الدراسات السفلى فى جامعة الأزهر .( الحلقة الأولى )

آحمد صبحي منصور في السبت ٣١ - مارس - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

أولا

 (1 )

تزاملنا فى الثانوى الازهرى .وكان مستواه متواضعا  ولكنه ما لبث ان تفوق فى كلية اصول الدين وتم تعيينه معيدا ثم مدرسا مساعد ثم حصل على الدكتوراه فى عامين . ليس هذا لنبوغ فيه ولكن لجهل المستوى العام للدراسات العليا (السفلى) فى جامعة الازهر التراثية وخصوصا كلية اصول الدين ، والدليل ان مؤهله فى التفوق كان حرصه على ارتداء الزى الازهرى التقليدى مع اللحية وتقبيل ايدى الاساتذة الشيوخ وخدمتهم فى بيوتهم . بهذا حصل على الدكتوراة فى عامين فى تفسير إحدى سور القرآن الكريم بأن قام بتجميع كل ما قيل فى الرسائل العلمية السابقة فى تفسير السورة ، أى سرق جهد السابقين ـ وقام بعملية (قص ولزق ) وهو المستوى الأعلى فى الدراسات العليا فى كلية اصول الدين. هذاالشيخ  هو أحد أعلام المدافعين عن حديث ( رضاعة الكبير) . 

 (2 )

حين كنت معيدا فى جامعة الازهر عقدت صداقة مع الفراش العجوز فى الكلية اللغة العربية التى كنت أعمل فيها، كان على وشك الخروج على المعاش بعد خمسين عاما قضاها فى خدمة شيوخ الأزهر، بينما كنت أبدأ عملى بها. كنت ـ لأول مرة ـ أداوم على الحضور فى الكلية ، وأريد أن أتعرف عليها ، كانت صداقتى له مما يساعدنى على فهم خلفيات ما يجرى. نطق كلمة لا زلت أتذكرها ،قال: "إن الظلم قد تقسم الى مائة جزء ، إختص الأزهر منه بتسعة و تسعين ، وذهب الواحد فى المائة الى العالم كله فلم يسترح فعاد الى الأزهر .. حصن الظلم الحصين ". وابتسمت وقتها وقلت : حديث صحيح رواه عبد الحليم حافظ .

(3 )

فى تلك الأيام حضرت مناقشة رسالة الدكتوراه لطالب كان أبوه يعمل شيخا للأزهر. هذا الطالب فى بدايته كان تلميذا فى التعليم الثانوى العام وفشل فى دخول أى كلية لأن مجموعه كان منخفضا . ومن أجله وأجل كثيرين من أبناء الشيوخ الفاشلين ابتدع الازهر نظام سنة لإعداد وتوجيه كل الفاشلين فى الثانوية العامة، حيث كانوا  يدرسون فيها مواد الازهر، ثم بعد نجاحهم فيها يدخلون ما يشاءون من كليات الأزهر التراثية أو الحديثة . وبهذه الطريقة دخل الطالب اياه كلية اصول الدين التى لا يفقه فيها شيئا ، ولكن كان ابوه يقودها . هذا الطالب الفاشل ظهرت عليه علامات النبوغ فجآة برعاية ابيه فتخرج  فى الكلية بتفوق وعين معيدا وبعدها حصل على الماجستير فى عامين ، ثم فى اقل من عامين  اتم رسالة الدكتوراة فى عهد مشيخة أبيه للأزهر، وكانت فى تفسير سورة الفرقان . وكان الذى كتب له رسالة الدكتوراه استاذا فى نفس الكلية حضر مع الحاضرين . الطالب( النابغة) كانوا قد كتبوا له المقدمة بخط واضح وبالتشكيل ليعرف كيف يقرؤها بلا أخطاء لغوية. ومع ذلك لم يكن يحسن قراءة المكتوب له فى الورقة  . أحد المناقشين اعتذر علنا عن عدم المناقشة واخرج جريدة الاهرام ليؤكد ان احد اقاربه توفى فانشغل بالوفاة عن قراءة الرسالة ، العضو الثانى فى  لجنة المناقشة ترفق بالطالب (النابغة) بكل مايستطيع ، وكان يقدم له الاجابة ضمن السؤال ، وكان اهم سؤال سأله له : هل تحفظ سورة الفرقان موضوع بحثك ؟ فقال الطالب ضاحكا: لا . كانت هذه الاجابة كافية لطرده من الجامعة ، وليس فقط من الدراسات العليا ، ولكنه اعترف بكل بساطة على الملأ ، فكانت مهزلة بكل المقاييس . كان يمكن للطالب أن يكذب ـ ولكنه خاف أن يسأله الاستاذ عما يحفظه من السورة فتكون فضيحة. أعطوه درجة الدكتوراه بمرتبة الشرف الاولى . حدث هذا التدجيل فى حضور أئمة الأزهر وكبار شيوخه ، ولم يحضر الامام الأكبر لأنه مطمئن على أن إبنه المعجزة فى الحفظ والصون. ظلت هذه المهزلة مثار تندر فى المجتمع الأزهرى الساخط ، وكتب الاستاذ محمد عبدالله السمان يتندر على هذه الواقعة .. ولكنه الازهر!! .

