كتاب (الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ).
الباب الأول : (الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فى الاطار النظرى )
الفصل الأول : ( الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر اسلاميا وقرآنيا )
ثانيا : تأصيل مصطلحات الأمر والنهى ، والمعروف ، والمنكر قرآنيا :
تأصيل مفهوم الأمر قرآنيا :
يأتى معنى (الأمر) فى القرآن فى ثلاثة موضوعات رئيسة : بمعنى الشأن ، وبمعنى الخلق والحتميات وبمعنى الأمر التشريعى.
الأمر الحتمى :
مرتبط بالخلق والحتميات التى يخضع لها البشر ، وليسوا مساءلين عنها يوم القيامة . وفى هذا يقول رب العزّة :(بَدِيعُ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) (البقرة 117 )( إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) ( يس 82 ).
الأمر بمعنى الشأن الخاص بالموضع المراد فى السياق:
فعن موقف المسلمين فى غزوة(أحد) يقول جل وعلا :(وَلَقَدْ صَدَقَكُمْ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ)(آل عمران 152)، ومنه (أولى الأمر) ،أى أصحاب الشأن المتخصصين فى الموضوع المراد. وقد جاء مرتين فى القرآن الكريم : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ )(النساء 59)(وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوْ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ )(النساء 83 ) .
ومنه أيضا فرض الشورى فى كل (أمور المسلمين)،أو كل شئون المسلمين:(وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ )(الشورى 38)(فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ )( آل عمران 159 )
ونتوقف بالتفصيل مع الأمر التشريعى :
الأمر التشريعى
1 ـ وهو يشمل الامر والنهى معا ، ويأتى هذا بلا لفظ الأمر والنهى مثل (إتبعوا ولا تتبعوا):فى قوله جل وعلا ( اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ )( الأعراف 3 ).
2 ـ وقد يأتى الأمر والنهى معا بلفظهما كقوله جل وعلا : ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ) ( النحل 90 ).
3 ـ وقد يأتى الأمر التشريعى للنبى بلا إستعمال للفظ الأمر كقوله جل وعلا :( فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ )( محمد 19).
4 ـ وقد يأتى الأمر التشريعى للمؤمنين بلا إستعمال للفظ الأمر كقوله جل وعلا: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً ) ( الأحزاب 40 : 43 ) .
5 ـ وقد تأتى أوامر مباشرة للناس باستعمال لفظ الأمر كقوله جل وعلا :(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا )( النساء 58)( ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ )( الطلاق 5 )
6 ـ وقد تأتى أوامر مباشرة للرسل باستعمال لفظ الأمر ويعلنها الرسول مثل (إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ)(النمل 91 )(قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ)(الزمر 11 ـ )(قُلْ إِنِّيَ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ )(الانعام 14)(قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ َ)(الانعام 162 : 163 ) . أو يذكّره بها ربه : (فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ)(الشورى 15)
5 ـ ويأتى الأمر والنهى للرسول وقومه معا:( فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْا) (هود112 ) ويأتى الأمر للرسول وقومه معا (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا)(طه 132) ( وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا )( الاعراف 145)
6 ـ الرسل والصالحون كانوا يأمرون أقوامهم وأهاليهم بالهدى والخير والصلاة، قال رب العزة عن اسماعيل :( وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ )( مريم 55 ) ، وقال جلّ وعلا عن اسحاق ويعقوب وذريتهم :( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا )(الانبياء:73) . والنبى صالح قال لقومه ثمود:(وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ)(الشعراء 151)،وقال جل وعلا عن الصالحين من بنى إسرائيل :( وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا)( السجدة 24 ).
7 ـ وتنفيذ شرع الله جل وعلا وأوامر الله جل وعلا وإجتناب نواهيه متروك للبشر إختبارا لهم فى هذه الحياة الدنيا. وعلى أساس حريتهم فى الطاعة أو المعصية فى هذه الدنيا سيلقون يوم الحساب جزاءهم ، إمّا خلودا فى الجنة أو خلودا فى الجحيم .
