تناقلت الأخبار مؤخراً تقارير صحافية من الأردن، تشير إلى الانهماك الشعبي والرسمي الأردني بقضايا الفساد المستشري في كافة قطاعات الدولة.
وكان في هذه التقارير ما يضحك وما يبكي، في الوقت نفسه.
ومن هذه التقارير:
▀ "الذهاب الى انتخابات حرة نزيهة تأتي ببرلمان قوي، يطوي صفحة كل الممارسات الكارثية السابقة وعلى رأسها تزوير الانتخابات من قبل الاجهزة الامنية، مما افقد الشعب الثقة بهذه الممارسة الديمقراطية، وألحق ضرراً كبيراً بهيبة الدولة والعرش معاً."
والسؤال الملح:
كيف يمكن طي صفحة الممارسات الكارثية السابقة، وعدم تزوير الانتخابات من قبل الأجهزة الأمنية، ما دام النظام نفسه ما زال قائماً. وأن مثل هذه الإجراءات – إن تمَّت – ستكون بمثابة ذر الرماد في العيون، مما اعتاد النظام على القيام به في أزمات سياسية مختلفة. وما أن تنقشع سُحب الأزمة حتى "تعود حليمة لعادتها القديمة". وقد فطن الثوار في التاريخ لهذه الحقيقة. فكانت قد اقتلعت الثورة الفرنسية 1789 أسرة البوربون من جذورها، لإيمانها العميق بأنها غير قادرة على البقاء والإصلاح. واقتلعت الثورة الروسية الأسرة القيصرية من جذورها لعدم قدرتها على محاربة الفساد. وفي العالم العربي كان هذا حال الثورة المصرية 1952، وحال الثورة العراقية عام 1956، وحال الثورة اليمنية 1962. والقائمة تطول من الشرق والغرب.
وقال الشاعر العربي في الماضي:
إذا كان ربُّ البيتِ بالدفِ مولعاً فشيمةُ أهلُ البيتِ كلهمُ الرقصُ
ونحن نقول:
إذا كان ربُّ البيتِ للفسادِ حارساً فشيمةُ أهلُ البيت كلهمُ القنصُ
▀ ومما جاء في التقارير الصحافية قولها: "المقربون من الملك يقولون أنه مصمم على حلِّ البرلمان، وإجراء انتخابات عامة قبل نهاية هذا العام، كخطوة لامتصاص الاحتقان الشعبي، أو الجزء الأكبر منه، وتهدئة الأوضاع في البلاد، بينما تتحدث أوساط عون الخصاونة (رئيس الوزراء) عن عزم حكومته المضي قُدماً في خطوة مكافحة الفساد، ويؤكدون أن اعتقال الفريق محمد الذهبي رئيس جهاز المخابرات السابق بتهمة غسل الأموال هي خطوة أولى لاصطياد حيتان الفساد الكبار، الواحد تلو الآخر، وفتح ملفات كثيرة، من بينها ملفات تخصيص الشركات الكبرى العملاقة في البلاد، مثل البوتاس والفوسفات. وأن على المجتمع الاردني أن ينتظر مفاجآت عديدة في الأيام أو الأسابيع القليلة المقبلة."
والمضحك المبكي في هذه الفقرة، أن الملوك الهاشميين حلّوا برلمان الشعب عشرات المرات، فما الجديد؟
وأنهم أجروا انتخابات تشريعية عشرات المرات، وفي كل مرة يأتون بممثلين (أخس) من سابقيهم، فما الجديد؟
وهل الاحتقان الشعبي يمكن اليوم امتصاصه، كما فعلوا في السابق؟
وهل "الربيع العربي" يمكن وطأه، كما وطأ بشّار الأسد "ربيع دمشق" في عام 2000، وكانت النتيجة ما نراه في الشام الآن؟
إن فينومينولوجيا الثورة العربية تقول بأن "الربيع العربي" ليس إعلاناً لإسقاط الأنظمة السياسية القروسطية، ولكنها إعلان لانتهاء صلاحية هذه الأنظمة. بمعنى أن هذه الأنظمة لا تصلح للإصلاح، ولا لتركيب (نص نعل) لها.
من ناحية أخرى، فإن الأردن اليوم ليس الأردن في الماضي!
والمعارضة الأردنية التي كانت تُشترى في الماضي بوعود، وإجراءات سطحية، و(مناسف) عشائرية لم تعد تُباع بالثمن نفسه.
وأن فينومينولوجيا الثورة العربية، ليست مجرد احتقان شعبي بقدر ما هي إرادة تغيير، عصفت بالعرب، فجعلتهم كتلة من النار والنور، ولا مجال لإعادة هذه الكرة الى سيرة الفحم الأسود المُطفأ الأولى.
وكيف يريد عون الخصاونة المضي في محاربة الفساد، بينما القصر – الذي جاء به من منصة القضاء الدولي - لا يريد ذلك. ولكن يبدو أن "أيام" الخصاونة قد أصبحت معدودة، وسوف يعود الى منصة القضاء الدولي من جديد فيما لو (ركب العناد، وأخذ مسألة الفساد جد). فمن أتى به من هناك، سيعيده الى هناك (ويا دار ما دخلك شر).