 ( 4 )

المجتمع الأزهرى الساخط كان يتندر على الحظ البائس للدكتور عبدالطيف خليف فى العلم . ولكنه أصبح عميدا لكلية اللغة العربية ثم نائبا لرئيس الجامعة للدراسات العليا ـ أقصد السفلى ـ  فكيف بمن حصل على الدكتوراة ببحث هزيل عن الشاعر (مسلم ابن الوليد) ـ الشهير بصريع الغوانى ـ أن ينتهى به الحال الى أن يكون مسئولا عن قمة الدراسات العليا فى الجامعة ؟ اللهم إلا إذا كان الجهل هو سيد الموقف..ولكن لا تعجب.. إنه الأزهر .

على أية حال فالدكتور عبد اللطيف خليف يظل افضل من الدكتور عبد الفتاح الشيخ الذى أصبح رئيس جامعة الازهر ،واشتهر بالحزم والتسلط .  الدكتور عبد الفتاح الشيخ اتهمه استاذ فى نفس الجامعة بأنه سرق بحثه ، وحصل به على الدكتوراة ، وكانت فضيحة وصلت الى المحاكم والقضاء  اثناء رئاسة عبد الفتاح الشيخ لجامعة الازهر . ومع صدور الحكم ضده  فلم يتم عزله من رئاسة الجامعة، وظل فيها مدتين متتاليتين وعاد بعدها استاذ فى كلية الشريعة، كأن شيئا لم يكن .

من الطريف ان عبد الفتاح الشيخ حضر مناظرة مع الكاتب الصحفى (عبد الرحيم على) فى برنامج (الاتجاه  المعاكس) وقد قال له (عبد الرحيم على ) : ألا تعلم يافضيلة الشيخ انهم يسرقون رسائل الدكتوراه فى جامعة الازهر؟ . بعد هذا التهديد الخفى صال وجال الكاتب الصحفى عبد الرحيم على وظل عبد الفتاح الشيخ يتلعثم خوف ان يثير خصمه ذلك السجل الاسود فى البرنامج فى الجزيرة فتكون فضيحة!!.

 ( 5 )

وحين دخلت كلية اللغة العربية  طالبا فى السنة الاولى سنة 1969 حضرت اول محاضرة فى الشعبة العامة (اللغة العربية) فوجئت بالشيخ يلقى درسا سبق لى أن قرأت أصله فى كتاب ( العقد الفريد ) لابن عبد ربه ، وقد قام بتلخيصه، وكان يخلط فى محاضرته تائها بين ( العقد الفريد ) و( زهر الآداب ) ،فقررت التحويل الى قسم التاريخ والحضارة ،فوجدتهم يتمتعون بنفس الجهل.

