المرأة المنتقبة وسبب تقديس البعض لها
تقديس التخفي والانتقاب

نجلاء محمد في الثلاثاء ١٠ - أبريل - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

مقال يؤصل ويوضح تاريخ التخفي والانتقاب والتلثم منذ نشأة الإنسان على الأرض وحتى عصرنا الحاضر.

   فدائماً ما يقدس الانسان الشئ الذي يجهله أو تخفى تفاصيله عن إداركه الحسي المحدود، حدث هذا مع الانسان في الماضي ،وقبل نزول الرسالة الخاتمة على النبي محمد عليه وعلى جميع الأنبياء السلام، وحتى وقتنا هذا عندما تنتشر الخرافة فيحصل المُتخفي على المهابة والتبجيل وربما التقديس.!

 ولقد أهاب الناس عالم  الجن ووصفوه بصفاتٍ تفوق قدراتهم  وكما نعلم أن الجن منه ما هو  ملائكة ومنه ما هو شياطين ومن جنسهم العفاريت..ولذلك عَبَدَ الانسان القديم . الملائكة وعَبَدَ الجن.. وعبد الكواكب والنجوم..

 حتى أن أبونا ابراهيم عليه السلام في رحلة البحث عن التوحيد والاهتداء إلى خالق الكون.. بدأ رحلته البحثية الايمانية بإعلانه أن رأى القمر إلهاً  وأراد أن  يعبد القمر ثم تدرج إلى الشمس .. ثم أعلن أنه توجه بوجهه لخالق السموات والأرض.. حتى وصل يقين الإيمان بعقله.

 لذلك قد وصفه الله تعالى بأنه (أُمّة)  وبعد ان أضل الشيطان كثيراً من البشر .. عبد كثير منهم الملائكة ومنهم من عبد الجن وقدسه وكان يصيبهم الهلع عندما تأتي سِيَر الجنة في مجالسهم..

وكل هذا  لأن الانسان البدائي المحدود العقل .. دائما يهاب ويُجِلُ ما لاتسطيع حواسه إدراكه إدراكاً كاملا..

 وبالمثل لو تصفحنا تاريخ العقائد المصرية القديمة لوجدنا أن المصري القديم قد قدس وعبد إلهاً مختفياً كان هو سيد المعبودات المصرية القديمة .. وأطلق المصريون على هذا الإله اسم (آمون) ومعناه باللغة المصرية القديمة (المختفي) ، في حين أن باقي ألهة المصريين كانت معروفة لديهم وهى إما على شكل طائر (حورس)  أو أفعى  أو بقرة (حتحور) ..!

 لكن كان الإله المبجل لديهم كان دائما (آمون) وكان الملوك المصريين ينسبون أنفسهم له مثل "توت عنخ أمون). 

وهكذا بَجّل الانسان ـ في بداوته ـ الأشياء التي لايحيط  بكل معالمها من ملائكة وجنة وكواكب ونجوم.. وحيوانات. أو طيور.! ربما يقدسها في بعض  مراحل طفولته العقيدية.. إلى أن ينضج.. يصل إلى تقديس الله وحده. وتقديس كتابه العزيز. الذي لاياتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

  حتى  أن أحد أقطاب المتصوفة كان لا يظهر على مريديه سافر الوجه مطلقاً وكان الكثير من مريديه لا يعلمون معالم وجهه بالرغم من ثقته الكبيرة فيهم لسنين طويلة جداً ،

 وكان ذلك سبباً كبيراً جداً في مهابتهم له وإجلالهم له إجلالاً يفوق كل قطب في عصره..! وكان هو يعرف ذاك  ولهذا أصر على تَخَفّيه هذا وإنتقابه وتلثمه. إلى آخر يوم في حياته.

هكذا زادت مهابته وقداسته وهو ملثم منتقب في نظر مريديه وأتباعه..

هل توقف الأمر عند هذا الحد واقتصر على أقطاب الصوفية وأتباعهم.!؟

طبعاً الكثير من القراء والكُتاب يعرفون الإجابة.. فلم يتوقف التّلَثُمُ عند الأقطاب بل تعداه إلى اللصوص .. وليس أية لصوص بل عتاة اللصوص والسفاحين.. كان دائمي اللثام وتغطية الوجه والرأس  مما يشيع الأسطورة المخيفة والرعب والهلع عند المعاصرين لهذا اللص او ذاك السفاح المثلم المنتقب.!

ليس هذا فحسب بل إن المهابة والمكانة الكبيرة له تزيد في نظر أقرانه من اللصوص أو السفاحين الغير ملثمين..!!

ولارتداء نساء العرب النقاب قديما أسبابه.

  فنساء الجزيرة العربية من بيوتات العرب الشهيرة قبل نزول القرآن على النبي محمد ، بل قبل ولادته بالعديد والعديد من القرون.. فكنّ وهن الحرائر ومن كبار البيوت العربية.. منتقبات ملثمات خوفاً عليهن من الأسْر والخطف .. إما للتمتع بهن أو لبيعِهِنّ في أسواق الجواري والإيماء بعد أن كُنَ حرائر وسيدات مجتمع.. وكانت تلك التجارة أروج وانفع تجارة في ذلك الوقت..

ليس هذا فحسب بل إن القبيلة التي تريد أن تلحق العار بقيبلة أخرى معادية لها وتكسر أنفها.. فتخطف الحرائر من فتياتها ونسائها.. وتبيعهن في سوق الرقيق.!!

