نداء للاخوان المسلمين :
بناء الكنائس والدفاع عنها حق مقرر فىالاسلام

آحمد صبحي منصور في الأحد ٠٦ - أغسطس - ٢٠٠٦ ١٢:٠٠ صباحاً


أولا :
كان من أنباء الاسبوع الماضى ما يلى: ( ذكرت مصادر أمنية مصرية أن 14 شخصا قد اصيبوا بجراح بعد اشتباكات مع مجموعة من الشبان حاولوا اعاقة بناء كنيسة جديدة فى صعيد مصر. واضافت المصادر ان قوات الشرطة اشتبكت مع مجموعة من الشبان مساء الاربعاء فى قرية العديسات المجاورة لمدينة الاقصر بجنوب القاهرة بعد احراقهم مواد البناء التى كانت ستستخدم فى بناء كنيسة مكان احد البيوت من دون الحصول على ترخيص. وتابعت ان قوات الشرطة اعتقلت عشرة من الشبان المسلمين والقت القبض على اصحاب البيوت).

المستفاد من الخبر السابق أن الشرطة المصرية تصدت لمجموعة من المتطرفين السلفيين فى قرية العديسات لأنهم حاولوا اعاقة بناء كنيسة كان بعض الأقباط يقوم ببنائها مكان منزله، ثم اعتقلت الشرطة بعض المعتدين المتطرفين. الى هنا والخبر مفهوم ومعقول. أما غير المعقول فهو اعتقال المجنى عليهم أيضا وهم أصحاب البيوت الأقباط.
وهذا الاسبوع ورد خبر عاجل أن " ( النيابة أصدرت أمراً بالقبض على كل من :
1عاطف روماني (موظف بالسكك الحديد) 2. عاطف نجيب (مجلس قروي) 3. حفظي صالح (مجلس قروي) 4. لطيف أنور (تاجر ) من أقباط العديسات كعقاب لهم على دفاعهم عن الكنيسة وأهلهم وممتلكاتهم وجيرانهم ضد الهجوم البربري الذي قام به بعض المتأسلمين بقيادة مدير الأمن ومباركة رئيس مجلس مدينة الأقصر واستخدامهم كوسيلة لتبرئة المجرمين من جرائمهم كما حدث في الكشح من قبل.)
هنا يتحول غير المعقول الى قرار تصدره النيابة نفسها بالقبض على المجنى عليهم ، وهذه عقوبة فى حد ذاتها، والتهمة لن تكون بالطبع حقهم فى الدفاع الشرعى عن أنفسهم وممتلكاتهم ، ولكن ستكون بناء كنيسة بدون ترخيص. وهذا هو أصل المشكلة.
ثانيا :
تبدأ المشكلة بالغزو العربى لمصر الذى حمل اسم الاسلام زورا وبهتانا . اعتاد بعض الحكام العرب والمسلمين فى مصر اتخاذ موقف عدائي من حق الأقباط الشرعى فى اقامة كنائس لهم يعبدون فيها الله تعالى حسب معتقداتهم ودينهم.
سبب المشكلة ليس الاسلام ، فالغزو العربى لمصر ولغيرها كان خرقا لشريعة الاسلام واعتداءا على شعوب مسالمة لم تعتد على العرب المسلمين ، وهو احتلال لأرضهم وظلم لهم، والله تعالى لا يحب الظالمين فهو جل وعلا الذى ينهى عن الفحشاء والمنكر والبغى فى نفس الوقت الذى يأمر فيه بالعدل والاحسان.
اذا كان الغزو العربى نفسه خروجا عن الاسلام فمن المنطقى أن تتكاثر نتائجه السيئة الظالمة المخالفة لشريعة الاسلام ومنها حرمان المسيحيين من بناء كنائسهم وهدم القائم منها وفرض الجزية عليهم اثما وعدوانا واعتبارهم مواطنين من الدرجة الثانية بينما هم أصحاب الأرض الأصليون .
فقهاء السلطة فيما بعد كتبوا فى تبرير هذا الظلم فتاوى سامة وأحاديث مفتراة وتفسيرات ضالة وتغييرات لمصطلحات القرآن الكريم ومفاهيمة جعلت من يقرؤه بمصطلحات التراث يقع فى التناقض فى فهم الآيات. كل هذا الجهد الثقافى لتأكيد الظلم العربى الذى جاء به الغزو العربى باسم الاسلام زورا وبهتانا.
ثالثا:
بهذا الغزو العربى الظالم وتبريره دينيا بالتزوير تأكد التناقض بين الاسلام وأولئك المسلمين ، خصوصا حين نراجع سريعا بعض حقائق الاسلام فيما يخص موضوعنا.
*القرآن الكريم يجعل حصانة لكل بيوت العبادة التى يذكر فيها الناس اسم الله تعالى من صوامع وبيع وصلوات ومساجد لليهود والنصارى والمسلمين وغيرهم ، ويجعل الجهاد مشروعا للدفاع عنها ( الحج 40 ).
