بعض الزعماء تنكمش، وتتقدم، وتصغر أوطانهم كلما طالت فترة حُكمهم.
وبعض الزعماء تكبر بهم أوطانهم، وتنتعش الحركة الفكرية والثقافية والعلمية، وتتنفس الجامعات، وتتفتح كل أبواب الفرص للعقول لتنهض بالبلد، وتتقدم به صوب ركب الحضارة ليلحق بها، ويدخل سباقاً لا يتنافس فيه إلا المؤهــَلون!
مصر دولة لا يختلف على أهميتها اثنان، في الضعف والقوة، في فترات السقوط والصعود، في عهود التأخر والتقدم.
وكل ما تحتاجه هو زعيم يعرف قــَدْرَها وقوتها وتاريخها وجغرافيتها ودورها. وفي سباق الرئاسة الذي يشرف عليه المجلس العسكري يحلم بقصر العروبة وقصر عابدين ومنتجعات لا حصر لها عدة أشخاص يزعم كل منهم أنه قادرعلى توفير حياة هنيئة وطعام شهي وحساب في البنك وسكن لائق وعمل مربح لكل مصري من التسعين مليونا .. الأفواه والأرانب!
لم يقم أي منهم بعمل قياس لمصر الحضارة والشعب ليرى إن كان مناسبا لقدراته وكفاءاته، فيعرف أن مصر أكبر منه، أو يتوهم أنه أكبر منها!
يظنون أنها عزبة في كفر البطيخ، أو دار العمدة في الدلنجات أو مطرح لاستقبال الضيوف في كفر أبو سليم، أو حوش في كفر حانوت!
كل مرشح للرئاسة محسوب على جهة، يسارية أو يمينية أو فلولية أو عسكرية أو إخوانية أو سلفية، لكن ليس هناك مرشح واحد محسوب على مصر كلها دون أن يطغى جانب على آخر.
أكثرهم ركعوا سابقاً للمخلوع، وكلهم سيقدمون أوراق اعتمادهم بأيدٍ مرتعشة، وأسنان مصطكة، وركب مخلخلة إلى المجلس العسكري، ولن يستطيع أحد منهم أن يرفع عينيه في وجه المشير كما لم يستطع من قبل أن يتنفس أمام الطاغية مبارك.
أحب مصر حباً جماً، وأراهاً دائما أكبر من كل الذين ظهروا في مشهدها الحزين خلال السنوات الثلاثين الماضية، وأمامي الآن سيرك يُضْحـِك ويــُبكي في الوقت عينه وأشعر أنني سأحتقر نفسي كمؤمن بعبقرية وعظمة وروعة ثورة الشباب في 25 يناير لو قمت بعمل مقارنة بين مرشحي الرئاسة في أم الدنيا، فلم يدر بذهني قط في يقظتي، ولم يزر خيالي في منامي ولو مرة واحدة طيف زعيم يماثل خــُمس أو عــُشر واحد من هؤلاء الذين سيحمل خاسروهم لقب ( .. المرشح السابق لرئاسة الجمهورية).
إنه كسباق خيل في ويمبلي تنقله تلفزيونات العالم كله، ويشاهده عشرات الملايين ثم تستبدل إدارة السباق بالخيل المدربة كلاباً عرجاء لو ظهرت لها قطة وديعة لسقطت، خوفا وفزعاً، قبل خط النهاية بنصف المسافة!
إنني، وأنا المغترب منذ أربعين عاماً تقريباً، أستطيع في ثلث الساعة أن أختار ثلاثين مصريا من الداخل يتشرف بكل منهم قصر العروبة ، فكيف بالمصريين الذين حررتهم ثورة 25 يناير أن يعجزوا عن اختيار خمسمئة منهم يصلح كل واحد أن يصبح زعيماً ينتشل مصرَنا من هذا الجحيم الذي ألقاها فيه خصومُها من ابنائــِها؟
ومع ذلك فيتقدم على رؤوسهم، وبالقرب من ميدان التحرير، وأمام ثلاثة مليارات من البشر سيتابعون اختيار أم الحضارات للفرعون الجديد ثلة ممن رفعهم الإعلام، ورضيَ عنهم سارقو الثورة، ولمـَّعتهم أحزابُهم وفــِرَقهم وجماعاتهم ومريدوهم، وكأن معتقل ( طره ) الرابح في كل الأحوال.
لا أطالب أحداً بمقاطعة الانتخابات فلن يستجيب إلا من هو مجنون مثلي، ولا أطالب أحداً بانتخاب زعيم من هؤلاء فهذا سيؤكد جنوني، فالقرار صدر قبل الترشيح بوقت طويل، وأحسب أن المشير يضحك الآن حتى تبدو أضراسه الداخلية، ثم يستدعي فريقاً أو لواءً من الجيش ويحكي له قصة الناس الطيبين الذين يـُصــَدِّقون المجلس العسكري، مرة مع المجلس الاستشاري، وثانية مع مجلس الشعب الفقهي، وثالثة مع مجلس الشورى الإخوانجي السلفي!
