون نفس اخطاء الماضي..!

  وكذلك فإن هناك محلات عمرانية أخرى في الجزء الغربي من منخفض الداخلة التي تقع تحت تأثير الكثبان  وخاصة السلسلة الداخلية للمنخفض إلى الشمال من قرية (القصر)  والأخرى التي تدخل غربها وتتلاحم هاتان السلسلتان لتشكل الحد الطبيعي الغربي الذي يعوق إنشاء مناطق عمرانية أخرى باتجاه الغرب ، وساعد انتشار الكثبان الرملية على تشتت العمران في هذه المنطقة لأنها تمثل فواصل طبيعية بين مساحات الأراضي الزراعية وما يترتب عليها من صعوبة الانتقال بينها.

  وبالاضافة إلى تأثير الكثبان على العمران نتيجة (زحف الرمال) على الطرق وخاصة طريق الداخلة الخارجة حيث يؤدي ذلك إلى غلق الطريق  مما أدى إلى عمل عدة تحويلات في الطريق لتفادي الكثبان.

 ولتفهم طبيعة زحف الرمال  فإنه يلزم التعرف على سرعة واتجاه حركتها.. وهو ما اظهرته الدراسات، فيتراوح معدل الزحف ما بين 20 إلى 100 متر /سنة  واتجاه حركة الكثبان هو شمال ــ غرب في الفرافرة وأبو منقار  بينما في في الواحات الخارجة يكون زحف الرمال  وحركتها في اتجاه شمال ــ جنوب.

ومن المناطق التي يبدو تعرضها لزحف الرمال واضحاً في منخفض الخارجة مناطق (نقب الخارجة ــ أسيوط ، والخارجة ــ باريس، غربي الخارجة.

 وفي منخفض الداخلة مناطق قرى الجديدة  ..و ــ القصر ــ غرب الموهوب وأبو منقار.

 وفي الفرافرة يمثل حقل الرمال الموجود  بالقرب من الحافة الشمالية لمنخفض الفرافرة تهديداً لعمليات التمنية الزراعية  في (سهل قروين)  بينما لاتتأثر منطقة الفرافرة  والشيخ مرزوق بهذا الحقل لبعدها عن اتجاه حركة زحف الرمال.

   وتختلف نوع الوسيلة والتي يتم تنفيذها  لتقليل خطر زحف الرمال والكثبان الرملية  تبعا لحجم الكثبان واتجاه الرياح السائدة.. وكذلك فإن العامل الاقتصادي يلعب هو الآخر دوراً هاماً في اختيار سبل الحماية المناسبة لكل منطقة على حدة.

طرق الحماية من الكثبان الرملية المتحركة:

  فمثلا في منخفض الخارجة يمكن حماية طريق الخارجة ــ أسيوط  بإزالة بقايا تشوينات رصف الطرق من كسر الحجارة المنقولة الموجودة على الجانب الشمالي من الطريق  حيث أنها تعمل على ترسيب وتراكم الرمال أمامها.

  وأن تكون حواجز الطريق المثبت عليها العلامات الارشادية صغيرة الحجم ومستديرة الشكل حيث أنها بشكلها الحالي تسمح بترسيب الرمال حولها.!

  وفي قرى جنوب الخارجة يمكن إقامة مجموعة من الأسوار  لتغيير اتجاه الرياح وهى ما يطلق عليها (الأسوار المحولة للرياح) حيث توضع هذه الأسوار بزاوية قدرها 30 درجة  على اتجاه الرياح ،  كما يجب أن يتراوح ارتفاعها مابين متر ونصف إلى مترين ، وتصنع من الجريد المتقاطع أو المتعامد أو الصاج لكي تعمل على تحويل إتجاه الرياح  بعيداً عن المنطقة المطلوب حمايتها.!

  وفي غربي الخارجة (طريق الخارجة ــ الداخلة)  حيث تزحف الرمال السافية على الطريق فإنه يجب عمل تثبيت بالحجارة لتقليل سرعة وحركة زحف الرمال، ويستخدم الحصى وكسر الحجارة  والصخور التي لا تتأثر بعوامل التعرية على أن لا يقل قطرها عن 20 مم وتقدر الكميات اللازمة للتغطية 20 طناً لكل فدان من الحصى الرفيع وخمسين طناً لكل فدان من الحصى المتوسط.

وكذلك يمكن استخدام الطفلة في تغطية الكثبان الرملية وتثبيتها حيث أن الطفلة  تتميز بخاصية امتصاص بخار الماء الموجود في الجو فيظل بذلك السطح رطباً باستمرار ولا يتفكك، ويزيد من تماسك حبيبات الرمال  ويقلل من تأثير الرياح السائدة في حمل الرمال ونقلها.!

وفي منخفض الداخلة تتميز المنطقة بوفرة المياة ولايوجد هنا نظام للصرف الزراعي  حيث تتجمع مياة الصرف في برك صناعية مثل بِرْكة موط 3 وبركة الهنداو.وكان هناك كاثرة بيئية من صنع الانسان والحكومة في عهد مبارك عرفت وقتها( بكارثة الهنداو).

وكذلك يمكن استخدام طريقة الجريد المتقاطع التي توضع في منطقة النقل لتقليل حجم الرمال السافية بفعل الرياح وتهدئة زحفها في المنطقة التي يراد حمياتها حيث تأخذ حواجز عمودية على اتجاه، أو حواجز بزاوية حادة على الاتجاه لتغيير مسار الرياح.

  كما يعتبر التشجير من أهم الطرق الفعالة لتثبيت الكثبان الرملية حيث يتم زراعة أنواع معينة من الأشجار التي تنمو خلال فترات قصيرة من 2ـ4 سنوات  مثل أشجار الأقل أو العبل.. وكذلك يوصى بضرورة استخدام البيتومين لتثبيت الكثبان الرملية التي تمثل تهديداً مباشراً على القرى والمناطق الزراعية وخاصة الكثبان الانفرادية.

  المصادر: الرحلات الشخصية للكاتب

          كتاب (الوادي الجديد الانسان والاسطورة) لأيمن السيسي والحسانين محمد

         مؤلفات الدكتور رشدي سعيد.

         أراء الدكتور عبدالمنعم حنفي العلمية.

اجمالي القراءات 47477