تجلي العبقرية الإدارية في رحلات ذي القرنين :
أسس القيادة والإدارة المستنبطة من سيرة ذي القرنين :
بين يدي آيات السورة:
{ وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا (83) إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآَتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا (84) فَأَتْبَعَ سَبَبًا (85) حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا (86) ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (89) حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا (90) كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا (91) ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (92) حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (93) قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94) قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95) آَتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آَتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (96) فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (97) قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (98) }
تعتبر قصة نبي الله ذو القرنين بمواقفها الثلاث مثالا يحتذى لمدى توفيق الداعي إلى وحدانية الله في آداء مهمته الدعوية، وكذلك أنموذجا لرجل الإدارة الصالحة الناجح في إنجاز مهامه الدنيوية، وهو بذلك يكون قد جمع الحسنيين الإيمان بالله ثم العمل الصالح .
وقد تلازم الجمع بين الإيمان و العمل الصالح في كتاب الله في اثنتين وستون موضعا وتلاها جميعا التبشير بالجنة، والحق بذلك قد أرسى قاعدة غاية في الأهمية، وهي أن الفريضة الأولى في الإسلام بشرائعه الثلاث هي العمل الصالح، وليست الصلاة كما يتبادر للذهن من أول وهلة، أو كما يحلو دوما للفقهاء أن يشيروا إليه في كل زمان ومكان بل وفي كل محفل، والدليل الذي يدحض هذه المقولة هو قول الحق في سورة البقرة
{ إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (277) }
أي أنه جل وعلا جاء بالصلاة والزكاة عقب العمل الصالح، وفي هذا تفضيل وسبق للعمل الصالح عن إقامة الشعائر.
والعمل الصالح بهذا المنظور يفضل الشعائر ، وليس هذا إقلالا من أهمية آداء الشعائر أو حضا على تركها معاذ الله، لكنه يلقي الضوء على الأهمية القصوى للعمل الصالح عند الله، والعمل الصالح هو أن تنجز مايكفي لتعف به نفسك وعيالك وأهلك وأن يتعدى ذلك إلى مجتمعك وقريتك ومدينتك ووطنك والعالم أجمع،
أو هو تسخير الموارد المتاحة والقدرات الذاتية والإمكانيات الذهنية للوصول إلى منتوج جديد سواء أكان ماديا ملموسا أو كان ابداعيا خـَلـَّاقا ويكون نافعا للبشرية على نطاقيها القريب المحدود أو الأبعد العالمي،
وقد أخذ غير المسلمين بهذا المبدأ، فسبقونا وصرنا نتسول منهم الغذاء والدواء بل والسلاح ووسائل الدفاع عن النفس والأوطان، ألا يدعونا هذا إلى أن نجتهد في تنفيذ التوجيه الرباني بالمبادرة إلى العمل الصالح.
وقد يكون في تدبرنا للآيات الست عشر والتي جاءت في سورة الكهف ( من الآية 83 إلى الآية 98 ) والتي تصف انجازات نبي الله سليمان المـُكنى في هذه الآيات بـ ذو القرنين عظة وعبرة، وترسما لمنهجية ادارية فذة نستطيع أن نستخلص منها أسسا للقيادة والإدارة.
أولا : الرحلة إلى مغرب الشمس
{ حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا (86) قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا (87) وَأَمَّا مَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا (88) }
سوف نرى في هذه الآيات، أن الحق جاء ببلوغ مغرب الشمس في البداية، وهذا يبدو غير مألوف ، فالبديهة تقتضي أن تكون البداية مع طلوع الشمس حيث مشرق الشمس إبتداء النهار ، وتجئ النهاية مع مغرب الشمس من حيث هي إنتهاء النهار.
فلماذا جاءت على الصفة التي جاءت عليها ؟ علم ذلك عند علام الغيوب.
حين جاء الحق بـ مغرب الشمس وأن ذو القرنين " وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ " يتخيل للرائي غير المتدبر للكلمات أن ثمة عين حمئة ، وأن الشمس وقت يحين الغروب تغرب فيها أو تسقط فيها....!!، وهذا إفراط في السذاجة، لكن المقصود هنا أن الحق يشير إلى أن الشمس وكأنها تغرب في عين حمئة.