عشرات من المرشحين قيل لهم بأن أسهل وظيفة هي رئيس الجمهورية، وأن هناك مستشارين ولواءات ومساعدين ومترجمين ومحللين ومبررين وجورنالجية سيقومون بالمهمة بدلا من الزعيم، ولو لم يقرأ كتابا واحدا في حياته فسيجعلون منه رائداً للفكر والثقافة، وإذا لم يحمل بندقية رشّ في شبابه فسيتحدثون عن ضرباته الجوية والبحرية والبرية ضد أعداء مصر.
أما الوظيفة الأسهل فهي ( المرشح السابق لرئاسة الجمهورية ) وهي لا تحتاج لأكثر من سحب استمارة ترشح، وبعد ذلك تتفتح أبواب البزنس أمام ( الرئيس السابق) بعد حذف كلمة ( المرشح )!
لو كان الأمر بيدي لأمرت بالقبض على كل المرشحين لرئاسة الجمهورية، ووجهت اتهاماً لهم جميعاً بإهانة مصر والمصريين، والإيحاء في حملتهم الانتخابية بأن مصر ليست أكبر من كشك سجائر يمكن لأي شخص أن يديره بمفرده.
ومع ذلك فالمشير هو الرئيس، وهو رئيس مجلس الشعب، ورئيس مجلس الشورى، ورئيس المجلس الاستشاري، والقاضي في محكمة المخلوع، وهو الأمين على إرث مبارك وأمواله وممتلكاته وجرائمه وتاريخه منذ أن أصبح ساعدَه الأيمن لأكثر من عشرين عاماً.
كتبت مقالا في 22 مارس 2005 موَجهاً إلى الزعيم الذي أبحث عنه وقلت فيه:
سيدي الرئيس،
لا أدري إن كنتَ ستقرأ رسالتي تلك أم ستضل الرسالةُ طريقَها لأنك لم تبحث عنها في الأصل، ولم تكلف نفسك عناء الافصاح عن هويتك وأفكارك ومبادئك وأحلامك وبرنامجك في انقاذ مصر بعدما يتم تنظفيها من رؤوس الفساد والارهاب والاستبداد الذين جثموا فوق صدر مصرنا ظلما وبغيا وعدوانا واستخفافا بشعبها واسترقاقا لأهلها.
كنا نفترض أن الزعيم هو الذي يبحث عن الشعب، ويتقدم بصدره، ويناضل من أجل تحرير وطنه، لكن في مصر يحدث الآن العكس، فالشعب متلهف لبطل جديد يعقد معه صفقة الحـُكم، وفي ارهاصات الوضع المصري برُمته الذي ينذر بأحد خيارين: إما ست سنوات عجاف تنتهي بكارثة اجتماعية وسياسية واقتصادية إذا ظل الرئيس حسني مبارك ممسكا برقاب شعبنا، أو بتولي ابنه تكملة المهمة، وإما أن ينتصر الحق، ويرفع المصري رأسه لأول مرة منذ سنوات طويلة، ويتخلص من القيد الذي وضعه المستبد حول عنق الوطن السجن.
سيدي الرئيس،
لم أفقد إيماني لحظة واحدة بأنك هناك، في مكان ما، تَمَيّز غيظا من هؤلاء الطغاة الذين أحاطوا بكبيرهم يمدون في عمره، ويزيفون تاريخ الوطن، ويرفضون منح شعبنا ذرة كرامة يتنفس بها وتعينه على مصيبة الحياة في ظل الرئيس حسني مبارك.
قد تكون إسلاميا أو قبطيا أو شيوعيا أو يساريا معتدلا أو يمينيا أو وفديا أو ناصريا أو مستقلا أو كل هذه الأشياء مجتمعة!
قد تكون أكاديميا أو باحثا أو مفكرا أو عالما أو سياسيا أو إعلاميا أو سفيرا لمصر في الخارج، سابقا أو حاليا، أو محافظا، أو لواء في الشرطة أو مباحث أمن الدولة أو المخابرات أو الجيش أو وزيرا سابقا لم يرض عنه الرئيس لأمانته ونزاهته وشرفه وإخلاصه لمصر وشعبها!
قد تكون قريبا من الرئيس والطغمة الحاكمة وتنتظر الفرصة الملائمة لانقاذ شعبك، وقد تكون جنرالا في الجيش حاول زملاؤه القيام بانقلاب عدة مرات ولم يحالفهم الحظ أو تم القضاء عليهم بفضل عيون رجال الرئيس ومخابرات أصدقائه في الغرب وواشنطون وإسرائيل!