كان الأساتذة ـ ولا يزالون  ـ يقومون بتلخيص بعض الكتب ، ويسمونها مذكرات ، وهى كتيبات هزيلة بكل ما فى الكلمة من معان . ويهتم الأستاذ أساسا بجمع ثمن تلك المذكرات من الطلبة ، وبعدها قد يعطيهم أسئلة مختارة يأتى منها الامتحان ، أو يقوم بحذف بعض المواضيع ، أو بالتنبيه على المهم فى المذاكرة و المحذوف منها. أهم شىء أن تشترى المذكرة لكى تنجح .

كنت أحصل على منحة التفوق الخاصة بالثانوية الأزهرية ، وكانت تكفينى فى الانتظام بالجامعة، ولكن عندما رايت مستوى الأساتذة و مستوى المذكرات أصبح الانتظام فى الحضور فيها مضيعة للوقت والمال ، فصممت على عدم الانتظام  فى الكلية مكتفيا بحضور الامتحانات فقط ، وكنت آتى فقط لشراء المذكرات المقررة ، وأعود لبلدى حيث عملت مدرسا فى التعليم الخاص ـ ثم تم تعيينى ـ وأنا طالب بالكلية ـ  ناظرا للمعهد الابتدائى فى بلدتى ( أبوحريز ) عام 1972 ، وانتقلت منه الى الكلية معيدا بها عام 1973.

 (6 )                       

أثناء فترة الدراسة بالكلية لم يعرفنى أحد من الأساتذة ، مع اننى كنت الاول على قسم التاريخ ٍ الى ان تخرجت سنة  1973بمرتبة الشرف  . وعينت معيدا . الوحيد الذى عرفته فى الكلية هو( صراف الكلية)الاستاذ فودة الذى  يقوم باعطاء العاملين فيها مرتباتهم واعطاء الطلبة الاوائل مكافآتهم . وكانت مكافأتى مضاعفة لكونى من أوائل الثانوية الازهرية ولأننى احافظ على التفوق كل عام . وتوثقت الصلة بينى وبين الاستاذ فودة ، فكان يحتفظ لى بمكافآة التفوق حين آتى الى الكلية مرة او مرتين خلال العام الدراسى ثم فى الامتحانات .

فى تعيينى معيدا كان له بعض الفضل ، فكنت الوحيد الحاصل على مرتبة الشرف وكان بعدى سبعة كل منهم حصل على جيد جدا فقط ،وآخرهم فى الترتيب كان إبن شيخ فى كلية الشريعة نجح وتفوق بالغشّ بلا خجل .  وحيث كنا وقت الحرب سنة 1973 فقد كان الشيخ حريصا على تعيين ابنه معيدا فى الكلية ليؤجل تجنيده من الجيش. كان المطلوب تعيين واحد  فقط ، أى أنا فقط طبقا للقانون ، ومع أحقيتى فقد تخيل بعضهم امكانية اغتيالى معنويا بتعيين ذلك الطالب ابن الشيخ مكانى ، خصوصا وأنه لا يعرفنى أحد ولست معتادا على الحضور. كنت فى بلدتى لا ادرى شيئا مما يحاك ضدى. ولكن وقف الى جانب الحق الاستاذ فودة الصراف  الذى اخافهم باننى لن اسكت وسأفضحهم . وجئت عرضا الى الكلية لاقبض مستحقاتى فآخبرنى بما حدث فذهبت فورا الى مكتب العميد عازما على ان ادمر كل شيء اذا اكلوا حقى ، ولكن كان العميد ـ وقتها ـ  الدكتور ابراهيم نجا قد اوقف المهزلة واخبرنى بان القرار صدر بتعيينى وحدى معيدا فى التاريخ والحضارة بكلية اللغة العربية بالقاهرة .