*القرآن الكريم يؤكد على الاختلافات التشريعية بين القرآن والانجيل والتوراة ، ويطلب من أهل الانجيل أن يحتكموا الى ما أنزل الله تعالى لهم فى الانجيل ، ويتعجب من الااسرائيليين كيف يحتكمون للنبى محمد عليه السلام وعندهم التوراة فيها حكم الله ، ويؤكد أنه تعالى أنزل التوراة فيها هدى ونور ، وأنه أنزل الانجيل هدى ونورا ، ويطالب اهل الكتاب باقامة التوراة والانجيل وما انزله الله تعالى اليهم وهو نفس المطلوب من المسلمين، ويطلب من المؤمنين من أهل الكتاب والمسلمين أن يتنافسوا فى الخيرات.( المائدة 43 ، 44 ، 46 : 48 ، 66 ، 68)
*القرآن الكريم يؤكد على أنه لا اكراه فى الدين ويقرر حرية الايمان والكفر وليس مجرد حرية التدين بين المؤمنين من أهل الأديان والمذاهب. وهناك أكثر من الف ( 1000 ) آية قرآنية فى هذا السياق.
* ان قوله تعالى : "﴿يَـَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنّصَارَىَ أَوْلِيَآءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلّهُمْ مّنكُمْ فَإِنّهُ مِنْهُمْ﴾ المائدة51 ) وسائر آيات الموالاة فى القرآن قد تم توظيفها ضد الأبرياء من المصريين الأقباط، وصرخ بها خطباء المساجد فى التحريض ضد الأقباط ، وهم فى ذلك الاستشهاد الخاطئ يتناسون سياق الآيات وهى تتحدث عن عصر النبى محمد عليه السلام حين طرأت ظروف حربية خاصة فرضت تحالفات سرية بين المنافقين ـ وهم بعض الصحابة ممن كان يعيش داخل المدينة ـ وبعض القبائل اليهودية. اذن هو تعليق على أحداث تاريخية ارتبطت بزمانها ومكانها وحكى القرآن الكريم بعض أحداثها وما دار فيها من أقوال جاء ذكرها فى الآية التالية " : فترى الذين فى قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة، فعسى الله أن يأتى بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا فى أنفسهم نادمين . " المائدة 52 " . لا بد من تنفيذ هذا التشريع اذا تكررت ظروفه بحذافيرها ، كأن يهجم علينا عدو معتديا فيتحالف معه فريق من المسلمين ضد بقية المسلمين ، أى يواليه فى عدوانه علي الوطن والشعب ، هنا يستحق اللوم طبقا لهذا التشريع القرآنى ، بل وطبقا لأى تشريع بشرى فى أى زمان ومكان.
الا ان المتطرفين الذين يعتدون على الأبرياء ويقتلون المدنيين لهم عقيدة أخرى فى الموالاة يسمونها البراء والولاء، أساسها تقسيم العالم الى قسمين او معسكرين ، دار الاسلام ودار الحرب. وهم يعتقدون أن واجبهم هو الجهاد ضد معسكر الحرب او دار الكفر لارغامهم على دخول الاسلام طبقا للحديث الكاذب الذى رواه البخارى والقائل " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا اله الا الله .. ".وقد جاء اختراع هذا الحديث ليبرر ويسوغ الغزو العربى الذى حمل اسم الاسلام زورا وبهتانا ، واستولى بها الصحابة بعد موت النبى محمد على معظم العالم المعروف وقتها ، ودارت الحرب بينهم وبين الروم ، وانقسم العالم الى معسكرين : عربى يحمل اسم الاسلام ، ورومى غربى يحمل اسم المسيحية. وجرى تقسيم العالم الى دار للحرب ودار للاسلام فىالتراث الفقهى . كل هذا تحريف وتخريف وظلم للاسلام قبل ان يكون ظلما لغير المسلمين.
الاسلام ليس هو السبب فى اضطهاد الأقباط، بل انه هو المظلوم الأول فى هذه القضية ، لأن أولئك الظالمين استخدموا اسمه أولا فى الغزو الظالم لبلاد الآخرين ثم استخدموا اسمه فى اذلال وقهر الشعوب الأخرى. والنتيجة هى انه المتهم الأول فى العالم الآن والمسئول عن التطرف والارهاب .
وليس هناك ظلم أبشع من أن ينزل الله تعالىالاسلام دينا للعدل والاحسان ويؤكد على أن رسول هذا الدين جاء رحمة للعالمين ثم يقوم أتباع هذا الدين بجعله ارهابا للعالمين. هذا ما فعلناه بديننا.
واضح أن المتهم الأول هم أولئك المسلمون الغزاة الظالمون ومن عاونهم فى تزييف تعاليم الاسلام بالفقه والحديث والسيرة والتفسير وما يسمى بعلوم القرآن. واذا كان الظالمون السابقون قد هلكوا وماتوا فان هناك تيارا سياسيا يتكلم باسمهم ويعمل لارجاع " مجدهم " ويتحدث عن " فتح مصر للمرة الثانية. أولئك هم "الاخوان المسلمون ".
