دعوة للتفكر: هل "الذِكْر" هو القرآن فقط؟
إن اللاحق فى هذا البحث لهو دعوة للتفكير و التفكر و العقل و التدبر لما هو وارد إلينا و مشهور لدينا بالنقل سواء كنا من العامة أو من الخاصة، من فقه و تفسير و أثر - وهو بالضرورة ليس كل ما قيل - نأخذه مأخذ المسلمات و نقدسه و نلحقه بالشارع سبحانه و تعالى و نجزم و نرهب الناس أن هذا مراده و حكمه.
تم اختيارى لموضوع مشهور فى العقيدة قد يكون صادما لأغلب الناس و ذلك عن عمد ليكون مثالا لعموم الحال و ليس لخصوص الموضوع.
تمهيد
{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30) الروم}
إن الإنسان بفطرته التى فطره الله عليها يستطيع أن يصل لمراد الله، فأطلق الله كلمة "الذكر" تسمية على كل ما أنزله على رسله من رسلات للناس لأنها تذكرة لهم بفطرتهم، لأنه قضى بحفظ و تذكر كلية أمره و مراده من الاندثار أو النسيان {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9) الحجر}
الذكر
الذِّكْرُ: الحِفْظُ للشيء و تَذْكُرُه. و الحفظ يعنى الحراسة
{ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ (58) آل عمران}
إن كان ما يتلى على محمد هو القرآن، فالقرآن هو من آيات الله و من الذكر و لكن ليس فقط هو الذكر
و فيما يلى آيات تدل على أن ذلك:
تسمية و وصف الرسالات بالذكر
{لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (59) قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (60) قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (61) أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (62) أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (63) الأعراف} (تذكرة من الله لقوم نوح بواسطة رسولهم)
{وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ (65) قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (66) قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (67) أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ (68) أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (69) الأعراف} (تذكرة من الله لقوم عاد بواسطة رسولهم)
{كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ (23) فَقَالُوا أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ (24) أَؤُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ (25) القمر} (تذكرة من الله لقوم ثمود بواسطة رسولهم)
إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ (4) وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ (5) فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (6) الشعراء} (مُحْدَثٍ: أى جديد عليهم)
{وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (105) إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ (106) الحجر}
تذكر و نسيان الناس لرسالة الله
{قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا (18) الفرقان}
{وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا (29) الفرقان}
{ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (1) ص} (القرآن فيه تذكرة لفحوى رسالة الله للناس)
{وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (10) إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (11) يس} (إنما الإنذار يؤتى ثماره مع من يتذكر فحوى رسالة الله)
{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (22) القمر} (ادّكر، استحضره في ذهنه واسترجعه بعد نسيان)
{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43) بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44) النحل} (أَهْلَ الذِّكْرِ: هم الذين يتذكرون فحوى الرسالات)
حفظ الله لرسالته للناس
{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9) الحجر}
الخلاصة
و مما سبق من آيات نتبين حقيقة قرآنية هى أن الذكر أسم يصف ما أنزل من الله تذكرة للناس بواسطة الرسل بما فيهم الرسول محمد، و هذا بالإضافة إلى الحقيقة الواقعية أن هذه الرسالات لم تحفظ بنصها بين الناس بدليل اندثار نصوص رسالات ذكرت فى القرآن، أو تغيير كثير من مما أرسل للناس من الله بواسطة هؤلاء الرسل، ... و بالتالى (1) لا يمكن تخصيص كلمة "الذكر" أو محتواه على ما أنزل على الرسول محمد فقط حيث أنزل على غيره من الرسل، (2) و كذلك أن الحفظ لم يكن حفظا لنص حيث اندثرت نصوص أو تغيرت بتدخل البشر، ... و عليه نرى أن "حفظ الذكر" ليس بالمعنى الدارج المشهور الذى هو حفظ "النص" القرآنى من التبديل أو الزيادة أو النقص، بل يتسع لمعنى أرحب هو أن "محتوى و مفهوم" كل الرسالات التى أنزلت على رسله بأمره و مراده، محفوظ من التبدل أى محفوظ بثبات كليات محتواها و مفهومها، أى أن الأمر و المراد الإلهى واحد لكل الأمم و هذا المراد هو المحفوظ و لا يتغير، و ما الرسالات التى أنزلت على الرسل قد سميت ذكرا إلا لأنها تذكير دائم للناس بوجود الله و مراده، و تعهد الله بالحفظ له يعنى عدم اختلاف مراده و ثباته فى مضمونه الكلى و لن يُنسى أو يندثر أو يختفى من علم الناس و يظل "مذكورا" حتى يرث الله الأرض و من عليها
هذا قولنا و فهمنا فى زماننا و مكاننا و حسب علمنا و يجب أن يأتى من بعدنا من يفعل مثلنا.
والله أعلم
مصطفى فهمى
المراجع:
(1) العقل للفهم. (2) القرآن بفهمه بالعقل. (3) المعجم لمعرفة لسان العرب
للقراء الذين ليس لهم حق التعليق يمكنهم التعليق على البريد الإلكترونى، مع ذكر اسم المقال