قد تكون قاضيا أو مستشارا أو عميد كلية أو مدير جامعة أو مدرسة أو روائيا أو مساعد رئيس تحرير صحيفة أو من المغضوب عليهم في ماسبيرو!
قد تكون صاحب فكر عبقري في الادارة أو في القيادة أو في الاقتصاد أو في علم الاجتماع أو في كل هذه الأشياء مجتمعة أو ثنائية أو أكثر!
قد تكون ريفيا أو حضريا، صعيديا حتى الشارب الكث أو قاهريا يعرف مشاكل العاصمة كلها من مجمع التحرير إلى السحابة السوداء ومن الاعتداء على أراضي الدولة إلى ما يدور في أقبية السجون، ويعرف أيضا ما لا يعرفه الآخرون عن هموم الوطن كله!
قد تكون قابعا في مكان ما، واضعا على الورق أو في ذهنك دستورا اصلاحيا يخرج مصر من سجنها إلى حريتها، ومن موتها إلى حياتها، وتبحث عن جهة أو منظمة أو جبهة أو حزب أو تجمع يتعرف من خلاله شعبنا عليك فلم تجد غير صراعات ونزاعات ومصالح آنية ومفاوضات في السر مع سيد القصر وصراخ وعويل لم يحرك ساكنا لأربعة وعشرين عاما.
قد تكون زعيما اكتشفه الطاغية حسني مبارك فخاف منه، وأبعده، وعزله عن الاهتمامات العلنية بقضايا الوطن، أو ربما خشي منه رجال الرئيس وخدم السيد، ومنافقو القصر، ومتزلفو السلطة.
سيدي الرئيس،
لعلك تشعر باحباط شديد، وبحزن جارف، وبأوجاع الوطن كله وأنت ترى هذه الغطرسة المباركية وهو يتحدى سبعين مليونا من البشر أن يأتوا له بنظير ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا!
وربما زادت آلامك وعذاباتك وأنت ترى مصرنا تنتقل من صفر إلى آخر، ومن قاع إلى هاوية تغوص في عمق الفشل، ومن نهب وسرقة ونصب واحتيال إلى تحد وقح لمشاعر شعب ذابت فيه حضارات وأزمنة واحتلالات ومقيمون وعاشقون وأغراب، فيقف الرئيس المريض، وينظر في عيون حزينة ، مكسورة، مهانة، مسروقة لسبعين مليونا من ورثة الأنبياء والمرسلين والمصلحين والفاتحين وأبناء النيل الخالد، ويتحداهم أن يرفضوه، ويقدم لهم ملهاة تهكمية أكثر سخرية من نكات ابن البلد مؤكدا على أن برنامجه هو عمله، أي سجون ومعتقلات وتعذيب ومهانة وفقر ومرض وفشل وغلاء وبطالة وسكان مقابر وقوانين طواريء وأكثر رجال مصر فشلا وفسادا!
ولعلك الآن تضرب كفا بكف وأنت ترى حيرة المصريين في ترشيح زعيم قادم فتكتشف أن آراءنا في الزعامة لا تختلف عن أفكارنا الفجة في الفن، وأن جيل البورنو كليب، والتطرف الأعمى، والتمييز الأحمق بين البشر على أساس اللون والجنس والعقيدة والمذهب لا يستطيع أن يختار زعيما أو قائدا فهو لا يرى إلا الذين قام الإعلام بتلميعهم، وتأهلوا حزبيا وسياسيا وصحفيا على حِجْرِ السلطة أو في طائرة السيد الرئيس.
بحثت وغيري عنك في كل مكان تحت شمس مصر الولاّدة العظيمة التي تستطيع أن تمد الوطن بآلاف العباقرة في كل المجالات وهم يصطحبونك كما يفعل النحل وكل يعرف طريقه وعمله والزمن المحدد للانتهاء منه.
سيدي الرئيس،
نبحث عنك منذ فترة طويلة، وقد آن الوقت الذي تبحث أنت عنا، وتخرج من موقعك، وتعلن بكل شجاعة وثقة ومحبة للوطن أنك تستطيع أن تقود مصر في المرحلة القادمة، وأنك الرجل الذي ننتظره.
تقدم، وابعث إلى المصريين عن قناعتك بقيادة مصر، ولا تخش القيادات الحزبية والسياسية والفكرية الملتصقة بظهر السلطة أو الخائفة على مصالحها، أو المرتبطة بأيديولوجية حزبية أو دينية أو طائفية لا تستطيع منها فكاكا.
قد يبدو الطلب مضحكا حتى الثمالة، أو مبكيا حتى الموت، صمت مريب فلا تدري إن كان الوطنيون جادين في انقاذ الوطن أو أنهم النصف الثاني لسيد القصر. سينفجر المعارضون والساخرون ضحكا واستخفافا ممن يبحث عن زعيم، ومن تمرد على السلطة تقوده العفوية، ومن رفض لحكم الرئيس المستبد دون تقديم بديل.