هذا يوحي بأن هناك عين حمئة يتخيل للرائي القادم من بعيد أن الشمس تسقط فيها ، والكلمات بهذه الصورة تشير إلى دلتا نهر ماء عذب يصب في محيط مترامي البعد من الماء المالح، والماء العذب إذا تجمع في عيون راكدة تأسن وأصابه عدم الحركة بتولد روائح غير محببة ، لذا جاء الوصف " فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ " أي عين منتنة ينبعث منها كريه الروائح.
وقد ورد هذا المعنى في القرءان في غير هذا الموقع لثلاث مرات في سورة الحجر
{ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (26) }
{ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (28) }
{ قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (33) }
وهذه الصورة لاتأتى وكما سبق وأن بيـَّنا إلا في مصب نهر عذب على شفا محيط متسع مما يعني تجمع الماء في برك راكدة منتنة حمئة.
فإذا كان الحال كذلك فما هو التصرف الذي نتصور أن ذو القرنين إتخذه إزاء هذا الوضع ؟
لا نستطيع أن نتخيل أو نتوقع إلا أن ذو القرنين بما أتاه الله من العلم والتمكين وأسباب المعرفة، والرغبة اليقينية في تفعيل ما أتاه الله من الخبرة والأسباب
{ إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآَتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا (84) فَأَتْبَعَ سَبَبًا (85) }
قد تصرف التصرف اللائق به كداعية للوحدانية والسلام والعدل، بأن علـَّم هؤلاء القوم الذي وجدهم هناك كيفية تسخير ما هم في من خير وامكانيات لصالحهم فقد لقـَّنهم أساليب الزراعة وكيفية الري ومواعيده، وفلاحة الأرض ومواقيت استزراع المحاصيل ، وانتقاء التقاوي، كما علمهم طرق التخلص من النباتات والعلائق المتطفلة، ووسائل الحصاد وجني الثمار وأساليب التخزين وطرق حماية مخزون المحاصيل بإنشاء وبناء مخازن خاصة ( أخمام) لحمايتها من الآفات والحشرات والطيور والقوارض، ثم بعدها علمهم أيضا كيفية استثمار فائض الثمار بتحويلها إلى أشكال أخرى من المنتجات ( تجفيف التمور والتين والزبيب..... الخ) ، ثم استخلاص الزيوت من الثمار والبذور الزيتية (الزيتون والسمسم ....الخ )، وقبل ذلك دربهم على صنع بعض الأدوات البدائية التي تسهل عليهم أعمالهم في البيئة الزراعية.
كما رسـَّخ فيهم قواعد العرف وحل المشاكل الناجمة عن تواجد حشد من الناس يشكلون مجتمعا في مكان واحد، باختصار أنار لهم الطريق لإنشاء مجتمع زراعي متكامل صحي وصحيح.
فضلا عن التفويض الإلهي له بالجزاء والعقاب، وارساء قواعد العدل، وتثبيت الأعراف المنظمة للحياة ، وأن الذي ظلم سوف ينال جزاءه، وأما من آمـَن وعمل صالحا فهو آمـِن وسوف يشكر على التزامه ، هذا مع الإشارة لكليهما في الجزاء الأخروي .
وهنا أيضا يجب أن نشير إلى ظهور تلازم الإيمان والعمل الصالح، مما يؤكد أن العمل الصالح هو المقصود لعمارة الأرض واستخلاف الإنسان.
ثانيا : الرحلة إلى مطلع الشمس
{ حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا (90) كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا (91) }
سوف نجد أن الحق استخدم هنا مطلع الشمس في الإشارة إلى الشروق، وهذا المعنى ورد في القرءان في غير هذا المقام ثلاث مرات
{ وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا (17) } سورة الكهف
{ فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آَنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى (130) } سورة طه
{ فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (39)} سورة ق
والإشارة إلى مطلع الشمس أيضا هنا هي إشارة ليست واقعية ، فالشمس لا تطلع من مكان أرضى محدد ، ولا تخرج هذه العبارة عن كونها إشارة إلى مكان في أقصى الشرق وطلوع الشمس للرائي البعيد يخيل إليه أن الشمس تطلع من هذا المكان.