( 7 )

الاستاذ فوده هذا كان مكتبه فى اول كل شهر يغصّ بالشيوخ الذين يتفانون فى احترامه ونفاقه وهم ينتظرون قبض المرتب منه ، وقد بدا حياته صرافا فى الكلية بعد حصوله على مؤهل متوسط  ، ثم استغل نفوذه فيها فالتحق بكلية اللغة العربية طالبا فيها فى قسم التاريخ ، بعد حصوله على الثانوية الازهرية ، ثم تخرج فى قسم التاريخ ثم حصل على الماجستير ثم الدكتوراه بمرتبة الشرف فى موضوع (عبد الملك بن مروان واثره فى الدولة الاموية) وهو موضوع غاية فى البساطة، ومع ذلك اعتقد ان معرفته بعبد الملك بن مروان لاتزيد كثيرا عن معرفتى بالممثلة الراحلة مارلين مونرو..... ولكنه الازهر .!

( 8 )

المساعدة التى حصل عليها (الدكتور) فودة الهمت الكثيرين من المستوى الثالث من موظفى جامعة الازهر للحصول على الدكتوراة . كان منهم موظف رقيق الحال حصل على ليسانس قسم التاريخ ويعمل أمين مكتبة كلية اللغة العربية.مع طيبته الزائدة واحترامه لكل من هب ودب إلا أنه صمم على الحصول على الدكتوراة قسم التاريح وحصل عليها . وكنت الوحيد الذى حضر مناقشة رسالته بقاعة العقاد بكلية اللغة العربية. ذهبت لأشجعه متصورا انه سيحضر جموعا غفيره من اهله واصدقائه وكل من تعامل معه فى مكتبة الكلية وزملاءه فى الاداره ولكن فوجئت باننى الوحيد الذى حضر . بالضبط حضر الى جانبى بحكم العمل اثنان من الفراشين كانا فى نوبة الحراسة الليلية للكلية . وكانت مهزلة ومآساة .! ذهبا  لحراسة ابواب الكلية وظللت وحدى  اقوم بدور الجمهور المستمع ، وأكتم رغبتى فى الذهاب الى دورة المياه لان اعضاء لجنة المناقشة كانوا يوجهون كلامهم لى وللباحث فى مناقشة رسالة مفروض أنها (علنية ) وفى النهاية صمدت الى ان انتهت المناقشة العلنية ، واعطوه  الدكتوراه بمرتبة الشرف الاولى....  انه الازهر .

 (9 )

هذا (الدكتور) امين المكتبة السابق كنت اسميه (عبدالله المذعور) على سبيل التندر، فقد كان يبدو دائما خائفا وجلا عند الحديث مع اى انسان ، وعلى نقيضة تماما كان العامل الصعيدى الذى يعمل معه فى المكتبة . كان هذا العامل يقوم بكل اعباء العمل فى المكتبة بينما ينهمك رئيسه امين المكتبة (عبدالله المذعور ) فى اعداد رسالته للدكتوراه ، بان ينقل المكتوب عن موضوعة فى رسائل علمية اخرى موجودة تحت يده فى المكتبة ، اى يقوم بسرقة علنية وقت عمله الرسمى ، ولعل هذا كان سر خوفه الدائم . كان العامل الصعيدى الذى اقترب من الخمسين من العمر وقتها يتطلع ساخطا الى عبد الله المذعور ويعلق عليه مستهزئا به .فى بدايته كان عبدالله المذعور نشطا فى خدمة رواد المكتبة من المعيدين والمدرسين المساعدين وطلاب الدراسات العليا فاكتشف ان معظمهم يجلس طيلة الوقت فى الغش من الرسائل الجامعية السابقة ليقتبس منها رسالته ، ويقدمها للشيوخ الذين لايقرأون ولا يفهمون ولكن يحرصون على ان يكون الطالب اكثر جهلا منهم . فهم عبدالله المذعور الحكاية فطلق زوجته وتفرغ للدراسات العليا حيث قسم وقته قسمين فى الصباح يغش من الرسائل العلمية السابقة وفى المساء يخدم الشيوخ لينال رضاهم وبهذا نال المراد .. لانه الازهر

العامل الصعيدى فى المكتبة اصابه مايشبه الجنون حين رأى عبدالله المذعور دكتورا .. عزم هو الاخر على اكمال تعليمه ، فدخل معهد القاهرة الثانوى ، ثم فى اواخر سنوات عملى فى الكلية  اصبح ذلك العامل طالبا فيها ، وقد تعدى الخمسين ، وربما صار استاذا فى الكلية بعد أن تركتها .. فلا تعجب .. انه الازهر .!