لقد نسي الخصاونة بيت الشعر القديم القائل:
إذا كان ربُّ البيتِ بالدفِ مولعاً فشيمةُ أهلُ البيتِ كلهمُ الرقصُ
ويبدو أن الخصاونة يتردد حتى الآن بالرقص مع الراقصين. كما نسي ما قلناه الآن:
إذا كان ربُّ البيتِ للفسادِ حارساً فشيمةُ أهلُ البيت كلهمُ القنصُ
▀ وفي جانب آخر، تقول هذه التقارير: " فعندما تصل ديون البلاد الى أكثر من 16 مليار دولار، وهو رقم كبير بكل المقاييس في دولة لا تملك الموارد اللازمة أو الحد الادنى منها، مثل النفط والغاز، وتفتقر الى الصناعة النشيطة، او الانتاج الزراعي القابل للتصدير في ظل منافسة شرسة من دول أكثر تقدماً وغزارة في الانتاج.. نقول عندما تصل الديون الى هذا الرقم، فان هذا يعني أن هناك أزمة حقيقية تتطلب مواجهتها شجاعة وجرأة."
إن رقم الديون( 16 مليار دولار) رقم متواضع جداً، فيما لو علمنا:
1- أن مصاريف العائلة المالكة في الأردن أكبر من مصاريف العائلة المالكة في بريطانيا.
2- أن العطايا والهدايا والمطايا التي تقدمها دول الخليج، والاتحاد الأوروبي وأمريكا وغيرهم من المحسنين المتصدقين، تذهب معظمها إلى جيوب المنتفعين من الملأ الأعلى. ولعل دماء المليار دولار التي استقال على أثرها الشريف "فارس شرف"، محافظ البنك المركزي، لم تجف بعد.
3- إن بيع أملاك وأراضي الدولة (كما فعل باسم عوض الله، رئيس الديوان الملكي السابق) لتسديد الدين الخارجي العام، كانت كلها أكاذيب وسرقات وعمولات، طارت بها الغربان الى طاولات القمار في جنوب أفريقيا، بعيداً عن عيون الرقباء، وصحافة الفضائح في لندن، وباريس، وكان، ونيويورك. ولم يتم تسديد ديون الدولة بل زاد الدين العام عاماً بعد عام. ويتوقع خبراء اقتصاديون أن يستمر ارتفاع الدين العام خلال عام 2011 ليتعدى 17 مليار دولار. وأكدت بيانات سابقة لوزارة المالية الأردنية، أن الدين العام قفز من 12 مليار دولار نهاية 2008، إلى 13.6 مليار دولار نهاية 2009.
▀ ومن ناحية أخرى تقول التقارير: "يزدحم الاردن بأعداد كبيرة من المليارديرات ناهيك عن آلاف المليونيرات، أثرى معظمهم من تسهيلات كثيرة منحتها لهم الدولة، كان بعضها غير قانوني، وكان بعضها الآخر طابعه الجشع، والتغوّل في سرقة عرق الفقراء والمعدمين الذين يعيش حوالى مليون منهم تحت خط الفقر."
ولا نملك في هذا المقام إلا أن نردد:
إذا كان ربُّ البيتِ للفسادِ حارساً فشيمةُ أهلُ البيت كلهمُ القنصُ
▀ وتُختتم هذه التقارير بالقول: " وصلت الفوارق الطبقية بين الاغنياء والفقراء في الاردن الى معدلات مرعبة تهدد بانفجار ثورة جياع حقيقية، اذا لم تتخذ اجراءات سريعة لتطويق أخطارها. وما اتخذ حتى الآن من اجراءات، مثل زيادة أسعار الكهرباء في أحياء الأغنياء، أو رفع نسبة ضريبة الدخل لا تزال سطحية، ذات آثار محدودة."
وتعليقنا على هذا الكلام:
1- هذه الفوارق ما زالت قائمة منذ الخمسينات من القرن العشرين الماضي، ولم تقم السلطة الحاكمة برؤساء وزاراتها التسعين الذين تتابعوا على الحكم بأي إجراء من شأنه إزالة هذه الفوارق. بل ازداد الفقراء فقراً وازداد الاغنياء غنىً. وازداد عدد الفقراء، وازداد عدد الأغنياء كما يشير التقرير أعلاه. وكان هَمُّ الملك السابق شراء أكبر عدد من القصور في أوروبا وأمريكا. وكذلك فعل الملك الحالي و(طز) في الأردن، وأهل الأردن، كما سبق وقال مرشد الإخوان المسلمين المصري السابق (محمد عاكف) (طز في مصر، وأهل مصر).
2- لقد قامت ثورة الجياع في الأردن بمظاهرات عام 1989 فماذا فعلت السلطة؟ (شوية) مسكنات، إجراء الانتخابات المزورة المعروفة، والسماح لبعض الأحزاب العشائرية والقبلية بالعمل، وإطلاق سراح بعض السجناء السياسيين في مسرحيات سياسية مضحكة (إطلاق الملك حسين لليث الشبيلات مثالاً).
3- تقول بعض التقارير إن العائلة المالكة الأردنية تستهلك 20% من كهرباء عمان، بقصورها وفيللها، وبيوتها الفخمة. وهي لا تدفع ثمن هذه الكهرباء، كذلك فإن "علية القوم" (رؤساء الوزارات السابقون، والوزراء السابقون، ورؤساء الديوان الملكي، ومدراء المخابرات، وقادة الجيش، والسفراء السابقون، وأعضاء مجلس الأعيان، وكبار الأغنياء المقربين من القصر لا يدفعون فواتير الكهرباء) كما أن هؤلاء جميعاً – وهم يزدادون يوماً بعد يوم – لا يدفعون فلساً واحداً للضريبة. فكلهم معفيّون من الضريبة. وهو السبب الرئيسي في إفلاس الدولة الأردنية، كما تشير التقارير المختلفة.
السلام عليكم.