أما ما تلى هذه الإشارة فهي اشارة أخرى للتنبيه على أنه لا يوجد حائل مادي ملموس بين الشمس وبين هؤلاء القوم، أي أن ذو القرنين وصل إلى منطقة شديدة القيظ، لدرجة أن حرها يصل إلى داخل محال إقامتهم مهما بالغوا في التهرب منه، وهذه لا تكون إلا في صحاري مترامية الأطراف، يعاني سكانها من قيظ الشمس ووهجها نهارا ، ويعانون أيضا من حرها وسخونة الأجواء ليلا،
فماذا سوف يقدم لهم ذو القرنين من نصائح وعطايا ؟
علمهم ذو القرنين كيفية حفر الآبار، وطرق رفع الماء منها، وأيضا كيفية صنع أواني لحفظ المياه وتبريدها من الخامات المتوافرة في البيئة المحيطة ( الطفلة ) وحرقها لتصنيع الفخار، ثم علمهم كيفية الوصول إلى العيون الطبيعية الغنية بالماء لتوافر العشب اللازم لتربية قطعان الأغنام والإبل ليس لآنها الأنسب لهذه البيئة فحسب ، بل لأنها أيضا يمكن الإستفادة من لحومها في الإطعام ، أيضا الإستفادة من أصوافها وأوبارها في تصنيع الملابس والأغطية، ومن جلودها يمكن صناعة مساكن سهلة الفك والتركيب تقيهم من وهج الشمس، كما يمكن تفكيكها يسرعة وحملها إلى مناطق الفئ والظل والعشب لرعي الأنعام، كما علمهم وسائل تقديد اللحم، ووسائل حلب البهائم و صناعات الألبان، كما علمهم أسلوب زراعة المحاصيل التي تعتمد في انباتها على الأمطار مثل الشعير، لإطعام حيواناتهم وصناعة خبز الشعير لطعامهم.
هكذا قدم إليهم ذو القرنين ما يعينهم على حياتهم، وعلمهم أساليب حل مشاكلهم بإقرار قواعد الأعراف وحل المشاكل.
ثم أعقب هذه الإشارات أن أشار الحق وفي آية قائمة بذاتها
{ كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا (91) }
فبعد التمكين في الأرض، والإحاطة بأنواع كثيرة من المعارف، وبعد الإتيان بأسباب كل شئ ، فقد قام ذو القرنين من جانبه بتنمية هذه الأسباب واستخدامها الاستخدام الأمثل في بعديها المكاني والزماني، فضلا عن استخدامها في الجانب الدعوي لوحدانية الله.
كل هذا من فضل الله، ووحي الله، وإحاطة الله له بالرعاية والتوجيه.
ثالثا : الرحلة إلى ما بين السدين
{ حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (93) قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94) قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95) آَتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آَتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (96) فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (97) قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (98) }
والرحلة إلى الأقوام دون السدين وبناء الردم، قد وردت تفاصيلها في بحث منفصل حيث جاء عنوانه " كيف تم هندسيا بناء ردم يأجوج ومأجوج ؟ "
أسس القيادة الإدارية المستنتجة من سيرة ذو القرنين في سورة الكهف :
ما من شك أن النجاح في الحياة عموما - لأي عاقل - يعتمد على أسلوب إدارته لحياته، وكذا على الإستخدام الأمثل لإمكاناته ومواهبه والمتاح له من إمكانيات مادية وعينية.
والإدارة الناجحة تنقسم بدورها إلى نوعين رئيسيين :
أولا : الإدارة الصالحة ( مدير ناجح وهدف نبيل)، وتصبوا نفس المدير فيها لإدراك النجاح
وبلوغ الهدف الصالح مديرا كان أو وزيرا أو قائدا عسكريا أو رئيساا لجماعة أو
زعيما لقبيلة أو حتى مجرد ربا للبيت أو ربانا في سفينة.