قد تحدث المعجزة، ويخرج الصامتون الكبار من المعارضة إذا تصادف وتحرك الضمير خطوتين ناحية الوطن،فيتم انقاذه قبل أن يجعل الرئيس حسني مبارك وابنه وأعوانه المصريين يلعقون تراب الأرض، وصناديق القمامة وأحذية ضباط الأمن!
هذا كان حلمي منذ سبع سنوات!
ومرت السنوات ولم يطل علينا الزعيم، لكنني لم أفقد الأمل، فاليأس لا يعرف طريقه إلى قلبي حتى لو اعتصره الألم، وأوهنه الوجع، وحطــَّمه الخوف على مصرنا الحبيبة.
وفي 29 نوفمبر 2009 نشرت مقالي الذي اختصر كل أحلامي في زعيم مصري يربت على أم الدنيا، ويزيل عنها ما تراكم عليها طوال سنوات الظلم والقهر، فكتبت أقول:
الرجل الذي أحلم به رئيساً لمصر
الحياة لا تستقيم بدون أحلامٍ، والأحلامُ هي العلاجُ السحرّي لكلِ أنواعِ اليأسِ والكآبةِ والحزن!
خلال ثلاثة عقودٍ وأسرة مبارك تسرق أحلامَ المصريين، تماما كما تسرق منهم اللقمة!
باستثناء عدة مئاتٍ من المصريين الذين لا يزالون على العهد مُقاوِمين شجعان، في الإعلام والجامعات وأحزاب متناثرة وفنانين ومثقفين، فإنَّ الثمانين مليوناً لم يفيقوا بعد من غفوة شلّت الجسدَ والروحَ والعقلَ و .. الفؤادَ!
لم تنفع مع أهل بلدنا منابرُ المساجدِ والكنائس، ولا المقالات النارية التي تهُزّ الجبالَ هَزّاً، ولا الكوارث في البحر والجو والبر، في المسرح وتحت جبل المُقطم وفي قطارات متهالكة كأنها أكفان لم تلتف بَعْدُ حول أجسادِ الفقراء والمطحونين الذين أصبح الموتُ لديهم مساوياً للحياة، وأحيانا تمنيات بعيدة المنال!
لم تنفع مع أهل بلدنا الكتبُ المقدّسة، وحكايات عن ثورات الأنبياء والرسل ضد الطغاة، ونقل الفضائيات إليهم في بيوتهم وقائع غضب الآخرين ..
لم ينفعهم الإيمانُ بالله، تعالى، ولا حرّك فيهم ساكناً مَلَكُ الموتِ يحصُدهم في الشوارع والطرقات والمستشفيات، ويتخفى خلف الفقر والمرض والوبائيات، وانتظرتْ السماوات السبعُ غضب شاربي مياه النيل حتى لو كان سببُ الغضبِ سُموماً قاتلة في طعامِهم وشرابهم وهوائِهم وتكاتف عدوٍ لئيم يتربص بهم في كل شارع وناصية وحارة، أعني القمامة، لكن المصريين تعلموا من وادي الملوك أن الصمت هو الذي يقوم بحمايتهم من سوط فرعونهم.
ومع ذلك فنحن أمام خيارين لا ثالث لهما: إما التمسك بالحلم عن زعيم ينتشلنا من مستنقع لا قرار له، أو الاستمرار في العبودية المختارة تتقاذفنا أسرة مبارك كأننا كرة بلاستيك تمررها أقدام لاعبين يصرخ فيهم جمهور هستيري يظن أن كرامته تحددها الملاعب الخضراء، وأن التقدمَ هو حالة كروية ولو تحول المجتمع كله إلى أفواه جائعة، وبطون خاوية، وعقول فارغة، ونفوس مريضة.
وأنا لا زلت مُتمكسا بالحُلم عن زعيمٍ مجهول كما تتمسك عذراءٌ في خِدرها بفارسٍ أحلامِها الذي قد لا يأتي حتى يلج الجمل في سم الخياط!
أحلم برئيس يحب مصرَ، وترابَها، ونيلها، وتاريخها، وحاضرَها، ويحتفظ في مخيلته بتفاصيل مستقبلِها الذي يرسم كل خطوطه كفنان ماهر لا تبرح الريشة سبّابته وابهامه إلا لِماماً!
أحلم برئيس ليس كاذباً، ولا منافقا، ولا متعاظما، فإذا وعَدَ بأنْ لا يُجدد ولايته بعد الثانية، أوفىَ بوعده ولو خرج المصريون كلهم مطالبين إياه بولاية جديدة لأنهم يتامىَ مِن بعده.
