التقوى أساس القيام بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر

آحمد صبحي منصور في الجمعة ٠٦ - أبريل - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

 كتاب (الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر  ).

الباب الأول : (الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فى الاطار النظرى  )

الفصل الأول : (  الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر اسلاميا وقرآنيا  )

رابعا : دور الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فى قوة الدولة الاسلامية 

 (3 ) التقوى أساس القيام بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر

  أهمية التقوى كمقصد تشريعى مهيمن على الأوامر التشريعية 

1 ـ إنّ كل العبادات فى الاسلام ـ سواء كانت فردية أو جماعية ـ إنّما هى مجرد وسائل للتقوى:( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ  ) ( البقرة 21 ) والتقوى هى السمو بالنفس وتزكيتها سواء فى التعامل مع الله جل وعلا بتقديسه وحده وعبادته وحده واخلاص الدين له وحده ، وفى التعامل مع الناس بالتى هى أحسن وبالتفاعل معهم بالخير والتواصى بالحق والصبر والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.

 2 ـ حين يقول جل وعلا فى تشريع الصوم :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) ( البقرة 183)، فهنا أمر تشريعى بالصوم ، أما المقصد التشريعى فهو التقوى . وبعدها بعدة آيات يقول جل وعلا ردا على سؤال : (وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) ( البقرة 189) فهنا تأكيد على أن التقوى مقصد تشريعى . وفى تشريع القتال الدفاعى يقول جل وعلا :( الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ) ( البقرة  194 )،فالله جلّ وعلا مع المتقين وهو جل وعلا لا يحب المعتدين ((وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ )( البقرة 190 ) فالتقوى مقصد تشريعى يهيمن على الأمر بالقتال ويحصره فى الدفاع فقط ، ويوقف القتال الدفاعى حين ينتهى الهجوم (فَإِنِ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انتَهَوْا فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ )( البقرة 192ـ ). وفى فريضة الحج  يتكرر التأكيد على أن الحج مناسبة للتزود بالتقوى ، يقول جلّ وعلا :( الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الأَلْبَابِ) (البقرة 197 )، فالمقصد التشريعى وهو التقوى أساس ومهيمن على الأمر التشريعى بالحج .  

بدون التقوى يكون الفساد فى تطبيق أوامر الشرع

1 ـ هذه أمثلة متتابعة من سورة البقرة فى سياق بعض تشريعات الاسلام يتضح منها أن الأمر التشريعى يخضع لمقصد تشريعى أعظم ، وتنفيذ الأمر التشريعى بمعزل عن المقصد التشريعى يعنى الفساد ،  فلو صام المؤمن دون تقوى أصبح الصوم مجرد جوع وعطش ،بل أصبح كما هو الحال فى عصرنا وسيلة لتبرير سوق الخلق والغضب بلا داع ، والسهر بالليل لملء البطون والتسلية والمجون ثم نوم بالنهار لتمضية الصيام كيفما كان . وفى الحج بلا تقوى يصبح حامل لقب ( عمك الحاج ) يشجع على الرياء وووسيلة للنصب والخداع ، ولا ريب فى ذلك فقد رجع من الحج عريانا كيوم ولدته أمّه .!. والقتال ( وقاتلوا ) فقط بدون تقوى يعنى الهجوم بالاعتداء ليس فى سبيل الله جل وعلا ولكن فى سبيل المال والثروة والجاه والغلبة والاحتلال والسيطرة ، أى فى سبيل الشيطان كما كان فيما يسمى بالفتوحات الاسلامية ، والاسلام منها برىء .!

2 ـ إذن لدينا مشكلة التطبيق فى أوامر الشرع هنا ، وهى أن الأوامر يتم التركيز عليها وتطبيقها بمعزل عن الغاية منها وهى المقصد التشريعى المهيمن عليها والحاكم فيها . وبالتالى يتحول التطبيق الى عصيان وحرب لله جل وعلا لأنه يتم تطبيق ( شرع الله ) بما يخالف شرع الله ، ومن ثمّ يتوجّه الاتهام لرب العزة وللإسلام بأنه دين الارهاب والتزمت والتخلف .

