درس تعلمته من البابا شنودة
بقلم - حمدى البصير
|
من الصفات الشخصية التي يتمتع بها البابا شنودة، أن لديه "كاريزما" يندر أن تتكرر في أي شخصية وطنية دينية، وأتمني أن يتمتع بابا الأقباط القادم ببعض صفات الراحل البابا شنودة، والذي وصفه البعض بأنه كان يطفيء نيران الفتنة الطائفية ببراعة يحسد عليها، ويفوت الفرصة علي أعداء الوطن في تنفيذ مخططاتهم التخريبية التي تهدف إلي انقسام الوطن وشق الوحدة الوطنية في مصر، كما كانت له قدرة عجيبة علي احتواء المشاكل الطائفية بحكمة وصبر، نظرا لقدرته العالية علي فهم أبعاد الموقف وحرصه غير العادي علي وحدة الوطن وحمايته من خطر الانقسام، وبعد نظره الدائم في الحفاظ علي المصالح العليا للبلاد وأمنها القومي، وسد الثغرات التي يمكن ان ينفذ منها بعض المتنطعين في الخارج المدعين دون حق أنهم الحريصون علي حماية حقوق الأقليات في مصر ومنهم الأقباط، بل كان البابا يرفض دائما تصنيف أقباط مصر علي انهم أقلية، وكان دائما يحرص علي أنهم جزء من النسيج الاجتماعي المصري . ومن الصفات الجليلة التي كان يتمتع بها الراحل البابا شنودة، قدرته العالية علي الحوار والإقناع، وساعده في ذلك ثقافته العالية ودراسته الواسعة للدين الإسلامي وليس "المسيحي" فقط، وقراءاته الفلسفية، وعشقه للتاريخ والأدب وإجادته للشعر وأصول اللغة العربية . وأذكر أنني كنت مع مجموعة من زملائي الصحفيين بجريدة العالم اليوم في زيارة للبابا شنودة في المقر البابوي بكاتدرائية العباسية في أواخر عام 1992 وقام بتنظيم تلك الزيارة الكاتب الصحفي وزميلي في الجريدة الأستاذ ماجد عطية، مستشار البابا وقتئذ، وقد دارت مناقشات في قضايا عديدة، وقد اجاب البابا علي أسئلة زملائي بصدر رحب، ودون انفعال، وقد سيطرت علي المناقشات قضايا العنف والإرهاب، ولاسيما أن غول التطرف كان، يمارس نشاطه شبه اليومي، والتفجيرات زادت حدتها، وعندما ألمح البابا إلي أن الأقباط يشعرون بالقلق والخوف الشديد من تزايد العنف الديني، قلت له إن من واقع العمل الصحفي الذي أتابع من خلاله نشاط الجماعات المتطرفة في أمبابة ـ حيث كنت أغطي تلك الأحداث لجريدتي في وقت كان من الصعب أن يقوم أي صحفي بعمله في حرية وأمان داخل جمهورية أمبابة التي كان يرأسها المتطرف جابر الطبال وقتئذ - ثبت ان بعض الأقباط يطلقون النار علي بعض أفراد الجماعات الإسلامية بل قلت للبابا في مواجهته إن بعض المتطرفين يؤكدون أن الأقباط يخزنون أسلحة في الكنائس ذات الأسوار العالية . واعتقدت أن البابا شنودة سيقوم بطردي من الكارتدائية بعد هذا الكلام المستفز والذي جاء من صحفي شاب مندفع، ولكن البابا نظر إلي ضاحكا وقال لي: سأسدي لك نصيحة من صحفي عجوز لاتتكلم الإ بمصادر موثوق منها، فقلت له إن تحقيقات النيابة مع بعض الأقباط في امبابة أكدت ذلك، فقال لي هل صدر حكم إدانة من المحكمة وثبت حمل بعض الأقباط السلاح وإطلاقهم النار علي أعضاء الجماعات المتطرفة ؟ فأجبت بالنفي، فقال لي إن الأقباط مسالمون ولايحملون السلاح إلا للدفاع عن أنفسهم "وللتهويش" فقط، ولشعورهم بالخطر من تزايد شوكة الجماعات المتطرفة في امبابة وعين شمس والصعيد، ولاتصدق أن الكنائس بها أسلحة وخذ كلامي ثقة: الكنائس للعبادة فقط وليست ثكنات عسكرية. وقتها شعرت بالحرج، بل نظرتي للأقباط جميعا تغيرت لأن كلام البابا أقنعني، وشعرت أنه لم يغضب مني عندما أعطاني في نهاية اللقاء تسالي ومحمصات من الفسدق واللوز، وقال لي: هذه هدية لزيادة المحبة وليس للتسالي فقط . لم يكن ذلك الدرس الوحيد الذي تعلمته من البابا شنودة، فقد كانت أولي دروسه منع الأقباط من زيارة القدس لرفضه الاحتلال الإسرائيلي له، وتعلمت كيف يطفيء الحرائق التي كادت تشتعل في الوطن بعد أحداث الكشح والعمرانية وتفجيرات كنيسة القديسين قبل الثورة، واحداث أطفيح والماريناب وامبابة وماسبيرو بعد الثورة ، وكان يطلق عليه " رجل إطفاء " حرائق الفتنة ، لأنه كان صمام أمان لوطنه مصر . فقد رفض البابا أن يستقوي بالخارج علي وطنه مصر ويكشف معاناة الأقباط، بل رفض مخططات الغرب لتقسيم الوطن، وكانت له علاقات طيبة بكل القوي السياسية والدينية في مصر، وكان آخرها مقابلته مع المرشد العام للإخوان، كما أن البابا الراحل كان دائما يردد إن مصر ليست وطنا نعيش فيه، ولكن وطنا يعيش فينا ولهذا السبب أحبه المصريون المسلمون قبل الأقباط. حمدي البصير Elbasser2@yahoo.com |