منذ العصر المطير كانت واحات مصر مقراً للمياة العذبة الوفيرة لملايين السنين إلى أن أتى الجفاف الكبير.. فأقلعت السماء عن التهمير.. وغاضت المياة في طبقات الأرض السفلى بالواحات... وسكنت المياة هذه الطبقات زاداً وزخراً لبني الانسان الذين سوف يقطنون هذه الواحات من المصريين..
وبالفعل تقابل الانسان المصري القديم مع مياة الواحات عندما كانت تتفجر عيوناً من ذات نفسها بأمر من ربها.. دون تدخل من الانسان .. َوَرَد الانسان هذه العيون وعاش بجوارها يشرب ويذهب للصيد يقتات.. ثم يعود مرة تلو المرة للشرب واستعمال المياة للحياة..
إلى أن عرف قاطن الواحات طرقاً مختلفة للحفر واستخراج العيون المائية.. وكان الفراعين هم أول من قام بذلك كمبتدئين .. إلى أن أتى الرومان أصحاب علوم المياة الجوفية في الماضي وحفروا عيوناً مائية من صنع الانسان بحثاً عن المياة لغرض الزراعة والاعمار ..
أشهر كلمة عند اهل ألواحات هى (عين روماني) يعني عين مية روماني.. يعترف الواحاتيون بأن الرومان أصحاب فضل في هذه التكنولوجيا القديمة في استخراج المياة للزراعة من باطن الأرض بتلك الكميات الوفيرة الدائمة..
عاش أهل الواحات المصرية آلاف السنين يزرعون النخيل والزيتون والشعير والقمح على مياة العيون الرومانية.. حتى بعد نزوح العرب إلى الواحات المصرية بعد الغزو العربي لمصر.
أما عن الآبار التي تم حفرها في العصر الحديث يعني من بعد تولي جمال عبد الناصر زمام الحكم بمصر....فقد تم بالواحتين حفر 250 بئراً في الفترة ما بين 1959م وحتى 1969 م ، وتم عمل في كثير منها دراسات كهربائية وتجارب الضخ وأُجري العديد من حسابات تقدير كمية المياة داخل الطبقات الحاملة لها التي أثبِتَتْ:
تواجد المياة الجوفية في طبقات التتابع الرملي التي تعلو الصخور النارية والمتحولة والمعروفة باسم (صخور القاعدة أو صخور الأساس) وتتكون صخور التتابع الرملي من وحدتين أساساتين
1- السفلى منها تتكون من أحجار رملية بها قليل من التداخلات الطفلية .
2- العليا : صخور من الطفلة بها تداخلات من الصخور الرملية.
تتكون الأحجار الرملية من تتابعات من صخور رملية وطفلية.. يشكل النوع الأول أكثر من 70% من القطاع الكلي . كما أن التداخلات الطفلية غير مستمرة بل تكون على هيئة عدسات مختلفة السمك والانتشار الأفقي. وبالتالي فإنه يمكن اعتبار طبقات الحجر الرملي ذات اتصال هيدروليكي.
وتتراح حبيبات الحجر الرملي ما بين الناعم والخشن كما تختلف درجة تماسكها من الهشة إلى المتماسكة وتزداد هذه الوحدة سمكاً في الاتجاه من الجنوب الشرقي إلى الشمال الغربي ، ويتراوح سمكها قرب (مرتفع أبو بيان) ما بين 200 إلى 300 متر إلى 1800 متر في شمال الواحات (بين قصر الداخلة والفرافرة).
بينما ينعدم تماما وجود هذه الصخور فوق صخور القاعدة عند منطقة (أبو بيان) جنوب قرية باريس ودوسن بالواحات الخارجة. ويصل أقصى سمك لطبقات الحجر الرملي داخل منخفض الخارجة إلى حوالي 700متر ويزداد في منخفض الداخلة إلى 1600 متر ويزداد كلما اتجهنا غربا وشمالا. ويصل سمك الوحدة العليا الطفلية 267 متراً في الخارجة، و125 متراً في الداخلة.
