الغيبيات
آينشتين والقرآن

نبيل هلال في الإثنين ١٩ - مارس - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

 

   يجب الوقوف بحذر أمام النصوص  القرآنية التي تتحدث عن الغيبيات , فمدلولها مبهم , ويقصد الله إبهامه لأن معانيه الحقيقية قد تتجاوز مدركاتنا (في وقت ما), فيعطي النصُ ظلالا للمعاني ضبابية لا يستبين منها المدلول الحقيقي لأننا لن ندركه , وربما تراءى للأجيال القادمة بعض من هذه المدلولات  مستقبلا بما يمكن فهمه في ضوء معارف العصر , فلو كشف النص عن مدلوله الغيبي - في وقت سابق لأوانه - فربما صدم عقولنا دون أن نتمكن من الفهم لقصور المتاح لنا من معارف آنية .

اسمع معي إن شئت  قول الله تعالى :

  وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ }الحج47)

  (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ }السجدة5

.  تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ }المعارج4),

فالله في هذه الآيات –مثلا -  يمس مسا لطيفا مسألة نسبية الزمن الكوني فيذكر أن يوما عنده بألف سنة مما نعد , أو بخمسين ألف سنة.......الآيات   ,  وذلك دون الخوض في تفصيلات تخرج عن دائرة الإشارة السريعة , فيستعجم الأمر على الناس فلا يفهمون , ونسبية الزمن أمر صعب التصور ولم تسبق الإشارة إليه قبل القرآن , فهو تصور  يعز  على العقل البشري في كل العصور السابقة ,ولم يجر التحدث عنه قبل النظرية النسبية لآينشتين  في سنة (1905),وكان نيوتن –وهو أبو الفيزياء الكلاسيكية- وقبله أرسطو , يرى أن الزمان مطلق في كل الكون ,الأمر الذي فنده آينشتين رياضيا وعمليا .وهناك الكثير من الحقائق التي تجبرنا على الاقتراب بحذر من تقديس العقل والوثوق بقدراته ,لأنها قدرات محدودة بالفعل ,فالحقائق غير القابلة لفهمنا كثيرة ,ولا يفهمها سوى الصفوة من المتخصصين ممن يملكون ناصية علوم الرياضيات والفيزياء : فمن منا يمكنه مثلا تخيل مسيرة الزمان للخلف , بحيث نرى موتنا قبل مولدنا ,وهل يمكن السفر عبر الزمن فنرى المستقبل , وهل يمكننا رؤية الماضي ,وهل يمكن لجسيم ما أن يتواجد في مكانين في آن واحد, الجواب :هو نعم وقد تم التحقق من ذلك رياضيا وعمليا, ومن يريد الوقوف على مزيد من تفاصيل ذلك عليه الرجوع إلى كتب الفيزياء الحديثة التي يقول علماؤها إن الزمن ( الماضي والحاضر والمستقبل) مختلف  بحسب مكان  الرائي (أو الراصد) فما نظنه (ماضيا) قد يرصده راصد آخر من مكان مختلف (مستقبلا ),أو المستقبل ماضيا ,وهكذا , فالزمن لا يمكن التعبير عنه كونيا بمعزل عن المكان .ولمّا خلق الله الزمان والمكان لم يحبس نفسه فيهما (تعالى الله علوا كبيرا ) ,ولما قال الله : وَإِنَّ يَوْماً (عِندَ رَبِّكَ )كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ ,(عند ربك ) أي بحساب ربك.

وكذلك مسألة الزمن وعلاقته بالاختيار والجبر التي حيرت الإنسان طويلا . فكل اختيارات البشر - الماضي منها والمستقبلي – معلومة في علم الله , فوصف المستقبل لدينا نحن البشر هو المساحة الزمنية التي لم تأت بعد , والزمان والمكان هما القيدان اللذان يقيدان المخلوقات ,والله تعالى خارج الزمان والمكان فلا تنطبق عليه سبحانه قيود الزمان والمكان فهما من صُنعه وهما مما خلق , والزمان كله من الأزل إلى الأبد مجرد لحظة أو نقطة في علم الله المطلق , ويحيط بها إحاطة تامة , وبذا يكون المستقبل البشري معلوما ومكشوفا لله تعالى دون أن يكون معنى ذلك التحديد المسبق لاختيارات الناس في هذا المستقبل.

وبالنظر مثلا إلى بعض الآيات مثل :" يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علما "طه 110  , "يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم وإلى الله ترجع الأمور "الحج 76 , لعل المعنى من (خلفهم ) هو ما غاب عنهم زمانا ومكانا كما يغيب عن المرء كل ما يقع خلفه , والغائب هنا هو الغائب مكانا أو زمانا . " ولا يحيطون به علما" , فمثل هذه الإحاطة لا تكون لغير الله فهو وحده من يعلم الزمان كله - ماضيه وحاضره ومستقبله – في مشهد واحد آني , فلا يغيب عن علمه تعالى شيء مما خلق .

بتصرف من كتاب المسكوت عنه في الإسلام لنبيل هلال

اجمالي القراءات 14109