-1-
سوف يذكر التاريخ غداً بالتفصيل، ما قام به المصريون من ثورة في 25 يناير 2011.
وسوف يحدثنا هذا التاريخ بالتفصيل، كما فعل مع ثورة 1919، وما صاحبها من آلام الولادة، وتضحيات المسيرة.
فما حدث في مصر في 25 يناير 2011 تحوّل تاريخي كبير، بكل المقاييس رغم كل ما يقال عن خيبة أمل كثير من المصريين، الذين كانوا يعتقدون بأن التحوّل من عهد ماضٍ الى عهد حاضر، سهل وسريع، كما يتحول المشاهد بــــ "الريموت كنترول" من محطة تلفزيونية الى أخرى. واكتشف المصريون، أن الأمر على عكس ذلك.
فآلام ولادة الثورات، أصعب بكثير من آلام ولادة الأمهات!
وفرنسا ما زالت حتى الآن، تعاني من بقايا آلام ولادة الثورة الفرنسية التي حدثت قبل أكثر من قرنين، 1789.
-2-
سوف يقول لنا التاريخ غداً، أن ما قام به المصريون في 25 يناير 2011، كان حدثاً فريداً في التاريخ العربي القديم، والحديث.
سوف يقول لنا التاريخ غداً، أن ما قام به المصريون في 25 يناير 2011، وهم اليوم يقترعون لانتخاب رئيس الجمهورية، خلط أوراق منطقة الشرق الأوسط، خلطاً سبب الدوار والصداع لأنظمة كثيرة في المنطقة، وشلَّ تفكيرها، ولم تعد تدري ماذا تفعل!
سوف يقول لنا التاريخ غداً، أن ما قام به المصريون في 25 يناير 2011، وهم اليوم يقترعون لانتخاب رئيس الجمهورية، قد هزَّ أركان، وأسس، وقواعد الدكتاتورية القروسطية في المنطقة، وإن كانت هذه الأنظمة الآن تكظم آثار هذه الهزة، وتحاول أن تداريها، يُمنة ويُسرة.
سوف يقول لنا التاريخ غداً، أن ما قام به المصريون في 25 يناير 2011، وهم اليوم يقترعون لانتخاب رئيس الجمهورية، أن الثورة المصرية كانت الهواء الثوري المنعش الذي ملأ الرئة الثورية السورية، فثار الشعب السوري، وملأ رئة الشعب الأردني الثورية، فتحرك هذا الشعب ضد الملكية المطلقة.
-3-
سوف يقول لنا التاريخ غداً، أن ما قام به المصريون في 25 يناير 2011، وهم اليوم يقترعون لانتخاب رئيس الجمهورية، قد أراح طه حسين في قبره، وهو يبتسم الآن للثوار راضياً، وواعداً بغد أفضل. وأراح كذلك حسن البنا، وشكري مصطفى (مؤسس "جماعة الحق")، ومحمد عبد السلام فرج (مؤسس "تنظيم الجهاد")، وسيد قطب، ومحمد قطب، والهضيبي، وغيرهم. فقد استطاعت هذه الثورة أن تثأر للتيار الديني خاصة، من ثوار 1952، وقمعهم العنيف، واضطهادهم للتيار الديني.
سوف يقول لنا التاريخ غداً، أن ما قام به المصريون في 25 يناير 2011، سوف يكون أثره واضحاً وجلياً في كل بلدان منطقة الشرق الأوسط، وسوف ينشر الأمراض السياسية الكثيرة، والأوبئة الاجتماعية، والثقافية، والاقتصادية. ولكن هذا "الطفح" سيزول بعد فترة. وسوف يستعيد الشارع المصري هدوءه، وانسيابه، وجماله.
-4-
سوف يقول لنا التاريخ غداً، أن ما قام به المصريون في 25 يناير 2011، وهم اليوم يقترعون لانتخاب رئيس الجمهورية، أن عاصفة "الغبار الديني" التي أثارها التيار الديني ما هي إلا (هوجة) ستزول قريباً. وهي كظهور (الشبورة) على صفحة النيل. وما أن تشرق شمس الربيع الجميلة، حتى ترتفع وتزول، وتتضح الرؤيا من جديد، ويصفو الجو.
سوف يقول لنا التاريخ غداً، أن ما قام به المصريون في 25 يناير 2011، أن (الطفح) الذي قام به التيار الديني (سلفيون وأصوليون)، ما هو إلا من مخزون الكبت الطويل لهذا التيار. وما هجومهم الشرس على الفن، والسينما، والمرأة، والمسرح، والسياحة، والمدارس، والجامعات، إلا نتيجة لهذا المخزون الهائل من الكبت السياسي والعقدي. وقد بدأوا يفرغون شيئاً فشيئاً هذا الكبت. وسوف يهتدون في النهاية إلى طريق الصواب، ضمن شروط العصر، والواقع، والمحيط، الذي لا مهرب منها. وإلا فليحملوا امتعتهم، وليهاجروا الى الصحراء، ويبنوا دولتهم هناك، كما سبق وفعلت بعض عناصر تنظيم "التكفير والهجرة".
-5-
سوف يقول لنا التاريخ غداً، أن ما قام به المصريون في 25 يناير 2011، وهم اليوم يقترعون لانتخاب رئيس الجمهورية، لم يكن ضد جاهلية القرن العشرين، كما سبق وقال سيد قطب ومحمد قطب. وأن لا جاهلية في هذا العصر، بقدر ما أن هناك جهلاً، وتخلفاً، وجوعاً، وفقراً، وفساداً، وكل هذا يقتضي الإصلاح، والتغيير، والتطوير، ولكن ليس بأدوات القرن السابع الميلادي، وإنما بأدوات القرن الحادي والعشرين.