ومن هنا نتدبر موضوع أمر الأطفال بالصلاة ، فقد كان اسماعيل يأمر أهله بالصلاة والزكاة ( مريم 55 )، وكان محمد مأمورا بذلك أيضا ( طه 132 )، وهو أمر قولى بالنصح والارشاد والتفهيم والشرح باسلوب يحبّب الطفل فى العبادة ، ويجعله يعتاد عليها ويعيش ملتزما بها شأن أى مؤمن يتقى الله جل وعلا ويلتزم بالطاعة ويصلّى خاشعا لله جل وعلا.العبادات بالذات لا مجال فيها للإكراه ، لأنها مبنية على إخلاص القلب لله جل وعلا ومسئولية كل إنسان على عمله إن صالحا وإن فاسدا . ولا يقبل الله جل وعلا الرياء فى الصلاة أو فى العبادة ، كما يعفو عمّن يتعرّض الى الاكراه ليرغموه على الكفر أو العصيان . هذا يخالف الدين السّنى القائم على الاكراه فى الدين وقتل تارك الصلاة ، وضرب الأطفال الصغار حتى يصلّوا .
8 ـ ومن خلال الأوامر والنواهى يأتى مصطلح الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر .
يأتى أمرا مباشرا للمؤمنين :(وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ )( آل عمران 104 )، وقد يأتى أمرا ضمنيا بطريق غير مباشر، كقوله جل وعلا : (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ) ( آل عمران 110 )
النهى عن إتّباع خطوات الشيطان أهم ملامح الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر
1 ـ ومن أهم ملامح المر بالمعروف والنهى عن المنكر يأتى النهى عن إتّباع الشيطان ، فمن مكر الشيطان أن يجعل العاصى يبرر عصيانه باستحلال ما حرّم الله جل وعلا كما يحدث من الارهابيين الذين يقتلون الأبرياء عشوائيا ويجعلون جهادهم فى قتل النفس البريئة التى حرّمها الله جل وعلا . والشيطان يتسلل الى من يزعم تقوى الله فيجعله يبالغ فى التحرّز الى درجة تحريم الحلال فى الطعام وفى الزى ، أو يحول المباح الى واجب مثل فرض النقاب واللحية على أنها فروض دينية .هنا يوقعهم فى الاعتداء على حق الله جل وعلا فى التشريع ، وفى المزايدة على شرع الله جل وعلا،وهذا منهى عنه وفقا لما جاء فى بداية سورة الحجرات. الله جل وعلا يحذّر مقدما من إتّباع خطوات الشيطان ، وهو تعبير مجازى شديد الايحاء رائع البلاغة والاعجاز ، فنحن لا نرى الشيطان ولا نرى خطواته ، ولكن المراد أن المحرمات إستثناءات مذكورة بالنّص ، وكذلك الفرائض ، وما بينهما مباح حلال . وبالتالى فمن يتعدى الى تحريم حلال مباح أو فرض مباح وجعله واجبا أو استحلال حرام إنّما هو يتتبع خطوات الشيطان ، ويتحوّل من مجرم عادى الى مشرك كافر عريق فى الاجرام . وهنا الفارق بين القاتل العادى الذى يمكن أن يتوب وبين القاتل الارهابى الذى يقتل الناس معتقدا إنه يجاهد فى سبيل الله جل وعلا وبالتالى فمستحيل توبته،لأن الشيطان أقنعه إنه يطبّق شرع الله جل وعلا . ومن هنا تأتى خطورة الأديان الأرضية التى تشرّع القتل على إنه جهاد وتشرّع الاغتصاب على أنه سبى وتشرّع السرقة والسلب والنهب على أنها غنائم حلال . وهذا هو أفظع أنواع المنكر .
2 ـ يقول جل وعلا محذرا من البداية من إتباع خطوات الشيطان فى تحريم الطعام الحلال خارج المحرمات المنصوص عليها :( يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالاً طَيِّبًا وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاء وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ )( البقرة 168 ـ )، كما يقول أيضا محذّرا من خطوات الشيطان الذى يأمر بالمنكر وينهى عن المعروف :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ )(النور 21 ) .