ثانيا : الإدارة الطالحة ( مدير ناجح وهدف خبيث ) مثل زعماء العصابات وجماعات
الإرهاب، ورؤساء الدول الفاسدين، والعملاء والجواسيس.
وطالما نحن الآن في حضرة قائد عظيم، ونبي كريم، ورسول قويم، فلا يسعنا إلا التمتع باستعراض سيرة ومسيرة هذا القائد والداعية الداعي إلى وحدانية الله واستخلاص أسس الإدارة الصالحة، والقيادة الناجحة ، المتمثلة في إنجازات هذا النبي الكريم.
فقد تمتع نبي الله ذو القرنين ، بعدة سمات تجعله بحق رأسا لعلوم الإدارة[1] ، ونبراسا لمواصفاتها ، بل تجعل منه أنموذجا يحتذى لكل من يرنو إلى الإدارة الناجحة للوصل إلى الأهداف النبيلة وتكريسا للعمل الصالح واتماما له.
1 ) التحلي بالإيمان اليقيني بوحدانية الله.
{ ... قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا (86) قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا (87) وَأَمَّا مَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا (88) }
{ قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ ... (95) }
والتحلي بفضائل علم الأخلاق
· فضيلة الحياء : الحياء من الله
· فضيلة النبل .
2 ) الجرأة في الحق، والقدرة الهادئة على إقناع المتلقي، وحسن عرض المهارات.
{ قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95) }
3 ) الثقة الكاملة في شخصه وأمانته ونزاهته وصدقه وإخلاصه وبراءة ذمته
{ قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94) }
4 ) تمتعه بالحكمة والروية والثقة اليقينية في النفس عند اتخاذ القرار المناسب للشئ
المناسب في الوقت المناسب
{ ...... فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95) }
5 ) إحاطته بأسباب المعرفة الكاملة، والخبرة الكافية، والعمل على تطويرها وزيادتها، التي
تتيح له آداء مهمته
{ إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآَتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا (84) فَأَتْبَعَ سَبَبًا (85) }
{ كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا (91) ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (92) }
6 ) حسن تقدير الأمور وتحديد الهدف وابراز الحلم المأمول، والحسم في اتخاذ القرارات
{ ...... فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95) }
7 ) القدرة على وضع الخطط الزمنية الموقوتة وحسن ادارة الوقت
{ آَتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آَتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (96) }
8 ) تقسيم المشروع الكبير إلى مهام وتكليف فريق خاص لكل مهمة، مع ملاحظة تطبيق
قواعد المشاركات الزمنية المتلازمة، أي العمل في كافة أنحاء المشروع في ذات الوقت،
والعمل فيها كلها على التوازي لتضاغط التزامن، وللإستفادة القصوى من الزمن.
( Plans Time Sharing - Over lapping )
9 ) الإلمام بقدرات وإمكانيات ومعارف وخبرات العاملين معه، وتحديد مهام كل فريق
وحسن إختيار المنفذين ، وتشكيل الفرق المتخصصة، واعداد الكوادر البديلة
والإلمام بقواعد علم السلوك
(مهارات التواصل & communications skills I Message )
10 ) التكليف بإعداد خطط تدريب تعريفية للعاملين ، وأخرى لرفع مستوى الآداء مستمرة
ومتجددة للعاملين
11 ) معرفة دقيقة بالمتاح من المعدات ( العدد ، الحجم ، الوزن ، سماحات العمل ،
القدرات ، امكانات التحميل )
12 ) معرفة دقيقة بالتحفظات ( الزمنية ، والمكانية ، والإجتماعية ،والقانونية )
13 ) التكليف بإعداد قوائم باللوائح والقوانين والجزاءات والمكافآت
14 ) إنشاء فريق خاص بالإعلام والعلاقات العامة، لإبلاغ القواعد والتوجيهات
15 ) توخي العدل ورفع الظلم عن الآخر، الجرأة على الإقرار بالحق مهما كانت النتائج
{ قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا (87) وَأَمَّا مَنْ
آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا (88) }
16 ) التمكن من قراءة ما بين السطور . سرعة إكتساب أصدقاء جدد ، وتأكيد
إستمرارالصداقات القائمة
17 ) المتابعة الآنية المستمرة في جميع مراحل التنفيذ
18 ) توفير آلية جمع المعلومات وتحليلها وتبويبها وتصنيفها، توثيق المعاملات
( تكليفا ، وتنفيذا ، وتقريرا ، ومتابعة ).