وتعود تكوينات الوحدة السفلى (الأحجار الرملية) إلى عدة عصور جيولوجية تتراوح في عمرها الجيولوجي بين الباليوزي الأسفل (حوالي 500 مليون سنة) إلى الكريتاوي الأعلى (98 مليون سنة) وقد اصطلح على تسمية الجزء العلوي (التكوين الرملي النوبي) والذي حدد عمره بحوالي (85 مليون سنة) .
كانت الفكرة القديمة والنظرية السائدة حتى أوائل السبعينات: أن الوحدة السفلية كلها تتبع التكوين النوبي وأدى ذلك إلى خلط كبير في تتبع طبقات هذه الوحدة من الجنوب إلى الشمال والتي يصل سمكها إلى حوالي 2000 متر شمالاً.
ومن هنا فإن تحديد وتقسيم هذه الوحدة إلى عدة تكوينات يفيد كثيراً في مقارنة أعمال الحفر.
ومن الأفكار القديمة أيضاً:
أن الخزان الجوفي في الصحراء الغربية تتجدد مياهه من الجنوب الغربي ، وأثبتت الدراسات الحديثة عدم صحة هذا الفرض لماذا ؟!! لوجود صخور القاعدة بين مصر وليبيا، وبين مصر والسودان.. مما تجعل حركة المياة مستحيلة من خلال هذه السدود الجوفية العميقة جدا.
كما أنه بتقسيم الوحدة السفلى إلى عدة تكوينات أثبتت الدراسات الحديثة أن تكوينات الحجر الرملي المصري تختلف عن التكوينات الرملية في الأقطار المجاروة. كما أن كثيراً من مناطق غرب السودان تعاني من مشاكل قلة المياة في أشْهُر الشتاء بينما تمتلئ آبار المياة في موسم الصيف حيث الأمطار صيفية هناك.
وعموماً فإن حركة المياة الجوفية داخل الأراضي المصرية في الصحراء الغربية أخذت نظاماً محدداً أدى إلى وجود حركة مياة أفقية وأخرى رأسية بين الطبقات الحاملة للمياة العلوية والسفلية.. أي السطحية والعميقة في المنخفضات وحركة مياة أفقية في باقي المساحة إقليمياً.
وتمثل حركة المياة الجوفية تجاه المنخفضات نظاما هيدروليكياً مغلقاً من الناحية الشمالية عن طريق فاصل هيدروليكي .. ومن الناحية الجنوبية الشرقية بالفاصل غير المنفذ من الصخور القاعدية ومن الناحية الشرقية بفاصل الواحات الخارجة.
وعموماً فإن حركة المياة الجوفية في كل من الطبقات العليا Shallow aquifer والطبقات السفليةDeep aquifer تكون في حالة ثبات في المناطق المتباعدة عن المنخفضات.. وأن حركة المياة في هذه الحالة تكون أفقية.. أما في المنخفضات أو في مناطق السحب Discharge areasفإنه توجد حركة أخرى رأسية نتيجة السحب من الطبقة السفلى أو العليا أو كلاهما بالإضافة إلى الحركة الأفقية.
قبل عام 1956م كان السحب من المياة الجوفية بالواحات الخارجة مُرَكّزاً على استغلال الطبقة العليا . ومنذ ذلك التاريخ حتى الآن اتسع النشاط في استغلال الطبقات العميقة مما أدى إلى انخفاض واضح في الضغوط للمياة الجوفية العميقة مقابل انخفاض كبير في الطبقات العليا أيضاً ــ بالرغم من انخفاض معدلات السحب منها ــ ويعود ذلك إلى : انخفاض معدل التسرب الرأسي من أسفل إلى أعلى أي من الطبقات العميقة إلى الطبقات السطحية.
وبلغ معدل هبوط الضغوط البزومترية لبعض آبار الواحات الخارجة32 متراً في الفترة من 1961م حتى 1975م ــ أي بمعدل هبوط متوسط 2,45 % متر /عام.
