محمود الزهيري في حالة حوار مع الدكتور محمد عبده , عن ظاهرة التدين في الحياة الإجتماعية والسياسية في

في الثلاثاء ٠٦ - أبريل - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً

محمود الزهيري في حالة حوار مع الدكتور محمد عبده , عن ظاهرة التدين في الحياة الإجتماعية والسياسية في مصر

 

 

بدأ الحوار بإستغراب يحمل قدر كبير من التعجب والحيرة والقلق لما آلت إليه الأوضاع الإجتماعية والسياسية في مصر , وتأثيراتها علي حالة التغييب المتعمد للديمقراطية والحريات في مواجهة ملء فراغ الطغيان والإستبداد بألوان من التدين الشكلي وإلباس للدولة والمجتمع بألبسة دينية تخدم علي بقاء الجماعة العسكرية , والجماعةالدينية .

وكان هذا الحوار :

 

س: بداية , ماهي جذور ظاهرة التدين في التاريخ المصري ؟

 

ج/ " كلما جعلت الدين أو الخرافة تصطرع مع الحرية , يفوز الدين في عقول الشعب " " كلما تنازلت من نفسك عن جزء من الحياة يكتسبه التدين فوراً "هكذا قال نابليون ..

لم يعرف الإسلام علي مستوي النص أو علي مستوي الممارسة رجال دين أو مهنة دين , وكانت إمامة الصلاة للرسول وللخلفاء من بعده , حتي معاوية الذي أحل للولاة والأفراد وحكام المدن والأقاليم أو الأكبر سناً " الشيخ " أحل لهم الإمامة , والعلماء في الإسلام وفي الآيات بصيغة الجمع , ومفردها عالم , ونحن نقول " واحد من العلما بلا همزة " وهي تساوي العارف والحكيم تمييزاً لها عن علماء التي تعني scientest  , ومن بداية العصر العباسي ميز العرب بين العالم الذي يهتم بعلوم الحديث والنقل والحفظ والتفسير والفقه وعلم الكلام وهذه طائفة العلما ,وبين العقل الذي يهتم بالفلك والطب والكيمياء والجغرافيا وحتي السحر , وهؤلاء هم العلماء وأهل الفلسفة , ولم يوجد مبرر لإحتراف الدين أو الإرتزاق به حيث الصحابة والأئمة يرتزقون من التجارة والرعي ونسخ الكتب , وبتقدم العصر العباسي ظهرت مفاهيم جديدة " فقه ,وفقيه , وحديث , ونسب الحديث , والمعلوم من الدين بالضرورة ........... , ..... , لأنه قد تم إستقرار جماعة وظيفية جديدة في المجتمع إحتاجت أن توصف نفسها كجماعة تعي ذاتها لذاتها , لأن الظرف الموضوعي في صراع العشائر والعرقيات والقبائل إحتاج لإستعمال الدين كفتوي , ووسيلة سياسية بين الجماعات , واحتاجته الدولة في الحشد من أجل الغزوات والتمهيد الديني في البلاد المفتوحة , وتبرير أهداف الحكام , وتمرير سياساتهم إستناداً إلي العاطفة الدينية وكذلك الإحتياج إلي قضاة ومعلمين وتزويد المناصرين والطوائف بالفتاوي الخاصة والإجتهادات والقياس حتي رافقت ظاهرة الجماعة الوظيفية تلك , وساهمت في تكوين النسق الإسلامي العام المبني علي السير الشخصية والفتوحات والبطولات بإنتقاء شديد وتعزيز ذلك كله بأحاديث نبوية وبطوفان من الفتاوي

 

س/ وهل معني ذلك أن الجماعة الوظيفية التي أشرت عنها حولت الإسلام إلي إيديولوجيا ؟

 

ج / طبعاً .. فبعد أن كان رجل السيف في ناحية والمتدين في الأخري تلازم الشخصان ومثل كل الإيديولوجيات تبدأ بالمثالي ثم تعسف التطبيق إلي مرونة التطبيق حتي تحولت إلي وجه أساسي للإستبداد الشرقي وأصبحت قناعاً لطغاة الشرق , ورجل الدين في جماعته محكوماً رغم مثاليته بمصالحه وأهداف جماعته المرتبطة بالسلطة السياسية , يعلو ويهبط حسب وضع الحكم ويسعي هو نفسه كجماعة إلي الحكم , وتوجد أمثلة في التاريخ المصري الحديث تؤكد ذلك .