أحلم برئيس يحترم شعبَه، ويعتبر كرامة كل مصري مِنْ كرامته، ولو سرق كفيلٌ أو مُهَرّبٌ على مراكبِ الموتِ أو بلطجي أو رجل يَحْميه أحدُّ الكبار مصرياً، فإنَّ الرئيسَ يأتيه بحقه قبل أنْ يقوم مِنْ مَقامه.
أحلم برئيس يتسلل آناءَ الليل وأطرافَ النهار إلىَ السجون والمعتقلات، ويبحث عن المظلومين، ويُفرج عن الأبرياء، ويطرد مِنْ رحمته كبارَ الضباطِ المتورطين في التعذيب والمهانة واذلال أبناء البلد.
أحلم برئيسٍ يحترم القضاءَ، ويجعل القضاة والمستشارين يُشرفون علىَ الانتخابات، ويُعطي توجيهاته بأنْ لا تقترب وزارة الداخليةِ مِنْ أيّ مصري يتم الحُكمُ عليه بالبراءةِ، فيعود إلىَ أهله قبل أنْ ينبلج فجرُ اليومِ التالي.
أحلم برئيس يُحب الفنَ الرقيقَ، ويستمع إلىَ الموسيقى الكلاسيكيةِ، ويحفظ بعضَ المعلقات، ويعرف قواعدَ اللغة العربية وأدابَها، ويستشهد مُرْتجلا بالمتنبي وأبي تمام وعلي محمود طه ومحمود حسن إسماعيل والجواهري ومظفر النواب!
أحلم برئيس لديه مشروع قومي ووطني وحضاري، ويعرف تضاريسَ مصر وجغرافيتها، ويقرأ لجمال حمدان، ويحفظ عن ظهر قلبٍ كل قطعة من أرض مصر، ولديه فكرة عن احتياجاتها البشرية والمائية والانمائية.
أحلم برئيس ينتزع مئات الآلاف من الأفدنة التي استولى عليها لصوصُ عَهدِ مبارك، ويُعيدها للمصريين في مشروعات انتاجية، زراعية وصناعية، ومدن سكنية ضخمة وراقية وجميلة تتسع للفقير والغني على حد سواء.
أحلم برئيس يغضب من المديح، ويزيح عن طريقه المنافقين، ويفتح صدرَه للنقد، ولا ينام الليلَ حتى يطمأن أنَّ بالوعة صغيرة في قرية نائية سقط فيها ثلاثة أطفال قد تم اغلاقها ومحاسبة رئيسُ الحي، وأنَّ المصريَّ الذي يستغيث به ولو كان في جوفِ كهفً يصل صوّته للقصر.
أحلم برئيس عبقري، وذكي، ورقيق القلب، ويفهم في الفلسفة وأصول الحكم، ويقرأ في العلوم الانسانية، ويحفظ عن ظهر قلبٍ الشِرّعة العالمية لحقوق الانسان، وتخجل منظمات حقوق الانسان أنْ تعاتبه ولو علىَ استحياء.
أحلم برئيس يتساوى لديه المسلم والمسيحي والبهائي واللاديني، والسني والشيعي، وأن المقياس الوطني لديه هي الكفاءة والمصداقية والنزاهة والعمل الجاد والمثابرة.
أحلم برئيس يلتهم الكتاب الجَيّدَ الذي تقع عليه عيناه، ويستطيع أنْ يتحدث حديثا راقيا وعقلانيا وموضوعيا، مرتجلا وليس من نص جامد أحمق وضعه له مستشاروه، عن الصحة والعلاج وحقوق الطفل ومناهج التعليم وحرمة البيوت وأسعار الكتب والملازم في الجامعة والدروس الخصوصية ونسبة التلوث في مياه الشرب.
أحلم برئيس يحلم بجيش وطني قوي، كل أفراده كأنهم خليّة نحل في التدريب والتعلم، وهم سَندٌ للأمة وليسوا عالة على اقتصادها، وأنَّ التعليمَ لا يتوقف مع اليونيفورم، وأنْ لا تكون لأي قوة في العالم سيطرة ولو غير مباشرة على جيش مصر، وأنَّ المصريين هم الذين يحددون حاجياتهم من السلاح، وأنه جيش يتحرك داخل أرض الوطن دون اتفاقات تلزمه بالتقزم والتحجيم ورغبات أمريكا وإسرائيل!
أحلم برئيس يخاف من أصغر عضو في مجلس الشعب، ويخاصم النومُ عينيه قبل أيّ استجواب تحت قبة البرلمان، ولو كان الاستجوابُ موجَّهاً إلى وزير في أقلّ الوزارات أهمية.
أحلم برئيس يَعْرض على الأمة مشروعا متكاملاً للقضاء على الأميّة في عدة سنوات.
أحلم برئيس لا يحكم مصرَ وهو على فراش المرض أو الموت، وأنْ يكون في كامل قواه العقلية والروحية والجسدية والنفسية.