19 ) إعداد فريق عمل مهمته الحفاظ على الأمن ، والانضباط
20 ) التمتع برحابة الصدر ، وعدم إظهار الإنفعالات ، وبرباطة الجأش ، والتماسك ،
التمتع بسرعة البديهة والألمحية وتغاضيه عن الصغائر، والتمكن من ضبط النفس
وخليقة النبل، و العفو عند المقدرة
{ حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (93) قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94) }
عندما أشار الحق بأن هذه الأقوام ".... لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا " ، فأكاد أجزم أن المقصود هنا ليس أنهم يتكلمون لغة غير مفهومة ، فكيف لا يفقهها نبي الله سليمان والذي علم منطق الطير، وهو الذي تحدث مع الهدد وكذا تسمع صيحات النملة المحذرة
{ وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (16) وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17) حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (18) فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ (19) وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ (20) لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (21) فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22) إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (23) وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ (24) أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (25) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (26) قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (27) اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهِ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ (28) } سورة النمل
والسر يكمن في كلمات الآية التي تليها
{ قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94) }
فهم أمة على الفطرة ولا تمييز لديهم ، فقد جاء إليهم ذو القرنين بجيوشه الجرارة وهو على رأس ذلك الجيش ، فكان من الأليق ألا يخاطبوه بلفظة مجردة من أي ملمح للمهابة
فقد كان من الأوفق والأمر كذلك أن ينادوه بأيها الملك ، أو يأيها العظيم، أو يأيها المظفر
لكنهم لم يفعلوا ذلك ونادوه باسمه المجرد.
ثاني هذه السقطات أنهم عرضوا عليه رشوة خيل إليهم من غفلتهم أنها سوف تغريه بالقبول
{ قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94) }
والخرج غير الخراج، فالأولى تعني مبلغا كبيرا من الذهب أو كمية ضخمة من الجوهر تؤدى لمرة واحدة، أما الخراج فإنها لا تخرج عن دفع محدودة ومحددة تدفع كل فترة زمنية متفق عليه ( سنوية مثلا أو عند جني المحاصيل ) ، والعرض بهذه الصورة يكون على صورة الرشوة أو هو أقرب ما يكون منها، وهذه سقطتهم الثانية.
أما ثالثة الأثافي في سقطاتهم الكلامية المتعاقبة، أنهم عبروا بلفظة خاطئة عما يريدون
فقد أشاروا في طلبهم عن سد يرغبون في انشاءه بينهم وبين أقوام يأجوج ومأجوج المفسدون في الأرض
{ قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94) }
والحقيقة أن لفظة السد ليست هي اللفظة المناسبة في هذا المقام ، فالسد في إحدى صوره الملموسة ، يكون مانعا طبيعيا من صنع الله لحجز المياه أو الرمال، أما في صورته المعنوية
فتعني مانعا وجدانيا من الرؤية، مثلما ورد في سورة يس
{ وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (9) }
هذه كانت سقطاتهم الثلاث والتي عبر عنها الحق بقوله " قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا "
وتغاضى نبي الله عن غفلتهم في التعبير عن مهابتهم له بنبل الأنبياء وسماحة نفوسهم،
واعتذر عن قبول الرشوة بلطف الأنبياء وتقديرهم
{ قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ ... }
، وأصلح لهم سقطتهم الثالثة، بأن عدَّل لفظة السد إلى لفظة الردم
{ ... أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95) }
21 ) الإهتمام بإجراء التجارب والإختبارات اللازمة للتحقق من جودة العمل المنجز ، وتوافقه التام مع آداء المهمة التي أنشأ من أجلها، ووضع معايير ضبط الجودة
{ فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (97) }
الآية تشير إلى أن الفريق المكلف بإجراء إختبارات إمكانية التسلق قد أخفق في عمله، وكذا كان هناك فريق أخر يقوم بمحاولة ثقبه أو نقبه وهذا الأخير لم يحالفه النجاح في إحداث ولو مجرد كشط بسيط في جسم الردم.