وبالنسبة للواحات الداخلة فقد قدر الهبوط في الضغوط البيزومترية في الطبقات السطحية بما يتراوح بين 1ـ 3 أمتار خلال الفترة من 1929م حتى 1964م أي أن المعدل السنوي للهبوط لايتجاوز عدة سنتيمترات .!!
وفي الطبقات العميقة بالواحات الداخلة فإن الهبوط في الضغوط البيزومترية في شرقي المنطقة يتراوح بين 8 إلى 18 متراً خلال الفترة 1962م إلى 1975م ــ وفي غربي الداخلة فقد وصل الهبوط إلى حوالي 17 متر في الفترة من 1963م حتى 1968م.
وبالرغم من معدلات الهبوط المشار إليها في كل من الداخلة والخارجة فإن الوضع الحالي يميل إلى الثبات. وقد بدأت معدلات الهبوط تقل تدريجياً منذ تخفيض سياسة التوسع في حفر الآبار وإبقاء معدلات السحب على ما كان عليه الوضع في عام 1975م . وبالتالي فإن معدلات الهبوط تقل تدريجياً وتأخذ الضغوط البيزومترية وضعاً قريباً من الثبات.
وفي المناطق الواقعة بين الواحتين الخارجة والداخلة (الزيات) ــ فإن بعض الآبار التي تقع في نطاق تأثير الداخلة أو في نطاق تأثير الخارجة أو في نطاق تأثير المنطقتين معاً ــ نلاحظ أن الهبوط قد تراوح بين 1-4 أمتار في الفترة بين عام 1964 و1975 ــ تبعاً لبعد البئر عن مناطق التأثير .
كما يتبين أيضاً أن تأثير مناطق السحب ما زال سارياً حتى الآن، ولو أن معدل الهبوط يقل تدريجياً منذ فترة ثبات السحب من الواحات وسوف يقل معدل الهبوط تدريجياً مع الزمن.
كمية المخزون الاحتياطي من المياة الجوفية في الواحات الخارجة والداخلة:
حاول العديد من الباحثين تقدير كمية المياة الجوفية المخزونة في الواحتين وتراوحت هذه التقديرات بين 65 إلى 750 مليار متر مكعب للواحات الخارجة..!!
وحوالي 40 إلى 355 مليار متر مكعب للواحات الداخلة..!!
مجموع كمية المياة الجوفية المخزونة في الصحراء الغربية المصرية كلها:
حوالي 235مضروبة في 310 مليار متر مكعب..!؟
وتتميز المياة الجوفية بالواحات الخارجة بنوعية جيدة تتراوح ملوحة المياة 300 إلى 450مجم /لتر وتتراوح قيمة كلوريد الصوديوم ما بين 0,84) 1 بئر جرمشين) (إلى 1,32 بئر جرمشين 3 ) أما معامل الكبريتات /الكلورايد فيتراوح بين 0,17 إلى 0,48
أما في الواحات الداخلة فإن طبقة الكريتاوي العلوي تحتوي على مياة جوفية أكثر عذوبة من مثيلتها في الواحات الخارجة حيث تتراوح ملوحة المياة176إلى 250مجم/لتر ويلاحظ انخفاض ملوحة المياة مع العمق. وترتفع نسبة الملوحة قليلاً نسبياً في مناطق بلاط وتنيدة.
ونوعية المياة بالداخلة كلورودية كبريتاتية ــ صودية كلسية وتتراوح قيمة معامل كلوريد الكبريتات في مياة تنيدة، بلاط ، القلمون ،الجديدة بين 0,74 إلى 0,99 أما في الطبقات الأعمق فتتراوح قيمة هذا المعامل بين 1,26 إلى 1,85 وتتراوح قيمة معامل الكبريتات/الكلوريد بين 0,5 إلى 0,98 مجم.
