البحث عن شباب 25 يناير!

محمد عبد المجيد في السبت ٠٧ - أبريل - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

جعلوا الدنيا كلــَّها تتوجَه إلىَ أعـْرَق مساحةِ أرضٍ قامَتْ عليها أُمُّ الحضارات، ثم اختفوا كأنهم كانوا حُلماً استمر ثمانيةَ عشر يوماً، واصبح فصّ ملح.. وذاب!
هــَـزّوا عـَـرْشَ الطاغوت الذي أمسك برقاب المصريين ثلاثين عاماً، وناموا تحت الدبابات، وتعاونوا على التسامح والمساواة وعشق الوطن فلا تعرف مسلميهم من أقباطــِهم، والتحم الهلالُ بالصليبِ لأول مرة منذ ثورة 1919، وبعد ذلك قاموا بتسليم مفاتيح النصر إلىَ مَنْ كانوا حُماة الطاغية، ومبرري استبدادِه بزعم أنَّ الخروجَ علىَ وليِّ الأمر معصيةٌ لله تعالىَ.
قاموا بوداع مئاتٍ مِنْ زملائهم الذين غادرونا إلىَ الرفيق الأعلىَ، فالشهادةُ مختومة بختم ميدان التحرير، والجنةُ فـَـتـَحـَتْ أبوابَها لشباب زيّ الورد عند ربهم يــُـرزقون، وبعد صعود أرواحِهم الطاهرة، أعطىَ زملاؤهم للساعد الأيمن للمخلوع كلَّ الصلاحيات وانجازات الثورة ومكتسبات الغضب العارم،ولم يــُصـَـدِّق المشيرُ أنَّ ذكاءَ الثوّار تـَـحـَـوَّل إلىَ غباءٍ يُعطي مصرَ بعد استردادِها للرجل الأكثر وفاءً وولاءً ومحبةً وإخلاصاً للمخلوع.
سـَخـَرَتْ منهم القوىَ الدينية التي زعمتْ أنها ستـُطـَـبـِّـق شرعَ الله، وأنها تسعى لتكوين قاعدة من مكارم الأخلاق، فرفضتْ الخروجَ معهم، وتمسـَّـكتْ بوليِّ الأمر الجزّار واللص، وتحالفت معه ثم مع العسكر، ثم مع سفارات غربية وعربية لا ترجو لمصر تقدما أو أمنا أو سلاماً، وتعرَّت قوى التديُّن الزائف أمام الثوار، فلما نجحتْ ثورتــُنا المجيدة أعطيناها لخصومـِها، ووقفنا كالماشية المطيعة لراعيها أمام صناديق الاقتراع ولم ننس أن نضع في يده العصا ليهشَّ بها علينا أو يسلخ بها ظهورَنا.
رفع الثوارُ الأحذية في وجه الديكتاتور اللعين، وعندما فرحنا بالنصر تركنا الميدانَ، فـَـمـَـنْ وثـَـق فيه المخلوعُ لأكثر من عشرين عاماً اختاره الثوارُ ليــُـكـْمـِـل المسيرة ولم يسألوه إنْ كان معه أو معهم، فجاءت شهادتــُه في المحكمة العبثية تؤكد لهم أنه لايزال الساعدَ الأيـّمـَن لقاتل أولادِهم .. مبارك اللص.
انتهت فرحة النصر، ووثب علىَ الكعكة حزبيون ودينيون وعسكر وحرامية وبلطجية وفلول، ففرح الثوار بأنَّ كل لصٍّ يـُـطـِـل عليهم من فضائيةٍ يقول بأنه ثائرٌ، وأنه يؤمن بمباديء الثورة ومطالبها حتى لو كان لدينا سبعون دليلا على أنه مرتشٍ، ومُجرم، وفلولي، وكاذب، ومُخادع، وابن ستين ألف كلب....!
ظهر سارقو الثورات، ويحمل كل منهم على كتفيه إرثَ حزبٍ أو تعاليم مُرشدٍ أو نصائحَ شيطان، أو تاريخاً من المُراوغة والغشّ والعفن، أو بـَـلادة فكرية مصبوغة بمذهب أو دين أو أيديولوجية، فتصارع الثوار عمن ينحازون إليه أكثر، وتشتتوا، وتفرّقوا، وكانوا الأكبرَ في ميدان التحرير، فأصبحوا الأصغر وهم بعيدون عنه، يكتفون بلقاءاتٍ في فضائيات تنفخ الثورة أمامهم، وتــُـفرّغ الهواءَ منها بعدما يغادر الضيوفُ الصغارُ الاستديو!
ورفض القضاءُ الانحيازَ إلى شعب مصر وثورته، فالقضاءُ كرجال الدين وجنود الجيش وضباط الأمن وحاملي القلم في السلطة الرابعة، تنحني الجبهة لسيـّـد القصر أولا، مخلوعا أو مشيراً، فالزعيمُ قبل الله، والقصرُ قبل دور العبادة، والسوط أصــْدَق إنباءً من الكتب.