3 ـ إن العرف أو المعروف هو الخير الفطرى داخل كل إنسان ، فكل إنسان داخله ضمير يعرف به الخير والشّر ، ومهما حاول ان يبرر لنفسه العصيان والظلم ويقدم لها المعاذير والحجج بالباطل فهو فى داخله ميزان يبصر به الحق والعدل ـ لو أراد . يقول جل وعلا:(بَلِ الإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ)(القيامة 14: 15). ومعرفة العدل غاية فى البساطة، فما يرضاه الانسان لنفسه يرضاه لغيره ، وما يرفض حدوثه لنفسه يرفض حدوثه لغيره ، فكما لا يرضى أن يصفعه أحد على وجهه ظلما وعدوانا فيجب أن يرفض هو أن يصفع أحدا على وجهه ظلما وعدوانا . هذا هو ما ينبغى أن يكون ، وهذا هو المعروف أو العرف ، وفوقه الاحسان أو العفو عن المسىء ـ فالعدل هو جزاء السيئة بمثلها ولكن العفو والاحسان هو العفو عن المسىء ، وفى الاسلام الجانبان معا ، يقول جل وعلا :( خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ) ولتناقض العرف والعفو والاعراض عن الجاهلين مع شرع الشيطان وخطوات الشيطان فإنّ الله جلّ وعلا يقول فى الآية التالية :(وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) ، أى الاستعاذة بالله جل وعلا من نزغ الشيطان والاستعانة على الشيطان ومكائده بربّ العزة ، وهذا هو حال المتقين ، الذين إذا حاول الشيطان التسلل الى قلوبهم تذكروا رب العزة واستعاذوا به من الشيطان فانتبهوا وأبصروا ونجوا من الوقوع فى العصيان ، يقول جل وعلا فى الآية التالية:(إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ ) أما أخوان الشياطين فقد تحكم فيهم الشيطان وذريته فزيّن لهم الحق باطلا والباطل حقا وجعلهم يتطرّفون فى الغىّ بتشريع الغىّ وجعله ليس فقط حلالا بل فريضة مثل جهاد الارهابيين فى عصرنا ، يقول جل وعلا عن إخوان الشياطين: (وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لاَ يُقْصِرُونَ )(الاعراف 199: 202 ).
الأمر بالمنكر والنهى عن المعروف فى الدين الشيطانى الأرضى
1ـ البداية فى رفض ابليس السجود لآدم فلعنه الله جل وعلا وطرده من الملأ الأعلى : ( قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ )(الأعراف 12 : 13 ). إستكبر ّابليس وأعلن إنه سيضلّ ذرية آدم بكل طريق :( لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ) أى سيحرّف لهم دين الله جل وعلا بأن يوحى لأتباعه دينا أرضيا:( ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ)(الأعراف 16: 17) ، وسيقرن لهم الضلال بتمنى الشفاعات ليشجعهم على العصيان وإتّباع أوامرالشيطان(وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ )( النساء 118 : 119 ).
2 ـ لذا حذّرنا رب العزة من مكائد الشيطان حتى لا ننخدع به كما حدث لآدم وحواء فهبطا الى الأرض:(يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ ). ولكن خدع الشيطان بوحيه المزيف أغلبية البشر فأصبحوا أولياءه، فإذا فعلوا فاحشة عللوها بالاقتداء بالسلف أو ما وجدوا عليه آباءهم، أو ينسبونها الى شرع الله ، كما يفعل الارهابيون فى جهادهم المزعوم حين يزعمون أن الله جل وعلا هو الذى أمرهم بهذا ، أو كما كان يفعل صوفية العصرين العباسى والمملوكى حين كانوا يقترفون الزنا والشذوذ ويجعلون الفاحشة دينا ، ولهذا يردّ عليهم مقدما رب العزة فى الآية التالية : (وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ ). ويوم القيامة ينقسم أبناء آدم الى فريقين :( فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ )(الاعراف 27 : 30 )
أوامر الشيطان بالمنكر
1 ـ إذن هناك أوامر الشيطان ينفّذها أولياؤه ، وقد حذّر رب العزة مقدما من طاعة أوامر الشيطان فقال لنا : (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ )( البقرة 268 ) . ولكن يعصى أولياء الشيطان أوامر رب العزة ويتبعون إبليس ، ويجعلون أوامره شرعا يأمرون به الناس ، ينطبق هذا على البخلاء الذين يأمرون الناس بالبخل طاعة منهم للشيطان وولاء له،يقول جل وعلا:(الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا وَالَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَن يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاء قَرِينًا)(النساء 37 : 38 ) .ويحدث هذا فى كل زمان ومكان .