رابعا :
ثقافة الأخوان المسلمين تم نشرها باستمرار وباضطراد عبر الاعلام الحكومى والمساجد والأزهر طيلة أربعين عاما ، فأنشأت جيلا متعصبا نحتاج الى أربعين عاما أخرى حتى نطهر عقله.
أزعم أن الاخوان المسلمين سعداء بهذا المناخ وينتظرون أن تأتى ثماره السامة فى المستقبل القريب فى الحاق المزيد من الاضطهاد للأقباط والشيعة والقرآنيين وكافة المسلمين المعتدلين والعلمانيين ، لكى تمهد لدولتهم القادمة.
وأزعم أن الاخوان يؤمنون بالتقية ، فيعلنون شجبهم لما يحدث ، ويتحدثون عن فتح صفحة جديدة مع الأقباط لمجرد الخداع وكسب الوقت.
أتمنى أن أكون مخطئا فيما أزعم.
اتمنى مخلصا أن يهب الاخوان لاصلاح ما حدث على المستويات التالية :
1 ـ سياسيا: باعلان التبرؤ من كل اضطهاد وقع فى الماضى أو يقع فى الحاضرعلى الأقباط والشيعة والقرآنيين، وفتح صفحة جديدة من الاخاء والتسامح الدينى يستعيد ما كان سائدا من تسامح مصرى. ويقترن هذا الاعلان بخطوات عملية مثل زيارة لقرية العديسات والوقوف بصرامة مع المظلومين من أهلها والدفاع عنهم، والعمل على اطلاق سراحهم ومعاقبة الجناة الحقيقيين. وفعل نفس الشىء فى قرى أخرى شهد فيها الأقباط المصريون ظلما وبغيا من الخانكة الى الفكرية والكشح وغيرها.
2 ـ ثقافيا: باجراء ندوات وورش عمل تتناول كيفية اصلاح الوعى الشعبى الذى فسد ، وكيفية احلال ثقافة التسامح محل التعصب . واجراء ندوات أخرى تؤكد على حقوق الانسان وحقوق المواطنة والحق المطلق فى التدين والعقيدة واقامة الشعائر لكل من يريد دون تدخل من الدولة أو المجتمع ، وعدم المساس بعقائد أصحاب الأديان الأخرى، أى لا يجوزلمسلم الطعن فى عقائد أهل الكتاب ولا يجوز لأحد من أهل الكتاب الطعن فى الاسلام، مع تقرير حرية البحث العلمى لأصحاب كل دين فى داخل اطار دينهم فقط للتأكيد على حرية البحث العلمى والاصلاح الدينى داخل أتباع كل دين.
3 ـ دينيا: مراجعة علمية للتراث وفتاويه وأحاديثه ومصطلحاته والاحتكام فيها للقرآن ومصطلحاته ومفاهيمه وتشريعاته، ليكون ذلك أساسا لنشر ثقافة التسامح الاسلامى فى المساجد وسائر اجهزة الاعلام.
4 ـ تشريعيا: هناك حديث يدور حول اقتراح جديد يقدم لمجلس الشعب يقضى بتعديل تشريعى لتوحيد اجراءات بناء وتجديد المساجد والكنائس دون تفرقة. لا بد لأعضاء الاخوان فى المجلس تبنى هذا الاقتراح كبداية ، يعقبها تطهير التشريعات المصرية من كل ما يخاف العدل والمساواة وحقوق المواطنة وحقوق الانسان ، وحرية العقيدة والفكر وحرية العبادة.
ما سبق كله فى اطار الممكن اذا خلصت النوايا وكان الاخوان صادقين فعلا فيما يرفعونه من شعارات. الاخوان الآن قوة معترف بها سياسيا ودوليا كحقائق فى الواقع السياسى مهما اختلفنا معهم. الفرصة متاحة لهم الآن لكى نغير فكرتنا عنهم . فكرتنا عنهم لم تأت من فراغ وانما من دراسة ومعايشة لتاريخهم السياسى والتراث الذى يؤمنون به ويدافعون عنه. دعوناهم كثيرا لتبنى الاصلاح فلم يلتفتوا . لم نيأس ولا زلنا نصر على دعوتهم ليكونوا جبهة تنصف الاسلام من الظلم الذى ألحقه به المسلمون الغزاة والبغاة.
الاسلام أعظم من كل الأشخاص فى أى زمان وأى مكان. وليس فى الاسلام تقديس لبشر ، فكيف نتجاهل انصاف الاسلام بسبب شرور ارتكبها بعض الصحابةفى تاريخ المسلمين وبعض الأئمة فى تراث المسلمين ؟
انصاف المظلومين من أقباط وشيعة وقرآنيين هو دفاع حقيقى عن القيم الاسلامية العليا من عدل واحسان وتسامح وانصاف. حين تحمل شعار الاسلام وتتصدى لتطبيق شريعته متجاهلا هذه القيم الاسلامية العليا فأنت بما تفعله أشد الناس عداوة للاسلام.
الفرصة الآن متاحة للاخوان لبدء صفحة جديدة فى قرية العديسات والفكرية وابوقرقاص والكشح وكل قرية مصرية عانى فيها الأقباط من ظلم فعله بهم أشقياء ينتمون للاسلام ظلما وعدوانا.


 

اجمالي القراءات 19649