 لذلك: كانت الحرائر من الفتيات والنساء تلبس النقاب في عصور الجاهلية في الجزيرة العربية قبل نزول القرآن على الرسول محمد بقرون طويلة.. !!

 ولكي لا تعرف الحرائر من الفتيات والنساء في القبيلة عند خروجهن من الخيام أو الديار .. فكانت الجارية تخرج مع سيدتها الحرة سواء كانت فتاة أوسيدة وهى ملثمة (منتقبة) أيضاً حتى يكون تمييز الحرة من جاريتها من الصعوبة التي تقلل أو تمنع الاختطاف او الأسْر.

  أما الجواري السافرات الوجوه فهن غير مطمع للرجال او الفتيان من نفس القبيلة أو من القبائل الأخرى.. حتى ولو كن من الحسان نوعا ما .

 الشمس الحارقة طوال العام في صحراء الجزيرة لأكثر من عشرة شهور في العام.. جعلت المرأة وهى المعتنية بتكوينها الجسدي أن تتوارى عن لهيب الشمس الحارقة.. بكل الطرق وبكل الوسائل..!!

  وإذا كانت المرأة العربية البدوية مطلوب منها أن ترعى الغنم والابل وغيرها.. لتساعد الرجال في العمل والانتاج فكان الرجل إما في قافلة تجارية خارج حدود القبيلة.. أو في إغارة على قبيلة أخرى.

والمرأة الحرة في كل قبيلة ليس لها باع او ذراع في هذين الأمرين..!

 لذلك كان الكثير من حرائر العرب من النساء ترعى الابل والغنم وغيرها في حرارة الشمس الملتهبة طوال العام التي تحرق الوجه وتسبب الحروق الشمسية المؤلمة.. وكان عليها ان تحمي وجهها وبشرتها من تلك الحروق .. التي تضر بالوجه وهو رأس مالها وعزها ومجدها..

  لذا  أيقنت هذه المرأة وكل من يهتم لأمرها من قبيلتها أن تغطية الوجه أوتلثيمه هما من أقوى الضمانات للحماية من الخطف والأسْر والرق وحروق الشمس.

 لكل تلك الأسباب .. أصبح تلثيم الوجه وتغطيته هو والشعر عقيدة عربية جاهلية بدوية ،وضرورة حياتية لا غنى عنها إلا داخل الخيام والحجرات داخل الديار.

 وعلى هذا :  فالقبيلة العربية البدوية قبل تمام  الاسلام بنزول رسالة القرآن على النبي محمد عليه السلام ،بجّلت ووقرت تلك المرأة المنتقبة الملثمة ، سواء كانت فتاة أوسيدة حرة أو أمَة.

لماذا وقرتْ القبيلة المرأة الملثمة ؟ .. لأن في ذلك راحة البال لرجال القبيلة المسؤولون عن تلك المرأة او الفتاة الحرة.. لكي لا تثير الرجال في القبيلة ولا الغلمان والعبيد الأشداء في القبيلة لأن  كبار رجال القبيلة في المكانة الاجتماعية والثروة يتزوج الواحد فيهم  أكثر من زوجة ، ويهمل لذلك زوجاته اللاتي تزوجهن من قبل ..!!

 ولأن في تلثمها وتَخَفِّيها أمان لها وحفظا لكبريائهم من أن يُهان أو يَنالُ منه قبيلة اخرى لو قاموا بخطف حرائر القبيلة  وبيعهن في سوق الرقيق انتقاماً من القبيلة المعادية لها.

وعن انتشار النقاب بعد عصر النبوة

بعد أن دخل المكيون والقريشيون في الإسلام  بعد فتح مكة..  نقلوا تبجيلهم للثام والانتقاب الذي ترتديه المرأة .. بعد وفاة الرسول بعشرات السنين نقلوا هذا الموروث الثقافي والاجتماعي إلى الاسلام عن طريق روايات لا أصل لها ، ليفرضوا النقاب  ديناً منسوباً للإسلام .!!

 سؤال : هل كانت النساء التي بايعت الرسول تحت الشجرة منتقبات. ألم يصافحهن الرسول في تلك البيعة يداً بيد..  ألم يَقْبِل الرسول منهم تلك المبايعة وجهاً لوجه؟؟

يقول تعالى: لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِندَ اللَّهِ فَوْزاً عَظِيماً{5} وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً6 .الأحزاب

ويقول تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً{10}الاحزاب

ويقول تعالى: عن المؤمنين وذلك يشمل النساء والرجال:

{لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً }الفتح18

وقد يقول قائل إن المبايعة لم تتم باليد مباشرة.. كما يزعمون في السيرة ..!

 لكن الآية رقم (10 ) تؤكد أن البعية تمت مع الرسول باليد مباشرة ،لأن الآية تؤكد ذلك بقوله تعالى { إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ}

وقد يقول قائل أن الخطاب للمؤمنين وليس للمؤمنات لكن آية عظيمة اخرى اتت تؤكد مبايعة الرسول للمؤمنات  مباشرة يداً بيدٍ وهن معروفات الوجه والشخصية.. فلا يصح ولا يعقل أن يبايع إنسانٌ إنساناً وهو مخفي الوجه والشخصية، يقول تعالى عن ذلك: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }الممتحنة12.

وفي المقال القادم بعون الله تعالى أحاول إلقاء الضوء على الدوافع النفسية التي أدت إلى التخفي والانتقاب .

 

اجمالي القراءات 16565