22 ) الفرق التي أمر ذو القرنين بتشكيلها، وكذلك قام بتحديد مهامها وحدد لها خطة العمل
وتزامن أعمالها
أ ) فريق الإستكشاف والبحث عن الخامات المتوافرة من خام الحديد ، والحجر الجيري،
والطفلة، ومناجم الفحم الحجري، وكذا تحديد مكان العين البركانية النشطة وغير
المتفجرة والتي تهدر بداخلها خامات القطر السائل وكذا توافر غابات الأشجار.
ب ) فريق العمل في مناجم خام الحديد، وتكسيرة إلي قطع في متناول قبضة اليد ليسهل
بعد ذلك تشوينها في مراكز وسيطة تمهيدا لنقلها بعد ذلك إلى مواقع العمل في الردم
ج ) فريق العمل في مناجم الأحجار الكلسية ( الحجر الأبيض الجيري) المناسب لبناء
الحائطين الحجريين ( الصدفين) ، ذلك لحجز الخامات داخلها، وتكسيره إلى الأحجام
المناسبة للبناء والنقل.
د ) فريق العمل في مناجم الطفلة، لتكسيرها وطحنها وتنعيمها وتجميعها في أكوام تمهيدا
للنقل إلى مواقع العمل لإستخدامها كمونة للبناء، وكذا إستخدامها لتبطين الحوائط
الحجرية.
هـ) فريق العمل في مناجم الفحم الحجري وتكسيره إلى أحجام مناسبة لنقله بواسطة
الدواب إلى مواقع العمل.
ز ) فريق العمل المجهز لتقطيع الأخشاب من الأشجار.
حـ) فريق العمل المخصص لتمهيد الطرق والدروب لتسهيل الحركة عليها
ط ) فريق العمل المكلف بمتابعة والإهتمام بدواب النقل من الخيل والبغال والحميروالأبل
من حيث الإطعام والسقيا والراحة والعلاج.
ي ) فريق النحاتين والمكلفين بنحت الخور الرأسي في جانبي السدين، وكذا نحت الخندق
الأفقي بين الخورين الرأسيين، واللذان يشكلان مكان لتثبيت المنشأ وتمكينه من
التثبت في الأرض الصخرية والجوانب الرأسية.
ك ) فريق إنشاء المجرى الذي سوف يستخدم في توصيل سائل القطر من العين البركانية
النشطة، وحتى موقع الردم.
ل ) فريق بناء الحوائط الحجرية وعمل أنفاق التهوية أسفلها، وتبطين الحوائط من الداخل
بالطفلة
م ) فريق اخنبار جودة العمل من حيث إختبار مدى صعوبة بل استحالة التسلق، وكذا استحالة إمكانية الثقب و النقب أو التحطيم.
23 ) الدعوة إلى الله
تشكل الدعوة إلى الله أصلا رئيسيا في السورة ومن نفس هذه الآيات سوف نستنبط السمات الواجب توافرها في الداعية . وحيث أنه كان يمكن أن ندرج قواعد الدعوة كمشروع إداري خاص له مواصفاته وأهدافه ، كما كان يمكن الحكم على مدي نجاح نبي الله ذو القرنين كداعية من المنظور الإداري ، لكنا آثرنا إفراده كتصنيف خاص قائم بذاته ( راجع مبحث " الدعوة إلى الله وصفات الداعية " ).