وأخرجتْ لنا صناديقُ الانتخاب لسانــَـها، وبصقتْ علىَ أيدينا، وصفعتنا على أقفيتنا، فقدْ منـَـحـَـتـْـنا مارداً من نار، وجماعة معجونة بالكذب، ومتعصبين يحلمون بإمارة دينية تصغر بجانبها قندهار، ومُتشددين يهيئون الوطنَ لفتنةٍ طائفيةٍ، وتـَـدَخـُّـل غربي، وقطع العلاقات مع معظم دول العالم، وفتح المجال لمتطوعين من دول خارجية مهووسين يبحثون عن الدم ليسفحوه أو.. يشربوه.
وجاء دورُ الفئة الأكثر خطراً على مصر ومستقبلها وهم من كل الأنواع والأصناف والطبقات، منهم أميّون، وجامعيون، وإعلاميون، وطلاب، وفيسبوكيون، يهاجمون بضراوة وحماقة وتخلـُّـف كلَّ من ينتقد زعيماً دينيا أو شيخاً مـُـعـَـمَّـماً أو فضائياً ذا لحيةٍ بيضاء كثـّـة، فهم يؤمنون بأنَّ كلَّ مـَـنْ يستشهد بآيةٍ قرآنيةٍ يمثل الإسلامَ، ولو كان الأمرُ كذلك لـَـما وجد إبليس صعوبة في الاستشهاد بآياتٍ من كل الكتب المقدسة.
لا أخشى على مصر من أي فئة أكثر من خشيتي علىَ بلدِنا من هؤلاء، فـَـهُم الذين وقفوا أمام صناديق الانتخاب، وهم الذين يستعدّون للوقوفِ مرة أخرى لانتخاب رئيس للجمهورية، مخبول، أو متخلف، أو نصف أميّ، أو وصولي، أو متشدد، أو عسكري،أو زعيم فيه روح المخلوع.
إنهم ملايين لا تعرفهم بسيماهم، ولا تكتشفهم من أول كلمة أو حتى آخر كلمة، لكن روحَ التعصب والطائفية وكراهية الآخر تسري في عروقهم، وتجري في دمائهم.
أحاول ما وسعني الجهد أن أبحث عن أبنائــِنا، وأحبابــِنا، وأبطالــِنا الذين لم تـُـصبهم بعدُ رصاصات عمياء من الجيش أو الشرطة أو البلطجية أو قنـّـاصة العيون الذين وَعـَـدَتهُم السـُـلطة بالافراج عنهم حتى قبل أنْ يفقأوا عُيونَ شبابِ مصر الغاضبين على الظلم.
لكن الثوار تفرّقوا، وأصبحوا مئات من الائتلافات، وانضم بعضُهم إلىَ أحزابٍ، وأمسك بعضُهم بأيدي قوىَ ستبعثهم إلى المهالك، وتراجعتْ مطالبهم، وخفتت أدعيتهم لزملائـِـهم الشهداء، ولم تـَعـُـدْ مُحاكمة المخلوع هي الأهمَّ أو استرداد الأموال أو استقلال مصر أو استيلاء العسكر على الحُكم أو عدم صلاحية النائب العام أو مضاعفة أعداد الفلول الذين أصبحوا أكثر من عددهم في زمن سيدهم ووليّ نـِـعمتهم.
أبحثُ عن الثوار، وأعلم أنهم هناك في حالة يأس وإحباطٍ، وأنَّ مصر الولاّدة لم يظهر فيها زعيمٌ يمسك بأيدي شبابنا، ويعيد إحياءَ الثورة، ويُدخل العسكر إلى ثكناتهم.
لا أجد أمامي إلا مرشــَحين للرئاسة، فأعيد النظر إلى مصر مرة و .. مرتين، ثم إلىَ المرشــَحين مثنىَ ورُباع وسُباع فإذا هم أصغر من بعوضة، وأخف من نملة.
كيف تحوَّل عشرات الملايين الذين خرجوا في الحادي عشر من فبراير 2011 لاسترداد مصر من طاغيتها إلى سراب يجعلنا لا ندري أكانت هناك ثورة أم كنا نحلم؟
يقيني أنه لم يكن حُلماً تحوَّل إلىَ كابوس، لكنها ثورة منحناها عن طيب خاطر وطواعية وسذاجة إلى من قام بتحويل انجازاتها إلى كابوس.
أيها الثوار الشباب الشرفاء الينايريون الأبطال،
أبحثُ عنكم في كل مكان فلا أعثر لكم على أثر!
عودوا إلى ميدان التحرير، يرحمكم الله، فمصرُ هناك تقف حزينة، مهمومة، ضعيفة وهي تنظر إلى أوغاد، وجزّارين، ولصوص، ونهَّابين، وجواسيس، وقساة غلاظ القلب، وثأريين يريدون الانتقام لكرامة المجرم المخلوع، والانتقام لسارقي ثورتكم.
إمّا أن تعودوا إلىَ ميدان التحرير أو تبعثوا رسالة عزاء في ذبح وطن.

محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو في 6 أبريل 2012

 

اجمالي القراءات 10846