 

س/ وهل لديك أمثلة علي ماتذهب إليه ؟

 

نعم .. كانت توجد في مصرمن العام 1928 وحتي اليوم جماعة وظيفية إسمها الإخوان المسلمين , ومؤسسة دينية إسمها الأزهر والأوقاف , وعلي الجانب الآخر الكنيسة , وكل ذلك حتي يوليو 1952 كان هذا المفهوم الذي قدمت له يتفاعل مع المجتمع , إلا أن الأصول الإجتماعية للضباط الأحرار , الريفية المتواضعة تعليماً وثقافة , ولأنهم تنظيم عسكري كانوا متأثرين بالمجتمع وأفكاره الخاصة فكانوا بالتحديد معظمهم ناشطين في تنظيم الإخوان ومتأثرين بأفكار مصر الفتاة وعزيز المصري , عندما يتحدثون عن الحج يعتبرونه" برلماناً إسلامياً" في مزايدة ستتكرر كثيراً في تاريخ يوليو , والحملة الفرنسية "رسالة حضارية " وكل مسلم يجب أن يكون رجل دين ودنيا , التنصيصات السابقة لكتاب فلسفة الثورة وقانون الأزهر 103 لسنة 1961 , علماً بأنه لم تنتهي 1952 إلا والتنظيم يقرأ الفاتحة أمام قبر حسن البنا , ولم تنتهي 1953 إلا بتمام الإفراج عن جميع الإخوان في قضايا الإرهاب السياسي ( قنابل الكريسماس _ العربة الجيب _ قنابل المحكمة _ إغتيال النقراشي ) وقال القاضي في جلسة الإفراج للشيخ سيد سابق : دورك في القضية واضح ولكن القانون لايطالك . وأفرج عن متهمي مقتل الخازندار , ومحاولة إغتيال إبراهيم عبد الهادي , وحامد جودة , الجميع تم الإفراج عنهم , أضف إلي ذلك مشاركة الإخوان بأربعة أعضاء في لجنة إعداد دستور 1954 وتطهير وزارة الداخلية من المعادين ومن خصوم الإخوان علي كافة المستويات , هذا إشتباك بين الجماعة الوظيفية ويوليو ( إشتباك المصالح ) , لكن يوليو التي إستثنت حزب الإخوان من الحل , وظل كمال الدين حسين عضو التنظيم الخاص للإخوان إثني عشر عاماً وزيراً للمعارف , وعلي الجانب الآخر تم تأميم المؤسسات الدينية , فألغي قانون المحاكم الشرعية والمحاكم الملية والمجلس الملي المنتخب نفسه , وتم الزج بشباب الأمة القبطية بعد حادثة الإستيلاء علي المقر البابوي إلي السجن وترحيل البابا إلي الدير وإتهامه إعلامياً بالشذوذ , هذا ووضع اليد علي المؤسسات الدينية , وفي المقابل يتم الخلاص من أنصار الديمقراطية والحرية بتسيير مظاهرات تؤيد الإستبداد وتفجير قنابل والإعتداء علي طه حسين بالحذاء , والسنهوري بلطمه علي الوجه , ثم يأتي الصدام مع الجماعة الوظيفية ويحل محل إشتباك المصالح بينهم , بإعدام 6 من التنظيم وحل الحزب , وتم كل هذا بعد أحداث المنشية . إذا كان هذا هو البناء , كيف كان الصعود علي ماتم بناؤه لتأمين الدين والمؤسسة الدينية علي الجانبين بعد ضربة موجعة للجماعة الوظيفية , ومن علي منبر الأزهر  31 / 10 / 1956 صرخ عبد الناصر : سنقاتل , سنقاتل دون أن يعلم المصلون الخاشعون أن الجماعة الوظيفية العسكرية دخلت السباق مع الجماعة الوظيفية الدينية وتركب المؤسسة الدينية ليمتلئ الفراغ بالحلال والحرام بدلاً من الحريات التي لو كانت موجودة لعرف الجميع أن عبد الناصر نفسه كان قد أصدر أمرلقواته أن تنسحب من سيناء قبل 48 ساعة من الخطبة , واستخدم المنبر والآيات في تثبيت الأقدام , وبعد إقالة 450 من أساتذة الجامعات , تم تعيين رجالات الإخوان في الأزهر والتربية والتعليم والأوقاف ليتم التزاوج علي أصول جديدة بين الذين يسيطرون علي الشارع والذين يسيطرون علي الثكنات , وتحدث الميثاق عن الدين الإسلامي بصفته ديناً ثورياً وإشتراكياً وصدر قانون الأزهر الذي يتم تعيين شيخه من رئيس الجمهورية , وتم إنشاء المؤتمر الإسلامي , وإذاعة القرآن . التسليم للجماعة الوظيفية وإيديولوجياتها والقبض علي مؤسسات المجتمع بقبضة الضباط , فرأس الضابط أنور السادات المجلس الأعلي للشئون الإسلامية , ورأس ضابط آخر الجمعية الشرعية , وترك للجماعة الوظيفية لجنة الدفاع عن الإسلام , وهي التي كتبت تقرير بعدم نشر رواية أولاد حارتنا , , وبعد أن كانت رسالة الأزهر منذ إنشائه , حفظ الشريعة وتعليم اللغة , وتخريج علماء لهذا الغرض أصبح في قانونه العمل علي بث الأمن والطمأنينة في الدنيا والآخرة , وبعث الحضارة العربية والفكر العربي , والإمام الأكبر هو صاحب الرأي في كل مايتصل بالحياة ويمس الدين , واصبحت الجامعة من ثلاث كليات إلي ثلاثة عشر للمسلمين فقط , حقاً إنها أول جامعة طائفية في مصر , وأصبح مشايخ الجماعة الوظيفية في المؤسسات من أبناء الحنبلية الجهادية , من سيد سابق إماماً لمسجد سيدي العبيط ( عمر مكرم ) وصلاح أبو إسماعيل , ومتولي الشعراوي في التربية والتعليم , والغزالي في الأوقاف , وبعد أن كان دستور 1923 يقول الدين الرسمي للدولة المصرية هو الإسلام , أصبح الشريعة مصدر من مصادر للتشريع , ثم مصدر رئيسي للتشريع , ونعرف الأن أنها المصدر الرئيسي للتشريع . بعد أن كنا في نهاية القرن التاسع عشر نذكر الحزب الوطني القديم في مقدمته " نحن حزب لاديني " حقاً كلما تنازلت عن جزء من منظومتك في الحياة للتدين , تفقد جزء من الحياة . وصدر نظام يوليو 2500 معلم ورؤساء شعب وجزء من التنظيم السري إلي الجزائر وعلي رأسهم الغزالي والشعرواي والقرضاوي وصلاح أبو إسماعيل وجموعة أخري مع قطار الرحمة علي رأسهم سيد سابق ورفاقه إلي غزة , وتسألون ماذا حدث في الجزائر , وماذا يحدث في غزة .