(10 )

فى تطوير جامعة الازهر فى عهد عبد الناصر احتيج الى تحديثها اداريا ، فنقلوا موظفين لها من وزارات مختلفة ، فكانت كل وزارة تستغنى عن أسوأ موظفيها لترسلهم الى جامعة الأزهر، وقتها تم تدعيم هذه الادارة باحطّ خلق الله من الموظفين ، وكانوا هم جواسيس الأمن الذين يعملون فى كل إدراة ليتلصصوا عليها لصالح النظام. وكانوا أكثرية فى جامعة الأزهر، وصار من حيل  الموظفين أن يشيع أحدهم عن نفسه أنه من العاملين فى الأمن ليحظى بخوف الشيوخ واحترامهم ، ويحصل على درجة الدكتوراة إذا اراد.

(11 )

أثناء عملى كان (ع. ع ) مراقب كلية اللغة العربية هو أقوى شخصية فيها. بدأ حياته طباخا لا يحمل سوى الابتدائية القديمة ، ثم أصبح المسيطر ليس على الكلية فقط بل وعلى معظم ادارات الجامعة لأنه أصبح رئيس نقابة العمال فيها . وكان يتبعه تنظيم من كبار المديرين من الذين تدخل فى تعيينهم ثم ترقيتهم ، فأصبح يمسك بيديه كل شىء فى الجامعة مستغلا رعب الشيوخ منه وهوانهم بين يديه .

(12 )

أكثر من هذا ، كان (ع. ع ) هذا هو هو الذى يتحكم فى انتخابات إتحاد الطلبة ، وهو الذى كان يقوم بإنجاح قادة الاتحاد فى نهاية العام،ويتولى تعيينهم معيدين، وبسرعة يحصلون على الدكتوراة ليكونوا عينا على بقية الأساتذة . وفى عام 1969 كان ترتيب رئيس إتحاد الطلبة رقم 21 بعد الغش السافر والتدخل فى التصحيح لانجاحه بأعلى الدرجات . وكان لابد من تعيينه معيدا فاضطروا إلى تعيين عشرين معيدا كى يعينوه. وبسبب كثرة تعيين المعيدين فى الكلية فى هذه السنة 1969 توقف تعيين المعيدين عدة أعوام بعدها . وكان الضحية صديقا لى كان متفوقا حصل على مرتبة الشرف ، ولكن حرموه وزملاءه من التعيين لأنه تخرج فى السنوات العجاف التالية.

بل أكثر من ذلك ، فقد حصل رئيس إتحاد الطلبة فى السبعينيات على درجة جيد جدا بالغش كالعادة فى السنة النهائية ، ولكن كانت المشكلة أن زميلا له حصل على جيد جدا أيضا وكان قد حصل على تقدير جيد جدا فى السنوات السابقة أيضا أى أنه سيحصل على جيد جدا مع مرتبة الشرف وسيتفوق على زميله رئيس اتحاد الطلبة وسيتم تعيينه معيدا بدلا منه ، وتم التدخل بسرعة فى الكنترول فانقصوا درجة الطالب المتفوق ليصبح " جيد " فقط . وتعين رئيس اتحاد الطلبة معيدا .