3 ـ تتطور الخطورة فى أن غياب التقوى لا يعنى فقط  سوء التطبيق وتحويل العبادات الى رياء و فسوق وعصيان ، بل هناك ما هو أفظع ، وهو تبرير هذا بأحاديث زائفة توجب وتفرض الحرام وتستحل الحرمات وتنشىء أديانا أرضية ، وهذا ما حدث فى تاريخ المسلمين . فقد بدأ بالصحابة سوء التطبيق مبكرا بعد موت خاتم المرسلين فى تشريع القتال الذى يقول فيه رب العزّة : (وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ )( البقرة 190 )، جاء سوء التطبيق هنا بالتركيز على الأمر (وَقَاتِلُواْ ) ونسوا القاعدة التشريعية المذكورة فى صلب الآية بعد الأمر مباشرة : ( فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ )، ونسوا المقصد التشريعى وهو التقوى الذى جاء ضمنيا فى قوله جلّ وعلا:(إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) وجاء صريحا فى الآية الأخرى:(الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ)(البقرة :194).والتقوى  مقصد عام فى كل التشريعات ومنها القتال فى سبيل الله جلّ وعلا ، ولكن للقتال فى سبيل الله مقصد خاص به وهو منع الاضطهاد الدينى أو الفتنة : ( وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انتَهَوْا فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ )( البقرة 193 ). وهذا أيضا تم تجاهله . وكان لا بد من ملء الفراغ بعد تضييع شرع الله جل وعلا فى القتال الدفاعى ، ولا بد من ملء الفراغ بما يسوّغ الاعتداء ويبيح الاكراه فى الدين ، وهنا يتولد الدين الأرضى بالافتراء على الله جل وعلا وصياغة الوحى الشيطانى، ومنه هذا الحديث الذى أنجبه وافتراه البخارى القائل : ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا ...).

أهمية التقوى لسلامة الفرد والمجتمع

وتشريعات الاسلام ـ التى تهيمن عليها التقوى ـ تحتاج فى التطبيق لمجتمع يعرف التقوى فيتفاعل بالخير على مستوى الفرد والمجموع . وتشريعات الاسلام ـ التى تهيمن عليها التقوى ـ تؤكد هذا التفاعل بين الفرد ومجتمعه . ولنتدبر قوله جل وعلا :(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً )( النساء 58 )، فنلاحظ  الآتى :

 1ـ :إنّ الله جل وعلا يخاطب المؤمنين مباشرة وبلا واسطة موجها لهم الأمر المباشر فردا فردا.  وهذا يعنى أن المفترض أن يتقوا الله جلّ وعلا ، وأن ينفذوا أوامره باخلاص ودقّة .

 2 : ـ  مجىء الأوامر بتأدية الأمانات الى أهلها والحكم القضائى بين الناس بالعدل قد يعنى وجود دولة لها نظامها القضائى فى الحكم بين الناس، وقد يعنى وجود مجتمع شبه دولة كالقبيلة والجماعة المنظمة . وفى كل الأحوال فإن النظام القضائى فى الفصل فى النزاعات بين  الأفراد والجماعات هو من أوائل مهام نظام الحكم حتى فى دولة الاستبداد الفردى ، وحتى فى عدم وجود دولة بالمفهوم الحديث .

 3  ـ  والخطاب هنا أيضا ليس فقط لنظام الحكم والسلطة القضائية ولكن أيضا للمجتمع وتشكيلاته الشعبية وأفراده بتأدية الأمانات  ـ أى الحقوق ـ الى أهلها . وهنا التفاعل بين الفرد والمجتمع .

 4 : وهذا التطبيق للأوامر التشريعية فى تأدية الأمانات ـ اى الحقوق ـ يخضع للمقصد وهو التقوى . ولم يأت لفظ التقوى صريحا، ولكن جاء معناه بالتذكير بأن الله جل وعلا سميع وبصير ( إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً ) ، أى على كل شىء شهيد ، ويعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور : (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ) ( غافر19 )، ويعلم السّر وأخفى :(وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى )( طه 7 ) . وبالتالى فإذا كنتم تحتالون على القانون وتستخفون من الناس فلا يمكنكم الهرب من رب الناس،وهو جل وعلا معكم أينما كنتم ( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) ( المجادلة 7 )

 5 ـ وهذا التشريع وتطبيقه بتقوى الله جل وعلا وبأفضل ما يكون هو نعم التشريع ونعم التطبيق ، وهو نعم الوعظ الالهى : (إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ ). أى هو الخير كل الخير للفرد وللمجتمع . وتخيل مجتمعا يضمن الحقوق لأصحابها ويقيم العدل بين أفراده بأقصى طاقة بشرية ، هنا يتحقق حلم الفلاسفة فى اليوتوبيا ، وينام جون ملتون مؤلف قصيدة ( الفردوس المفقود ) فى قبره قرير العين . 

الأغلبية الصامتة ظالمة بعيدة عن التقوى الاسلامية

1 ـ هذا المجتمع المتقى الناشط بالحق والناطق بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر لا بد أن يتكون من أفراد قاموا بتغير ما بأنفسهم من سلبية وخنوع ومن أنانية وشحّ الى ( تقوى ) وهى (أم الفضائل ).

2 ـ بدون هذه التقوى يكون المجتمع فاسدا مؤهلا للهلاك ، ويعايش الظلم ليل نهار . ويتنوع الظالمون فيه الى أقلية تحتكر الثروة والسلطة ، وأغلبية مقهورة مغلوبة على أمرها ساكنة ساكتة ، ولكنها ظالمة لنفسها أكثر من ظلم المستبد وأعوانه لها . السبب الحقيقى فى الظلم هو وجود قوم لديهم الاستعداد للرضى بالظلم والتعود عليه . إذا كان هناك من يركع يهيىء ظهره لمن يركب فلا تلومنّ الراكب ، بل اللوم للمركوب أولا إذ لولا أنه جعل ظهره ذلولا للراكبين فلن يركبه أحد . لو وقف شامخا برأسه مثل الآخر فلن يركبه الآخر . هو الذى بدأ يطأطىء رأسه ثم يركع ليدعو الآخر لركوبه .