2 ـ وبتأثير منافقى الصحابة شاعت النجوى والتناجى مع إن النجوى بالمعصية من الشيطان، قال جل وعلا : ( إِنَّمَا النَّجْوَى مِنْ الشَّيْطَانِ) ( أَلَمْ تَرَى إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنْ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ )(المجادلة 8 ،10). وإستثنى رب العزة منها التناجى بالأمر بالمعروف وتقديم الصدقة والسعى فى الاصلاح ابتغاء مرضاة الله جل وعلا:( لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا )(النساء 114 ).
3 ـ ومع أن التحاكم يجب ان يكون لكتاب الله فإن من الصحابة من كان يحتكم الى الطاغوت طاعة للشيطان فقال عنهم رب العزة :(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيدًا)(النساء 60 ).
4 ـ ولذلك تخصص منافقو المدينة فى الأمر بالمنكر والنهى عن المعروف طاعة للشيطان : (الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ ) وعلى النقيض كان مؤمنو الصحابة:(وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ )(التوبة 67 ، 71 ).
5 ـ ونفس الحال مع أهل الكتاب . كان منهم من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر:(لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلَن يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ )( آل عمران113 ـ )وبعضهم تطرّف فى الأمر بالمنكر والنهى عن المعروف الى درجة قتل الأنبياء وقتل دعاة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فتوعّدهم رب العزة هم ومن على شاكلتهم بالعذاب الأليم :( إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ)( أل عمران 21 ).
6 ـ جاءتهم الكتب السماوية بالبيّنات فاختلفوا وتفرقوا وتناسوا أوامر رب العزة واتبعوا أوامر الشيطان :( وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ )( البينة 4: 5). وحدث هذا مبكرا فى عهد موسى بعد أن أخذ الله جل وعلا عليهم العهد والميثاق ورفع فوقهم جبل الطور فما لبث أن عبدوا عجل أبيس الفرعونى :( وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُواْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ )(البقرة 39 )، ثم تطرف بعضهم فقدسوا المسيح والأحبار والرهبان والأئمة :( اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ) (التوبة 31). وبعد الفتح العربى دخلوا فى الاسلام وهم محمّلون بتراثهم غير المقدس فى تقديس البشر والحجر وفى طاعة الوحى الشيطانى فما لبث أن أعادوا نفس التقديس ونفس التزييف تحت غسم الاسلام وبمجرد تغيير الأسماء والأشكال مع الاختفاظ بالمضمون.
7 ـ وقبلهم أطاع قوم فرعون أوامره فسيكون رائدهم فى الدخول الى النار يوم القيامة :( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُواْ أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ )(هود 96ـ ). وفى لهيب الجحيم وعذاب سقر سيلوم الأتباع المستضعفون كبراءهم الذين كانوا يأمرونهم فى الدنيا بالكفر :( وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَن نَّكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَادًا ) (سبأ 33 ) .
8 ـ وشتّان بين الفريقين ، يقول جل وعلا عن الفائزين يوم القيامة :( وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ الصَّلاةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ سَلامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ)،ويقول عن الخاسرين:( وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ )( الرعد 21 : 25 ). وصدق الله العظيم .!!
أخيرا :
1 ـ الاسلام أوامر ونواهى جاء موجزها فى الوصايا العشر . والبشر أحرار فى الالتزام بها أو فى عصيانها ، وسيحاسبون على حريتهم فى الطاعة أو المعصية. وليس الاسلام مسئولا عما يفعله البشر إن أطاعوا أو إن عصوا، هم إن أطاعوا فلأنفسهم وإن عصوا فعلى أنفسهم .ولكن التخلّف المزمن لدى بعض الناس يجعل الاسلام هو المسلمين ويحمّل الاسلام أوزار المسلمين لأن متخلفين آخرين يرون أنفسهم بتطرفهم وبارهابهم وبأديانهم الأرضية يمثّلون الاسلام .
2 ـ والتخلّف أنواع ..وكذلك الجنون ..
ولو قمت بزيارة مستشفى المجانين ـ عزيزى القارىء ـ ستجد أقساما متنوعة للجنون ، ولكن ينسون إفتتاح أقسام لأفظع أنواع الجنون : جنون الدين ..الأرضى ..!!