(13 )

بفتح فرع جامعة الأزهر فى أسيوط ازدهر الفساد داخل الجامعة ، وشيخ الأزهر السابق كان عميدا بكلية أصول الدين بأسيوط وكان هو الأدرى بالفساد هناك ، وأوصله الفساد ليصبح شيخا للأزهر . وقد تم ندب وتعيين أساتذة كلية اللغة العربية بالقاهرة للأشراف على كلية اللغة العربية بأسيوط ، وتم إفتتاح أقسام الدراسات العليا هناك ليصبح منجما للشيوخ ، وكانوا يتندرون بأن الشيخ فلان يعطى الدكتوراة بمقابل "كذا ". بعض المبعوثين من الدول ( الاسلامية ) من تركيا الى ماليزيا واندونيسبا لم يكن يتعب نفسه فى رشوة الأساتذة فى حصوله على الدكتوراة ، كان بكل سهولة يحصل على شهادة الدكتوراة مختومة وصحيحة من شئون الطلبة ، ويسافر بها إلى بلده فى أسيا أو غيرها ليصبح عالما حصل على الدكتوراة من ( الأزهر الشريف ) بينما لم يكن مسجلا أصلا فى قسم الدراسات العليا ، وقد إختلف بعض الموظفين فى إقتسام الأموال فأبلغ بعضهم السلطات ، وتم ضبط حالات بهذا قام بها موظفون إداريون . وتم التغطية على الموضوع حفظا لسمعة الأزهر ، بل قيل بكل بجاحة أنه لا ضير فى ذلك طالما أنه يذهب بتلك الورقة المختومة إلى بلاده ولا يطلب التعيين هنا . والواقع أن كثيرين قد حصلوا على الدكتوراة بالثلاجات والغسالات والشيكات خصوصا من دول الخليج والمصريين العاملين فى دول الخليج ، وأولئك كان يتم تعيينهم بكل ما لديهم من جهل فى الكليات الاقليمية الكثيرة التابعة للأزهر ، والتى انتشرت كالوباء فى ربوع مصر تنشر الجهل والتخلف باسم العلم والدين .

( 14 )

بالاضافة لعملى فى كلية اللغة العربية بالقاهرة كنت منتدبا  للتدريس فى بعض الكليات الاقليمية فى الزقازيق وبى العرب منوفية وطنطا . وشهدت المستوى الوضيع والمتواضع علميا وخلقيا لأساتذة الأزهر هناك. حدث أن مات عميد لاحدى تلك الكليات ، ولم يصدر قرار بعد بتعيين عميد مكانه من الاساتذة . وانحصرت المنافسة بين إثنين من الأساتذة ، تساويا فى الأقدمية و التقدير فى الليسانس والماجيستير والدكتوراة . بل تزاملا وتصادقا فى العمل فى السعودية وفى نفس المكان ، وعاشا صديقين متلازمين فى الدراسة والتخصص .كان الاختيار بينهما عسيرا ، خصوصا ولم يكن أحدهما مستعدا للتنازل لزميله وصديق عمره . وقتها كان الاساتذة جميعا يأتون من القاهرة فى ميكروباس يحملهم من موقف رمسيس الى باب الكلية، ويعود بهم للقاهرة آخر النهار .  التنافس فى عمادة تلك الكلية الاقليمية بين الزميلين صديقى العمرإنحصر فيمن يصل منهما قبل الآخر الى مكتب عميد الكلية ويحتله، وهذا يعنى أنه لا بد أن يركب فى المقعد الأمامى فى الميكروباس ليقفز منه سريعا ويسبق زميله الى مكتب العميد .وفى الصباح الباكر فى موقف رمسيس تواجدا معا ،وبمجرد ظهور الميكروباس تدافعا لاحتلال المقعد المجاور للسائق، تشاجرا وتضاربا على مرأى من الناس وتمزقت ملابسهما ، هذا عدا الشتائم التى تخجل من نطقها العاهرات .. وكانت فضيحة ..

