أولا
1 ـ أمس فى جلسة مع مجموعة من الشباب المصرى المغترب والناشط كنا نستمع بحسرة الى حوار أحد اللواءات فى برنامج ، كانوا يضحكون على كلامه الغريب ، وكنت بين الحسرة والتعجب والألم أشاهد كيف وصل المستوى الثقافى والأخلاقى لجنرال فى الجيش المصرى ، يتكلم بكل حرارة وهو يكذب علنا ، ويصمم على ما يقول وهو يفترى جهلا . يتكلم كأنه يعتبر المستمعين المصريين جنود أمن مركزى عليهم تصديقه مهما قال . سألت نفسى ما هى الخبرة التى يتمتع بها هذا اللواء والتى رشحته الجهات المعنية ليتكلم متحدثا باسم العسكر ؟ وتذكرت رئيسهم المشير طنطاوى وفضائحه وهو يتهته ببضع كلمات بالعامية المصرية ومع ذلك يتلعثم ويحتاج الى رئيس الأركان سامى عنان ليهمس له بالكلمات ليكمل حديثه ..
يا للعار .. هل هذه هى مصر .. يا للعار .. هل هذه هى القيادة العسكرية المصرية ؟ مصر التى قادت حضارة العالم وأسّست أقدم دولة فى العالم لا تزال مستمرة مستقرة .! مصر التى كانت أول دولة أقامت امبراطورية وأول دولة تخضع لاستعمار وافد ! وأول من أبحر للتجارة الدولية ! ، وأول من أعطى المرأة حق أن تكون فرعونا ! مصر التى مصّرت كل وافد اليها من ثقافة ومن بشر ..مصر التى قادت العرب وقدمت للعالم فى العصر الحديث والمعاصر علماء وروادا فى السياسة والثقافة والفكر والعلم والفنون والسينما والصحافة والأدب .. مصر هذه يحكمها الآن هذا المشير وعصابته ، مجموعة جنرالات لا تعرف من العسكرية سوى سلب أموال المصريين وقتلهم وإقامة مذابح لهم .
2 ـ قلت لابنائى من الشباب المصرى : إن كل ما فعله مبارك بمصر والمصريين من سرقة وسلب ونهب وتعذيب ـ ما ظهر منه وما خفى ـ يهون بالمقارنة لما فعله بالجيش المصرى . قام مذ كان نائبا للسادات بإغتيال الفريق أحمد بدوى وزير الحربية ومعه مجموعة القيادات الوطنية للجيش المصرى فى حادث طائرة مدبّر ، فأتاح الفرصة لترقية أبى غزالة ووصوله ليكون وزيرا للحربية ، وفى النهاية تم إغتيال السادات نفسه فى حضور أبى غزالة ومبارك وقادة الجيش والمخابرات ، ولم يتم تقديم أحد منهم للمحاكمة بتهمة التقصير ، بل تمت ترقيتهم وتصعيدهم . ثم تخلّص مبارك من رفيقه أبى غزالة بمساعدة أمريكا فانفرد مبارك بالجيش وتحكّم فيه ليفرغه من كل العناصر الوطنية والشريفة والمؤهلة علميا وعسكريا . وأصدر قانونا يحصر الترقية الى الرتب العليا بالاختيار لمن يكون الأكثر ولاءا لمبارك ، ليس للأكثر كفاءة فى العسكرية،بل لأكثر كفاءة فى البزينيس، أى السرقة والتهليب . وبهذا وصل الى قيادة الجيش المصرى أسوأ عناصره ، وظل يحكمه هذا الطنطاوى وزمرته حوالى ربع قرن ، ولم يحدث حسب علمى أن ظلّ شخص وزيرا للحربية فى نظام حكم محترم حوالى ربع قرن . حدث هذا فى سوريا الأسد ( اللواء طلاّس ) وفى مصر مبارك ( المشيرطنطاوى ) .
هل المشير طنطاوى عبقرية عسكرية تتوارى أمامها أعظم قادة الجيوش من تحتمس الثالث ورمسيس الثانى الى يوليوس قيصر وخالد بن الوليد وطارق بن زياد وصلاح الدين الأيوبى وبيبرس ومحمد الفاتح ونابليون بونابرت وروميل و ماك آرثر ومونتجمرى ؟
ليس فى سجل المشير طنطاوى أى تميّز فى خدمته فى الحروب التى خاضتها مصر ..بينما تفخر مصر بعبقريات حربية شامخة من الفريق الشاذلى الى الجمسى وأحمد بدوى . عبقرية المشير طنطاوى وانتصارته المجيدة ظهرت عسكريا فى المذابح التى قادها للمصرين العزّل الذين أوصلوه وزمرته الى الحكم ، وستظهر نوعية أخرى من عبقريته حين يتم الكشف على حجم السلب والنهب والسرقة التى ارتكبها طنطاوى وزمرته خلال ربع قرن الأخير.
3 ـ لن نتكلم عن تردى سياسة العسكر فى مصر وهم المستبدون بحكمها ؛ إرتكبوا فضائح سياسية وتشريعية داخل مصر ، وارتكبوا فضائح مبكية مضحكة فى موضوع التمويل الأجنبى من الإستئساد بغير حقّ الى الاستنعاج أيضا بغير حق .!