وسوف يثبت الواقع، أن الشيخ عمر التلمساني (مرشد عام الإخوان المسلمين السابق) كان مخطئاً خطأً كبيراً، عندما قال: "إن برنامجنا لم يتغير، ولن يتغير، نتيجة لتغير الأوضاع السياسية. هناك أشياء ثابتة، وراسخة." ("خلفاء بلا خلافة"، ص 212، عن مجلة "الوطن العربي"، 1984، عدد 388 ، ص 25).
-6-
سوف يقول لنا التاريخ غداً، أن ما قام به المصريون في 25 يناير 2011، وهم اليوم يقترعون لانتخاب رئيس الجمهورية، كان قفزة سياسية كبيرة، وخطيرة كذلك. فمنذ قرون، لم يعرف المصريون، ولم يعرف العرب من ورائهم، انتخابات رئاسية حرة، ونزيهة، يتنافس فيها المتنافسون الكُثر بحرية، وشجاعة، وانتظام، وصراحة، دون حرج، أو خوف، أو خشية، من عقيدة سياسية، أو دينية، أو خوف من سلطة سياسية بوليسية. وكان هذا حلماً مستحيلاً من أحلام اليقظة، فأصبح واقعاً معاشاً. وسيكون الاقتراع اليوم على المرشح الفائز والمحتمل فوزه غزيراً. فالمصريون اليوم، يريدوا أن يثأروا من آلاف سنين الحرمان، والقهر، والطغيان، والاستبداد، والصوت الواحد، والرئيس الأوحد، والقائد الأوحد، والنظام الأوحد.
وتلك رسالة يبعثها باعتزاز، وخيلاء المصريون، وهم اليوم يقترعون لانتخاب رئيس الجمهورية، الى كافة العرب الذين استفاقوا من نومهم في العسل، والذين ما زالوا في سكرة النوم، يفركون عيونهم، ليتثبتوا مما يرون، ويسمعون، والذين ما زالوا غارقين في النوم، في العسل، ولكنهم سينهضون على زلازل مدمرة، ساعة لا ينفع الندم، والوعد الكاذب بالإصلاح، والتغيير.
-7-
سوف يقول لنا التاريخ غداً، أن ما قام به المصريون في 25 يناير 2011، وهم اليوم يقترعون لانتخاب رئيس الجمهورية، لم يكن من أجل مصر التي ستُعلِّم العرب أجمعين معنى الحرية، ومعنى الديمقراطية الحقيقية، عندما تشبع مصر غداً، وتكتسي، وتغتني، وتصبح في غير حاجة الى دراهم الآخرين.
سوف يقول لنا التاريخ غداً، أن ما قام به المصريون في 25 يناير 2011، وهم اليوم يقترعون لانتخاب رئيس الجمهورية، هو إحكام دور التعددية السياسية، والدينية، والاجتماعية، والثقافية. وهو ما نفتقده في العالم العربي. وتثبيته في مصر على هذا النحو الذي تراه الآن، هو تثبيته في العالم العربي بالتالي. لأن مصر هي القاطرة. وإن كان التيار الديني هو المستفيد الأول والأبرز من هذا الإحكام في التعددية. حيث لم يفلح الإخوان المسلمون في عام 2005 في الحصول على أكثر من 20% من مقاعد مجلس الشعب. وفي 2010 لم يفلحوا في الحصول على مقعد واحد. وها هم الآن الأغلبية في هذا المجلس!
-8-
سوف يقول لنا التاريخ غداً، أن ما قام به المصريون في 25 يناير 2011، وهم اليوم يقترعون لانتخاب رئيس الجمهورية، كان سبباً في أن يتمَّ التنوّع في صفوف أكبر فصيل ديني في العالم العربي، وهو الإخوان المسلمون. فظهر منهم "حزب الوسط " بقيادة أبو العلا ماضي. وظهر منهم "حزب النهضة" بقيادة محمد حبيب. وظهر منهم "مرشح الرئاسة" عبد المنعم أبو الفتوح. وهم راضون، وقانعون بذلك.
فليتعظ الليبراليون.
-9-
سوف يقول لنا التاريخ غداً، أن ما قام به المصريون في 25 يناير 2011، وهم اليوم يقترعون لانتخاب رئيس الجمهورية، بأن حازم أبو اسماعيل، الذي كانت قدمه في حذاء الإخوان، والقدم الأخرى في الحذاء السلفي، لم يشفع له انتسابه إلى التيار الديني القوي، من تزوير حقائق، حالت دونه وكرسي الرئاسة المصرية . وفي ذلك عظة ديمقراطية بائنة، ولصالح ثورة 25 يناير، التي ما زالت في طور الرضاعة حتى الآن.
-10-
وأخيراً، سوف يقول لنا التاريخ غداً، أن ما قام به المصريون في 25 يناير 2011، وهم اليوم يقترعون لانتخاب رئيس الجمهورية، ليس انقلاباً وليس ثورة فقط، كما اعتقدنا قبل عام ونيف، ولكنه كتابة تاريخ جديد، ليس لمصر وحدها، ولكن لمنطقة الشرق الأوسط كلها.
فلا تحزنوا ولا تهنوا الآن، أيها المصريون الأحباء. وليكن اقتراعكم اليوم كثيفاً، وغزيراً، وهادئاً، ومنتظماً، وحضارياً!