أحلم برئيس يبدأ صباحَه بتصفح كل الصحف اليومية، المعارضة قبل القومية، ولا يعتمد على ما يختاره له مستشاروه، وتلتقط عيناه همومَ الوطن كله، ويتصل بنفسه بكل مسؤولي مؤسسات الدولة، وتلهب توجيهاته قوىَ النشاط فيها، وتضاعف أوامره عطاءاتهم، ويزيح عن الطريق المهمِلَ والفاسدَ، ولا تكون له أولويات، فكل مشاكل الوطن علىَ نفس القدر من الأهمية، محاربة المخدرات كالعلاج المجاني، كرامة المواطن في أقسام الشرطة كحقه في مياه غير ملوثة، حق الطفل في الحليب يومياً كأهمية العاطل في العثور على عمل.
أحلم برئيس لا تسجنه الشللية في القصر، ولا يحبسه المنافقون في الايحاء له بأنه الملهَمُ والزعيم، ولا يبحث عن الثناءِ والمديح في كل عمل يقوم به أو توجيهات أو أوامر.
أحلم برئيس يبدأ من الصفر في كل شبر من أرض مصر، من الشواطيء التي استولى عليها الأثرياءُ، والاحتكارات في البيع والشراء التي التهمت خيرات مصر، وإنشاء لجان حماية المستهلك، ووضع خطة مُحْكمة وذكية للفصل في مئات الآلاف من القضايا المُحنطة في المحاكم، فالعدالة البطيئة ظلمٌ بَيّنٌ، وخطة لوضع حلول لأكثر من مليون طفل من أطفال الشوارع، وانهاء فضيحة سُكان المقابر، وتخليص الوطن من العشوائيات، واعتبار القضاء على البطالة هي المَحَكّ لنجاح الرئيس أو فشله في إدارة شؤون الوطن.
أحلم برئيس لا يحكم باسمه أولادُه وأشقاؤه وزوجته وحواريّون ومستشاروه والملتصقون بسطوته وسيطرته، فكل الناس في عهده علىَ قدم المساواة، ويستطيع أصغر قاض استدعاء ابن الرئيس، وحتى الحُكم بحبسِه لو تجاوز السرعة المسموح بها لسيارته.
أحلم برئيس غير مختلّ النفس والروح، وفيه تواضع وإيمان ومحبة وتسامح، ويعتبر نفسَه الملاذ الآمنَ لكل مصري في الداخل أو في الخارج.
أحلم برئيس صادق مع شعبه، ولا يقيم معاهدات سرية مع خصوم مصر، ولا يتعاون مع إسرائيل، ولا يسمح لأي دولة باهانة رعاياه، ويصارح المصريين بكل تفاصيل الاتفاقات والمعاهدات التي تعقدها الدولة، ولا يُفرّط في استقلالها، ولا يبيع غازَها وبترولَها لأعدائها ..
أحلم برئيس لا يكره المصريين ولا يحتقرهم كما هو الحال مع الرئيس مبارك، فنجده في موقع اي حادث كبير، أو حريق، أو غرق سفينة، أو كارثة تسمم، أو زلزال ....
أحلم برئيس يجري، ويلهث، ويطير بمصر صوب كل مناحي التقدم والازدهار والرفاهية والتطور، ويتمكن من ازالة الفوارق بين الطبقات، وليس كما الرئيس مبارك الذي ينام ملايين من رعاياه وهم يتضورون جوعا، ويلعب العشرات بمليارات انتزعوها عنوة من خيرات مصر.
أحلم برئيس إنْ هددت مسؤولا في عهده بأن شكواك ستصل إليه يَخرُّ صريعا من الخوف حتى لو كان وزير الداخلية إنْ أهانك ضابط أمن، ووزير العدل إذا اختفت قضيتك في المحاكم، ووزير الصحة إذا سرق مجرمو الطب عضوا من جسد مريض يأتمنهم عليه تحت التخدير، فيخونوه رغم قسَم الشرف الطبي.
أحلم برئيس يُعيد التسامحَ للمصريين، وفي عهده يتساوى المسجدُ والكنيسة، ويحتفل كل مصري بأعياد أخيه في الوطن، ويعتبر كل من المسلم والقبطي أن حساب لست على استعداد لمقايضة رئيس مزيف برئيس حلمت به طوال ثلاثين عاماً ولم تأذن عبقرية الاختيار الشعبي بظهوره بعد!
الآخرة شأن ربّاني، وأن الجنة لمن جاء اللهَ بقلب سليم، وأنَّ محبة المصري للآخر الذي يختلف معه في الدين والعقيدة هي أقصر الطرق لصناعة التسامح الذي يُرضي اللهَ تعالى.