ونخلص من عرض هذه المرحلة ،ببعض التعليقات الظاهرة للعيان ،والتي تؤكد على توافق سمات رجل الإدارة الناجح وتصرفات ذو القرنين ، للدرجة التي يمكن معها استنباط بعضا من علوم القيادة الإدارية من الخطوات التي إتخذها ذو القرنين في إدارته للتخطيط والبحث والاستكشاف والتنفيذ والمتابعة :
1. العمل على إعمال مغريات الترغيب ، مع التلويح بعينات من الترهيب ( إدارة )
2. تحفيز ملكات العاملين لتنفيذ الخطط ،وجعلهم يتحدثون بإسمك ( علم نفس)
3. إستخدام الشباب ، وخلق خط قيادة ثان من العاملين ( إدارة )
4. الإعداد الجيد لتنفيذ المهام بالتدريب المستمر لرفع المهارات ( إدارة )
5. المتابعة الدائمة والإشراف اللحظي والتواجد الحقلي الآني ( إدارة )
6. وجود نظام توثيق ومتابعة مكتوبة لضبط الأمور ( نظم المعلومات )
7. إقرار الإتفاق على بناء الردم ( علم إبرام العقود )
8. إقرار وجود وحدات أمنية مسؤولة عن إقرار النظام واستتباب الأمن ( أمن عام )
9. تمكن من بعث فكرة المشروع القومي في أذهان شعب دون السدين وكأنه موضوع يهم شخص كل منهم ( علم نفس ، وإدارة )
10. إستخدامه للإيحاء النفسي ، بأن المشروع مسألة حياة أو موت ( علم نفس )
11. صيانة إحتمال وقوع المخاطر ، وعدم استطاعتهم مواجهتها ( علم لادني ، وإدارة )
12. التسليم الكامل بقضاء الله وقدره ( علم العقيدة )
13. الهدوء الشديد وتمالك الأعصاب ، وعدم التسرع بإظهار الإنفعالات ( إدارة )
14. طمأنة هذا الشعب بأنه أصبح في يد أمينة ، ( علم نفس)
15. سير الأمور طبيعية ، حتى التجهز للرحيل والعودة ( خلق الصبر والأناة )
16. إختيار معاونين مدربين جيدا لآداء المهام الخاصة ( إدارة)
17. إنشاء جهاز إعلامي لنشر الأخبار أولا بأول والوقوف على مدى الإنجازات حيث يشكل لهم ذلك تحفيزا لمتابعة العمل واستكمال المشروع (إدارة – إعلام )
18. حسن إدارة الحوار ، وتوجيهه نحو إستيفاء الغرض المطلوب ( إدارة )
19. عدم الإستماع أو التسمع لكلمات النفاق والمداهنة ( إدارة )
20. مراعاة العدل قانونا وتنفيذا وروحا وتنفيذه بصرامة (تقاضي)
21. عمل دراسات استكشافية للوقوف على مدى توافر الخامات اللازمة للمشروع
22. تحديد وتدريب فرق نوعية متخصصة لآداء أعمال بعينها
23. الإهتمام بإجراء الإختبارات اللازمة والمؤكدة لجودة المنتج ( ضبط الجودة)
الخلاصة :
الشاهد أن سيرة نبي الله ذو القرنين تذخر بالعديد من النجاحات في شتى المجالات التي عـُرضت له، وتعرض لها، وفيها جميعا قد أبرز قيمة العمل الصالح وأرسى قواعد الإدارة الصالحة الناجحة، ففي موقع مغرب الشمس أقام مجتمعا عاملا ومنتجا في ظروف البيئة الزراعية، وفي موقع مطلع الشمس شيـَّد مجتمعا صالحا بما يتناسب وقسوة وجفاف البيئة الصحراوية، أما في موقع بين السدين فقد تعلم القوم هناك كيف وبأيديهم يبنون أمنهم....
وهكذا أقام وشـّيَد وبنى صروحا من العمل الصالح.
إعداد المهندس / محمد عبد العزيز خليفة داود
استشاري تصميم وبناء نظم معلومـات الحاسب الآلي
معهد الدراسات والبحوث الإحصائية – جامعة القاهرة
[1] اكتشافات وأبحاث جديدة من قصة ذي القرنين في القرآن الكريم، أسس القيادة والإدارة
الباحث الإسلامي المهندس / سيد حامد السيد علي – مطابع الولاء الحديثة 1904