المناظرة " التاريخية " التى جرت بين المرشحين لرئاسة الجمهورية ، عبد المنعم أبو الفتوح وعمرو موسى ، مساء الخميس الماضى ، أثبتت إن مصر تتغير ، وإننا بدأنا جنى ثمار ثورة يناير ، ولاسيما أنها عقدت لأول مرة فى تاريخ مصر ، وبين مرشحين قويين ، ومدرستين مختلفتين سياسيا وفكريا ، فقد ظهرت أثناء المناظرة نبرة التحدى والتلاسن والشخصنة بين الإثنين المرشحين ، وكانت هناك محاولات غير مقصودة للتجريح والإصرار على كشف العورات السياسية ، والنبش فى الماضى ، والسخرية والتهكم المتبادل بين المرشحين ، ومحاولة تقليل كل منهما من شأن الأخر ، وكسب نقاط سياسية أمام المشاهدين عن طريق إظهار كل مرشح للاخر بأنه ينقصه الرؤية السياسية المستقبلية ، أو لايملك برنامجا اقتصاديا قويا .
ورغم سخونة المناظرة ، فإنه لم تحدث تجاوزات مؤسفة من المرشحين ، وقاما كل منهما بتحية الأخر فى نهاية اللقاء ، وبالتالى فإن المكسب الحقيقى لتلك المناظرة ، هوإرساء مبدأ ديمقراطى هام فى إمكانية الحوار المثمر ، وتكريس ثقافة الإختلاف وقبول الأخر ، والاهم من ذلك هو تفنيد الإتهامات التى كانت تلصق بكل المرشحين ، بعد تلك المناظرة ، التى اتسمت بالشفافية والصراحة والمكاشفة .
فلم يكن عبد المنعم أبو الفتوح ذلك المتطرف القديم والعضو السابق – صوريا - فى جماعة الإخوان المسلمين ، أو " الشيخ " الذى يجيد توزيع البطاطين على المنكوبين والفقراء ، وقليل الخبرة السياسية ، خاصة فى القضايا الإقليمية والعلاقات الدولية ، ولكن ظهر خلال المناظرة إنه ثورى وشجاع وصريح وجرىء ومنفتح ومتواضع ومتزن ، وأنه رجل المرحلة الثورية التى نعيشها ، والغير مقيد بحزب أو جماعة ، والذى يعتز بإستقلاليته ومواقفه الوطنية ، والقادر على توحيد صفوف الفرقاء فى تلك المرحلة الحساسة ، والذى يستطيع التعامل مع كل التيارات السياسية دون تهميش أو إقصاء ، بل وإستيعاب المعارضين ، و" التوافق " معهم ، إذا أنتخب رئيسا .
وأيضا لم يعد عمرو موسى من " الفلول " بعد أن تبرأ منهم علانية ، وأظهر فى مواقف عدة إنه لم يكن سكرتيرا لرئيس الجمهورية المخلوع بدرجة وزير خارجية ، أو موظفا رفيع المستوى عند الحكام العرب بدرجة أمين جامعة الدول العربية
ولكن أثبت موسى خلال المناظرة أنه رجل دولة ، وإن كبر سنه لايعنى أنه معتل صحيا ، ولكن أصقلته خبرة السنين ، وأصبح يعرف كل صغيرة وكبيرة فى مصر ، وحفظ الملفات الداخلية والخارجية عن ظهر قلب ، وإنه إستفاد من سيئات النظام السابق ، وإستوعب الدرس جيدا ، وبالتالى لن يكرر أخطاء الماضى إطلاقا ، ولن تستفد منه الرموز الفاسدة فى النظام البائد التى فى السجون حاليا إذا أنتخب رئيسا .
لقد حاول البعض عبر " الفيس بوك " تشويه المرشحين ، ووصف أدائهما بالإنفعالية والضعف والتناقض ، لدرجة أن هناك أقاويل ترددت بأن المرشحين الثلاثة عشر للرئاسة لايصلحون ، خاصة إن أبرز إثنين فيهما ، ظهرت سوءاتهما إثناء المناظرة ، وإن منصب الرئيس أكبر منهما بكثير ، فما بالنا بالأخرين خاصة ، الذين دخلوا سباق الترشح خطأ ، ولايصلحون لقيادة قرية أو مدينة صغيرة ، بل طالب البعض الاخر بضروة تشكيل مجلس رئاسى مدنى وتسليم السلطة إليه فورا من المجلس العسكرى ، لعدم وجود شخصية من بين المرشحين يمكن انتخابها تصلح لقيادة مصر فى مرحلة مابعد ثورة يناير .
وأختلف تماما مع من يرى أن أول مناظرة بين المرشحين موسى وأبو الفتوح قد جاءت بنتائج عكسية ، ولا أرى مبررا أبدا فى تجاهل كل المرشحين وعدم إجراء الإنتخابات وتشكيل مجلس رئاسى مدنى ، لإن من يدعون إلى ذلك هم من " الفلول " الأغبياء الجهلاء ، كارهو الثورة ، والذين يحلمون بعودتنا إلى الخلف ، وقت أن كان إختيار رئيس الجمهورية
هو أقبح فعل سياسى يتم على أرض مصر ، ومبايعة الرئيس يقوم بها " العبيد " وكدابين الزفة والمنافقين وحملة المباخر وأصحاب المصالح والمنتفعين ، ووقت أن كان الرئيس " المختار" فرعون صغير ، وكان الشعب مغلوبا على أمره ، ولكنه الان حرا .
حمدى البصير