أحلم برئيس تدعو له ربّة كل أسرة مصرية وهي تطعِم أولادَها، وتصحبهم للطبيب أو الصيدلي، وتتسوق حاجياتهم، وليس كما يحدث الآن فملايين من ربّات البيوت المصرية يرفعن أيديَهن إلى السماءِ، ويلعَنَّ مَنْ تسبب في هذا المشهد الكارثي والحزين لأم الدنيا.
أحلم برئيس ينتزع السلطة من الرئيس مبارك، ولا تصل به إلى القصرِ دبابة في حماية أمريكية أو مساعدة اسرائيلية.
أحلم برئيس يرفع مصرَ درجات في التعليم والإعلام والكتاب ودور النشر وحقوق الانسان وحرية الصحافة والصحة والمواصلات و ...
أحلم برئيس يوافق على مناقصة ضخمة لشركات نظافة تجعل مصرَ واحدة من أنظف بلادِ العالم الثالث، وتضع صناديقَ قمامة في كل شوارع وحواري وأزقة مصر، وتقوم بتفريغها مرتين في كل يوم.
أحلم برئيس يعرف كلمة السرّ، ويَدخل بها إلى نفوس وقلوب وعقول المصريين، ويدمرّ البرنامجَ الذي وضعه عهد مبارك في شرايين أبناء شعبنا فجعل سلوكيات المصريين بلطجة ورشوة وفساداً وبقشيشاً واكراميات واستغلالاً وكراهية وتعصّباً وتديّناً زائفاً وازدواجية تجمع الملائكة والشياطينَ في قلب واحد، فيُعيد الرئيسُ الجديدُ الوضعَ الطبيعيَّ للانسانِ السويِّ.
أحلم برئيس تتقدم مصرُ في عهده بالفن الجميل، والموسيقى َالراقية، والفيلم الجيّد، والكِتاب المثمر والمفيد، والتلفزيون الريادي ...
أحلم برئيس يأمر وزير إعلامه بطرد آلافَ العاملين والعاملات في القنوات المصرية كلها، الأرضية والفضائية، ثم يعيد توظيفهم على أسس جديدةٍ قائمة على الكفاءات الثقافية واللغوية والعقلية والعلمية والقدرة على العطاء والمعلومات العامة والأفكار المبهرة والمبدعة، وفي هذه الحالة لن يعود إلى الشاشة الصغيرة من المومياوات الحالية إلا حفنة تعَدّ على أصابع اليدين!
أحلم برئيس يغادر المواطنُ مصرَ في عهده ويعود إليها سبعين مرة في اليوم، فلا تجرح كرامتَه في المطارِ كلمة أو نظرة أو اشتباهٌ، ويرفع رأسَه أمام مدير أمن المطار.
أحلم برئيس لا يضيع خطابُ بريدٍ في عهده، ولا يُهمل موظفٌ شكوى أو طلباً، ويحتقر المصري كل من يتوسط لآخر، ويعتبر القضاءُ أنَّ أعداءَ الوطن في الداخل هم مهربو المخدرات، والبلطجية من المَسّجلين خطرين، والذين لا يحترمون أحكامَ العدالة.
أحلم برئيس لستَ مُضطراً في عهده أنْ تضع يدك في جيبك لتحصل علىَ حقك، ولا تضغط علىَ أعصابِك المزايَدة الدينية من مُكبّرات الصوت، وجدال النقاب، ومطاردة المفكرين، ولا يقبل القضاءُ دعاوىَ يرفعها متخلفون عقلياً لمطاردةِ من يُفكرّ، أو يختلف معهم ..
أحلم بواحد من الثمانين مليونا يقرأ كلماتي، ويفهم أنني أعنيه هو شخصيا، في أي موقع يحتله، في ثكنة عسكرية أو جهاز المخابرات أو أمن الدولة أو حزب معارض أو أكاديميا أو مثقفا أو إعلاميا أو عالِماً، أو سياسيا بارعا ومغموراً، أو إداريا ناجحا، أو سفيرا سابقا أو ...
أحلم بالبطل الذي ينقذ مصرَ قبل أنْ تصعد روحُ الوطن إلى بارئها، وأنْ يأخذ أرضَ الكنانة في أحضانه، ويلملم جراحَها قبل أن تتفكك أرضُها وينحسر نيلُها، ويستولى الآخرون على نصيبِها من المياه، وتتحول مصر إلى ساحة حرب داخلية نتيجة التعصب والكراهية.
أحلم برئيس يضع مبارك وأسرتَه وزبانية السلطةِ وداعمي الطغيان وخط الدفاع الأول عن الاستبداد في العقود الثلاثة المنصرمة من المستشارين والوزراء وكبار الإعلاميين ورؤساء تحرير صحف النفاق القومية ومثقفين وكُتاب وروائيين وأكاديميين ومحافظين خلف القفص في محكمة شعبية بتهمة محاولة اغتيال وطن، وتخريب أمة، ونهب دولة، واهدار طاقات، وتهجير أدمغة، وتفريغ مصر من خيراتها.