 

س/ وهل تعزو مانحن فيه من تعصب وعنصرية وعنف  إلي هذه العلاقة الملتبسة بين الجماعتين الوظيفية الدينية , والجماعة الوظيفية العسكرية ؟

 

ج/ جاء الدعم السعودي والخليجي وعودة المنفيين من الجماعة الوظيفية الدينية من الخليج ودعم الجمهورية الثانية ( السادات ) إلي وضعهم علي منصة الإستقلال الإقتصادي , ومنصة جمع التبرعات والرواتب الخرافية والدعم المادي لمؤسسة الأزهر ( 15 مليون دولار ليد الشيخ عبد الحليم محمود لمحاربة الشيوعية ) هذا الدعم الهائل جعل الطموحات أكبر من المؤسسة الدينية المستولي عليها , واصبحت الجماعة الوظيفية الدينية مع بداية الثمانينات أكثر تأثيراً في الريف والعشوائيات , حتي المدن الكبيرة , واصبح هناك خضوع جماهير طاغٍ للصوتيات والمرئيات والمغريات المادية والحلول الفردية للأفراد مما مكنها من إمتلاك الفضاء السياسي , والمجتمعي , وتوظيف الدين , واصبح علماء الأزهر وأبناء الجماعة الوظيفية صانعين لإطار ضخم من الإيديولوجيا الشفاهية في مدارسهم ومدارسنا , في صحفهم وصحفنا , في المجلات والتليفزيونات , وشركات الكاسيت , إلي الزكاة والنذور , حتي الشركات التجارية والصناعية  وكان عندنا نصف مليون شيخ في نصف مليون مسجد وزاوية , و6000 معهد أزهري ,واكثر من 2 مليون طالب ديني , وهيمنة العقلية الحنبلية الجهادية البدوية علي مؤسسة عجوز حنفية شافعية صوفية , وملئت فراغ الدولة التي كانت تتفرج وتؤيد وتدعم حتي إحتضنت الجماعة الوظيفية , جماعات الإرهاب المسلح خارج وداخل السجون , من أوائل السبعينات وتزويدها بالكوادر م معسكرات الدولة ( معسكر عمر بن الخطاب , ومعسكر أبو بكر الصديق ) حيث كان المحاضرون , سيد سابق , صالح سرية , شكري مصطفي , الشيخ كشك , عمر عبد الرحمن , القرضاوي , أحمد عمر هاشم , الشعراوي , محمد فرغلي ( المتهم الأساسي في حادث المنشية ) وأخيراً صلاح أبو إسماعيل , ووصل ضعف الدولة منتهاه في تشكيل لجنة من بينهم بين الدولة وجماعات الإرهاب لحقن دمائنا وإستمرار الدولة .

 

س /برأيك , كيف كان دعم الدولة في ذلك ؟

 

الدولة شاركت في كل ماسبق وكان يجري تحت أعينها وبمباركتها , وصنعت لذلك إطاراً للمزايدة , وذلك دعماً من أجل جزب المسلمين حولها , فهي التي تعطي جائزة تقديرية قيمتها 5000 جنيه في 10 فروع , وجائزة حفظ القرآن 35 ألف جنيه لطفل واحد , ولخمسين طفلاً كل عام , وأصبح للدعاة عيد , والكل مسته الإيديولوجيا , وحل التدين الشكلي في مؤسسات الدولة , ومؤسسات المجتمع , مكان الحرية في الشارع والمؤسسة , هذه هي نتيجة التحالف الفاشل بين الجماعتين في ظل نظام سلطوي يدعمه جهاز أمن خرافي , تم تكسير وإحتلال مؤسسات الدولة , ومؤسسات المجتمع المدني بتفريغها من أهدافها الحقيقية إلي تأييد الديكتاتورية المدعومة بالتدين الشكلي , حتي مؤسسة القضاء دخلها هذا التدين الشكلي . إن فك الإرتباط بين العقائد والجماعات الوظيفية يعيد العقائد إلي مظلة القيم والتراث والمعرفة, ليمكننا التفريق بين إرادة الله , وإرادة الإنسان ليبدأ إحترام العقل ونؤسس الفرق بين المعرفة والإيمان , ونبدأ في تأثيث الحداثة والعقد الإجتماعي الجديد (كما قال أمين المهدي ) لأن الدين مسؤلية كل فرد وليس مسؤلية مؤسسة محترفين , وطبعاً ليس مسؤلية دولة , مما يجعلنا نطالب بنظام حكم مدني , بعد حكم دام وضع اليد في اليد من المؤسسة الدينية والجماعة الوظيفية الدينية لتتزاوجا مع سلطة الجماعة الوظيفية العسكرية أكثر من ستين عاماً , وبعد أن دفعنا المهر والمؤخر , هل من طلاق بائن ؟!!

وانتهي الحوار علي أمل في هذا الطلاق البائن .

 

شكراً للدكتور محمد عبده علي هذا الحوار الثري , وعلي وعد بلقاء آخر .

 

محمود الزهيري

اجمالي القراءات 3244