3 ـ لا يمكن لهذا أن يكون متقيا لله جلّ وعلا ، لأسباب كثيرة منها : لأن الركوع والسجود والخضوع لا يكون إلا للخالق جل وعلا وهم يخضعون للبشر الحاكم أكثر من خضوعهم لله جل وعلا ، ويخشونه ويخافونه أكثر من خيفتهم وخشيتهم من الله جلّ وعلا ، ولأن المستبد سواء كان مستبدا عاديا أم مستبدا مستغلا بالدين لا بد أن يزعم الالوهية لنفسه صراحة أو ضمنا ويجعل تلك الأغلبية تقدسه . وفى أغلب الأحوال يعتمد المستبد على دين أرضى يفرضه على الناس ويجعل لرجاله السيطرة ، ويزعمون لأنفسهم سلطة دينية فى التحكم فى الناس ، وبنفوذهم  الدينى يتأكّد نفوذ المستبد السياسى . وبالتالى فإن هذه الأغلبية الساكتة عن الظلم والمتعايشة معه تظلم رب العزة حين تجعل من المستبد وأعوانه شركاء لله جلّ وعلا فى الالوهية .

4 ـ بالاضافة الى هذا الظلم العقيدى الذى يجعلها تتقى الحاكم ولا تتقى الله تراها بخضوعها هى المشجّع الأكبر للمستبد الحالى ، فإذا ثار عليه منافس له وغلبه واغتصب منه العرش تجد ظهر تلك الأغلبية عرشا جاهزا للمستبد الجديد . ولا يكون سهلا ذلك الانتقال من نظام حكم مسنبد لآخر مستبد ، بل يتم هذا بحروب ومذابح وسلب ونهب فوق ظهر المركوب ، أى تدفع الأغلبية فاتورة الصراع على السلطة من دمائها وأموالها وحياتها . وهى بذلك ما كسبت الدنيا وما ربحت الآخرة .

5 ـ والله جلّ وعلا أوضح فى القرآن أن الظالمين فى السلوك ليسوا فقط  من يرتكب الظلم والاعتداء ، بل أيضا ذلك المستضعف الذى يرضى بالظلم ويعايشه الى أن يموت عليه . عندما يموت تبشره ملائكة الموت بجهنم :( إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُواْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا )(النساء 97 : 99 ) . وهنا نلاحظ  انه لم يرد وصفهم بالايمان بل بوصفين : الاستضعاف وانهم ظالمو أنفسهم حين عاشوا فى قهر الظالم لهم ولم يهاجروا فى أرض الله الواسعة . وأنه ليس عذرا لهم هذا الضعف والتكاسل عن الهجرة إلّا إذا كانوا فعلا غير قادرين عليها . ولقد كان الاضطهاد الدينى والسياسى والظلم ـ ولا يزال ـ من أهم أسباب الهجرة .

6 ـ  ومن عجب أن تجد الأغلبية الصامتة عن الحق تخرج عن صمتها وتصرخ أحيانا بالهتاف والتأييد للظلم ، تهتف للمستبد الظالم : ( بالروح والدم نفديك يا عبّاس ) فإذا رحل عباس وجاء عبّاس آخر هتفت له الغلبية ( الصامتة ) بنفس الهتاف لعباس . أى هى أغلبية صامتة عن إنصاف نفسها ، وهى أغلبية صارخة هاتفة زاعقة فى تمجيد المستبد الذى يقهرها ويعذبها ويستنزف دماءها ويقتل أبناءها . لا وجود للمستبد بدون رعيته كما لا وجود للراكب بدون دابته . كلاهما يوالى الآخر . يقول جل وعلا بايجاز وإعجاز فى الظلم السلوكى الذى يكسبونه بأعمالهم : ( وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ )( الانعام129 ).

7 ـ والله جل وعلا يقول : ( وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَابَّةٍ )( النحل 61 ). وهذا يعنى أن كل الناس ظالمون مستحقون للهلاك لولا رحمة الله جل وعلا . فكيف يكون البشر جميعا ظالمين ؟ الاجابة هى أنهم نوعان : نوع يقوم بالظلم وآخر يتحمل الظلم . أو نوع يظلم غيره ، ونوع يظلم نفسه بالخنوع والرضى بالظلم . وبالنوعين معا يكون البشر كلهم ظالمين مستحقين للمؤاخذة والهلاك العام والتام لولا رحمة الله جلّ وعلا.

أخيرا

إن عاقبة المجتمع الظالم هى الهلاك إذا استمر على ظلمه وإن لم ينقذ نفسه بفضيلة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.

اجمالي القراءات 13037