ولكن الأفظع هو تغيير العقيدة العسكرية للجيش المصرى بحيث يستحل قتل المصريين وهتك حرمة المصريات وتعذيب المصريين والمصريات بوحشية لا تعرفها اسرائيل فى تعاملها مع أعدائها من الفلسطينيين. علاج هذا المرض الذى تشربه الجيش خلال حكم مبارك وطنطاوى سيحتاج الى تأهيل كامل بحيث يظل يشعر الجيش المصرى القادم بالعار لما أجرمه مبارك وطنطاوى بشرف العسكرية المصرية .
4 ـ وسمعت غرائب من بعض الشباب الذين أدّوا الخدمة العسكرية وخرجوا منها (بدروس) لا تنسى .!! . قال بعضهم إنه كان يعمل فى سلاح الدفاع الجوى،وقد حكى له الضابط المختص إن اسرائيل كان لها نظام رادار متقدم فى حرب 1967 تمكنت به من تعطيل الطائرات المصرية . وأن الجيش المصرى ـ فى وقت خدمة الشاب المصرى ـ توصل أخيرا الى استعمال النظام الاسرائيلى بعد اربعين عاما ، أى هناك فارق فى تحديث السلاح يبلغ حوالى أربعين عاما . وقال الشاب : انهم وهم فى مرحلة التدريب الأساس قيل لهم إن المطلوب من كل عسكرى ( مؤهلات ) أن يحافظ على أجازاته الشهرية وعلى ألّا يقع فى جزاءات حتى يتخرج ومعه شهادة تقدير ، وقال أنهم خلال فترة الخدمة لم يتدربوا على أى شىء ، مجرد تمضية وقت الفراغ وانتظار الاجازة بعد أخرى ، حتى تنتهى مدة الخدمة العسكرية وخرجوا منها وهم لايعرفون كيفية استعمال السلاح الذى تخصصوا فيه . وقال الشاب : إن همة الضابط المشرف على المعسكر كانت فى البيزينيس باشرافه على الكانتين وتلاعبه بالأسعار وتحقيق مكسب شهرى من الجنود،وقال آخر إنه القائد للمعسكر كان يهوى القيام بإنشاءات فى المعسكر وفى المنطقة التابعة له حتى يحقق منها عمولات ، وفى كل الأحوال فلا يحاسبهم أحد . وهذا على المستوى المتوسط من الرتب العاملة فى المعسكرات . أما الرتب العليا المشرفة على التسليح وعلى الأنشطة الاقتصادية للجيش والتى تتحكم فى مئات البلايين دون أن يحاسبها مجلس الشعب فحدّث ولا حرج . المضحك المبكى ما قاله هذا الشاب .. قال إنهم وزعوا عليهم فى مركز التدريب الأساس ورقة بها حقوق كل مجنّد ، ومن هذه الحقوق أن لكل واحد منهم نصف فرخة يوميا لغذائه . وقال إنهم خلال مرحلة التدريب لم يذوقوا هذه الفراخ مطلقا . أى أن السادة الضباط فى المعسكر أكلوا حق كل المجندين فى الفراخ . وتبارى الشباب فى معرفة ثمن الفراخ لكل مجند دخل الجيش خلال ربع قرن مثلا ، وبالتالى كم سرق الضباط من العسكر ـ حرامية الفراخ .!!
أخيرا
1 ـ لا مفرّ من إعادة تأهيل الجيش المصرى والبدء بنقطة الصفر . إعادة تأهيله عقيديا وثقافيا وسلوكيا ومهنيا ، بحيث يتم إلغاء التجنيد الالزامى ، وأن يوضع حدّ أعلى لخدمة القيادات وسنّ الاحالة للمعاش .وإلغاء الأمن المركزى ، وتكوين جيش محترف مؤهل يواكب المستجدات التكنولوجية فى العالم .
2 ـ إصلاح تشريعى لقوانين الجيش وفى التشريع المصرى لتحدد بدقة وبوضوح دور القوات المسلحة فى حماية الوطن والنظام الديمقراطى دون أدنى تدخل فى السياسة ، مع إخضاع ميزانية الجيش المصرى لمراقبة ومساءلة البرلمان المصرى وهيئاته الرقابية، ومع إشراف البرلمان على التسليح وموافقته على إختيار القيادات العليا .
3 ـ حتى يتحقق هذا لا بد من القيام بحملة توعيه على الانترنت تفضح الفساد الذى زرعه مبارك وطنطاوى فى الجيش المصرى . مطلوب من كل شاب خدم فى الجيش أن يحكى معاناته وما رآه من سرقة ونهب ، ليبدأ الوعى بأهمية تطهير القوات المسلحة المصرية وليستعيد الجيش المصرى شرفه العسكرى والوطنى .
السطر الأخير
جعلوا من الجيش خطّا أحمر ، ممنوع الاقتراب منه بالنقد ، وسلّطوا المحاكم العسكرية على المصريين المدنيين ممّن ينتقد مذابح الجيش للمصريين . جعلوا من الجيش إلاها لا يسأل عما يفعل . هذا عار لا يليق بدولة موزمبيق .. فهل يليق بمصر ؟