(15 )

وكان معروفا صلة د محمد السعدى فرهود بأمن الدولة ،لذا تم تصعيده سريعا ليكون عميد كلية اللغة العربية بالقاهرة ، ثم أصبح رئيس فرع جامعة الأزهر فى اسيوط ، وكان أحد صبيانه من الطلبة رئيس اتحاد الطلبة هناك. وقبل ترقية فرهود ليصبح رئيس جامعة الأزهر أوصى بتعيين ذلك الطالب معيدا بأى ثمن،وبعدها تدرج هذا الطالب بسرعة ليحصل على الدكتوراه ويصبح عضو هيئة تدريس ، وهو أجهل أزهرى رأيته فى حياتى .وحين كنت أعمل فى الجامعة كان جسم الجريمة يتحرك هناك مرتديا زى أستاذ جامعى .

(16)

 القانون الخفى والسائد فى الدراسات العليا فى الكليات التراثية الأزهرية هو أنه حتى يترقّى الطالب ويأخذ حظّه وحقّه فلابد أن يكون أجهل من أستاذه.  ولأن للأستاذ كامل السيطرة على الطالب فى مرحلة الدراسات العليا فإن الشيوخ كانوا يجعلون من إشرافهم على الدراسات العليا وسيلة لإستنزاف الطالب الغنى وإستعباد الطالب الفقير . فالطالب الفقير كان عليه أن يخنع ويخضع للشيخ كى يرضى عنه ، وبعضهم كان يخدم الشيخ فى بيته. وأعرف زميلا فى كلية أصول الدين بالقاهرة كان الشيخ المشرف عليه غاية فى التزمت فى حياته الى درجة أنه أفتى بتحريم  التليفزيزن وكل الأجهزة المنزلية الكهربائية وحتى فرشاة الأسنان ، واعتبرها بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة فى النار. لكى يرضى هذا الشيخ على زميلنا هذا ولا يعطّله فى رسالته للدكتوراة قام الزميل بالتخلص من بوتجاز بيته وحرم دخول التلفاز، فرضى عنه شيخه وأعطاه الدكتوراة .وبعد حصوله على الدكتوراة سارع الزميل المبجل بشراء بوتاجاز وتليفزيزن ملون ..وغسالة وخلاّط وفرشة أسنان ومعجون حلاقة ..أيضا .

أخيرا :

1 ـ هذه بعض ذكرياتى عن جامعة الأزهر فيما بين 1969 الى 1987 . ولا شك أن الأزهر كله إزداد تخلفا وجهلا بعدها.

2 ـ فى هذا المستنقع من الجهل والتخلف والغباء عانيت خمسة عشر عاما مذ تعيينى معيدا فى 1973 الى أن تحررت منهم فى مارس 1987 . عانيت الإضطهاد لمجرد أننى أريد أن أعرف وأريد أن أجتهد فى تجلية حقائق الأسلام وفق ما يأمر به قانون الأزهر ذاته . وفى إصلاح منهج الدراسات العليا فى الأزهر لابد فعلا من تنفيذ تلك الفقرة وهى " تجلية حقائق الإسلام " ليس فقط فى الدراسات العليا ولكن أيضا فى المناهج .تجلية حقائق الإسلام تعنى أن هناك حقائق إسلامية مجهولة ، وأن هناك أيضا ركام من الأكاذيب طغى عليها . ودور الأزهر هو تنقية الجوهر الإسلامى وسط تلك الأكاذيب ، ولان الأزهر يعبر عن الدين الأرضى للمسلمين ( التصوف السنى أو السنة الوهابية ) فلابد من إصلاحه بالقرآن كى تظهر وتنجلى حقائق الأسلام ، أى لابد من تغيير المناهج تماما ، ولابد من تغيير نظام الدراسات العليا تماما .. كما أنه لابد من إلقاء مناهج الدراسات الأزهرية الحالية فى الزبالة.

3 ـ وقبل كل ذلك يجب التخلص من أولئك الأشياخ بإعادة تأهيلهم ليقوموا بأى عمل أخر بعيد عن الفكر والثقافة والقراءة والكتابة ...ابعثوا بهم إلى أفغانستان أو باكستان أو تخلفستان  .    

اجمالي القراءات 30610