المـــــــــوارد المــــعدنـــية :
لا توجد بالواحتين الخارجة والداخلة موارد معدنية كثيرة يعتد بها أو يعتمد عليها، فالخامة الرئيسية الموجودة هى (الفوسفات) والذي توجد منه في منطقة أبو طرطور (بين الخارجة والداخلة ) ما يقرب من الألف مليون طن..!!؟؟
يصل سمك طبقة الفوسفات القابل للإستغلال بين 1,3 ــ 7 أمتار وقد يصل أحياناً إلى 10,6 أمتار بمتوسط عام قدره 3,9 أمتار . وتوجد هذه الطبقة ضمن تكوين صفوي ؟
والذي يحتوي على مجموعتين علوية وسلفية تفصل بينهما طبقات من الطفلة والحجر الرملي. وتتكون المجموعة العليا من طبقتين أو ثلاث من الفوسفات يتراوح سمك كل طبقة ما بين 20 إلى 70 سم يتخللها فواصل من الطفلة وليس لهذه المجموعة أية قيمة اقتصادية في الوقت الحالي .
أما المجموعة السفلية فتتكون من طبقة الفوسفات الرئيسية التي ذكرت خصائصها مسبقاً . وأحيانا تنقسم هذه الطبقة خاصة إذا ما زاد السمك عن 5 أمتار) أحيانا يصل إلى 16 مترا! إلى عدة طبيقات تتبادل مع الطفلة.
وخام الفوسفات من النوع الحبيبي يتكون من حبيبات فوسفاتية مستديرة إلى بيضاوية مختلطة بمعادن أخرى مثل : 1- الكوارتز 2- الاجلوكونيت 3- الرولوميف .. ونادراً ما تتواجد حبيبات من الباريت أو الفلسبار.
ولون الخام غير المؤكسد رمادي غامق اللون وتتراوح نسبة أكسيد الفوسفور بين 0,20 إلى 30% بمتوسط قدره 26% ونسبة أكسيد الحديديك 4,65 % وأكسيد الماغنسيوم 1,5% وأكسيد الكالسيوم إلى 41,04% وثالث أكسيد الكبريت إلى 4,07% .
الصعوبة التي تقابل هذا الخام في طريقة استخراجه : الخام يقع أسفل صخور طفلية يصل سمكها أحياناً إلى أكثر من 150متراً ..!! (تكوين الداخلة) يليها إلى أعلى طبقات من الحجر الجيري (تكوين كركر) .. ويظهر الخام على هيئة حزام في الجزء السفلي من هضبة أبو طرطور ولإستغلاله يلزم عمل أنفاق داخل الهضبة لاستخراج الخام..
ولما كانت الصخور الموجودة فوق الخام هى صخور طفلية تصبح الأنفاق معه مهددة بالانهيار .. وللتغلب على هذا يلزم عمل تدعيم للأنفاق وفي هذا تلكفة عالية في عملية الاستغلال.
ولعل ذلك هو السبب الرئيسي في عدم استغلاله حتى الآن ، كما أن الخام متوسط الدرجة مما يقلل من سعره في السوق العالمي ــ إذا ما أضفنا مصاريف النقل إلى النيل أو سفاجاً على شاطئ البحر الأحمر بعد إنشاء الخط الحديدي الذي يربط مكان المنجم (أبوطرطور) بسفاجا ــ فالتكلفة تعتبر مرتفعة جداً.
وحتى تظهر طريقة جديدة للإستغلال بتكلفة أقل سيظل خام فوسفات أبوطرطور من الاحتياطات المعدنية بمصر..
لا توجد خامات أخرى بالواحات غير أن الأحجار الجيرية والطفلات المنتشرة بالواحتين ربما تكون نواة لصناعة الأسمنت ..أين ؟.
وفي جنوبي الواحات الخارجة عند منطقة (جبل شرشر) بدرب الأربعين يشكل الحجر الجيري التابع لتكوين (كركر) خامة تصلح لصناعة أنواع متوسطة الجودة من الرخام ..!! فالحجر الجيري هناك شديد الصلابة ذو لون بني مائل للإصفرار به كثير من الحفريات تعطيه عند تلميعه وصقله شكلاً جذاباً
وتوجد كميات كبيرة من هذا الحجر تقدر بملايين الأمتار المكعبة.