أحلم بانتفاضة أبطال العبور، أو عصيان مدني، أو ثورة العمال والطلاب، أو غضب الجوعى، أو ثأر الذين لم تعد كرامتهم تتحمل المزيدَ من المهانة، أو بطل بجوار الرئيس استيقظ ضميرُه فجأة إثر اكتشافه أنه يحب مصرَ حُبّاً حقيقيا، وليس كرويّا، وأنه الرجلُ الذي تنطبق عليه معظمُ شروط أحلامي!
ولكن كيف لي أنْ أحلم إذا كان عشرات الملايين من أبناء بلدي لا يعرفون الفارقَ بين الحُلم والكابوس، ويظنون الجحيمَ جَنة، وأنَّ الكاذبَ سيتحول إلى صادقٍ، وأنَّ القاتلَ أو أحدَّ ولديه سيقنع الملائكة بالتحليقِ فوق مصر من جديد!
ومع ذلك فلا أملك إلا الحلم، ترى من يشاركني أحلامي كاملة غيرَ منقوصة؟
هذا كان حلمي منذ ثلاثة أعوام!
وانزاح مبارك، وتحدثت الدنيا عن شباب زي الورد يعطون للعالم دروساً في عبقرية التمرد والثورة، لكن لصوص الثورات كانوا لشبابنا بالمرصاد، وتحالف خصوم الوطن من عسكر وطائفيين متشددين وفلول عفنة تربت في حظيرة مبارك ولصوص يتمسكون بكل مليار سرقوه من المغارة بمعرفة المخلوع وزوجته وابنيهما و( كل رجال الرئيس )!
الكعكة تغري، واستمارة الترشح لا تحتاج لأكثر من تقبيل يد المشير كما فعلت وزيرة سابقة مع سيدة مصر الأولى، أيضا سابقاً!
والمرشحون سيتسللون إلى مكتب المشير، ويــُقسم له كل منهم أنه سيكون الخادم الأمين والمطيع، ولن يحاسب الرتب العسكرية على ما قدموا وما أخروا من ذنوب، ولو لم يغفر الله لهم فإن فخامة الرئيس الجديد سيغفر لهم ما تقدم وما تأخر و.. ما في النية!
أشعر بخجل شديد وأنا أقرأ لكبار مثقفينا ومحللينا وفضائيينا ومفكرينا وهم يقارنون بين مرشح وآخر، ويفضلون الذئب على الضبع، واللص على الحرامي، والمنافق على الأفاق، والوصولي على الجبان، ومن ركع لمبارك على الذي سجد له، ومن يعرف أسرار الخارجية على من يعرف خبايا الداخلية.
لا تحدثوني عن صفات ومميزات وبرنامج أي مرشح، ولكن حدثوني عن مصر، وأرضها، وتاريخها، وفواجعها، وديونها، ومنهوباتها، وأزماتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والمائية والحدودية، وجروحها التي لا تندمل إلا بمعجزة، ورذاذ الفتنة الطائفية الذي تناثر في كل مكان، ثم قولوا لي عن اسم واحد من هؤلاء العشرات يستطيع أن يحل مشكلة مصرية أصغر من فأر وأكبر من بعوضة!
نقطة التفاؤل الوحيدة التي أراها هي عدم ترشح شعبولا وسماح أنور ونبيل لوقا واللمبي لرئاسة الجمهورية!
سباق الرئاسة يرتدي فيه العجائز ثياب الشباب، ويزعم فيه الفلول أنهم من مواليد ميدان التحرير، ويقسم السلفيون والإخوان أنهم دعاة الثورة، ويتبجح الوقحون بأن أعضاء المجلس العسكري هم حماة الثورة الحافظون لأرواح شبابها.
لازلت أحلم بالرجل الذي أتمناه رئيساً لمصر، وزعيما ينتشلها من مستنقع يعبث فيه وفي جسدها الطاهر مسعورون يرفعون شعارات وطنية ودينية وأخلاقية، وعيونهم على القصر والسلطة والبنك!
لن يخفت أملي ولو تراقصت الحروف فوق كلماتي كأنها كــُرات من اليأس، ولن يبهت حلمي مادمت مؤمنا برحمة الله وعنايته ووقوفه مع المصريين إذا وقفوا مع وطنهم وأنفسهم.
لست على استعداد لمقايضة رئيس مزيف برئيس حلمت به طوال ثلاثين عاماً ولم تأذن عبقرية الاختيار الشعبي بظهوره بعد!
لذا فأنا أنتخب هذا الرجل الذي في مخيلتي رئيساً وزعيماً ومنقذاً ومستقلا وحراً وعاشقا لمصرنا الصابرة.
ولا يزال البحث جارياً عنه!
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو في 11 مارس 2012